التهاب أوتار الرقبة هو حالة التهابية تصيب الأوتار التي تمر عبر منطقة العنق، مما يؤدي إلى تهيج شديد في هذه الأوتار، ويصاحبه ألم قد يمتد إلى الكتف وأحيانًا إلى أعلى الظهر. الأوتار هي هياكل ليفية قوية تربط العضلات بالعظام، وقد يحدث التهابها نتيجة للإجهاد المتكرر أو الحركات غير السليمة التي تتعرض لها الرقبة. من أهم الأعراض المصاحبة لهذه الحالة الألم الشديد وصعوبة الحركة في منطقة الرقبة، مما يؤثر على قدرة الشخص على أداء أنشطته اليومية بشكل طبيعي.
يشيع التهاب أوتار الرقبة في الأشخاص الذين يعانون من إجهاد متكرر أو وضعيات غير سليمة مثل الجلوس لفترات طويلة أمام الحاسوب أو النوم في وضعية خاطئة. كما أن الإجهاد العقلي والبدني قد يسهم في تفاقم الأعراض. في حالة التهاب الأوتار لفترات طويلة أو بشكل مستمر، قد تظهر اختلاطات خطيرة مثل تمزق الوتر، مما يتطلب التدخل الطبي العاجل للحد من هذه المخاطر.
تعتبر الراحة والإجراءات العلاجية المناسبة عاملين أساسيين في علاج التهاب أوتار الرقبة، وتساعدان في الحد من الألم وتسريع عملية التعافي. من المهم أن يتم التعرف على الأعراض مبكرًا، حيث يمكن أن يتسبب تأخير العلاج في تأثيرات سلبية طويلة الأمد على حياة المريض.
الخصائص التشريحية والتغيرات المرتبطة بالتهاب أوتار الرقبة
تُعد الأوتار هياكل ليفية مرنة تربط العضلات بالعظام، وظيفتها الأساسية هي نقل القوة الميكانيكية الناتجة عن انقباض العضلات إلى العظام، مما يتيح حركة الجسم بشكل فعال. وتحيط بهذه الأوتار أغمدة مكونة من نسيج رقيق يسمح لها بالانزلاق بسهولة داخلها، مما يقلل من الاحتكاك ويعزز مرونة الحركة.
فيما يخص أوتار الرقبة، فهي تتوزع إلى مجموعتين رئيسيتين:
- أوتار الرقبة الأمامية: وتشمل وتر العضلة القترائية الذي يربط العضلة بعظم الترقوة، بالإضافة إلى أوتار العضلات المبطحة والقصية اللامية والكتفية اللامية.
- أوتار الرقبة الخلفية: وتشمل أوتار العضلات القذالية، شبه المنحرفة، الرأسية نصف الشوكية، والرأسية الطحالية.
يمكن تعريف التهاب أوتار الرقبة على أنه تهيج أو التهاب يصيب الأوتار العنقية أو الأغمدة المحيطة بها. ويحدث هذا التهيج عادة نتيجة الاستخدام المفرط أو غير السليم للأوتار العنقية. وعلى الرغم من أن غالبية حالات التهاب الأوتار تكون ناتجة عن الإفراط في استخدام الأوتار، إلا أن التهاب أوتار الرقبة يرتبط بشكل رئيسي بوضعية الرقبة غير السليمة، سواء أثناء العمل أو في الأنشطة اليومية.
يُلاحظ أن احتمالية الإصابة بالتهاب أوتار الرقبة تزداد مع التقدم في العمر، وذلك بسبب انخفاض مرونة الأوتار وقدرتها على التمدد مع تقدم السن، مما يجعلها أكثر عرضة للإجهاد والإصابات الناتجة عن التوتر المتكرر.
أعراض التهاب أوتار الرقبة
يُعد التهاب أوتار الرقبة من الحالات التي قد تُسبب مجموعة من الأعراض المؤلمة والتي تؤثر بشكل كبير على القدرة على أداء الأنشطة اليومية. من أبرز هذه الأعراض:
- ألم في أوتار الرقبة: يُعد الألم من الأعراض الرئيسية لالتهاب أوتار الرقبة، حيث يشعر المريض بألم حاد أو مزمن يمتد على طول الوتر، خاصة عند تحريك الرقبة. قد يكون الألم مفاجئاً أو مستمراً وقد يمتد إلى الكتف أيضاً.
- تصلب في الرقبة: ينتج عن التهاب غمد الوتر تورم في الأنسجة المحيطة، مما يؤدي إلى تضيق المساحة التي يتحرك من خلالها الوتر. هذا التضيق يعيق الحركات الطبيعية للرقبة ويحد من مرونتها.
- صداع ناتج عن توتر العضلات المحيطة بالرقبة.
- صوت صرير عند تحريك الرقبة: قد يُسمع صوت احتكاك أو صرير ناتج عن التفاعل بين الأوتار الملتهبة وعضلات الرقبة أثناء الحركة، وهو من العلامات الشائعة لوجود التهاب في الأوتار.
- تورم واحمرار في منطقة الرقبة: ناتج عن الاستجابة الالتهابية للأوتار أو الأغشية المحيطة بها.
- مضض عند لمس الرقبة: حيث يصبح الجلد والأنسجة المحيطة حساسة للمس.
أسباب التهاب أوتار الرقبة
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث التهاب أوتار الرقبة، ويمكن تلخيص هذه الأسباب ضمن مجموعة من العوامل التي تتراوح بين العوامل الحياتية اليومية والأمراض المزمنة. من أبرز هذه الأسباب:
- الوضعية الخاطئة للرقبة: تُعدُّ الوضعية غير السليمة للرقبة أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لالتهاب أوتار الرقبة، حيث يؤدي إحناء الرأس للأمام لفترات طويلة إلى إجهاد الأوتار وتسبب التهابها.
- الإجهاد المتكرر للرقبة: إن التكرار المستمر للحركات غير السليمة، مثل الجلوس لفترات طويلة أمام الحاسوب أو القيادة لمسافات طويلة، يمكن أن يؤدي إلى تعرض الرقبة للإجهاد المتكرر، مما يزيد من خطر حدوث التهاب في الأوتار.
- وضعية النوم الخاطئة: من العوامل المؤثرة في صحة الرقبة هي وضعية النوم، إذ قد تسبب بعض الوضعيات غير المناسبة مثل النوم على البطن التواءً في الرقبة بسبب ضرورة دوران الرأس لفترة طويلة للتنفس، ما يؤدي إلى إجهاد العضلات والأوتار وحدوث الالتهابات.
- التواء الرقبة (المصع): وهو حدوث أذية في الرقبة ناتجة عن حركة قوية مفاجئة وسريعة ذهاباً وإياباً للرقبة ما بين فرط التمدد (للخلف) وفرط الثني (للأمام)، وتتسبب هذه الأذية في تلف العمود الفقري (الفقرات الرقبيّة)، الأوتار، وكذلك الأعصاب.
- الأمراض المزمنة: تساهم بعض الأمراض مثل الحمى الرثوية (الروماتيزمية) وداء النقرس، بالإضافة إلى أمراض الدم والكلى، في ضعف الأوتار والمفاصل والأربطة، ما يؤدي إلى حدوث التهابات في أوتار الرقبة.
- الرضوض: يمكن أن تؤدي الحوادث والضربات المباشرة على الرقبة إلى حدوث إصابات في الأوتار، ما يؤدي إلى حدوث التهاب وألم في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن الألم في الرقبة قد يكون نتيجة لأسباب أخرى كالتقدم بالعمر، الإجهاد البدني، التوتر النفسي، والأورام.

تشخيص التهاب أوتار الرقبة
غالبًا ما يكون الفحص السريري كافيًا لتشخيص التهاب أوتار الرقبة بدقة، حيث يبدأ الطبيب بمراجعة التاريخ الطبي للمريض لتحديد ما إذا كان قد تعرض لإصابات سابقة مثل التواء الرقبة أو انزلاق الديسك. كما يستفسر عن الأنشطة المهنية أو اليومية التي قد تساهم في إجهاد الرقبة، ليتمكن من رسم صورة واضحة للأسباب المحتملة للألم. بعدها، يتبع الطبيب الفحص البدني، الذي يشمل تقييم محاذاة الرأس والرقبة، وفحص نطاق الحركة عند تحريك الرقبة، وكذلك لمس العضلات والأوتار المحيطة للكشف عن أي علامات للإجهاد أو التورم.
وفي معظم الحالات، يكفي هذا الفحص السريري لإجراء التشخيص المناسب، لكن في بعض الحالات التي تتطلب دقة متناهية، قد يطلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات التصويرية. في مقدمة هذه الفحوصات، تأتي الأشعة السينية، التي تُعد وسيلة فعّالة للكشف عن أي خلل في العظام المسببة للألم كالكسور. وإذا كانت الشكوك قائمة بشأن وجود إصابات في الأعصاب أو النخاع الشوكي، قد يوصي الطبيب بالتصوير بالرنين المغناطيسي، الذي يُعد أداة دقيقة لاستكشاف التغيرات في الأنسجة الرخوة والأعصاب والعمود الفقري. وفي حال تعذر استخدام الرنين المغناطيسي، قد يُستعان بالتصوير المقطعي المحوسب، الذي يوفر رؤية دقيقة للنتوءات العظمية أو علامات تآكل العظام.
في بعض الحالات الاستثنائية، قد يلجأ الطبيب إلى فحوصات إضافية لتعزيز التشخيص، مثل الفحوصات الكهربية التشخيصية التي تختبر وظائف الأعصاب واستجابة العضلات. كما قد يُطلب إجراء فحوصات مخبرية، تهدف إلى استبعاد الأسباب الأخرى للألم، كالإصابات الناتجة عن العدوى أو الأمراض الروماتيزمية أو الأورام. تشمل هذه الفحوصات العد الدموي الكامل (CBC)، تحليل البول، وكذلك قياس علامات الالتهاب في الجسم.
من خلال هذا المنهج المتكامل بين الفحص السريري والفحوصات التصويرية والمخبرية، يستطيع الطبيب الوصول إلى التشخيص الدقيق وتقديم العلاج الأنسب، بما يضمن للمريض الشفاء السريع والفعال.
علاج التهاب أوتار الرقبة
تعد معالجة التهاب أوتار الرقبة مشابهة إلى حد كبير لعلاج التهابات أوتار مناطق أخرى من الجسم، مثل علاج التهاب أوتار الكتف أو التهاب أوتار الركبة. الإجراء الأهم في معالجة هذا النوع من الالتهابات هو تجنب العوامل التي قد تساهم في تفاقمها. في الغالب، يمكن معالجة معظم الحالات بالراحة البسيطة، ولكن في بعض الحالات قد يستلزم الأمر اللجوء إلى طرق علاجية أخرى، مثل العلاج الجراحي، خاصة في الحالات الشديدة.
علاج التهاب أوتار الرقبة في المنزل
يبدأ العلاج في المنزل عادةً بالراحة التامة مع استخدام كمادات الثلج على منطقة الرقبة لتخفيف التورم والالتهاب. إلى جانب ذلك، يُنصح بتناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) لتخفيف الألم والتورم المصاحب للالتهاب. وغالباً ما يكون العلاج المنزلي كافيًا لمعظم الحالات، حيث يبدأ المريض في الشعور بتحسن خلال أيام قليلة. ومع ذلك، لا ينبغي الاستعجال في الحكم على العلاج المنزلي، إذ قد يستغرق الشفاء التام من الالتهاب عدة أسابيع أو حتى أشهر.
العلاج الطبيعي (الفيزيائي/البدني) لأوتار الرقبة
يعتبر عادة العلاج الطبيعي الخط الأول في تدبير التهاب أوتار العنق، حيث تساعد تمارين العلاج الفيزيائي على تقوية الأوتار والعضلات، يركز العلاج الفيزيائي على تخفيف آلام الرقبة في المرتبة الأولى، واستعادة الحركة الطبيعية للرقبة في المرتبة الثانية. يشمل العلاج الطبيعي عدة تقنيات مثل العلاج اليدوي، العلاج بالليزر، التحفيز الكهربائي للأوتار، بالإضافة إلى استخدام الحرارة الرطبة والثلج لتقليل الالتهاب. تكمن أهمية العلاج الطبيعي في معالجة الحالات المزمنة، حيث يُعدّ الأساس الذي يضع المريض على طريق الشفاء التام.
علاج التهاب أوتار الرقبة بالإبر الجافة
يتم هذا العلاج عن طريق إدخال إبر جافة في الوتر المصاب وذلك بهدف تحفيزه على التقلص والانقباض، مما يساعد على تخفيف ألم الرقبة وتحسين نطاق الحركة.
العلاج بالأمواج فوق الصوتية
في هذا العلاج، يتم إجراء شق صغير للوصول إلى الوتر المتضرر، ثم يتم استخدام الأمواج فوق الصوتية لإزالة التندب الذي قد يكون تشكل في الأوتار نتيجة الالتهاب المستمر.
العلاج الجراحي
في بعض الحالات التي لا تنجح فيها العلاجات الأخرى، قد يتطلب الأمر التدخل الجراحي، خصوصًا في حالات تمزق الأوتار أو انفصالها عن العظم. في حالة تمزق الوتر، يقوم الطبيب بخياطة أطراف الأوتار الممزقة مع بعضها، بينما في حالة انفصال الوتر عن العظم، يتم إعادة ربطه بالعظم باستخدام تقنيات جراحية متقدمة. تلي الجراحة فترة من الراحة التامة لعدة أسابيع لضمان شفاء الأوتار بشكل كامل، ويُستكمل العلاج بالعلاج الطبيعي لاستعادة الحركة التدريجية للرقبة.
اختلاطات التهاب أوتار الرقبة
إذا تم تجاهل التهاب أوتار الرقبة وعدم معالجته بشكل مناسب، فقد تنشأ عدة اختلاطات خطيرة. من أبرز هذه الاختلاطات:
- تمزق الأوتار: قد يؤدي الالتهاب المزمن إلى تمزق الأوتار، ما يتسبب في ألم شديد، تورم، وصعوبة في حركة الرقبة. قد يُسمع أو يُشعر بصوت فرقعة عند حدوث التمزق، وقد يصبح المريض غير قادر على تحريك الرقبة بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى تغيير دائم في وظيفة العضلات.
- تقلص الأوتار: في بعض الحالات، قد يتسبب الالتهاب الطويل الأمد في تصلب الأوتار أو غمد الأوتار، مما يحد من حركة الرقبة ويؤثر على مرونتها.
- تندب الأوتار: يؤدي الالتهاب المستمر إلى تشكل ندبات في الأوتار، مما يعوق أدائها الوظيفي ويؤدي إلى التصاق الأوتار بالبُنى التشريحية المحيطة.
الوقاية من التهاب أوتار الرقبة
يمكن تقليل احتمالية الإصابة بالتهاب أوتار الرقبة باتباع بعض الإجراءات الوقائية البسيطة. من أبرز هذه الإجراءات:
- تصحيح الوضعية: يعد تصحيح الوضعية أثناء الجلوس، الوقوف، والمشي من أهم وسائل الوقاية. فالوضعية السليمة تُخفف الضغط على الأوتار وتقلل من الإجهاد الواقع على الرقبة.
- أخذ فترات راحة منتظمة: يُنصح بأخذ فترات راحة قصيرة كل 15 إلى 30 دقيقة في حالة العمل المكتبي أو الجلوس أمام الكمبيوتر لفترات طويلة، وذلك لتقليل الضغط المستمر على الأوتار.
- ضبط وضع الشاشة: يجب وضع شاشة الكمبيوتر بشكل مستقيم بحيث تكون على مستوى العين، لتجنب الانحناء الطويل للرأس والرقبة. هذه العادة تساعد في تقليل الإجهاد على أوتار الرقبة، مما يقلل من احتمالية حدوث التهاب.

في الختام، يعد التهاب أوتار الرقبة من الحالات الشائعة التي يمكن أن تحدث نتيجة للوضعية الخاطئة للرقبة لفترات طويلة، مما يؤدي إلى إجهاد الأوتار وزيادة خطر التهابها. إن تجاهل علاج هذه الحالة قد يتسبب في مضاعفات خطيرة، مثل تمزق الأوتار وتقييد حركة الرقبة بشكل دائم، مما يؤثر بشكل سلبي على حياة الشخص وجودتها. لذا، من الضروري التعرف المبكر على الأعراض والأسباب المؤدية إلى التهاب الأوتار في الرقبة، والعمل على تشخيص الحالة وعلاجها بشكل فعال لتجنب تلك الاختلاطات المؤلمة.
ومن هنا يأتي دور المستشفى التركي بيماريستان في تقديم الرعاية الصحية الممتازة لعلاج هذه الحالات. بفضل كفاءة أطبائه المتخصصين في علاج أمراض الأوتار والعمود الفقري، بالإضافة إلى توافر أحدث المعدات الطبية، يستطيع المرضى الحصول على تشخيص دقيق وعلاج فعال يضمن لهم الشفاء السريع والعودة إلى حياتهم الطبيعية. يعكس مشفى بيماريستان التزامًا عاليًا بالجودة والرعاية الصحية المتكاملة، مما يجعلها الخيار الأمثل لمن يسعى للحصول على أفضل علاج لهذه الحالات الطبية.
المصادر التي استُعين بها في كتابة المقال:
- Neck Pain. Physical Therapy Department Staff, University Health Services
- Neck Strain. The Sports Medicine Patient Advisor
- Neck pain. NHS Foundation Trust
- Management of Neck Pain (with or without arm pain). Tyneside Integrated Musculoskeletal Service
- Neck Pain. Healthshare Information for Guided Patient Management