تثير قضية تأخر النطق عند الأطفال قلق الأهالي والأطباء خوفاً على قدرة الطفل التواصلية والاجتماعية والتعليمية، حيث تكتسب دراسة تأخر النطق أهمية كبيرة من خلال قدرتها على الكشف المبكر، بما يسهم في تحسين جودة حياة الطفل وتطوره المستقبلي.
تتنوع أسباب تأخر النطق عند الأطفال بين عوامل وراثية وبيئية ونفسية، مما يتطلب من الأهل فهم الحالة بشكل دقيق وإدراك عوامل الخطر والأعراض التي تدل على تأخر النطق، بالإضافة إلى إدراك دورهم في تعزيز تطور النطق لدى الطفل.
ما هو تأخر النطق عند الأطفال؟
أولاً، لا بد من توضيح مصطلح النطق، حيث أنّه الفعل الجسدي لإصدار الأصوات ولفظ الكلمات، ويشير تأخر النطق عند الأطفال إلى عدم تطور مهارات التواصل لدى الطفل بالشكل المعتاد أو الطبيعي، ومن الممكن أن يكون على شكل صعوبة في إصدار الأصوات أو تكوين الكلمات، ومن الممكن أن يفهم الطفل بعض الكلمات، لكنّه يكون غير قادر على نطقها بوضوح أو غير قادر على ربطها معاً لتكوين جملة ومحادثة، أي أنّ تأخر النطق لا يشمل الفهم أو التواصل غير اللفظي.
يجب تمييز تأخر النطق عند الأطفال عن تأخر الكلام، إذ من الممكن أن يعاني الطفل من مشاكل في الفهم والتواصل سواء كان لفظياً أم غير لفظي، ويكون الطفل قادراً على إصدار الأصوات الصحيحة ونطق بعض الكلمات، لكن يكون غير قادر على فهم الآخرين، قد يعاني الطفل تأخر في النطق أو تأخر في الكلام وقد تتداخل الحالتان معاً.

ما هو الفرق بين تأخر النطق الطبيعي وتأخر النطق الناتج عن اضطراب؟
يمر جميع الأطفال بمراحل مختلفة من تطور النطق واللغة، ولكن هذا النطاق الطبيعي من الممكن أن يختلف كثيراً، نتيجة التعرض لعوامل بيئية وعوامل وراثية مختلفة، وقد يكون تأخر النطق عند الأطفال بسبب اضطرابات مختلفة مثل الحالات العصبية أو فقدان السمع أو مشاكل في حركات الفم أو اضطرابات النمو بالإضافة للتوحد.
أسباب تأخر النطق عند الأطفال
تتنوع أسباب تأخر النطق عند الأطفال، منها ما يكون وراثياً أو بسبب عوامل بيئية أو ناتج عن اضطرابات أخرى، تشمل تلك الاضطرابات ما يلي:
- ضعف السمع: الطفل الذي لا يسمع جيداً، أو يسمع بشكل مشوش، سيواجه صعوبة في تكوين الكلمات.
- اضطراب طيف التوحد: يؤثر بشكل كبير على النطق واللغة والتواصل، على الرغم من أنّ ليس جميع المصابين بالتوحد يعانون من تأخر لغوي.
- الاضطرابات الفموية: إذ يعاني بعض الأطفال من مشكلات في المهارات الحركية الفموية، تنتج عن مشاكل في مناطق الدماغ المسؤولة عن النطق، مما يؤدي إلى صعوبة في تنسيق حركة الشفاه واللسان والفك لإنتاج الأصوات.
- المشكلات العصبية: إذ تؤثر بعض المشكلات العصبية في النطق، مثل الشلل الدماغي والحثل العضلي وإصابات الدماغ الرضية.
العوامل البيئية وتأثيرها على تأخر النطق عند الأطفال
تلعب العوامل البيئية دوراً مهماً في تأخر النطق عند الأطفال، إذ يمكن أن يؤثر المحيط الأسري والاجتماعي في سرعة تعلمهم، وقد يؤدي نقص التحفيز والتفاعل اللغوي إلى تأخر ملحوظ في تطور النطق والتواصل، ما يلي عدد من العوامل البيئية وتأثيرها على تطور النطق:
- بيئة المنزل: تأثر على تطور النطق من خلال توفير بيئة للتعلم عن طريق توفر الكتب والأنشطة التعليمية.
- مشاركة الوالدين: من خلال المشاركة الفعالة في التواصل مع الأطفال.
- الرعاية الصحية: التدخل المبكر في المشاكل المتعلقة بالنطق.
- التغذية السليمة: التي تدعم نمو الدماغ بشكل عام.
العوامل الوراثية وتأثيرها على تطور اللغة
تلعب العوامل الوراثية دوراً كبيراً في اختلاف تطور النطق لدى الأطفال، حيث أثبتت الأبحاث أنّ الأطفال التي تنتمي لعائلات لها تاريخ في مشكلات النطق أو اللغة يكونون أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بهذه الاضطرابات، ويساعد فهم هذه العوامل الوراثية في الكشف المبكر عن حالات تأخر النطق عند الأطفال ووضع خطة للعلاج مع الطبيب المختص، ما يلي مجموعة من العوامل الوراثية المرتبطة بتطور النطق:
- التاريخ العائلي لمشكلات النطق: زيادة الخطر بتأخر النطق.
- الاضطرابات الجينية: احتمالية حدوث صعوبات في النطق.
- اضطراب اللغة النوعي: يتأثر النطق بشكل مباشر.
الأعراض التي تدل على تأخر النطق عند الطفل
الأطفال الذين يعانون من تأخر النطق، قد تتطور لديهم مشاكل في تطور اللغة، إذ يواجهون صعوبة في استخدام اللغة للتعبير عما يحتاجون، إذ يظهر لديهم الأعراض التالية:
- صعوبة في تركيب الكلمات لتكوين جملة، أو تكون جملهم بسيطة وقصيرة والكلمات غير مرتبة بشكل صحيح
- امتلاك مفردات أقل من أقرانهم في نفس العمر
- استخدام غير صحيح للأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل)
- حذف بعض الكلمات من الجمل أثناء التحدث
- صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة أثناء التحدث
متى يجب على الأهل القلق من تأخر النطق لدى أطفالهم؟
في بعض الأحيان يكون من الصعب ملاحظة علامات تأخر النطق عند الأطفال، لذلك يمكن مراقبة العلامات التي تظهر في أعمار معينة والتي تدل على هذه الحالة، ومن هذه العلامات ما يلي:
- الانتباه للآخرين: يجب أن يبدأ الطفل بالانتباه إلى وجوه الآخرين بين عمر شهر و 4 أشهر.
- المناغاة: يجب أن تبدأ بين ال4 وال6 أشهر، ويبدأ بهذا العمر بإصدار أصوات تحوي على حروف العلة.
- التعرف على اسمه: يجب أن يبدأ الطفل في الالتفات عند سماع اسمه بين ال6 وال9 أشهر.
- الكلمة الأولى: يقول معظم الأطفال كلمتهم الأولى في حوالي عمر 12 شهراً.
- التواصل بالإيمائات: بحلول عيد ميلاده الأول، يكون قادراً على استخدام الإيمائات مثل التلويح للوداع.
- استخدام الصوت كوسيلة أساسية للتواصل: بحلول عمر 18 شهراً، يجب أن يستخدم التواصل اللفظي أكثر من الإيمائات، بالإضافة إلى أن يكون قادراً على تقليد الأصوات.
- إنتاج الكلمات والعبارات تلقائياً: يجب أن يكون الطفل قادراً على قول الكلمات والعبارات من تلقاء نفسه وفهم واتباع التعليمات اللفظية بحلول السنتين تقريباً.
كيفية تشخيص تأخر النطق عند الأطفال
يعاني 10-20% من الأطفال من تأخر النطق في عمر السنتين، ويكون الذكور أكثر عرضة من الإناث بثلاث مرات، وغالباً لا يعانون من أية اضطراب في النطق ويلحقون بأقرانهم بحلول سن الثالثة، بعد إجراء تقييم طبي شامل سيقوم طبيب الطفل بإحالته إلى أخصائي أمراض النطق واللغة، سيقوم هذا الطبيب بتقييم مهارات الكلام واللغة لدى الطفل، من خلال تقييم ما يفهمه الطفل وما يستطيع الطفل قوله، بالإضافة إلى تطور الأصوات ووضوح الكلام والحالة الحركية الفموية للطفل (كيف ينسق الفم واللسان وسقف الحلق وكذلك الأكل والبلع).
استناداً إلى نتائج الفحوصات قد يوصي أخصائي أمراض النطق واللغة بإجراء فحوصات أخرى عند أخصائيين غيره، مثل:
- أخصائي السمع
- طبيب أنف وأذن وحنجرة
- طبيب أعصاب
- أخصائي نفسي

طرق علاج تأخر النطق الفعالة
يعتمد نوع علاج تأخر النطق عند الأطفال على سبب ونوع المشكلة التي أدت لتلك الحالة، إذ يقوم أخصائي النطق والعلاج بمساعدة الطفل على تعلم كيفية نطق جميع الأصوات ودمجها لتكوين كلمات، ومساعدة الطفل على فهم معاني الكلمات وأنواع الجمل المختلفة، وتعليم الطفل فهم الإشارات الاجتماعية والتواصل في الحالات المختلفة، بالإضافة لتعليم الطفل استخدام برامج خاصة على الحاسوب أو الجهاز اللوحي أو الهاتف الذكي، بعض هذه البرامج يتضمن دروساً في النطق، وأخرى تتيح للطفل التواصل من خلال رموز، كما سيقوم الأخصائي بتوصية تركيب سماعة طبية عند الحاجة.
من الممكن أن يتم العلاج في مراكز إعادة تأهيل الأطفال، إذ يقوم أخصائي النطق بمساعدة الطفل على تطوير مهارات التواصل الوظيفي اللغوي عبر عدة جلسات يتم من خلالها علاج الطفل باستخدام وسائل وتقنيات حديثة متطورة.
العلاج السلوكي واللغوي للأطفال المصابين بتأخر النطق
يركز العلاج اللغوي على تنمية المهارات التعبيرية والاستقبالية من خلال جلسات منتظمة يشرف عليها أخصائي النطق واللغة، بينما يهدف العلاج السلوكي إلى تعديل السلوكيات المصاحبة لصعوبات التواصل، مثل الانسحاب الاجتماعي أو نوبات الغضب أو الإحباط الناتج عن عدم القدرة على التعبير، يعد الدمج بين العلاج السلوكي والعلاج اللغوي من الأساليب الفعالة في معالجة تأخر النطق عند الأطفال، حيث أظهرت الأبحاث العلمية أن التكامل بين هذين النوعين من العلاج يسهم بشكل ملحوظ في تحسين نتائج التدخل، لا سيما لدى الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نمائية إضافية مثل اضطراب طيف التوحد.
التدخل المبكر لعلاج تأخر النطق
يعد التدخل المبكر في علاج تأخر النطق لدى الأطفال، المفتاح الأساسي للقضاء على هذه الحالة وزيادة فرصة الطفل في تخطي المشكلات اللغوية وخاصةً عند تلقيه العلاج اللغوي من قبل أخصائي النطق واللغة، إذ يساعد هذا العلاج على تحسين قدرات الطفل في النطق والتعبير والفهم، مما يعزز بثقته بنفسه وقدرته على التفاعل الاجتماعي، إذ يجب على الأبوين القيام بإجراء تقييم مبكر لأي طفل تظهر عليه أعراض تأخر النطق واللغة، لتحديد ما إذا كان بحاجة إلى تدخل مختص.

دور الأسرة في تعزيز تطور النطق لدى الأطفال
يعد الوالدان الركن الأساسي في دعم الطفل الذي يعاني من تأخر النطق، إذ يعد التفاعل اليومي بين الطفل والأسرة أساساً لبناء المهارات اللغوية المبكرة، ويعد الثناء الإيجابي على محاولات الطفل في التعبير عاملاً مهماً في بناء الثقة وتشجيع المحاولة المتكررة للتعلم.
عند وجود تأخر في النطق، فإن التعاون بين الأسرة والمتخصصين في النطق يعد عنصراً حاسماً في نجاح خطة العلاج، وعند توفير بيئة لغوية محفزة وداعمة في المنزل ينعكس بشكل مباشر على قدرات الطفل التعبيرية والاستقبالية، مما يجعل دور الأسرة عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في هذا العلاج.
نصائح للآباء لدعم تطور النطق لدى الأطفال في المنزل
ما يلي مجموعة من النصائح التي تساعد الآباء لدعم تطور النطق وعلاج هذا الاضطراب:
- التحدث مباشرة إلى الطفل، وإن كان لمجرد وصف ما يفعل الوالديين
- استخدام الإيمائات والإشارة إلى الأشياء أثناء نطق الكلام
- القراءة للطفل، والتحدث عن الصور أثناء القراءة
- منح الطفل كامل الإنتباه أثناء التحدث إليه
- غناء أغاني بسيطة وسهلة التكرار
- تكرير الكلمات بالشكل الصحيح دون توجيه نقد مباشر للأخطاء
في الختام، يعد تأخر النطق عند الأطفال من المشاكل الشائعة التي يتعرض لها الأطفال ولكنها قابلة للعلاج عند التدخل المبكر، إذ يلعب التشخيص الدقيق والعلاج المناسب، إلى جانب دور الأسرة، دوراً حاسماً في دعم تطور النطق لدى الطفل.
المصادر:
- National Center for Biotechnology Information. (2021). Speech and language delay and disorders in children. In StatPearls. .StatPearls Publishing
- .McLaughlin, M. R. (2011). Speechand language delay in children. American Family Physician, 83(10), 1183-1188