شهدت تقنيات علاج كسور الفقرات تطوراً كبيراً على مر السنين، بدءاً من الطرق التقليدية التي كانت تركز على تخفيف الألم فقط، وصولاً إلى رأب الفقرة (Vertebroplasty)، والتي شكلت نقلة نوعية في حينها ومع الحاجة إلى نتائج أفضل بمضاعفات أقل، جاءت عملية رأب الفقرات بالبالون (Balloon Kyphoplasty) كخطوة متقدمة ومبتكرة، حيث اليوم تُعد هذه التقنية خياراً معتمداً عالمياً، مدعوماً بنتائج سريرية قوية، وتُستخدم على نطاق واسع بفضل أمانها وسرعة تأثيرها الإيجابي على جودة حياة المرضى، كما تتميز تركيا بتقديم هذه التقنية بأحدث الأساليب الطبية، مما يجعلها وجهة مفضلة للمرضى من مختلف أنحاء العالم.
ما هي عملية رأب الفقرات بالبالون؟
عملية رأب الفقرات بالبالون هي تقنية طبية متقدمة تهدف إلى علاج الكسور الانضغاطية التي تصيب فقرات العمود الفقري، وغالباً ما تنتج عن هشاشة العظام أو إصابات بسيطة لدى كبار السن، تُعد هذه العملية خياراً فعالاً لتخفيف الألم وتحسين جودة حياة المريض دون الحاجة إلى جراحة كبرى أو تدخل جائر.
ما الفكرة العلاجية الأساسية خلف عملية رأب الفقرات بالبالون؟
تعتمد هذه التقنية على مبدأ بسيط لكنه فعّال وهو إعادة الفقرة المصابة إلى وضعها الأقرب إلى الطبيعي ثم تثبيتها لمنع مزيد من الانهيار أو التشوه، ويتم ذلك باستخدام أداة خاصة تعمل على رفع الجزء المنهار بلطف، مما يخلق مساحة يمكن تعبئتها بمادة طبية قوية تعمل على دعم الفقرة من الداخل، النتيجة هي تخفيف سريع للألم واستعادة التوازن والاستقرار في العمود الفقري.
ما هي الحالات المناسبة لعملية رأب الفقرات بالبالون؟
يعتمد اختيار الخيار العلاجي الأمثل لمريض الكسر الفقري الضغطي على مجموعة من العوامل، تشمل شدة الأعراض الألمية والمدة الزمنية منذ حدوث الكسر ودرجة فقدان ارتفاع الجسم الفقري ووجود تشوهات في البنية التشريحية للعمود الفقري بالإضافة إلى حالة الاستقرار العصبي للمريض، تعد عملية عملية رأب الفقرات بالبالون الخيار الأمثل في الحالات التالية:
- كسور ضغط فقري حديثة: عادةً ما تكون بسبب هشاشة العظام أو الرضوض الحادة ويكون فيه الألم موضعي شديد مع فشل محاولة العلاح المحافظ لمد أسبوعين.
- كسور فقارية ناتجة عن أورام: مثل النقائل العظمية (أورام الثدي وأورام البروستات) والورم النقوي المتعدد، حيث يكون الكسر مؤلماً ويضعف البنية العظمية.
- كسور متعددة: مثل كبار السن الذين لديهم أكثر من كسر فقري حديث، مما يؤدي إلى انحناء شديد في الظهر واختلال مركز الثقل وقصور تنفسي نسبي.
- حالات لا يتحمل فيها المريض الراحة الطويلة: مثل مرضى القلب أو كبار السن، الذين يؤدي بقاؤهم في الفراش إلى مضاعفات كالجلطات بسبب ركود الدم.
- كسر فقري يسبب تشوهاً في العمود الفقري (حداب مؤلم): يكون فيه انخفاض في ارتفاع الفقرة وتكون زاوية الحداب أكبر من 30 درجة.
- كسر غير حديث ولكن لا يزال مؤلماً ومستقراً شعاعياً

متى تكون عملية رأب الفقرات بالبالون غير مستطبة؟
تكون عملية رأب الفقرات بالبالون غير مستطبة في الحالات التي يكون فيها الكسر بسيطاً ولا يرافقه فقدان في ارتفاع الفقرة أو تشوه، عندها يكون رأب الفقرة بالأسمنت فقط (vertebroplasty) كافياً، كونه إجراء أبسط وأقل تكلفة، أما إذا وُجدت علامات ضغط على النخاع الشوكي أو جذور الأعصاب مثل ضعف الأطراف أو خلل في التبول، فإن عملية رأب الفقرات بالبالون تكون غير كافية ويجب اللجوء إلى جراحة مفتوحة مثل عملية تثبيت الفقرات، كذلك في حال كان الكسر قديماً وغير مؤلم أو شُفي تلقائياً فلا يُوصى بأي تدخل جراحي سواءاً بالبالون أو غيره.
كيف يستعد المريض لعملية رأب الفقرات بالبالون؟
على المريض الاستعداد والتحضير بشكل جيد قبل الخضوع للعملية للتقليل من المخاطر وتحقيق أفضل نتيجة ممكنة ولتحقيق ذلك يلزم اتباع خطوات والقيام ببعض الفحوصات للتأكد من أنه بصحة جيدة للخضوع للجراحة، فيما يلي الخطوات المهمة للأشياء التي يجب القيام بها قبل الجراحة:
- تناول الأدوية: مناقشة الأدوية التي تتناولها حاليا قبل الخضوع لعملية رأب الفقرات بالبالون، أيضاً قد يصف الطبيب بعض الأدوية على سبيل المثال قد يصف المضادات الحيوية للوقاية من العدوى، وقد يُطلب من المريض التوقف عن تناول بعض الأدوية، مثل مضادات التخثر لتقليل خطر النزيف أثناء الجراحة.
- الاستحمام: الطلب من المريض أن يقوم بالاستحمام وذلك بهدف تقليل مستوى الجراثيم على سطح الجلد وبالتالي تقليل خطر العدوى وقد يطلب الجراح استخدام صابون مضاد للبكتيريا، كما يساعد الاستحمام على الاسترخاء الذهني.
- التوقف عن الأكل والشرب: يجب على المريض التوقف عن تناول الطعام والشراب في الوقت الذي يحدده الطبيب قبل الجراحة.
- إجراء فحص بدني
- طلب تصوير بالأشعة السينية للعمود الفقري أو التصوير الطبقي المحوري (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
- مناقشة أي أمراض حديثة أصابت المريض
- التحدث عن أي حساسيات قد تكون لدى المريض
- طلب فحوصات دموية
- التقليل أو الإقلاع عن التدخين
سيتم أيضاً تحديد موعد العملية خلال هذه الزيارة، حتى يكون لدى المريض الوقت الكافي للاستعداد لها.
ما هي طريقة إجراء عملية رأب الفقرات بالبالون؟
في البداية، يتولى طبيب التخدير مسؤولية تقييم الحالة العامة للمريض، ويقرر نوع التخدير المناسب بالتنسيق مع الجراح المسؤول عن الإجراء، يتم إما استخدام التخدير العام أو التخدير المعتدل (التسكين الواعي)، والذي يسمح للمريض بالبقاء في حالة وعي منخفضة دون الشعور بألم كبير، يُحدد نوع التخدير بناءاً على عوامل عدة، منها مدى تعقيد الإجراء والحالة الصحية العامة للمريض.
بعد التخدير، يُوضع المريض في وضعية الاستلقاء على البطن على طاولة العمليات، يُستخدم جهاز خاص للتصوير الشعاعي يعرف باسم الفلوروسكوبي (Fluoroscopy) وهو نوع من التصوير بالأشعة السينية، لتوجيه الأدوات الجراحية بدقة إلى المنطقة المصابة في العمود الفقري، من خلال هذه التقنية يتم إدخال إبرة مجوفة تُدعى تروكار (Trocar) عبر الجلد والأنسجة الرخوة لتصل إلى داخل الفقرة المتضررة، بمجرد الوصول إلى الموضع الصحيح، يُدخل الجراح جهازاً صغيراً يشبه البالون من خلال التروكار إلى داخل جسم الفقرة، يتم بعد ذلك نفخ هذا البالون تدريجياً بهدف استعادة الارتفاع الأصلي للفقرة الذي فُقد نتيجة الانضغاط، يساعد هذا الانتفاخ في خلق تجويف داخلي ضمن الفقرة المتكسرة.

بعد تحقيق الارتفاع المرغوب وتكوين الحيز المناسب، يُفرغ البالون من الهواء ويُزال ثم يُحقن بنوع خاص من الإسمنت الطبي المصنوع من مادة البولي ميثيل ميثاكريلات (PMMA) داخل التجويف المُشكَّل، هذا الإسمنت يتميز بسرعة تماسكه وصلابته العالية، يُستخدم لتثبيت الفقرة ومنع انهيارها مجدداً، يساهم هذا التثبيت في تقليل الألم المزمن المرتبط بالكسور الفقرية وتحسين الاستقرار البنيوي للعمود الفقري، كما يُساعد المريض على استعادة جزء من القدرة الحركية والنشاط اليومي.
تُعد هذه العملية من الإجراءات ذات التدخل الجراحي البسيط مقارنة بجراحات العمود الفقري الأخرى وغالباً ما تكون مدتها قصيرة نسبياً، حيث يتعافى المريض منها خلال فترة وجيزة مع تحسن ملموس في الأعراض.

ما بعد عملية رأب الفقرات بالبالون: التعافي والرعاية المنزلية
بعد الانتهاء من إجراء عملية رأب الفقرات بالبالون، يخضع المريض لمرحلة تعافي مهمة تتطلب اتباع تعليمات طبية دقيقة لضمان أفضل النتائج، إليك التفاصيل الكاملة لما يمكن توقعه:
- الفترة الأولى بعد الجراحة (24-48 ساعة): يُراقب الفريق الطبي العلامات الحيوية (مثل الضغط والنبض) قبل السماح للمريض بمغادرة المستشفى، ويتم إعطاء مسكنات للألم حسب الحاجة، حيث أن بعض الألم الخفيف أو الانزعاج حول موضع الجرح أمر طبيعي، كما يُشَجع المريض على الحركة الخفيفة مثل المشي القصير في نفس اليوم لتحسين الدورة الدموية ومنع التجلطات.
- العودة إلى المنزل والتعافي (الأسبوع الأول): يمكن العودة إلى العمل المكتبي خلال أيام إذا كانت الوظيفة لا تتطلب مجهوداً بدنياً، لكن يُمنع رفع أي أشياء ثقيلة أو الانحناء المفاجئ لمدة أسبوعين على الأقل، ينصح أيضاً بتجنب القيادة لمدة 24-48 ساعة على الأقل، كما يجب الحفاظ على الجرح جافاً ونظيفاً مع تغيير الضمادة حسب تعليمات الطبيب والابتعاد عن أحواض الاستحمام أو المسابح حتى يلتئم الجرح تماماً
- المتابعة الطبية والعلاج طويل المدى: إن زيارة المتابعة تُحدد عادة بعد أسبوع إلى أسبوعين لفحص التئام العظام وحالة الإسمنت العظمي عبر الأشعة السينية، كما يجب البدء بعلاج دوائي إذا كان سبب الكسر هشاشة العظام مثل البايفوسفونيت مع مكملات الكالسيوم وفيتامين د، أيضاً في بعض الحالات يُنصح بجلسات علاج طبيعي لتحسين وضعية الجسم وتقوية عضلات الظهر.
- النتائج المتوقعة على المدى الطويل: إن معظم المرضى يلاحظون تحسناً كبيراً خلال 48 ساعة، مع استعادة جزئية لطول الفقرة المصابة، يُنصح بالمحافظة على نمط حياة صحي (تمارين خفيفة، تغذية غنية بالكالسيوم) لمنع كسور جديدة.
فوائد عملية رأب الفقرات بالبالون
- تسكين الألم السريع: حيث أن غالبية المرضى يشعرون بتحسن كبير خلال 24–72 ساعة بعد عملية رأب الفقرات بالبالون.
- تقليل الحاجة إلى المسكنات القوية: حيق لوحظ انخفاض في استخدام الأفيونيات، مما يؤدي لتجنب المضاعفات الدوائية مثل اضطرابات الجهاز الهضمي والتأثيرات العصبية ومخاطر السقوط.
- استعادة ارتفاع الفقرة جزئياً: حيث يؤدي إجراء عملية رأب الفقرات بالبالون إلى تحسن في ارتفاع الجسم الفقري وتصحيح زاوية الحداب.
- تثبيت الفقرة ومنع مزيد من الانضغاط: حيث يؤدي إلى تقوية جسم الفقرة وخفض معدل الكسور الجديدة.
- تحسين القدرة على الحركة والمشي: حيث تساعد عملية رأب الفقرات بالبالون على العودة السريعة للأنشطة اليومية، كما تحسن في مؤشرات الحركة.
- تقليل فترات الرقود في السرير، مما يساعد على تقليل خطرالخثار الوريدي وقرحات الضغط
- تحسين نوعية الحياة نتيجة زوال الألم وتحسن القدرة الحركية، مما يساعد على عودة المريض لحياته الاجتماعية ونشاطه الطبيعي بسرعة
كما أن عملية رأب الفقرات بالبالون إجراء غير جراحي ويستغرق وقتا قصيرا ولا يتطلب العلاج الطبيعي أو إعادة التأهيل بعد ذلك.
الفرق بين عملية رأب الفقرات بالبالون وبين الطرق التقليدية في علاج كسور العمود الفقري
تُعتبر الكسور الانضغاطية للفقرات من المضاعفات الشائعة خصوصاً تلك الناتجة عن هشاشة العظام من المشكلات الشائعة لدى كبار السن، وقد تترتب عليها مضاعفات وظيفية وهيكلية تؤثر بشكل كبير على جودة حياة المريض، تقليدياً كان التعامل مع هذه الكسور يتم بوسائل محافظة وغير جراحية، مثل الراحة في الفراش لفترات مطولة واستخدام المسكنات القوية بالإضافة إلى الوسائل الداعمة مثل الأحزمة الظهرية أو التقويمات إلى جانب العلاج الفيزيائي التدريجي،ورغم أن هذه المقاربات قد تكون فعالة في بعض الحالات، إلا أنها غالبًا ما تكون محدودة الأثر، حيث تهدف هذه الوسائل إلى تخفيف الألم والسيطرة على الأعراض، دون أي تدخل مباشر في إصلاح الكسر نفسه أو معالجة التشوه الناتج عنه.
إلا أن هذه الأساليب التقليدية تُظهر عدة قيود خاصةً عندما يتعلق الأمر بالكسور الشديدة أو المستمرة فهي لا تُسهم في إعادة ارتفاع الفقرة المنهارة ولا تمنع تدهور الانحناء القطني أو زيادة التشوه القوامي، مما قد يؤدي مع الوقت إلى اختلال في التوازن الحركي وانخفاض القدرة الوظيفية ومضاعفات مثل آلام مزمنة واضطرابات تنفسية ومشاكل في الجهاز الهضمي نتيجة الضغط على الأعضاء، كما أن طول مدة التعافي تحت هذه المعالجات قد يُسهم في حدوث مضاعفات مرتبطة بقلة الحركة، مثل الجلطات الوريدية أو فقدان الكتلة العضلية.
في المقابل، تُعد عملية رأب الفقرات بالبالون (Balloon Kyphoplasty) من الابتكارات الحديثة، جاءت لتقدم حلاً تدخلياً فعالاً وآمناً. تقوم هذه التقنية على مبدأ استعادة ارتفاع الفقرة المنهارة جزئياً عبر إدخال بالون طبي يُنفخ بلطف داخل جسم الفقرة. بعد ذلك، يُحقن تجويف العظم الناتج بمادة إسمنتية تدعم الفقرة وتثبتها في وضعها الجديد.
تتميز هذه الطريقة بعدة مزايا مثبتة في الأدبيات العلمية، منها: التخفيف السريع للألم وتحسين القدرة على الحركة في وقت قصير وتقليل الحاجة لاستخدام المسكنات القوية واستعادة القوام الطبيعي جزئيًا مما ينعكس إيجاباَ على الوظائف الحيوية الأخرى، كما أظهرت دراسات متعددة أن معدلات المضاعفات المرتبطة بهذه التقنية منخفضة، خاصة عند تطبيقها وفقاً للمعايير المناسبة.
بناءً عليه، فإن الفرق الجوهري بين الطريقتين يكمن في أن الوسائل التقليدية تركز على التكيف مع الإصابة، في حين أن رأب الفقرات بالبالون يسعى إلى تصحيحها واستعادة الوضع البنيوي الطبيعي للفقرات، مما يُمثل نقلة نوعية في علاج الكسور الانضغاطية ويدعم نهجًا أكثر فاعلية في الرعاية الطبية لمرضى العمود الفقري.
في الختام، إن عملية رأب الفقرات بالبالون هي إجراء جراحي طفيف التوغل يستخدم لعلاج كسور العمود الفقري، حيث يتم إدخال بالون صغير في الفقرة المكسورة ثم يتم نفخ البالون لاستعادة ارتفاع الفقرة المنهارة ويتم ملء الفراغ بإسمنت خاص لتثبيت الفقرة وتقليل الألم، تساعد جراحة رأب الفقرات بالبالون المرضى على استعادة الحركة وتقليل الألم والانزعاج الناجم عن كسور العمود الفقري، مما يسمح بالتعافي بشكل أسرع وتحسين نوعية الحياة.
المصادر:
- Medical Advisory Secretariat. (2004). Balloon kyphoplasty: An evidence-based analysis. Ontario Health Technology Assessment Series, 4(12), 1–45.
- Ebeling, P. R., et al. (2019). The efficacy and safety of vertebral augmentation: A second ASBMR Task Force report. Journal of Bone and Mineral Research, 34(1), 3–21.