ازدادت معدلات الإصابة بالذبحة الصدرية عالمياً في السنوات الأخيرة، ما جعلها من أبرز المشكلات الصحية التي تستدعي الانتباه. يعجز الكثير من المرضى عن التمييز بينها وبين أنواع أخرى من آلام الصدر مما يؤدي أحياناً إلى تأخير التشخيص، ولأن أسباب الذبحة الصدرية متعددة ومتداخلة، فإن التعرف عليها يساعد على فهم طبيعة المرض بشكل أفضل، ورفع مستوى الوعي بهذا الموضوع يشكل خطوة أساسية نحو الوقاية وحماية صحة القلب.
ما هي الذبحة الصدرية؟
الذبحة الصدرية هي حالة يشعر فيها المريض بألم أو انزعاج في الصدر نتيجة نقص مؤقت في كمية الدم الغني بالأكسجين التي تصل إلى عضلة القلب. لا تُعد الذبحة مرضاً بحد ذاته، بل علامة على وجود مشكلة قلبية كامنة، وغالباً ما ترتبط بداء الشريان التاجي.
يصف المرضى هذا الألم بأنه ضغط أو ثقل أو ضيق في الصدر وقد يمتد إلى الذراعين أو الكتف أو الفك، ورغم أن النوبة تستمر عادة لفترة قصيرة، إلا أن تكرارها يستدعي تقييماً طبياً دقيقاً لتجنب المضاعفات.
ما هي أنواع الذبحة الصدرية؟
هي الشكل الأكثر شيوعاً، وتظهر عند بذل جهد بدني أو التعرض لانفعال نفسي. يتميز هذا النوع بأنه متكرر ويمكن التنبؤ به، حيث يشعر المريض بألم أو ضغط في الصدر يخف عادةً بالراحة أو باستخدام أدوية مثل النيتروجليسرين.
الذبحة الصدرية المستقرة
هي الشكل الأكثر شيوعاً من الذبحات القلبية وتصيب غالباً كبار السن، حيث يعد مرض الشريان التاجي من أهم أسباب الذبحة الصدرية المستقرة، إذ يؤدي تضيق الشرايين إلى نقص تزويد القلب بالدم أثناء المجهود أو الانفعال النفسي. يتميز هذا النوع بأنه متكرر ويمكن التنبؤ به، ويستمر الألم عادةً لفترة قصيرة تتراوح بين 5 و15 دقيقة، ويزول بالراحة أو بعد تناول الأدوية الموصوفة مثل النيتروجليسرين.
الذبحة الصدرية غير المستقرة
تُعتبر من أخطر أنواع الذبحة الصدرية، فهي تحدث بشكل مفاجئ حتى أثناء الراحة أو مع جهد بسيط. يختلف الألم في شدته وامتداده عن النوبات السابقة، ويستمر غالباً أكثر من 20 دقيقة ولا يختفي بالراحة أو بالأدوية المعتادة. تشير هذه الحالة عادةً إلى انسداد حاد أو متفاقم في الشرايين التاجية، مما يجعلها إنذاراً مبكراً لاحتمالية حدوث نوبة قلبية لذلك تستدعي تدخلاً طبياً طارئاً دون تأخير.
الذبحة الصدرية المتغيرة
تُعرف أيضاً باسم ذبحة برنزميتال، لا ينجم هذا النوع عن داء الشريان التاجي بل تحدث نتيجة تشنج مفاجئ في الشرايين التاجية يسبب انخفاضاً مؤقتاً في تدفق الدم إلى القلب. يظهر هذا النوع غالباً أثناء الراحة أو في الليل، ويترافق مع ألم صدري شديد قد يتكرر على شكل نوبات. عادةً ما تستجيب الحالة للأدوية الموسعة للشرايين، لكن تكرارها يستدعي متابعة طبية دقيقة.
الذبحة الصدرية المقاومة
تتميز بحدوث نوبات متكررة من ألم الصدر على الرغم من استخدام الأدوية الموصوفة وإجراء تغييرات في نمط الحياة. غالباً ما يصعب التحكم في هذا النوع بالعلاج التقليدي وحده، مما يستدعي البحث عن خيارات علاجية متقدمة مثل التداخلات القلبية أو الإجراءات الجراحية، تحتاج هذه الحالات إلى متابعة دقيقة من طبيب القلب لتقليل المضاعفات المحتملة.

الفرق بين الذبحة الصدرية المستقرة وغير المستقرة
رغم التشابه في الأعراض الأساسية، إلا أن هناك فروقاً واضحة بين النوعين تساعد على تحديد خطورة الحالة:
- الذبحة الصدرية المستقرة: تحدث عند بذل جهد أو انفعال، ويمكن التنبؤ بها وتستمر عادةً لفترة قصيرة (5–15 دقيقة) وتزول بالراحة أو الأدوية.
- الذبحة الصدرية غير المستقرة: تظهر بشكل مفاجئ حتى أثناء الراحة أو مع جهد بسيط، وتستمر لفترة أطول (أكثر من 20 دقيقة)، ولا تستجيب بسهولة للعلاج الروتيني وتشير غالباً إلى خطر وشيك لحدوث نوبة قلبية.
من المهم الانتباه إلى أن الذبحة الصدرية المستقرة قد تتحول أحياناً إلى ذبحة غير مستقرة، خاصةً عند تغير نمط الألم أو استمراره لفترة أطول من المعتاد.
الفرق بين الذبحة الصدرية والنوبة القلبية
تتشابه الذبحة الصدرية والنوبة القلبية في أن كلاهما مرتبط بمشكلات الشرايين التاجية، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين الحالتين:
- الذبحة الصدرية: نقص مؤقت في تدفق الدم إلى القلب يسبب ألماً وضغطاً في الصدر دون أن يؤدي عادةً إلى ضرر دائم في عضلة القلب. يزول الألم غالباً بالراحة أو بتناول أدوية مثل النيتروجليسرين.
- النوبة القلبية: انسداد كامل أو شبه كامل في أحد الشرايين التاجية يؤدي إلى توقف وصول الدم فترة أطول، ما يسبب تلفاً دائماً في جزء من عضلة القلب. الألم فيها أشد ولا يختفي بالراحة أو الأدوية المعتادة، وهي حالة طبية طارئة تهدد الحياة.

ما أسباب الذبحة الصدرية؟
ترتبط أسباب الذبحة الصدرية عادةً بضعف تدفق الدم إلى القلب، وهو ما يحدث غالباً نتيجة أمراض أو اضطرابات في الشرايين التاجية. من أبرز هذه الأسباب:
- داء الشريان التاجي (CAD): يُعد أكثر أسباب الذبحة الصدرية شيوعاً، وهو ينتج أساساً عن تصلب الشرايين العصيدي، حيث تتراكم اللويحات الدهنية داخل جدران الشرايين التاجية فتؤدي إلى تضيقها وفقدان مرونتها، مما يقلل من تدفق الدم إلى عضلة القلب.
- مرض الأوعية الدموية الدقيقة: اضطراب يصيب الأوعية الصغيرة المتفرعة من الشرايين التاجية، ويؤثر على وظيفتها رغم أنها لا تُظهر انسداداً في الفحوص التقليدية. يُلاحظ أن هذا السبب أكثر شيوعاً عند النساء، خصوصاً بعد سن اليأس.
- تشنج الشريان التاجي: انقباض مفاجئ في جدار الشريان يؤدي إلى انسداد مؤقت في تدفق الدم. يمكن أن يحدث مع وجود مرض الشريان التاجي أو بدونه، وقد لا يظهر في الاختبارات الروتينية.

عوامل الخطر للذبحة الصدرية
تتأثر خطورة الإصابة بالذبحة الصدرية بمجموعة من العوامل، بعضها لا يمكن تغييره، وأخرى يمكن التحكم بها عبر نمط الحياة والعلاج.
عوامل لا يمكن التحكم بها
- التقدم في العمر: يزداد خطر الإصابة مع التقدم في السن.
- التاريخ العائلي: وجود أقارب أصيبوا بأمراض قلبية مبكرة يزيد من الاحتمالية.
- الجنس: الرجال أكثر عرضة للإصابة في سن مبكرة، بينما يزداد الخطر لدى النساء بعد سن اليأس.
عوامل يمكن التحكم بها
- التدخين وإدمان الكحول
- ارتفاع ضغط الدم
- ارتفاع الكوليسترول والدهون الثلاثية
- داء السكري وفقر الدم
- السمنة وقلة النشاط البدني
- النظام الغذائي غير الصحي الغني بالدهون المشبعة والسكريات
- التوتر والإجهاد المزمن
- التعرض المزمن لتلوث الهواء أو الغبار
- بعض أمراض القلب مثل فشل القلب أو اعتلال العضلة القلبية
ما أعراض الذبحة الصدرية؟
قد تختلف مظاهر الذبحة الصدرية من شخص لآخر، إلا أن هناك علامات شائعة يمكن التعرف عليها بسهولة، إضافةً إلى اختلافات خاصة عند النساء.
الأعراض الكلاسيكية
تشمل عادةً ما يلي:
- ألم أو ضغط في منتصف الصدر يوصف بأنه ثقل أو ضيق
- انتشار الألم إلى الذراع اليسرى أو الكتف أو الفك أو الظهر
- استمرار النوبة لفترة قصيرة (بضع دقائق) وتفاقمها مع الجهد أو الانفعال
- تحسن الأعراض مع الراحة أو باستخدام أدوية مثل النيتروجليسرين
- قد تترافق مع ضيق في التنفس، أو تعرق، أو شعور بالدوار
أعراض الذبحة الصدرية عند النساء
قد لا يظهر ألم الصدر بشكل واضح، بل تلاحظ المريضة:
- تعب شديد أو إنهاك غير مبرر
- ضيق في التنفس
- غثيان أو تقيؤ
- ألم في الظهر أو الرقبة أو الفك بدلاً من الصدر
- شعور بالانزعاج أو حرقة شبيهة بآلام المعدة
طرق تشخيص الذبحة الصدرية
بعد التعرف على أسباب الذبحة الصدرية والأعراض المرتبطة بها، يلجأ الأطباء إلى مجموعة من الفحوص لتأكيد التشخيص وتحديد شدة الحالة. يبدأ الأمر عادةً بأخذ التاريخ المرضي المفصل والفحص السريري، ثم يتم إجراء بعض الاختبارات القلبية مثل:
- تخطيط القلب (ECG): يسجل النشاط الكهربائي للقلب ويكشف عن أي تغيرات مرتبطة بنقص التروية.
- اختبار الجهد القلبي: يوضح كيفية استجابة القلب عند بذل مجهود بدني أو باستخدام أدوية تحاكي تأثير الجهد.
- تصوير القلب بالموجات فوق الصوتية (الإيكو): يُظهر حركة عضلة القلب وكفاءتها في ضخ الدم.
- اختبارات التصوير المتقدمة: مثل الأشعة المقطعية للشرايين التاجية أو الرنين المغناطيسي القلبي للحصول على تفاصيل دقيقة.
- قسطرة الشرايين التاجية: تستخدم عند الحاجة لتشخيص دقيق، حيث تحدد مواقع الانسداد ودرجته بشكل مباشر.
علاج الذبحة الصدرية
يعتمد علاج الذبحة الصدرية على شدة الحالة والسبب الكامن وراءها، حيث يركز الأطباء على معالجة أسباب الذبحة الصدرية وتقليل خطر حدوث مضاعفات خطيرة. تشمل الخيارات العلاجية ما يلي:
- الأدوية: مثل موسعات الشرايين (النيتروجليسرين)، مضادات الصفيحات (الأسبرين)، أدوية الكوليسترول وضغط الدم.
- إجراءات القسطرة القلبية: مثل التوسيع بالبالون أو تركيب الدعامات للمساعدة على إبقاء الشرايين مفتوحة.
- الجراحة: في الحالات المتقدمة قد يلجأ الأطباء إلى جراحة مجازة الشريان التاجي لاستعادة التروية القلبية.
نصائح للوقاية من الذبحة الصدرية والحفاظ على صحة القلب
رغم أن بعض أسباب الذبحة الصدرية لا يمكن التحكم بها مثل العمر أو التاريخ العائلي، إلا أن تغيير نمط الحياة يساعد بشكل كبير في تقليل المخاطر وحماية القلب، ومن أهم النصائح الوقائية:
- التوقف عن التدخين وتجنب التعرض للتدخين السلبي
- اعتماد نظام غذائي صحي غني بالخضروات والحبوب الكاملة وقليل الدهون المشبعة والسكريات
- ممارسة النشاط البدني بانتظام بما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعياً وفق توصيات الطبيب
- الحفاظ على وزن صحي لتقليل الضغط على القلب والأوعية الدموية
- ضبط عوامل الخطر مثل ارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، والسكري
- الحد من التوتر النفسي من خلال الاسترخاء أو ممارسة اليوغا والتأمل
- الالتزام بالأدوية الموصوفة من قبل الطبيب وعدم إيقافها دون استشارة طبية
أخيراً، إن فهم أسباب الذبحة الصدرية والتعرف على أعراضها يساعد على التشخيص المبكر وتقليل خطر حدوث النوبات القلبية، ومع توفر وسائل التشخيص والعلاج الحديثة يمكن للمرضى السيطرة على الحالة والعيش بجودة حياة أفضل. في تركيا، يواكب مركز بيمارستان الطبي أحدث الأساليب العلاجية ليقدم رعاية متكاملة للمرضى الباحثين عن حلول آمنة وفعّالة.
المصادر:
- NHS England and NHS Improvement. (n.d.). Angina.
- WebMD. (2023, September 19). Angina (Ischemic Chest Pain) – Heart Disease.