الاستجماتيزم (Astigmatism) يعدّ من أكثر اضطرابات النظر شيوعاً حول العالم، حيث يعاني منه ملايين الأشخاص بدرجات متفاوتة دون أن يدرك بعضهم السبب الحقيقي وراء تشوش الرؤية أو الصداع المتكرر. تتمثل المشكلة في أن العين لا تستطيع تركيز الضوء بشكل صحيح على الشبكية، مما يؤدي إلى رؤية ضبابية أو مشوشة عند النظر إلى الأشياء القريبة أو البعيدة.
رغم أن الاستجماتيزم قد يبدو مزعجًا، إلا أنه من الحالات التي يمكن تشخيصها بسهولة وعلاجها بوسائل متعددة، مما يساعد المريض على استعادة وضوح الرؤية والتمتع بحياة يومية أكثر راحة.
لمحة عن العين والأوساط الكاسرة
لفهم الاستجماتيزم (اللابؤرية) لا بد أولًا من التعرف على كيفية عمل الجهاز البصري وأهم الأوساط الكاسرة للضوء في العين.
تحدث الرؤية عندما تمر أشعة الضوء عبر القرنية ثم العدسة، حيث تعمل هذه البُنى معًا على كسر الأشعة وتجميعها لتسقط بدقة على الشبكية. تقوم القزحية بتنظيم كمية الضوء الداخل من خلال التحكم في حجم الحدقة (البؤبؤ).
- القرنية (Cornea): هي الجزء الأمامي الشفاف من العين، وتُعد السطح الكاسر الأساسي للضوء، حيث تساهم بمعظم القدرة الانكسارية. تمتاز بحساسيتها العالية للألم نظرًا لغناها بالأعصاب، في حين أنها خالية من الأوعية الدموية.
- العدسة (Lens): تقع خلف القزحية والحدقة داخل محفظة شفافة رقيقة، وتعمل على تعديل انكسار الضوء بما يتناسب مع المسافات المختلفة، تمامًا كما تفعل عدسة الكاميرا عند التركيز.
- الشبكية (Retina): تحتوي على ملايين الخلايا الضوئية (العُصي والمخاريط) التي تحول الإشعاع الضوئي إلى إشارات كهربائية تُنقل عبر العصب البصري إلى الدماغ ليُعاد تشكيل الصورة النهائية بالحجم والوضعية الصحيحين.
بهذا التناغم بين الأوساط الكاسرة والشبكية والجهاز العصبي البصري، يتمكن الإنسان من رؤية الأجسام بوضوح.
ما هو الاستجماتيزم (اللابؤرية)؟
الاستجماتيزم (اللابؤرية) هو اضطراب عيني شائع أو خطأ في انحناء أي من الاوساط أو السطوح الكاسرة Refractive surface في العين يؤدي إلى رؤية مشوشة أو ضبابية أو غير موجهة، حيث تكون القرنية غير مستديرة أي أنَّ سطحها غير كروي توجد درجة معينة من الاستجماتيزم عند معظم الناس حتى إن لم يشعروا بخلل في الرؤية عندهم.

يوجد عدة طرق لتصنيف الأستجماتيزم بناءً على عدة عوامل:
حسب البنية المسؤولة عن الخلل
- اللابؤرية (الاستجماتيزم) القرنيّة: يكون الخلل هنا في أحد سطوح القرنية.
- اللابؤرية (الاستجماتيزم) العدسيّة: يكون الخلل هنا في أحد سطوح العدسة.
كما يمكن أن يكون الخلل في كلتا البنيتين وفي سطحهما الأمامي أو الخلفي.
بناءً على خطوط الطول أوالمحاور العينية
تتكون العين من عدة خطوط طول، للشرح أكثر نفترض أنَّ مقدمة العين عبارة عن وجه ساعة أو دائرة مركزها منتصف الحدقة، وكل خط طول يصل بين رقمين مختلفين (كالأقطار في الدائرة)، وإنَّ خطوط الطول الرئيسية هما خطان: أحدهما يصل بين الساعة الثالثة والساعة التاسعة والآخر يصل الساعة السادسة والساعة 12.
وفي الاستجماتيزم astigmatism يعد خطا الطول الأكثر تسطحاً والأكثر تحدباً (حدة) هما خطا الطول الرئيسيان Principle meridians، يعد فهم خطوط الطول أمراً ضرورياً عند الحديث عن الأنواع المختلفة وحسب هذه الخطوط يقسم الأستجماتيزم إلى:
الاستجماتيزم المنتظم Regular astigmatism
في هذه الحالة تكون خطوط الطول الرئيسية متعامدة وتكون القوة الكاسرة للقرنية ثابتة في كل محور من المحاور المتعامدة، وهذا النوع هو الاكثر شيوعاً
يمكن تقسيم اللابؤرية (الاستجماتيزم) المنتظمة بشكل أوسع إلى:
- الاستجماتيزم وفق القاعدة With-the-rule astigmatism: شائع بين الأطفال حيث تكون القوة الكاسرة لخط الطول العمودي أكبر ويكون هو الأكثر تحدباً (حدةً) ويظل قريباً من 90 درجة.
- الاستجماتيزم ضد القاعدة Against-the-rule astigmatism: يظل خط الطول الأفقي قريباً من 180 درجة وتكون قوته الكاسرة أكبر من المحور العامودي وهو أمر شائع عند كبار السن.
- الاستجماتيزم المائل Oblique astigmatism: يتم التشخيص إذا لم تكن خطوط الطول الرئيسية عند 90 درجة أو 180 درجة، هنا، شكل مقلة العين يشبه كرة القدم الأمريكية المائلة، حيث تقع خطوط الطول الرئيسية بين 30 و 60 درجة و 120 درجة و 150 درجة.
كما يمكن تقسيم الاستجماتيزم المنتظم بناءً على خلل الرؤية الذي يحدث (والناجم عن اختلاف القوة الكاسرة في المحاور المتعامدة)
- الاستجماتيزم المنتظم البسيط Simple regular astigmatism: يقصد به أن أحد محوري القرنية يجلب بؤرة الصورة على الشبكية بينما المحور الآخر يجلبها أمام أو خلف الشبكية، أي أن هذا النوع من الاستجماتيزم غير مصحوب بقصر النظر ولا بطوله.
- الأستجماتيزم المنتظم المركب Compound regular astigmatism: في هذا النوع يعاني المريض من مد النظر أو قصر النظر، حيث يقوم كلا خطي الطول بتركيز بؤرة الصورة أمام (حسر النظر) أو خلف (مد النظر) الشبكية.
- الاستجماتيزم المنتظم المختلط Mixed regular astigmatism: وفي هذه الحالة يقوم أحد المحوران بتركيز بؤرة الصورة أمام الشبكية والآخر خلف الشبكية.
الاستجماتيزم غير المنتظم Irregular astigmatism
تكون خطوط الطول الرئيسية غير متعامدة وتكون القوة الكاسرة للقرنية مختلفة على طول المحور الواحد. وهي غير شائعة مقارنةً بالنوع المنتظم ونراه غالبا عند أذيات العين الخارجية نتيجة الرضوض أو العمليات الجراحية.
نلاحظ أنً تصينف اللابؤرية معقد ويمكن القول أنَّ لكل مريض تصنيف خاص به ولكن هذه التصنيفات وضعت لتسهيل الأمور ووضع أرضية للخطة العلاجية ومن ثم التعديل عليها.
أسباب اللابؤرية (الاستجماتيزم)
الاستجماتيزم (اللابؤرية) هو أحد أكثر اضطرابات النظر شيوعاً، لكن السبب الدقيق لحدوثه ما يزال غير واضح تماماً. ومع ذلك، فقد توصل الأطباء إلى مجموعة من العوامل التي تساهم في ظهوره أو زيادته، وتشمل:
1. العوامل الوراثية
غالبًا ما تكون موجودة اللابؤرية منذ الولادة، مما يشير إلى دور أساسي للوراثة في تحديد شكل القرنية أو العدسة.
2. أمراض وحالات عينية
- القرنية المخروطية (Keratoconus): وهي حالة مرضية تتميز بترقق القرنية وتحولها إلى شكل مخروطي غير منتظم، ما يؤدي إلى درجات شديدة لا يمكن تصحيحها بالكامل باستخدام النظارات الطبية، وقد تستدعي زراعة القرنية في بعض الحالات.
- إصابات وجراحات العين: مثل جراحة زرع العدسات أو العمليات التي تُجرى على القرنية، حيث يمكن أن تغير من انتظام سطح القرنية.
3. العوامل الميكانيكية
الضغط المستمر للجفون على القرنية أو الفرك المزمن للعينين قد يزيد من خطر الإصابة أو تفاقم درجات اللابؤرية، لذلك يُنصح بتجنب هذه العادات.
4. عوامل غير صحيحة شائعة
خلافًا لما يعتقده الكثيرون، فإن اللابؤرية لا ينتج عن القراءة في ضوء خافت أو تقريب الكتب من العين.
5. ارتباط الاستجماتيزم باضطرابات أخرى
عادة ما تترافق اللابؤية مع قصر النظر (Nearsightedness) أو طول النظر (Farsightedness) وتُعرف هذه الحالات مجتمعة باضطرابات الانكسار البصري.
اعراض الاستجماتزم (اللابؤرية)
تتباين الأعراض وتختلف باختلاف شدة و أنواع اللابؤرية وتشمل الأعراض غالباً:
- ضبابية الرؤية Blurred vision أو تشوهها عند كل المسافات.

- الصداع.
- صعوبة في الرؤية في الليل Night Vision (صعوبة القيادة مساءً).
- تهيج و إجهاد عيني Eyestrain.
- التحديق الطويل حتى توضح الرؤية.
- تؤثر اللابؤرية في عمق الرؤية وتحديد البعد و وضوح الشكل الحقيقي ل الأشياء ويمكن أن يشعر المريض بعدم التوازن.
يمكن أن تسبب اللابؤرية عند الأطفال ما يعرف بالعين الكسولة.
طرق تشخيص اللابؤرية في تركيا
تطوّرت وسائل تشخيص اللابؤرية في تركيا بشكل كبير، مما ساعد على اكتشاف الحالة بدقّة ووضع الخطة العلاجية المناسبة لكل مريض. وتُعد الفحوصات الدورية أمراً مهمًا خصوصًا عند الأطفال الذين قد لا يلاحظون الخلل البصري أو يظنونه طبيعياً، وكذلك عند المراهقين للكشف المبكر عن أمراض مثل القرنية المخروطية (Keratoconus).
عادة يبدأ الطبيب بفحص بصري روتيني، وفي حال وجود خلل يتم اللجوء إلى وسائل تشخيص أكثر دقّة، ومن أهمها:
1. اختبار حدّة البصر (Visual Acuity Test)
يُطلب من المريض قراءة حروف أو تحديد اتجاهها من مخطط على مسافة معيّنة، لتقييم وضوح الرؤية وتحديد أي ضعف بصري.
2. اختبار الانكسار (Refraction Test)
يُجرى باستخدام جهاز يُسمّى Phoropter يحتوي على عدسات متعددة بقوى مختلفة. يبدّل الطبيب العدسات تدريجياً ويطلب من المريض قراءة المخطط حتى يتم تحديد العدسة الأنسب لتصحيح الرؤية واللابؤرية.
3. مقياس انحناء القرنية (Keratometer)
يقيس درجة انحناء القرنية عبر تسليط ضوء عليها ومراقبة انعكاسه. يساعد هذا الفحص في اختيار العدسات المناسبة والتفريق بين اللابؤرية الاعتيادية والمرتبطة بأمراض مثل القرنية المخروطية.
4. طبوغرافيا القرنية (Corneal Topography)
فحص متقدّم يرسم خريطة ثلاثية الأبعاد لتضاريس القرنية وانحناءاتها، ما يوفّر صورة دقيقة عن طبيعة اللابؤرية ويساعد الطبيب في تحديد العلاج الأنسب.
علاج الاستجماتيزم (اللابؤرية) في تركيا
شهدت تركيا في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في طرق علاج الاستجماتيزم أو اللابؤرية، حيث تنوّعت الوسائل الطبية لتناسب مختلف أنواع عيوب الإبصار ودرجات اللابؤرية، بدءاً من الحالات البسيطة وحتى الشديدة.
قد تكون الحالة خفيفةً وغير عرضيةً فلا تحتاج إلى علاج، لكن في حال تسببت بأعراض مزعجةً مثل تشوش الرؤية أو صداع متكررٍ أو ضعف في النشاط اليومي، يصبح من الضروري مراجعة طبيب العيون لتشخيص الحالة بدقّةٍ واختيار العلاج الأنسب.
1. العدسات المصحِّحة
العلاج الأساسي لمعظم حالات اللابؤرية هو استخدام العدسات المصححة، سواء على شكل نظارات طبية أو عدسات لاصقة. تمنح العدسات مجال رؤية أوسع مقارنةً بالنظارات، لكنها قد تسبب التهابات عند إهمال قواعد النظافة.
أنواع العدسات اللاصقة:
- العدسات الحيدية أو التوريك: عدسات لينة صُممت خصيصاً لعلاج اللابؤرية، وتتميز بامتلاكها قوتين بصريتين؛ واحدة للرؤية البعيدة وأخرى لتصحيح الانحراف.
- العدسات الصلبة: ما تزال الخيار الأفضل في حالات اللابؤرية الشديدة، إذ توفر دقّةً أعلى في تصحيح الرؤية.
2. تقويم القرنية (Ortho-K)
في هذه الطريقة يضع المريض عدسات صلبة خاصة أثناء النوم تعمل على تعديل انحناء القرنية مؤقتاً، مما يحسن الرؤية خلال النهار. إلا أنّ التأثير يبقى مؤقتاً ويزول عند التوقف عن استخدامها.
3. الجراحة بالليزر
الجراحة بالليزر من أنجح الطرق الحديثة لعلاج اللابؤرية بشكل دائم، وقد حققت نسب نجاح مرتفعة في تركيا.
- عملية الليزك (LASIK): يتم إنشاء سديلة رقيقة في سطح القرنية باستخدام ليزر خاص، ثم يُعاد تشكيل القرنية بأشعة الليزر لتحسين تركيز الضوء على الشبكية.
- عملية الـ PRK: تزال الطبقة السطحية الرقيقة من القرنية ثم يُعاد تشكيلها بالليزر وبعد العملية تُوضع عدسة لاصقة واقية حتى تنمو الخلايا الظهارية مجدداً.
- عمليات أخرى مثل تشطيب القرنية (RK) تم الاستغناء عنها بسبب مضاعفاتها ونتائجها غير المستقرة.

4. زراعة القرنية
في بعض الحالات المتقدمة، خصوصاً عند وجود قرنية مخروطية أو تضرر شديد بالقرنية، قد يكون الحل الأمثل هو زراعة قرنية جديدة وهي عملية متوفرة أيضاً في المراكز الطبية المتخصصة في تركيا.
في النهاية، يُعد الاستجماتيزم أو اللابؤرية اضطراباً بصرياً شائعاً يمكن تشخيصه وعلاجه بسهولة بفضل التطور الطبي الحاصل في تركيا. تتنوع الخيارات العلاجية ما بين النظارات، العدسات اللاصقة وتقويم القرنية والجراحات الحديثة بالليزر وصولاً إلى زراعة القرنية في الحالات المتقدمة. اختيار العلاج الأنسب يعتمد على درجة اللابؤرية وحالة المريض الصحية. لذلك فإن استشارة طبيب عيون مختص تُعتبر خطوة أساسية للحصول على رؤية أوضح وحياة يومية أكثر راحةً وجودةً
المصادر:
- National Eye Institute. (2024, December 4). Astigmatism. National Institutes of Health. Retrieved September 4, 2025
- EyeCare Optical Knoxville. (n.d.). Astigmatism. Retrieved September 4, 2025
- Debrowski, A., & Mangan, T. (2025, June 23). Astigmatism. In All About Vision (Medically reviewed by T. Stokkermans, OD, PhD, FAAO). Retrieved September 4, 2025