إن أعراض الاضطراب ثنائي القطب لها تأثيرات كبيرة على حياة الأفراد، حيث يؤدي إلى إعاقة وصعوبات في مجالات متعددة مثل العلاقات الشخصية والعمل والدراسة. كما يزيد من خطر الانتحار والإصابة بالقلق واضطرابات تعاطي المخدرات. يعاني العديد من المصابين بهذا الاضطراب من صعوبة في الاندماج في المجتمعات، مما يعوق وصولهم إلى الرعاية الصحية اللازمة.
رغم أن العلاج متاح ويشمل الأدوية والعلاج النفسي الاجتماعي، فإن تغطية العلاج لا تزال منخفضة خاصةً في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. يعيش حوالي 40 مليون شخص على مستوى العالم مع الاضطراب ثنائي القطب، مما يجعله من الحالات الصحية العقلية البارزة.
ما هو مرض ثنائي القطب؟
اضطراب ثنائي القطب هو حالة نفسية تتميز بتقلبات حادة في المزاج بين نوبات الهوس أو الهوس الخفيف ونوبات الاكتئاب. خلال نوبات الاكتئاب، يشعر الشخص بحزن شديد وفقدان الاهتمام بالحياة، بينما في نوبات الهوس، يعاني من نشاط مفرط وفرح مبالغ فيه أو تهيج غير طبيعي. قد تحدث هذه التقلبات المزاجية بشكل متباعد أو بشكل متكرر على مدار العام، وقد تؤثر على النوم والطاقة والسلوك واتخاذ القرارات. رغم أن أعراض الاضطراب ثنائي القطب قد تستمر مدى الحياة، إلا أنه من الممكن التحكم فيها باستخدام الأدوية والعلاج النفسي.
أنواع اضطراب المزاج ثنائي القطب
- اضطراب المزاج ثنائي القطب من النوع الأول: يتميز بنوبات هوس شديدة قد تتطلب دخول المستشفى، وقد يصاحبها فترات من الهوس الخفيف أو الاكتئاب.
- اضطراب المزاج ثنائي القطب من النوع الثاني: يتسم بنوبات اكتئاب شديدة ونوبات هوس خفيف دون الوصول إلى الهوس الكامل.
- اضطراب المزاج الدوري: يتميز بتقلبات مزاجية خفيفة إلى متوسطة تدوم لمدة سنتين أو أكثر.
- أنواع أخرى: قد تظهر أعراض الاضطراب ثنائي القطب نتيجة بعض الأدوية أو الحالات الطبية مثل السكتة الدماغية أو التصلب اللويحي.

من يتأثر بأعراض الاضطراب ثنائي القطب؟
يبلغ متوسط عمر بداية الإصابة بأعراض الاضطراب ثنائي القطب 25 عاماً بحسب المعهد الوطني للصحة العقلية، على الرغم من أن المرض يمكن أن يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة أو في وقت متأخر مثل الأربعينيات والخمسينيات من العمر. يصاب عدد متساوٍ من الرجال والنساء بالاضطراب ثنائي القطب ويوجد في جميع الأعمار والمجموعات العرقية والطبقات الاجتماعية.
أكثر من ثلثي الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب لديهم قريب واحد على الأقل مصاب بالمرض أو مصاب بالاكتئاب الشديد أحادي القطب، مما يشير إلى أن المرض له مكون وراثي.
النساء والاضطراب ثنائي القطب
تشير الدراسات إلى أن النساء المصابات بالاضطراب ثنائي القطب، خصوصاً من النوع الثاني، أكثر عرضة لتجربة فترات من الدورات السريعة مقارنةً بالرجال المصابين بنفس الاضطراب. كما أن الاكتئاب والقلق والإجهاد الملحوظين يشكلان تحديات إضافية لدى النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبيض (PCOS). تشير أيضًا بعض الأبحاث إلى أن النساء المصابات بالاضطراب ثنائي القطب يعانين من نوبات اكتئاب ونوبات مختلطة أكثر من الرجال المصابين بالمرض، على الرغم من أن نسبة الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب تكون متساوية بين الرجال والنساء.
الأطفال والمراهقون والاضطراب ثنائي القطب
يُعتبر الأطفال الذين لديهم والد واحد مصاب بالاضطراب ثنائي القطب أكثر عرضة للإصابة به، حيث يتراوح خطر إصابتهم بين 15% و30%، بينما يرتفع هذا الخطر إلى 50%-75% إذا كان كلا الوالدين مصابين بالاضطراب. تشير الأبحاث إلى أن انتشار أعراض الاضطراب ثنائي القطب بين المراهقين قد يكون مماثلاً لانتشاره بين البالغين، إذ وجدت دراسة حديثة أجراها المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأمريكية أن 1% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً يستوفون معايير تشخيص الاضطراب ثنائي القطب أو اضطراب المزاج الدوري.
كما أن حوالي 20% من المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب الشديد قد يتطور لديهم اضطراب ثنائي القطب خلال خمس سنوات من بداية الاكتئاب، وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب ثلث الأطفال والمراهقين المصابين بالاكتئاب قد يكونون في الواقع يعانون من بداية مبكرة لأعراض الاضطراب ثنائي القطب. يختلف ظهور نوبات الهوس لدى الأطفال والمراهقين عن البالغين، إذ يكونون أكثر عرضة للانفعالات الشديدة والسلوكيات المدمرة بدلاً من الشعور بالبهجة أو النشوة. أما خلال نوبات الاكتئاب، فقد تظهر عليهم شكاوى جسدية متكررة مثل الصداع وآلام المعدة والتعب إلى جانب ضعف الأداء الدراسي والانفعال والعزلة الاجتماعية والحساسية المفرطة تجاه الرفض أو الفشل.
أعراض الاضطراب ثنائي القطب
تتميز أعراض الاضطراب ثنائي القطب بحدوث تقلبات مزاجية حادة تؤثر بشكل كبير على حياة المصاب، حيث تتراوح بين نوبات من النشاط المفرط والطاقة العالية، المعروفة بالهوس أو الهوس الخفيف، وفترات من الاكتئاب العميق التي تجعل حتى المهام اليومية البسيطة صعبة. تختلف مدة هذه التغيرات في المزاج، فقد تستمر لفترات قصيرة أو تمتد لأسابيع، وتتنوع شدتها من شخص لآخر.
أعراض الهوس والهوس الخفيف
تتمثل نوبات الهوس في ارتفاع كبير في المزاج وزيادة غير طبيعية في النشاط والطاقة، وقد يصل الأمر إلى درجة فقدان الاتصال بالواقع في الحالات الشديدة. تشمل الأعراض الشائعة للهوس:
- الشعور بثقة مفرطة بالنفس أو إحساس مبالغ فيه بقيمة الذات
- التحدث بسرعة والانتقال السريع من فكرة إلى أخرى
- ضعف التركيز وسهولة التشتت
- قلة الحاجة إلى النوم مع الشعور بالنشاط المفرط
- اتخاذ قرارات متهورة، مثل الإنفاق غير العقلاني أو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر
- معتقدات وهمية مثل الاعتقاد بالشهرة الزائدة أو الشعور بأن الآخرين يراقبونه
أما الهوس الخفيف، فهو حالة أقل حدة من الهوس، حيث تكون الأعراض مشابهة ولكن لا تؤثر بشكل كبير على الأداء اليومي للفرد، ومع ذلك قد تتطور إلى نوبات هوس كامل أو اكتئاب شديد.
أعراض الاكتئاب الشديد
خلال نوبات الاكتئاب، يعاني الشخص من مشاعر حزن عميق وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها سابقاً. تشمل الأعراض ما يلي:
- الشعور بالحزن أو اليأس أو الفراغ
- فقدان الاهتمام أو المتعة في الأنشطة اليومية
- تغيرات ملحوظة في الوزن والشهية
- اضطرابات النوم، سواء الأرق أو النوم المفرط
- الشعور بالتعب المستمر أو انخفاض الطاقة
- صعوبة التركيز واتخاذ القرارات
- مشاعر الذنب المفرطة أو فقدان تقدير الذات
- التفكير في الموت أو الانتحار أو محاولة القيام به

تأثير الأعراض على الحياة اليومية
لا تقتصر تأثيرات أعراض الاضطراب ثنائي القطب على التقلبات المزاجية فحسب، بل تمتد لتؤثر على العلاقات الاجتماعية والعمل والدراسة. قد يواجه المصابون مشكلات في الأداء الوظيفي أو الأكاديمي وقد تتسبب النوبات الشديدة في الحاجة إلى رعاية طبية متخصصة لمنع الأذى النفسي أو الجسدي. في بعض الحالات، يكون الأطفال والمراهقون أكثر عرضة لإظهار أعراض مختلفة مثل التهيج الشديد أو المشكلات السلوكية أو الشكاوى الجسدية المتكررة مثل الصداع وآلام المعدة، مما يجعل التشخيص أكثر تعقيداً.
على الرغم من التحديات المرتبطة بأعراض الاضطراب ثنائي القطب، إلا أن التشخيص المبكر والعلاج المناسب، الذي يشمل الأدوية والعلاج النفسي، يمكن أن يساعد الأفراد على التحكم في الأعراض وعيش حياة أكثر استقراراً.ا
تشخيص الاضطراب الثنائي القطب
يعد تشخيص الاضطراب ثنائي القطب عملية معقدة قد تستغرق سنوات بسبب تشابه أعراضه مع اضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب والفصام، فضلاً عن تنوع الأعراض واختلافها من شخص لآخر. تشير الدراسات إلى أن المرضى قد يواجهون ما يصل إلى عشر سنوات من التعامل مع الأعراض قبل الحصول على تشخيص دقيق، حيث يتلقى واحد فقط من كل أربعة مصابين تشخيصاً صحيحاً خلال السنوات الثلاث الأولى من ظهور الأعراض، كما أن هناك تحيزاً في التشخيص بين الجنسين، حيث تُشخَّص النساء غالباً بالاكتئاب، بينما يكون الرجال أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ بالفصام.
مراحل التشخيص
يعتمد الأطباء على عدة خطوات للوصول إلى تشخيص دقيق للاضطراب ثنائي القطب، وتشمل هذه الخطوات:
- الفحص البدني والاختبارات المخبرية: يتم إجراء فحوصات للتحقق من أي مشكلات صحية قد تكون مسؤولة عن الأعراض.
- تقييم الصحة العقلية: يقوم الطبيب النفسي بمناقشة المريض حول مشاعره وسلوكياته، بالإضافة إلى مراجعة تاريخه العائلي للبحث عن عوامل وراثية محتملة. قد يُطلب أيضاً التواصل مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين للحصول على معلومات إضافية حول الأعراض.
- تخطيط الحالة المزاجية: قد يُطلب من المريض تسجيل حالته المزاجية اليومية، بالإضافة إلى أنماط نومه وسلوكياته الأخرى، مما يساعد الأطباء في الوصول إلى تشخيص أدق ووضع خطة علاج مناسبة.
تشخيص الاضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال والمراهقين
يتم استخدام نفس معايير التشخيص المعتمدة لدى البالغين، ولكن الأعراض قد تظهر بشكل مختلف لدى الأطفال والمراهقين، مما قد يؤدي إلى صعوبة التشخيص. في بعض الحالات، قد يتم تشخيص الأطفال بحالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو اضطرابات سلوكية، مما يؤخر التعرف على الاضطراب ثنائي القطب. ولهذا قد يكون من الضروري استشارة طبيب نفسي متخصص في الاضطرابات المزاجية لدى الأطفال لتقييم الحالة بدقة.
أهمية التشخيص المبكر
يساهم التشخيص المبكر والدقيق في تحسين جودة حياة المرضى من خلال توفير العلاج المناسب وتقليل فترات المعاناة دون تدخل طبي. يساعد التقييم الشامل الذي يجمع بين الفحص البدني والتقييم النفسي وتخطيط الحالة المزاجية في تجنب التشخيصات الخاطئة ووضع استراتيجيات علاجية تساعد المرضى على تحقيق استقرار مزاجي وتحسين أدائهم اليومي.
علاج الاضطراب الثنائي القطب
رغم التحديات المرتبطة بالتشخيص إلا أن العلاج الفعّال يمكن أن يساعد المرضى على إدارة الأعراض بشكل أفضل. في الماضي، كانت معدلات النجاح المتوقعة لعلاج نوبات الهوس الحادة بالليثيوم تتراوح بين 70% إلى 85%، إلا أن معدلات الاستجابة الفعلية انخفضت حاليًا إلى 40%-50%. ومع ذلك، فإن الانضمام إلى مجموعات دعم المرضى ساهم في تحسين الالتزام بالعلاج بنسبة 86% وخفض مدة الإقامة في المستشفى.
يتطلب علاج أعراض اضطراب ثنائي القطب مزيجاً من الأدوية والعلاج النفسي والاجتماعي لتحقيق أفضل النتائج. على الرغم من أن الأدوية تعد أساسية في علاج النوبات الحادة، إلا أن التدخلات النفسية والاجتماعية تلعب دوراً مهماً في إدارة الأعراض على المدى الطويل ودعم التعافي.
الأدوية
الأدوية هي جزء أساسي من علاج الاضطراب ثنائي القطب، خاصةً خلال النوبات الحادة من الهوس والاكتئاب. ثبت أن مثبتات المزاج مثل الليثيوم والفالبروات ومضادات الذهان فعالة في إدارة نوبات الهوس الحادة. ومع ذلك، تحتاج بعض هذه الأدوية إلى مراقبة دقيقة نظراً للآثار الجانبية المحتملة. على سبيل المثال، يجب مراقبة مستويات الليثيوم سريرياً ومخبرياً، كما يجب تجنب استخدام الفالبروات أثناء الحمل أو الرضاعة.
لا ينبغي أن تُستخدم مضادات الاكتئاب خلال نوبات الهوس ولكن يمكن دمجها مع مثبتات المزاج أو مضادات الذهان خلال نوبات الاكتئاب. بعض الأدوية قد تسبب آثاراً جانبية مثل النعاس والتشنجات العضلية والرعشة وزيادة الوزن، مما قد يؤثر على التزام المرضى بالعلاج. لذا يجب مراقبة هذه الآثار والتعامل معها بفعالية.
الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب الصامت (بدون أعراض) قد يحتاجون إلى الاستمرار في تناول الأدوية مثل مثبتات المزاج أو مضادات الذهان لمدة لا تقل عن ستة أشهر، بينما أولئك الذين يعانون من نوبات متعددة قد يحتاجون إلى علاج طويل الأمد لتقليل الانتكاسات.
التدخلات النفسية والنفسية الاجتماعية
بالإضافة إلى الأدوية، يمكن أن تساعد التدخلات النفسية في تحسين جودة حياة المصابين بالاضطراب ثنائي القطب. تشمل هذه التدخلات العلاج السلوكي المعرفي والعلاج مع الأشخاص ضمن مجموعات الدعم والتثقيف النفسي والتي يمكن أن تقلل من أعراض الاكتئاب وتحد من احتمالية عودتها. كما يمكن أن يكون التثقيف النفسي الأسري مفيداً، حيث يساعد الأسر على فهم الاضطراب ودعم أفراد الأسرة بشكل أفضل.
من الضروري أيضاً أن يحصل الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب على دعم اجتماعي من العائلة والأصدقاء. مجموعات الدعم تعتبر مصدراً مهماً للتشجيع وتعلم مهارات التأقلم، كما تتيح للأفراد فرصة لتبادل الخبرات.
التغييرات في نمط الحياة
يمكن لتغييرات نمط الحياة مثل النوم المنتظم والنشاط البدني واتباع نظام غذائي صحي وتقليل مسببات التوتر أن تساهم بشكل فعال في تحسين الحالة المزاجية. متابعة الحالة المزاجية يومياً يمكن أن تساعد الأطباء في تحديد التغييرات في الحالة العقلية واتخاذ الإجراءات المناسبة.
التشخيص المبكر والعلاج المستمر
رغم أن التعافي من الاضطراب ثنائي القطب قد يكون صعباً في بعض الأحيان إلا أنه ممكن مع الرعاية المناسبة. يمكن للأفراد المصابين بالاضطراب ثنائي القطب أن يتعلموا كيف يتعاملون مع أعراضهم ويعيشون حياة ذات معنى ومنتجة، خاصةً عندما يكون العلاج شاملاً ويجمع بين الأدوية والعلاج النفسي والنفسي الاجتماعي.
على الرغم من التحديات التي يواجهها المصابون بأعراض الاضطراب ثنائي القطب، إلا أن العلاج المبكر والدعم المستمر يساعدان الأفراد على إدارة الأعراض والعيش حياة مستقرة ومنتجة. من المهم أن يكون هناك وعي متزايد حول هذا الاضطراب، بالإضافة إلى تقديم الدعم الاجتماعي والأسري الضروري لضمان تمكين المصابين بأعراض الاضطراب ثنائي القطب من التعايش معه بشكل أفضل وتحقيق حياة متوازنة.
المصادر: