تُعد الشفة الأرنبية والحنك المشقوق من أكثر التشوهات الخلقية شيوعًا لدى المواليد الجدد، وتتطلب غالبًا تدخلًا جراحيًا عاجلًا لعلاجها. تتعدد الأسباب المؤدية لحدوث هذه الحالة، وسيتم في هذا المقال توضيح أبرز هذه الأسباب وطرق العلاج الجراحي المتوفرة لتصحيح شق الشفة والحنك في تركيا.
حيث أنه يولد بعض الأطفال بعيوب خلقية في الفم أو الشفتين، من أبرزها الشفة الأرنبية، أو ما تُعرف طبيًا بالشفة المشقوقة (cleft lip)، والتي قد تكون مصحوبة بشق في سقف الفم، ويُعرف هذا الأخير باسم الحنك المشقوق (cleft palate).
ما المقصود بالشفة الأرنبية المشقوقة؟
تبدأ الشفة العلوية بالتشكل لدى الجنين خلال الفترة ما بين الأسبوع الرابع إلى السابع من الحمل، حيث تنمو بروزات نسيجية على جانبي الوجه وتندمج في منتصف الوجه لتشكيل الشفة العلوية والأنف. في حال فشل هذا الاندماج، يظهر خلل خلقي يُعرف بالشفة الأرنبية (Cleft Lip)، وقد يتراوح حجم الشق من فتحة صغيرة في الشفة إلى شق يمتد حتى الأنف.
أما الحنك (سقف الفم)، فيبدأ بالتكون ما بين الأسبوع السادس والتاسع من الحمل. ويحدث الحنك المشقوق (Cleft Palate) عندما تفشل الأنسجة المكونة لسقف الفم في الاندماج الكامل بين الجهتين اليمنى واليسرى. وقد يظهر هذا الشق في الجزء الأمامي أو الخلفي من الحنك أو في كليهما، مما يؤثر على قدرة الطفل على الرضاعة والنطق في المراحل اللاحقة.

يمكن ملاحظـة وجود فتحات أو انشقاقات في الشفة العلوية أو الحنك لدى الرضيع مباشرة بعد الولادة، وتُعرف هذه الحالة بـ الشفة الأرنبية لأنها تُشبه من حيث الشكل الشفاه المنقسمة كما في فم الأرنب، وتتعدد أشكال الشفة الأرنبية والحنك المشقوق، ومنها:
- انشقاق في الشفة العلوية من جهة واحدة أو من الجهتين، وقد يبدو شكل الشفة مشابهاً لفم الأرنب.
- امتداد الشق من الشفة إلى اللثة والحنك، وقد يصل أحيانًا إلى قاعدة الأنف، مما يؤدي إلى اتصال بين تجويف الأنف والفم.
- شق في الحنك دون وجود خلل ظاهري في الشفة، وهي حالة تُعرف بالحنك المشقوق الخفي.
- فتحة في الجزء الرخو من الحنك فقط (في المنطقة الخلفية المغطاة بغشاء مخاطي داخل الفم)، وهذه الحالة قد لا تُكتشف إلا بعد ظهور أعراض مثل صعوبة الرضاعة أو اضطرابات النطق.
ما هي أعراض الشفة الأرنبية والحنك المشقوق؟
تعتمد أعراض الشفة الأرنبية والحنك المشقوق على شدة الشق وموقعه. في بعض الحالات، تكون العلامات واضحة منذ الولادة، بينما في حالات أخرى خاصة في الحنك المشقوق الخفي قد لا تُكتشف إلا بعد ظهور أعراض وظيفية. تشمل الأعراض الشائعة:
- وجود شق واضح في الشفة العلوية أو سقف الفم.
- صعوبة في الرضاعة الطبيعية أو الصناعية.
- تسرب الطعام أو السوائل من الأنف أثناء الرضاعة.
- تأخر أو اضطراب في تطور الكلام والنطق.
- التهابات متكررة في الأذن الوسطى، قد تؤدي إلى ضعف السمع.
- مشاكل في نمو الأسنان أو انتظامها، خاصة إذا امتد الشق إلى اللثة.
ما هي أسباب الشفة الأرنبية والحنك المشقوق؟
يحدث شق الفم أو الحنك نتيجة فشل في اندماج الأنسجة الوجهية المركزية خلال تطور الجنين، سواء بشكل جزئي أو كلي، مما يؤدي إلى تشكُّل فتحة في الشفة أو سقف الفم.
لا يزال السبب الدقيق وراء حدوث الشفة المشقوقة أو الحنك المشقوق غير معروف تمامًا حتى يومنا هذا. ومع ذلك، يعتقد الأطباء أن هناك عدة عوامل قد تلعب دورًا في ولادة أطفال مصابين بهذه التشوهات.
يرجَّح أن السبب يعود إلى تفاعل معقد بين عوامل جينية وبيئية، تعمل معًا على إحداث هذه الشقوق الخلقية.
حيث تشير الدراسات إلى أن بعض السلوكيات التي قد تقوم بها المرأة أثناء الحمل يمكن أن تُفعّل جينات معينة تؤثر على اكتمال نمو الأنسجة المسؤولة عن تكوين الشفة والحنك لدى الجنين.
من بين هذه السلوكيات ما يلي: التدخين، أو تناول بعض الأدوية بدون إشراف طبي، أو شرب الكحول، أو التعرّض للإشعاعات الضارة، وكلها عوامل قد تزيد من احتمال حدوث الشفة الأرنبية أو شق الحنك.
ومن جهة أخرى، يلعب العامل الوراثي دورًا مهمًا في كثير من الحالات، فقد تنتقل الطفرات الجينية من أحد الوالدين حتى في حال عدم وجود تشوهات واضحة لديهما.
وقد تظهر هذه الشقوق كحالة وراثية منفردة دون ارتباط بأي أعراض أخرى، أو قد تكون جزءًا من متلازمات خلقية أوسع تشمل أكثر من تشوه خلقي واحد.
إن وجود هذه الجينات لوحدها لا يعني بالضرورة حدوث الشق، بل غالبًا ما يكون هناك حاجة لتحفيزها بواسطة عوامل بيئية تُعرف بـ عوامل الخطرالتي تؤدي إلى تفعيل هذه الجينات الكامنة أثناء الحمل.

ما عوامل الخطر المؤدية لحدوث الشفة الأرنبية والحنك المشقوق؟
هناك عدة عوامل يمكن أن ترفع احتمالية إنجاب أطفال مصابين بالشفة الأرنبية أو شق سقف الحنك، منها:
- تعرض السيدة الحامل لمواد ضارة كالسجائر والكحول وبعض الأدوية، حيث تزداد فرصة حصول شقوق الشفة والحنك عند السيدات المدخنات أو اللواتي يشربن الكحول، كما أن استخدام بعض الأدوية خلال الأشهر الأولى من الحمل قد يزيد من خطر التشوهات الخلقية، وخاصة أدوية معينة مثل الفالبروات (Valproate).
- الوراثة العائلية، فوجود تاريخ عائلي للشفة الأرنبية أو الحنك المشقوق لدى أحد الوالدين أو في أسرة الأب أو الأم، يزيد من احتمالية نقل الطفرات الوراثية المرتبطة بالحالة إلى الجنين.
- الإصابة بالسكري غير المنضبط قبل أو في بداية الحمل، قد تزيد من فرصة حدوث تشوهات خلقية لدى الأجنة، خاصة إذا لم تتم السيطرة على مستويات السكر خلال الأسابيع الأولى من الحمل.
- تناول بعض الأدوية خلال الحمل لعلاج حالات مثل الصرع أو الاكتئاب، فقد ثبت أن بعض الأدوية، خصوصًا أدوية الصرع مثل الفالبروات، قد تسبب تشوهات إذا تم استخدامها في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل، لذا يُوصى بمراجعة الطبيب قبل الحمل أو في بدايته لتعديل العلاج إن لزم الأمر.
- السيدات اللواتي يعانين من السمنة المفرطة، حيث أشارت بعض الدراسات إلى وجود ارتباط بين السمنة الشديدة وارتفاع خطر ولادة أطفال مصابين بتشوهات خلقية مثل الشفة المشقوقة وسقف الحلق المشقوق، على الرغم من أن العلاقة لا تزال قيد البحث العلمي.
- أن فرصة حصول الشفة الأرنبية (cleft lip) تكون أعلى لدى الأجنة الذكور مقارنة بالفتيات، بينما يكون شق الحنك بدون شفة مشقوقة أكثر شيوعًا لدى الإناث.
- كما أن الشفة الأرنبية سواء مع الحنك المشقوق أو من دونه قد تكون جزءًا من متلازمات وراثية معروفة، مثل متلازمة دي جورج (22q11 deletion syndrome)، والتي تترافق مع طيف من التشوهات الخلقية في القلب والوجه والفك.
كيف يمكن الوقاية من الشفة الأرنبية والحنك المشقوق؟
عندما يولد الطفل بشق في الحنك أو الشفة، فإن ذلك يثير قلق الأبوين ويبعث مخاوف من احتمالية تكرار العيب الخلقي ذاته في الأحمال المستقبلية.
ورغم أنه لا يمكن الجزم بمنع تكرار الإصابة، فإن النسبة تبقى منخفضة وتتراوح ما بين 2 إلى 8%، لا سيما عند وجود تاريخ عائلي مشابه.
صحيح أن الشفة الأرنبية (cleft lip) والحنك المشقوق (cleft palate) لا يمكن الوقاية منهما تمامًا، إلا أن اتباع بعض النصائح قد يقلل من خطر الإصابة، ومن أبرزها:
- استشارة الطبيب قبل الحمل، خصوصًا في حال وجود سوابق وراثية أو تناول أدوية مزمنة، وذلك لإجراء الفحوصات اللازمة مثل تحليل السكر وتقييم كتلة الجسم، مما يساعد في تجنب عوامل الخطر المختلفة أو ضبطها.
- إذا كانت المرأة مصابة بالصرع أو الاكتئاب، فيجب مراجعة الطبيب لتعديل الأدوية إلى خيارات أكثر أمانًا خلال الحمل، خصوصًا في الأشهر الثلاثة الأولى التي تشكل مرحلة حساسة لتكوين وجه الجنين.
- الحرص على تناول الفيتامينات الأساسية قبل وأثناء الحمل، وعلى رأسها حمض الفوليك، الذي يُسهم في تقليل خطر الإصابة بتشوهات الوجه والعمود الفقري.
- التوقف عن التدخين وتجنب الكحول نهائيًا، إذ أظهرت الدراسات ارتباطًا قويًا بين هذه السلوكيات وزيادة خطر العيوب الخلقية.
كيف يمكن تشخيص الشفة الأرنبية والحنك المشقوق ؟
ملاحظة شقوق الشفة والحنك غير الطبيعية مباشرة بعد ولادة الجنين، يكون شكل الشفة العليا أشبه بالثلمة أو شفاه الأرنب المشقوقة، وقد تصاحبها فتحات في الحنك.
يساعد تصوير الأجنة بالموجات فوق الصوتية (Ultrasound) على تشخيص التشوهات داخل الرحم، ولا يتطلب ذلك إجراء فحوصات خاصة.
عادة ما يُجري الأطباء تصويرًا تفصيليًا بالموجات فوق الصوتية للكشف عن التشوهات خلال النصف الثاني من الحمل، حيث يمكن من خلاله تشخيص شق الشفة.
يلاحظ الطبيب وجود خلل أو عدم تكافؤ بين نصفي الشفة العلوية، من السهل تشخيص الشفة الأرنبية عبر الموجات فوق الصوتية، لكن شق الحنك قد يصعب رؤيته، خاصة إن كان في الجزء الداخلي.
إذا لم يكن طفلك الحالي هو الأول الذي يُشخّص بالشفة الأرنبية وشق الحنك، فقد يوصي الطبيب بإجراء تحليل لعينة من السائل الأمنيوسي لاستبعاد وجود متلازمات وراثية. كما قد يُقترح إجراء فحص جيني إذا كنتِ ترغبين بالحمل مجددًا.
يتم تأكيد إصابة الطفل بتشوهات الشفة أو الحنك عبر الفحص السريري الروتيني للمواليد، ثم يُعرض على طبيب مختص لمناقشة خيارات العلاج المتاحة والرد على استفسارات الوالدين.
علاج الشفة الأرنبية والحنك المشقوق في تركيا
يتطلب خطة علاجية معقّدة تشمل عدة جوانب، أهمها: مساعدة الأطفال على الرضاعة وتناول الطعام، تقليل مشاكل السمع الناتجة عن التهابات الأذن المتكررة، تحسين المظهر الخارجي، وتقريب شكل الوجه إلى الطبيعي قدر الإمكان.
قد لا يتمكن الطفل المصاب من الرضاعة الطبيعية كغيره من الأطفال، وخاصة إذا كان يعاني من شق في الحنك، لذلك يُستخدم زجاجات رضاعة خاصة لتغذيته.
يشترك العديد من الأطباء والمختصين في علاج هذه الحالة، ضمن فريق طبي متعدد التخصصات، يضم:
- أطباء الأنف والأذن والحنجرة.
- جراحو الوجه والفكين.
- أخصائيو تقويم الأسنان لعلاج الانحرافات المصاحبة لانشقاق الشفة والحنك.
- جراحو الأطفال.
- أخصائيو النطق واللغة والسمع.
- خبراء علم الوراثة.
- أخصائيون نفسيون واجتماعيون.
يتركز العلاج على إصلاح العيوب الخَلقية للفم من خلال التدخل الجراحي في مراحل متعددة، إضافة إلى تأهيل الطفل من النواحي الوظيفية والنفسية المرتبطة بالحالة.
جراحة الشفة الأرنبية والحنك المشقوق في تركيا
جراحة الشفة الأرنبية والحنك المشقوق في تركيا تختلف باختلاف حالة كل رضيع، إذ يُحدد نوع الإجراء الجراحي وتوقيته حسب مدى الانشقاق ومكانه.
كما أن العمر المناسب للجراحة يتباين، فبعض الأطفال قد يحتاجون لتدخل جراحي مبكر، خاصة لإصلاح الشفة الأرنبية في عمر يتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، بينما قد تُجرى جراحة الحنك المشقوق بين عمر 9 إلى 18 شهرًا.
التصحيح الجراحي ضروري لتعديل شكل الوجه، كما يساهم في تحسين التنفس، وتسهيل التغذية، وتقليل مشاكل السمع، وغيرها من الوظائف الأساسية المرتبطة بالنطق والنمو السليم.

يحدث تصحيح الشفة الأرنبية (cleft lip) والحنك المشقوق (cleft palate) بالتسلسل الآتي:
تم إغلاق الشفة المشقوقة عادة خلال الشهور الستة الأولى من عمر الطفل، بينما يُفضّل إصلاح شق الحنك في أقرب وقت ممكن، وبحد أقصى عند عمر 12 شهرًا.
قد يحتاج الطفل إلى جراحات تكميلية في مراحل لاحقة بحسب نموه وتطور حالته، وقد تمتد هذه الإجراءات حتى سن البلوغ.
مضاعفات علاج الشفة الأرنبية وشق الحنك
يُعد التدخل الجراحي خطوة أساسية لا غنى عنها في علاج الشفة الأرنبية وشق الحنك، إلا أنه قد يترافق مع بعض المضاعفات المحتملة مثل:
- تضرر الأعصاب الطرفية المسؤولة عن الإحساس.
- تكوّن الندبات الجراحية.
- تأذي الأوعية الدموية والنزيف المصاحب.
- التعامل مع مضاعفات الشفة المشقوقة.
ما المشكلات المترافقة مع شق الحنك والفم لدى الأطفال؟
لا يمكن إغفال المشكلات المصاحبة لشق الفم والحنك، ويحرص الأطباء على توعية الأهل بأساليب فعالة في إدارة هذه المضاعفات، ومنها:
- ستخدام زجاجات رضاعة خاصة بكميات صغيرة لتسهيل تغذية الطفل دون إجهاد.
- الالتحاق ببرامج علاج النطق لتحسين القدرة على الكلام.
- المتابعة الدورية مع طبيب الأسنان، وتوقيت مناسب لتقويم الأسنان، والاعتناء بصحة الفم.
- علاج التهابات الأذن المتكررة ومراقبة تأثيرها على السمع.
- استشارة أخصائي السمع لتحديد الحاجة إلى أجهزة سمعية مساعدة.
- دعم نفسي واجتماعي للطفل وأسرته لتعزيز الاندماج المجتمعي وتقبل الذات.
ختاماً، إن علاج الشفة الأرنبية والحنك المشقوق في تركيا يشهد تقدمًا طبيًا كبيرًا بفضل الخبرات الجراحية المتخصصة والفِرق متعددة التخصصات التي تواكب أحدث الأساليب العلاجية العالمية، ورغم ما قد تسببه هذه الحالات من تحديات وظيفية أو نفسية، فإن التدخل المبكر والدعم الأسري والعلاج المتكامل يساعد الأطفال على تخطي العقبات، والنمو بثقة وصحة جيدة.
المصادر:
- Centers for Disease Control and Prevention. (2023, January 30). Cleft lip and cleft palate. U.S. Department of Health & Human Services.
- National Health Service. (2023). Cleft lip and palate.