يعد سرطان الغدة الجار درقية نادراً للغاية، حيث أن نسبة حدوثه تصل إلى 0.005% من إجمالي حالات السرطان. وفقاً للأدبيات الطبية، تم توثيق حوالي 1000 حالة فقط من هذا النوع، مما يبرز أهمية الوعي والبحث المستمر حول هذه الحالة الصحية النادرة.
أغلب المصابين بسرطان جارات الدرق هم الأشخاص في منتصف الأربعينيات من العمر ويمكن أن يصيب كل من الرجال والنساء، ويعد أكثر شيوعاً قليلاً لدى النساء. تعرف في هذا المقال على أسباب وأعراض وعلاج سرطان غدة الجار درقية في تركيا.
ما هو سرطان الغدة الجار درقية؟
سرطان الغدة الجار درقية هو سرطان نادر يتطور في أنسجة الغدة. يبدأ السرطان عندما تحدث تغييرات في الحمض النووي لخلايا الغدة. تبدأ هذه الخلايا في النمو والانقسام بشكل غير طبيعي (تتحور) وسريع مما يؤدي إلى تكوين كتلة تُعرف بالورم. بعد ذلك تبدأ الخلايا المتحورة في غزو المناطق المجاورة مثل العقد اللمفاوية في الرقبة، فيتشكل ما يُعرف بالنقائل. كما يمكن أن تنتشر هذه الخلايا إلى أجزاء أخرى من الجسم، مثل الرئتين والعظام، وهو ما يُعرف بالورم الخبيث أو السرطان.
فرط نشاط جارات الدرق الأولي هو الحالة الطبية التي تنتج عن وجود سرطانات في الغدة الجار درقية. قد يكون سبب فرط نشاط جارات الدرق هو واحد أو أكثر من الأورام الغدية. حيث تشير الدراسات إلى أن ورم غدي جار درقي واحد يُعتبر السبب الرئيسي في حوالي 85% من حالات فرط نشاط جارات الدرق. بينما يسهم ورمان غديان في حوالي 4% إلى 5% من الحالات، أما حالة أربعة أورام غدية فتنسب إليها ما بين 10% إلى 12% من حالات فرط نشاط جارات الدرق.
ما هي أنواع سرطان الغدة الجار درقية؟
يوجد نوعان رئيسيان من سرطان جارات الدرق. النوع الأكثر شيوعاً هو الذي يتسبب في زيادة إنتاج وإفراز هرمون (PTH) من قبل الخلايا السرطانية مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم.
أما النوع الآخر، فيعرف بسرطان الغدة الجار درقية غير العامل أو غير المفرز، يختلف هذا الشكل عن النوع الشائع في أن المرضى المصابين بالسرطان غير الفعال لا يعانون من ارتفاع مستويات هرمون (PTH) أو الكالسيوم في الدم. يُعتبر النوع الغير الفعال نادراً ويمثل أقل من 10% من إجمالي حالات سرطان الغدة الجار درقية.
ما هي أسباب سرطان الغدة الجار درقية؟
تظل أسباب سرطان الغدة جارة الدرق غير معروفة بدقة، ويُعتقد أن حوالي 10% من الحالات لها أصول وراثية بحيث تُورث من الأهل. ومن بين المتلازمات الوراثية الرئيسية المرتبطة بسرطان جارات الدرق، نذكر أهمها:
- أورام الغدد الصماء المتعددة (MEN) I
- أورام الغدد الصماء المتعددة (MEN) IIA
- فرط نشاط جارات الدرق العائلي المعزول
توجد أيضاً عوامل غير وراثية تساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان الغدة الجار درقية، ومن أبرز هذه العوامل:
- فرط نشاط جارات الدرق على المدى الطويل، خاصةً مع وجود فشل كلوي مزمن
- التعرض للإشعاع في منطقة الرأس والرقبة خلال مرحلة الطفولة أو الشباب
- التعرض لجرعات عالية من الإشعاعات الناتجة عن محطات الطاقة النووية
- نقص الكالسيوم في النظام الغذائي على المدى الطويل
على الرغم من أن هذه العوامل قد تُعزز من خطر الإصابة بسرطان الغدة الجار درقية، لا يوجد ضمان بأن أي شخص سيتعرض لهذا السرطان حتى لو كان لديه عوامل الخطر المذكورة. في حالة وجود أي شك أو قلق، تعتبر استشارة أخصائي الرعاية الصحية خطوة مهمة. وأيضا تلعب الفحوصات الطبية المنتظمة والتشخيص المبكر دوراً حاسماً في اكتشاف وجود الاصابة.
ما هي أعراض سرطان الغدة الجار درقية؟
تُعتبر أعراض سرطان جارات الدرق ناتجة بشكل رئيسي عن ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، وتشمل الأعراض الرئيسية ما يلي:
- آلام العظام
- إمساك
- تعب وضعف عام
- عطش متكرر وكثرة التبول
- حصوات الكلى
- ضعف العضلات
- غثيان وقيء
- ارتباك
- نقص الطاقة (الخمول)
من المهم ملاحظة أن العديد من الأشخاص قد لا تظهر عليهم أعراض، وغالباً ما يتم اكتشاف الحالة أثناء إجراء اختبارات الدم لأسباب طبية أخرى. قد لا يدرك الشخص أنه مصاب بفرط كالسيوم الدم حتى يتم اكتشافه خلال فحوصات الدم الروتينية.
كيف يتم تشخيص سرطان الغدة الجار درقية؟
يقوم الطبيب في البداية بإجراء فحص جسدي شامل وسؤال المريض عن تاريخه الطبي. في نصف الحالات تقريبا يمكن أن يكشف الفحص الجسدي عن وجود ورم سرطاني في الغدة الجار درقية.
في أغلب الحالات يكون السرطان من النوع المفرز، مما يؤدي إلى إنتاج كميات كبيرة من هرمون الغدة الجار درقية (PTH) وارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم. في حالات نادرة تكون بعض الحالات من النوع الغير مفرز وقد يتم تشخيصها بشكل خاطئ على أنها سرطان الغدة الدرقية.
تشخيص سرطان الغدة الجار درقية قد يكون معقداً، حيث يمكن ألا يتم التعرف عليه إلا بعد أشهر أو سنوات من تكرار المرض. نذكر أهم الاختبارات التشخيصية:
- تحاليل الدم والبول: تكشف عن مستويات مرتفعة من الكالسيوم وPTH.
- اختبارات التصوير: مثل الأشعة السينية، والموجات فوق الصوتية، والأشعة المقطعية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، لتحديد حجم وموقع الورم.
- التصوير المقطعي المحوسب بإصدار فوتون واحد (SPECT): يستخدم لتحديد نشاط الغدة الجار درقية من خلال إدخال مادة مشعة في الدم.

بعد تأكيد تشخيص سرطان الغدة الجار درقية، قد يتطلب الأمر إجراء اختبارات إضافية مثل الخزعة لتحديد مرحلة السرطان ومدى انتشاره مما يساعد في وضع استراتيجية العلاج المناسبة.
كيفية علاج سرطان غدة الجار درقية
يعتبر علاج سرطان غدة الجار درقية من الإجراءات التي تتطلب دقة عالية. يعتمد العلاج على مرحلة المرض وحالة المريض الصحية العامة، حيث يتعاون فريق طبي متعدد التخصصات لتحديد الخيارات الأنسب، ومن أهم خيارات علاج سرطان غدة الجار درقية:
علاج سرطان غدة الجار درقية الجراحي
تعتبر الجراحة الخيار الأول لعلاج سرطان غدة الجار درقية. نظراً لبطئ انتشار السرطان، يمكن علاج سرطان غدة الجار درقية جراحياً حتى بعد انتشاره إلى أجزاء أخرى من الجسم. يتم استئصال جارات الدرق جراحياً بعدة طرق، وهي:
- الاستئصال الكلي: هو إجراء جراحي يهدف إلى إزالة الغدة الجار درقية بالكامل مع المحفظة المحيطة بها. وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر أيضاً استئصال العقد اللمفاوية ونصف الغدة الدرقية على نفس الجانب المصاب بالإضافة إلى العضلات والأنسجة والأعصاب في منطقة الرقبة.
- تخفيف الورم: هو إجراء جراحي يُهدف إلى إزالة أكبر قدر ممكن من الورم. تجدر الإشارة إلى أن بعض الأورام قد لا يمكن استئصالها بالكامل.
- استئصال النقائل: هو عملية جراحية تهدف إلى إزالة أي سرطان قد انتشر إلى أعضاء بعيدة مثل الرئة.
قبل إجراء الاستئصال الجراحي من الضروري ضبط تركيز الكالسيوم في الدم.

علاج سرطان غدة الجار درقية الإشعاعي
رغم أنه ليس الخيار الأول لعلاج سرطان غدة الجار درقية، إلا أن العلاج الإشعاعي قد يُستخدم بعد الجراحة لتعزيز فعالية العلاج وتقليل خطر عودة السرطان. يتم استعمال الأشعة السينية عالية الطاقة أو أنواع أخرى من الإشعاعات لقتل الخلايا السرطانية أو الحد من انتشارها. هناك نوعين من العلاج الإشعاعي وهي:
- العلاج الإشعاعي الخارجي: يستخدم آلة خارج الجسم لإرسال الإشعاع نحو المنطقة المصابة لعلاج سرطان غدة الجار درقية .
- العلاج الإشعاعي الداخلي: يستخدم مادة مشعة موضوعة في إبر أو بذور أو أسلاك أو قثاطر توضع مباشرة في السرطان أو بالقرب منه.
يعتمد اختيار طريقة علاج سرطان غدة الجار درقية الإشعاعي على نوع ومرحلة السرطان المعالج. تشير الدراسات إلى أن العلاج الإشعاعي بالحزم الخارجية ليس له تأثير كبير على زيادة فرص البقاء على قيد الحياة. يتطلب العلاج الإشعاعي إعداداً مسبقاً وقد تظهر بعض الآثار الجانبية مثل الألم عند البلع جفاف الفم وتغيرات في حاسة الذوق.
علاج سرطان غدة الجار درقية الكيميائي
إذا تعذر علاج سرطان غدة الجار درقية بالجراحة لأي سبب كان، يمكن استخدام الأدوية لوقف نمو خلايا السرطان إما عن طريق قتلها أو منعها من الانقسام مما يؤدي لتقليل مستويات هرمون الغدة الجار درقية والكالسيوم. يتم تناول العلاج إما عن طريق الفم أو عن طريق حقنة قد تكون وريدية أو عضلية، حيث تعتمد طريقة تقديم العلاج الكيميائي على نوع ومرحلة السرطان المعالج. تدخل الأدوية إلى مجرى الدم وتصل إلى خلايا السرطان في جميع أنحاء الجسم وتؤثر بها. من بين الأدوية المستخدمة سيناكالسيت (ميمبارا).
علاج سرطان غدة الجار درقية بالترددات الراديوية
تستخدم الترددات الراديوية أحياناً لعلاج سرطان غدة الجار درقية، وهو إجراء طبي طفيف التوغل يُعالج السرطان المنتشر. باستخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية يتم تحديد موقع السرطان مما يسمح بالتركيز على المنطقة المستهدفة فقط. يقوم الطبيب باستخدام مولد ترددات راديوية لتوجيه كمية محددة بعناية من الطاقة عبر القطب إلى الأنسجة لإزالة السرطانية المستهدفة. مع الحرارة الناتجة عن الاستئصال بالترددات الراديوية، تتعرض الخلايا للتلف مما يسمح للجسم بالتخلص من الأنسجة المتدهورة بشكل طبيعي كفضلات على مدار عدة أشهر.

قد يتم إعطاء بعض المواد للمريض للتخفيف من المشكلات الناتجة عن المرض أو أحد أنواع علاجه مثل:
- السوائل الوريدية (IV)
- أدوية مدرة للبول
- أدوية تمنع الجسم من امتصاص الكالسيوم
- أدوية تمنع الغدة الجار درقية من إنتاج هرمون الغدة الجار درقية
ما بعد علاج سرطان غدة الجار درقية
تُعتبر المتابعة بعد علاج سرطان غدة الجار درقية أمراً بالغ الأهمية لضمان صحة المريض ومراقبة أي تكرار للمرض أو مضاعفات محتملة. تشمل عملية المراقبة قياس مستويات الكالسيوم وهرمون الغدة الجار درقية بشكل أساسي وتحاليل واختبارات أخرى حيث تُعد هذه القياسات ضرورية لتقييم الحالة الصحية.
يشير الانخفاض الكبير في مستويات الكالسيوم والفوسفات إلى نجاح العملية وهو ما يُعرف بمُتلازمة العظام الجائعة (Hungry Bone Syndrome). في حالة ملاحظة ارتفاع في مستويات الكالسيوم أو هرمون الجار درقي، يجب مراجعة الطبيب المختص حيث قد تشير هذه الزيادة إلى احتمال عودة الورم.
تشمل خطة المتابعة اختبارات الدم وفحوصات بالموجات فوق الصوتية لمنطقة الرقبة، ومن المحتمل أن تستمر هذه المواعيد لعدة سنوات. نظراً لأن سرطان الغدة الجار درقية مرض نادر الحدوث شائع الانتكاس.
ما هي مضاعفات علاج سرطان غدة الجار درقية؟
قد ينتج عن علاج سرطان غدة الجار درقية بالجراحة عدة آثار جانبية، وقد تشمل:
- بحة أو تغييرات في الصوت نتيجة تلف العصب المسؤول عن التحكم في الحبال الصوتية (العصب الحنجري الراجع)
- العدوى في موقع الجراحة
- انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم (نقص كلس الدم)، وهي حالة قد تكون مهددة للحياة وتظهر على شكل ارتعاشات أو حتى نوبات
- تندب
أما علاج سرطان غدة الجار درقية الكيميائي والإشعاعي من الممكن أن تسبب ضرراً على الخلايا الطبيعية مما يؤدي إلى ظهور مضاعفات مثل تساقط الشعر وتقرحات الفم والقيء.
تأكد من إبلاغ فريق طبيبك عن أي آثار جانبية تعاني منها حيث قد تكون هناك إجراءات وأدوية تساعد في التقليل والسيطرة عليها.
مدة الحياة المتوقعة لمرضى سرطان الغدة الجار درقية
يتراوح معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات بين 78-85%، بينما ينخفض إلى 49-70% خلال عشر سنوات. أكثر من نصف الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بسرطان الغدة الجار درقية وخضعوا لعملية جراحية لإزالة الغدة يعانون من تكرار الإصابة بالسرطان. في هذه الحالات غالباً ما يعود السرطان بعد عامين إلى خمس سنوات من الجراحة الأولية ولكن يمكن أن يأتي بعد عقود.
كيف تتم الوقاية من سرطان الغدة الجار درقية؟
للأسف، لا توجد وسيلة معروفة للوقاية من سرطان جارات الدرق ولا يمكن تقليل خطر الإصابة بهذا المرض. إذا كان هناك تاريخ عائلي من أمراض الغدة جارات الدرق فمن المهم أن يتم إخبار الطبيب بذلك.
متى يجب عليك التواصل مع الطبيب؟
يتم إعلامك من قبل الطبيب حول متى يجب عليك الاتصال به. قد يُطلب منك التواصل إذا كنت تعاني من:
- أعراض جديدة أو أعراض تزداد سوءاً
- علامات عدوى مثل الحمى
- آثار جانبية للعلاج تؤثر على حياتك اليومية أو لا تتحسن مع العلاج
استفسر من طبيبك عن العلامات التي يجب أن تراقبها ومتى يجب عليك الاتصال.
يعد سرطان الغدة الجار درقية حالة صحية نادرة تتطلب الوعي والفحص المبكر لتجنب المضاعفات. من الضروري استشارة الأطباء المتخصصين لتحديد خيارات العلاج المناسبة والمتابعة الدورية لضمان صحة المريض. الحفاظ على نمط حياة صحي يمكن أن يساعد في تحسين النتائج وتقليل المخاطر.
المصادر: