إن أورام الغدة النخامية هي من الحالات الطبية التي تستقطب اهتمام الأطباء والباحثين كثيراً، ذلك بسبب تأثيرها المباشر على توازن الهرمونات في الجسم بالإضافة لدورها في تنظيم العديد من العمليات الحيوية. تقع الغدة النخامية التي تسمى أحياناً “المايسترو الهرموني” في قاعدة الدماغ بالقرب من مركز الدماغ، وتعد واحدة من أهم الغدد الصماء نظراً لأنها تفرز هرمونات تؤثر على العديد من الأعضاء والوظائف الحيوية مثل النمو والأيض.
تختلف أنواع أورام الغدة النخامية بشكل كبير وتختلف في حجمها ونوع الهرمون الذي تفرزه والأعراض المصاحبة لها، الأمر الذي يجعل التشخيص المبكر والعلاج الفعّال ذو أهمية كبيرة ومع التقدم العلمي والتقني تطورت طرق التشخيص والعلاج وأصبحت الخيارات أكثر تنوعاً وفعالية.
ما هي أورام الغدة النخامية؟
أورام الغدة النخامية هي نمو غير طبيعي يحدث في خلايا الغدة النخامية، وغالباً ما تكون أدينوما وهو نوع حميد من الأورام أي ليس سرطانياً ولا ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، ولكن حجمها وتأثيرها يمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة، حيث يمكن أن تتسبب هذه الأورام في زيادة أو نقص إفراز الهرمونات، مما يؤدي إلى ظهور أعراض متنوعة تؤثر على الصحة العامة للمريض.
تتفاوت أحجام أورام الغدة النخامية بشكل كبير، حيث يمكن أن تكون صغيرة جداً (مجهرية) أو كبيرة الحجم (عيانية)، وتُعرف حينها باسم الأورام الضخمة أو الغولية، وتُعد هذه الأورام من أكثر الأسباب شيوعاً لاضطرابات الهرمونات عند البالغين.
أنواع أورام الغدة النخامية
تختلف أنواع أورام الغدة النخامية بناءً على نوع الهرمون الذي تفرزه أو عدم إفرازها لأي هرمون لتصنف الى أنواع كثيرة من الأورام نذكر منها ثلاث أنواع:
الأورام التي تفرز هرمونات
- برولاكتينوما: أكثر أنواع أورام الغدة النخامية شيوعاً وتفرز هرمون البرولاكتين، مما يسبب اضطرابات في الدورة الشهرية وإفراز الحليب غير الطبيعي وضعف الرغبة الجنسية.
- أورام هرمون النمو: تؤدي إلى زيادة إفراز هرمون النمو وتسبب مرض غريفز أو تضخم الأطراف.
- أورام تفرز الكورتيزول: تؤدي إلى متلازمة كوشينغ والتي تتسم بزيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم وضعف العضلات.
- أورام تفرز هرمونات أخرى: مثل الثايرويد أو هرمونات الغدة الكظرية.
الأورام التي لا تفرز هرمونات
- غالباً ما تكون حميدة
- غالباً ما تتظاهر قبل اكتشافها بأعراض انضغاطية للورم مثل الصداع واضطرابات الرؤية
الأورام الكبيرة او الغولية
يكون حجمها كبيراً وتضغط على الأنسجة المجاورة وتسبب أعراضاً أكثر حدة.
أسباب أورام الغدة النخامية
حتى الآن، الأسباب الدقيقة لظهور أورام الغدة النخامية غير معروفة بشكل كامل، لكن هناك العديد من العوامل التي يُعتقد أنها تلعب دورًا في تطورها وتشمل:
- العوامل الوراثية: بعض الحالات الوراثية النادرة، مثل متلازمة Multiple Endocrine Neoplasia (MEN)، تزيد من احتمالية الإصابة بأورام الغدة النخامية والطفرات الجينية التي تؤثر على نمو الخلايا وتكاثرها.
- العوامل البيئية: التعرض للإشعاع أو المواد المسرطنة قد يُزيد من خطر الإصابة بأورام الغدة النخامية، خاصةً إذا كان التعرض مفرطاً أو مستمراً.
- اضطرابات في توازن الهرمونات: بعض الحالات التي تؤدي إلى اضطرابات هرمونية قد تكون مرتبطة بظهور أورام في الغدة النخامية، إلا أن العلاقة ليست مباشرة دائماً.
- التقدم في العمر: حيث تزداد احتمالية ظهور الأورام مع التقدم في السن.
- أمراض سابقة: مثل اضطرابات الغدة الصماء أو أورام أخرى.
أعراض أورام الغدة النخامية
تتنوع أعراض أورام الغدة النخامية بشكل كبير حسب نوع الورم وحجمه ومكانه بالإضافة إلى الهرمونات التي يفرزها، فيما يلي أبرز الأعراض التي قد تظهر على المريض:
الأعراض الناتجة عن اضطرابات الهرمونات
- زيادة هرمون الكورتيزول: تؤدي إلى متلازمة كوشينغ، والتي تتسم بزيادة الوزن، ارتفاع ضغط الدم، وضعف العضلات.
- فرط إفراز هرمون البرولاكتين: يسبب ضعف الرغبة الجنسية وعدم انتظام الدورة الشهرية أو إفراز حليب غير مرتبط بالرضاعة.
- زيادة هرمون النمو: تؤدي إلى تضخم الأطراف، وتغيرات في ملامح الوجه، وألم في المفاصل.
- اضطرابات في وظيفة الغدة الدرقية: نقص أو فرط إفراز هرمونات الغدة الدرقية.
الأعراض الناتجة عن ضغط الورم على الأنسجة المحيطة
- مشاكل في الرؤية: خاصة فقدان المجال البصري أو ضعف الرؤية، نتيجة ضغط الورم على العصب البصري.
- الصداع المستمر: غالباً ما يكون في منطقة الرأس، ويزداد مع نمو الورم.
- مشاكل في التوازن والدوخة
أعراض اخرى
- التعب والإرهاق العام
- اضطرابات في النوم
- اضطرابات في المزاج مثل الاكتئاب أو القلق
الكشف عن أورام الغدة النخامية
لاكتشاف ورم الغدة النخامية وتشخيصه، من المرجح أن يتحدث الطبيب مع المريض عن تاريخه الطبي الشخصي والعائلي وإجراء فحص جسدي. قد تشمل اختبارات الكشف عن ورم الغدة النخامية أيضاً ما يلي:
- اختبارات الدم: يمكن أن تظهر اختبارات الدم ما إذا كان الجسم يحتوي على كمية كبيرة جداً أو قليلة جداً من بعض الهرمونات.
- اختبارات البول: يمكن استخدام اختبار البول للمساعدة في تشخيص الورم الحميد في الغدة النخامية الذي ينتج الكثير من هرمون ACTH، إن الزيادة من ACTH يؤدي إلى زيادة الكورتيزول في الجسم ويسبب مرض كوشينغ.
- التصوير بالرنين المغناطيسي: يمكن أن يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ في اكتشاف ورم الغدة النخامية وإظهار موقعه وحجمه.
- التصوير المقطعي المحوسب: يكون التصوير المقطعي المحوسب مفيداً في التخطيط لعملية جراحية إذا أخبر الطبيب المريض بضرورة إزالة ورم في الغدة النخامية.
- اختبار الرؤية: يمكن أن يؤثر ورم الغدة النخامية على البصر وخاصة الرؤية الجانبية والتي تسمى أيضاً الرؤية المحيطية، قد يساعد اختبار العنين للتحقق من مدى قدرة المريض على الرؤية.

علاج أورام الغدة النخامية
يعتبر علاج أورام الغدة النخامية من أكثر التحديات التي تواجه الطب الحديث أهميةً، إن اغلب الحالات تتطلب تقييماً واضحاً ودقيقأ وخطة علاجية متكاملة لضمان أفضل النتائج الممكنة للمريض، ومع التقدم التكنولوجي والبحث العلمي المستمر أصبحت خيارات العلاج أكثر تنوعاً وفعالية، مما يسهم في تحسين معدلات الشفاء وتقليل المضاعفات.
يعتمد اختيار العلاج المناسب على عدة عوامل، منها حجم الورم وموقعه ونوعه والحالة الصحية العامة للمريض بالإضافة إلى الأعراض المصاحبة سواء كان العلاج جراحياً أو دوائياً أو إشعاعياً أو موجهاً، فإن الهدف الرئيسي هو السيطرة على النمو وتقليل الأعراض ومنع انتشار المرض، وفي هذا السياق يلعب التشخيص المبكر والدقيق دوراً حاسماً في تحسين فرص العلاج وتحقيق نتائج إيجابية على المدى الطويل.
علاج أورام الغدة النخامية بالجراحة
الجراحة هي العلاج الرئيسي للعديد من أورام الغدة النخامية، حيث تعتمد كيفية إجراء الجراحة و مدى نجاحها على عدة عوامل بما في ذلك نوع الورم وما إذا كان قد انتشر إلى الأنسجة القريبة، يوجد الكثير من الطرق لإزالة أورام الغدة النخامية بالجراحة، حيث يكمن الاختلاف في الطريقة للوصول إلى هذا الورم.
الجراحة عبر الوتد
هذه هي الطريقة الأكثر شيوعاً لإزالة أورام الغدة النخامية، يقوم الجراح أولاً بعمل قطع صغير داخل الأنف، ثم يفتح الجدران العظمية للجيب الوتدي بأدوات جراحية صغيرة، يتم بعد ذلك تمرير أدوات صغيرة أخرى عبر الفتحة للوصول إلى الغدة النخامية لإزالة الورم.
يمكن للجراح أن ينظر إلى الورم والأنسجة المجاورة باستخدام المنظار، وهو أنبوب رفيع من الألياف الضوئية مزود بكاميرا فيديو صغيرة عند طرفه، حيث لا يتم لمس أي جزء من الدماغ أثناء الجراحة عبر الوتد، وبالتالي فإن خطر أذية الدماغ منخفضة جداً. عندما يتم إجراء هذه الجراحة بواسطة جراح أعصاب ذي خبرة ويكون الورم صغيراً تكون فرص إزالته بالكامل عالية

حج القحف (جراحة فتح الجمجمة)
إذا كان ورم الغدة النخامية أكبر أو أكثر تعقيداً، فقد تكون هناك حاجة إلى حج القحف. تتم هذه الجراحة من خلال فتحة في الجزء الأمامي من الجمجمة من أحد الجانبين، ثم يجب على الجراح أن يشق بعناية أسفل فصوص الدماغ وبينها للوصول إلى الورم.
تنطوي عملية بضع القحف على فرصة أكبر لإصابات الدماغ والآثار الجانبية الأخرى مقارنةً بالجراحة عبر الوتدي للأورام الصغيرة، ولكنها أكثر أماناً للأورام الكبيرة والمعقدة لأن الجراح أكثر قدرة على رؤية الورم والوصول إليه بالإضافة إلى الأعصاب والأوعية الدموية القريبة.
علاج أورام الغدة النخامية بالإشعاع
إذا تعذرت إزالة جزء من ورم الغدة النخامية أثناء الجراحة ولم تتمكن الأدوية من السيطرة على الأعراض، فقد يستخدم الأطباء العلاج الشعاعي عن طريق تسليط جرعة واحدة عالية من الطاقة لتدمير الخلايا السرطانية عند المريض على مدار عدة جلسات علاجية، حيث يوجد العديد من أنواع العلاجات الشعاعية التي تهدف إلى إزالة أورام الغدة النخامية.
جراحة سكين غاما
جراحة سكينة غاما هي تقنية تستخدم أشعة مركزة بدقة لعلاج أورام صغيرة في الغدة النخامية أو أجزاء من الأورام التي لم تزال بالكامل بعد الجراحة، وتعتمد على توجيه حزم إشعاعية متعددة وموجهة بدقة عالية إلى الورم في جلسة واحدة، مع حماية الأنسجة الحيوية المجاورة من الإشعاع الزائد.
خلال الإجراء، يُثبت المريض بواسطة إطار على الرأس لضمان عدم حركته، مما يسمح بتحديد الهدف بدقة عالية. تعتبر هذه الجراحة علاجاً خارجياً غير جراحي، وتستغرق عادة بضع ساعات فقط.

العلاج الشعاعي التجسيمي
يستخدم العلاج الإشعاعي التجسيمي مسرعاً خطياً، وهو جهاز يدور حول المريض أثناء العلاج، ويوصل الإشعاع من اتجاهات مختلفة مع تقليل الجرعة إلى الأنسجة السليمة القريبة، حيث يقوم الأطباء بتوصيل جرعات متعددة من الإشعاع إلى ورم الغدة النخامية على مدار عدة أسابيع، بدلاً من جلسة علاج واحدة. يتم اختيار هذا للأورام الأكبر حجماً، وتتم العلاجات في العيادات الخارجية
العلاج الشعاعي بالحزم الخارجية
قد يستخدم الأطباء العلاج الإشعاعي الخارجي لأورام الغدة النخامية الكبيرة أو الأجزاء الكبيرة من الورم التي تبقى بعد الجراحة، حيث يقدم المسرع الخطي الجرعة الإشعاعية الخارجية للورم، ويستخدم الأطباء برامج تخطيط العلاج التي تتضمن التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب أو الأشعة السينية التي تنشئ صوراً ثلاثية الأبعاد ومقطعية للورم لاستهداف الورم بدقة.
يتم تقسيم علاجات العلاج الإشعاعي الخارجي إلى جرعات صغيرة يتم إعطاؤها عادةً مرة واحدة يومياً أو خمسة أيام في الأسبوع لعدة أسابيع، إن تقسيم العلاجات إلى جرعات صغيرة يمكّن الطبيب من توفير ما يكفي من الإشعاع لتدمير الورم بشكل فعال مع تقليل مخاطر الآثار الجانبية.
علاج اورام الغدة النخامية بالأدوية
إذا كانت هناك حاجة لتناول الأدوية لعلاج ورم الغدة النخامية أو للمساعدة في تنظيم الهرمونات بعد الجراحة أو العلاج الإشعاعي، أو لتعويض أي هرمونات مفقودة، فسيتم توفير هذه الأدوية للمريض ليأخذها في المنزل. تشمل الأدوية التي تُستخدم في علاج أورام الغدة النخامية ما يلي:
- بروموكريبتين وكابيرجولين: وتستخدم لعلاج أورام الغدة النخامية التي تسمى أورام البرولاكتين، والتي تنتج الكثير من هرمون البرولاكتين. يمكن لهذه الأدوية علاج الأورام البرولاكتينية عن طريق تقليل إفراز البرولاكتين وغالباً ما تؤدي إلى تقليص الورم.
- نظائر السوماتوستاتين: مثل Lanreotide أو Octreotide لأورام الغدة النخامية التي تنتج هرمون النمو بشكل مفرط، تقلل هذه الأدوية من إنتاج هرمون النمو وقد تقلل من حجم الورم. يمكن أيضاً استخدام هذه الأدوية لعلاج أورام الغدة النخامية التي تنتج هرمون الغدة الدرقية بشكل مفرط.
- الكيتوكونازول (Nizoral): يستخدم لعلاج أورام الغدة النخامية التي تسبب استدارة الوجه أو الحدبة بين الكتفين أو أعراض أخرى تتمثل في إنتاج الجسم لكمية كبيرة من الكورتيزول، وهو هرمون ستيرويدي طبيعي، يقلل هذا الدواء من إفراز الكورتيزول ولكنه لا يقلص الورم أو يوقف إنتاج الهرمون.
الوقاية والكشف المبكر عن أورام الغدة النخامية
إن الوقاية والكشف المبكر عن أورام الغدة النخامية يتطلبان جهداً متواصلاً من المجتمع والأطباء، حيث يجب زيادة الوعي بأعراض اضطرابات الهرمونات مثل الصداع المستمر واضطرابات الرؤية وتغيرات في الدورة الشهرية خاصةً للأشخاص المعرضين وراثياً أو الذين يعانون من أمراض هرمونية مزمنة.
يُنصح بإجراء فحوصات دورية للهرمونات وتصوير بالرنين المغناطيسي بشكل منتظم للكشف عن أي أورام صغيرة في مراحل مبكرة، قبل أن تتطور وتسبب مضاعفات خطيرة، كما أن استخدام التقنيات الحديثة مثل التحليل الرقمي للهرمونات والتصوير المتقدم يسهل من عملية التشخيص المبكر ويزيد من دقة النتائج. بالإضافة إلى ذلك فإن تبني نمط حياة صحي وتقليل التعرض للعوامل المسببة يعزز من الوقاية بشكل فعال.
التوعية المستمرة والتثقيف الصحي ضروريان للحد من مخاطر المرض وتحسين فرص العلاج المبكر، مما يساهم في تقليل المضاعفات وتحقيق نتائج علاجية أفضل.
أخيراً، تعتبر أورام الغدة النخامية من الحالات التي تتطلب تقييماً دقيقاً وعلاجاً مبكراً للحفاظ على صحة المريض وتحسين نوعية حياته. مع التقدم في تقنيات التشخيص والعلاج، أصبحت نتائج العلاج أكثر فعالية، ويمكن السيطرة على معظم أنواع الأورام بشكل ناجح. إذا لاحظت أعراضاً مرتبطة باضطرابات هرمونية أو مشاكل في الرؤية، يُنصح بمراجعة الطبيب المختص لإجراء الفحوصات اللازمة والحصول على العلاج المناسب في الوقت المناسب.
المصادر: