شهد مجال الأطراف الاصطناعية تطوراً كبيراً في العقود الأخيرة، ولم يعد هذا المجال يقتصر على تعويض الأطراف بشكل ميكانيكي فقط، بل تطور الأمر إلى ابتكار الأطراف الاصطناعية الإلكترونية، كأحد أعظم إنجازات الطب الحيوي والهندسة العصبية.
يبلغ عدد المصابين ببتر في الأطراف حوالي 57.7 مليون شخص في العالم، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بمجال الأطراف الصناعية الإلكترونية، إذ تمثل هذه التقنية نقلة نوعية في حياة المريض وتوفر لهم قدرة أكبر على أداء المهام اليومية بدقة وسلاسة، وتعزز من شعورهم بالاستقلالية والثقة بالنفس.
ما هي الأطراف الاصطناعية الإلكترونية؟
تعد الأطراف الاصطناعية الإلكترونية أحد أفضل الاختراعات في مجال التأهيل الحركي، وتستخدم لتعويض الأطراف المبتورة، وتعد أطراف تعمل ويتحكم بها بواسطة الإشارات الكهربائية التي تنتجها عضلات المريض المتبقية في الطرف المبتور، وتعد أكثر طبيعية ودقة مقارنةً بالأطراف التقليدية (الميكانيكية التي تعتمد على قوة الجسم)، كما يمكن في بعض الأنظمة الحديثة دمج الطرف مع تقنيات التغذية الراجعة الحسية مما يسهم في زيادة جودة الحركة.

مكونات الأطراف الاصطناعية الإلكترونية
تتكون الأطراف الاصطناعية الإلكترونية من نظام معقد يجمع بين الهندسة الميكانيكية والإلكترونيات مع علوم الحاسوب، مما يوفر حركة طبيعية واستجابة ذكية، ولفهم عمل هذه الأطراف بدقة، لا بد من التركيز على ثلاثة عناصر أساسية تؤدي الدور المركزي في عمل الأطراف الاصطناعية الإلكترونية، وهي الحساسات والمعالجات والمحركات.
الحساسات
تعد أعين وأذان الطرف الاصطناعي، إذ تستقبل الإشارات من الجسم أو من البيئة المحيطة وتحولها إلى إشارات كهربائية يمكن معالجتها، وتوجد عدة أنواع للحساسات وهي:
- الحساسات الكهربائية العضلية (EMG sensors): تستقبل الإشارات الكهربائية الناتجة عن انقباض العضلات في بقايا الطرف، تركب غالباً على سطح الجلد في الطرف المتبقي.
- حساسات القوة والضغط: تقوم بقياس الضغط والقوة المطبقة على جزء معين من الطرف، إذ تستخدم لتحسين التحكم وتوفير التغذية الراجعة.
- حساسات الوضع والحركة: يعد مقياس للتسارع، حيث يراقب وضع الطرف وحركته في الفراغ.
- حساسات اللمس: تستخدم في الأطراف الذكية لمنح الطرف القدرة على استشعار الأشياء عند لمسها.
المعالجات
يعتبر المعالج بمثابة الدماغ الذي يستقبل الإشارات ويحللها لاتخاذ قرار حركي، ويقوم بمعالجة الإشارات الحيوية وتضخیم وفلترة وتفسير الإشارة العضلية لتحديد نية الحركة، ويقوم بتنفيذ خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو التحكم، إذ أنّ بعض الأطراف تستخدم خوارزمیات تعلم آلي للتكيف مع طريقة استخدام المريض للطرف، ويقوم أيضاً بتحديد مقدار وسرعة واتجاه حركة المفصل أو الإصبع بناءً على مدخلات الحساسات.
المحركات
تعد المحركات بمثابة العضلات التي تنتج الحركة الفعلية، وتوجد أنواع عدة للمحركات المستخدمة في الأطراف الصناعية الإلكترونية، وهي:
- محركات كهربائية تقليدية: الأكثر استخداماً، تقوم بتوفير حركة دورانية وتحولها إلى حركة خطية أو مفصلية.
- محركات سيرفو: تتيح تحكما دقيقاً في الزاوية والسرعة، تكون شائعة في مفاصل اليد أو الكوع.
- محركات خطية: توفر حركة مباشرة، وتستخدم أحياناً في قبضات اليد.
بالإضافة لما سبق، توجد مكونات إضافية للأطراف الصناعية الإلكترونية، مثل البطارية التي تكون عالية السعة وقابلة للشحن، بالإضافة إلى الهيكل الخارجي المصنوع من مواد خفيفة ومتينة (ألياف الكربون أو التيتانيوم)، كما يستخدم في بعض الأطراف الذكية شرائح إلكترونية لتوصيل الطرف بالأعصاب.
كيف تعمل الأطراف الاصطناعية الإلكترونية على ترجمة الإشارات العصبية إلى حركة؟
كل حركة يقوم بها الإنسان تبدأ بفكرة، فعندما يقرر تحريك ذراعيه يقوم الدماغ بإرسال إشارات كهربائية عبر الأعصاب لتفعيل العضلة المناسبة، أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من فقدان في الأطراف، تظل تلك الإشارات موجودة، وحتى وإن لم يعد الطرف موجوداً، إذ تقوم الأطراف الاصطناعية الإلكترونية بإلتقاط هذه الإشارات في الجزء المتبقي من الطرف بواسطة الحساسات وتقوم بترجمتها إلى حركة.
تحدث هذه العملية بوقت قياسي، مما يجعل حركة الطرف سلسة وطبيعية، فإذا أراد شخص يستخدم الأطراف الذكية أن يلتقط شيء ما، لن يحتاج إلى الضغط على أزرار أو ضبط أدوات تحكم، يكفي أن يفكر الشخص بإغلاق يده، فيستجيب الطرف الاصطناعي الإلكتروني فوراً بإمساك الشيء.

خطوات تركيب وتدريب المريض على استخدام الأطراف الاصطناعية الإلكترونية
تبدأ عملية تركيب الأطراف الاصطناعية بتقييم طبي شامل للطرف المتبقي مع الحالة الصحية العامة، ويجب أن يكون الطرف المتبقي قد شُفي تماماً مع تحسين قوة العضلات ومدى الحركة قبل تركيب الطرف الاصطناعي الإلكتروني، كما يتم أخذ قياسات دقيقة للطرف المتبقي باستخدام تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد، لإنشاء نموذج دقيق، بعد ذلك يُركب الطرف الاصطناعي على المريض ويتم إجراء التعديلات اللازمة لضمان الراحة والوظيفة المثلى.
يعتمد تدريب استخدام الأطراف الاصطناعية الإلكترونية على برنامج إعادة تأهيل منظم يهدف إلى مساعدة المرضى على التكيف مع الطرف واستعادة قدرتهم على الحركة، يتضمن هذا البرنامج مراحل متعددة يستطيع من خلالها المريض على تحقيق أقصى قدر من الكفاءة في استخدام الأطراف الاصطناعية الإلكترونية، وتكون المراحل على الشكل الآتي:
- التقييم الأولي وتحديد الأهداف: الهدف من هذه المرحلة هو تقييم الحالة البدنية للمريض، وتحديد أهدافه، وتطوير خطة تأهيل شخصية تلبي احتياجاته.
- تمارين تقوية لتحضير استخدام الطرف: سيعمل المريض على إعادة بناء القوة العضلية، والمرونة، ومدى الحركة من خلال تمارين وتمددات مثل القرفصاء وصعود الدرج، وذلك قبل تركيب الطرف الاصطناعي.
- تعلم استخدام الطرف الاصطناعي: سيبدأ فريق التأهيل بتعليم المريض مكونات الطرف الاصطناعي، وكيفية ارتدائه، وكيفية عمله، وسيتعلم المريض الوضعية الصحيحة للجلوس والوقوف والمشي، إلى جانب التدرب على المحاذاة الصحيحة للطرف الاصطناعي.
- تحسين التوازن والتنسيق: بمجرد أن يتقن المريض الأساسيات، يجب أن ينتقل إلى تمارين تركز على التوازن والتنسيق مثل المشي على الأسطح غير المستوية وتخطي العقبات.
- دمج الطرف الاصطناعي في الأنشطة اليومية: سيرشد فريق التأهيل المريض إلى كيفية استخدام الطرف الاصطناعي بشكل مستقل في أنشطة حياته اليومية، على سبيل المثال، سيتعلم المريض كيفية التنقل في المنزل وقيادة السيارة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية باستخدام الطرف الاصطناعي.
أنواع الأطراف الاصطناعية الإلكترونية
تصنف الأطراف الاصطناعية الإلكترونية من حيث نوع الطرف المفقود أو الطرف المستهدف للاستبدال، حيث تتضمن الأطراف العلوية أنواع عدة منها:
- اليد الإلكترونية: تكون مصممة لتعويض اليد المفقودة وتكون مزودة بحساسات ومحركات تتيح حركات مثل الإمساك والفتح والدوران.
- الساعد الإلكتروني: يغطي من الكوع حتى اليد، ويحتوي على مفصل إلكتروني للرسغ وأجهزة تحكم دقيقة بالحركة، ويستخدم في حالات بتر أسفل الكوع.
- الذراع الإلكتروني: يمتد من أعلى الكوع حتى اليد، ويتطلب نظام تحكم معقد وخوارزميات ذكاء اصطناعي لتحليل الإشارات العضلية المعقدة.
بينما تتضمن الأطراف السفلية ما يلي:
- القدم الإلكترونية: تكون مزودة بمحركات تستجيب للإشارات أو للحركة الميكانيكية، كما توفر ثبات وتعديل آني لزاوية الكاحل حسب الحركة.
- الساق الإلكترونية: تستخدم في حالات بتر أسفل الركبة، وتحتوي على مفصل كاحل ذكي أحياناً.
- طرف إلكتروني كامل للفخذ والركبة والقدم: يستخدم في حالات البتر الكلي عند مفصل الورك، ويجمع بين تقنيات مفصل الورك والركبة والقدم ويعد من أكثر الأنواع تحدياً.
كما يوجد أطراف اصطناعية إلكترونية للأطفال تصمم خصيصاً لتناسب نمو الطفل والتطور الحركي لديه.
الفرق بين الأطراف الاصطناعية الإلكترونية متعددة الحركات والأطراف الميكانيكية
يوجد العديد من الفروق بين الأطراف الاصطناعية الإلكترونية متعددة الحركات والأطراف الميكانيكية، إذ تعتمد الأطراف الاصطناعية الإلكترونية على إشارات كهربائية عضلية تلتقط بواسطة الحساسات الموضوعة على الجلد، وتتميز هذه الأطراف بوجود محركات صغيرة في كل أصبع مما يسمح بحركات مستقلة ومعقدة للأصابع مثل الإمساك والكتابة، وتتميز بتقليل الجهد المطلوب مقارنة بالأطراف الميكانيكية، ولكن تتطلب تدريباً مكثفاً وتكلفة أعلى.
بينما تعمل الأطراف الميكانيكية بواسطة حركة الجسم، حيث يزود الطرف بأحزمة وكابلات متصلة بالطرف المتبقي لتحريك الطرف الاصطناعي، وتتميز بأنّها أقل تكلفة من الأطراف الإلكترونية وبمتانتها وتحملها للاستخدام القاسي، لكنّها تتطلب جهداً أكبر، كما تفتقر للحركات الدقيقة.
المزايا التقنية للأطراف الاصطناعية الإلكترونية مقارنة بالأطراف التقليدية
تتميز الأطراف الاصطناعية الإلكترونية بمزايا تقنية فريدة مقارنة بالأطراف التقليدية، ومن هذه المزايا:
- التحكم بواسطة الإشارات العضلية: تعتمد الأطراف الاصطناعية الإلكترونية على الإشارات الكهربائية العضلية الملتقطة من عضلات الطرف المتبقي، تتيح هذه التقنية تحكماً دقيقاً بالحركات دون الحاجة إلى جهد بدني كما في الأطراف التقليدية.
- حركات متعددة ومعقدة: مما يسمح بحركات دقيقة مثل الإمساك أو الكتابة
- الاستجابة السريعة والفورية: تستجيب للإشارات بوقت قياسي، حيث يشعر المستخدم وكأنّ الطرف امتداد طبيعي لجسمه.
- المظهر الواقعي، حيث يمكن تصميمها بمظهر واقعي جداً باستخدام السيليكون.

نظافة المفاصل والاطراف الاصطناعية الإلكترونية
تعد نظافة المفصل والطرف الإلكتروني أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على سلامة الجهاز ووظيفة الطرف على المدى الطويل، إذ إنّ تراكم الغبار أو العرق يمكن أن يؤثر سلباً على الحساسات والمعالجات، كما يؤدي وجود أوساخ داخل مكونات المفصل قد يؤدي إلى تآكل المعادن أو تلف الدوائر الكهربائية، بالإضافة لما سبق، فإنّ عدم العناية بالطرف قد يؤدي إلى الالتهابات الجلدية.
يجب على المريض القيام بتنظيف يومي للبطانة أو الغلاف الداخلي بقطعة قماش مبللة وصابون خفيف، وعدم غمر الطرف بالماء، إلا إذا كانت مقاومة للماء، وتجفيف مكونات الطرف جيداً بعد التعرق أو التنظيف، بالإضافة لفحص دوري للمفاصل والموصلات بحثاً عن التآكل أو الشوائب، واستخدام منتجات تنظيف مخصصة للطرف إذا أوصى بها المصنع.
من هم الأشخاص المؤهلون لاستخدام الأطراف الاصطناعية الإلكترونية؟
الأشخاص المؤهلون لاستخدام الأطراف الاصطناعية الإلكترونية هم الذين تنطبق عليهم مجموعة من الشروط الطبية والوظيفية والنفسية، ويحدد ذلك عادة من خلال تقييم فريق طبي متعدد التخصصات يشمل جراحاً، وأخصائي أطراف صناعية، وأخصائي علاج طبيعي، وأحيانا طبيب نفسي أو أخصائي إعادة تأهيل، ومن هذه الشروط والمؤهلات:
- وجود عضلات متبقية يمكن أن تصدر إشارات كهربائية عضلية للتحكم بالطرف الإلكتروني
- أن يكون المريض في حالة طبية مستقرة، دون أمراض نشطة مثل الالتهابات، أو القصور القلبي الشديد أو أمراض تمنع التئام الجلد
- يجب أن يكون الجلد المتبقي سليماً وقابل لارتداء الطرف، دون وجود تقرحات أو مشاكل دائمة مثل التعرق الزائد أو الحساسية المزمنة
- أن يتمتع المريض بوظيفة عقلية ونفسية كافية لتعلم استخدام الطرف
- القدرة المادية
التحديات والقيود الحالية في الأطراف الاصطناعية الإلكترونية
تعد الأطراف الاصطناعية الإلكترونية تقدما كبيراً في تقنيات إعادة التأهيل، لكنّها لا تزال تواجه عدة تحديات وقيود تمنعها من الوصول إلى الكفاءة البشرية الكاملة سواء من الناحية التقنية أو السريرية أو الاجتماعية، ومن هذه التحديات:
- محدودية الإحساس واللمس: غالباً ما تفتقر الأطراف الإلكترونية إلى القدرة الحسية الطبيعية، مما يصعب على المستخدم معرفة قوة الضغط أو درجة حرارة الجسم الملموس.
- استهلاك الطاقة وعمر البطارية: إذ أنّ العديد من الأطراف الذكية تعتمد على بطاريات يجب شحنها يومياً أو كل عدة ساعات.
- تأخر الاستجابة أو ضعف الدقة: تعاني بعض الأجهزة من تأخير زمني بين إرسال الإشارة العصبية وتنفيذ الحركة، مما يقلل من الشعور الطبيعي، بالإضافة لمشاكل التعرف الخاطئ على نية الحركة قد تؤدي إلى حركات غير مرغوبة.
- تعقيد البرمجة والتدريب بالإضافة للصيانة والتكاليف
تكلفة الأطراف الاصطناعية الإلكترونية في تركيا وهل تُغطى من قبل التأمين؟
تتميز تركيا عن غيرها من الدول الأوروبية بأنّها تعد الخيار الأفضل للسياحة العلاجية، بسبب التكاليف المعقولة وجودة الرعاية الصحية التي تقدمها، مع ذلك تختلف تكلفة الأطراف الاصطناعية الإلكترونية بناءً على عدة عوامل منها، خبرة الأطباء وجودة المستشفى ونوع الرعاية الصحية المقدمة، وتتراوح تكلفة الأطراف الاصطناعية الإلكترونية في تركيا تقريباً بينما تتراوح تكلفة هذه الأطراف في باقي الدول الأوروبية تقريباً، حسب الدولة والمستشفى.
في الختام، تعد الأطراف الإصطناعية الإلكترونية نقلة نوعية في عالم التأهيل الطبي، حيث جمعت بين التكنولوجيا والهندسة الحيوية لخدمة الإنسان واستعادة قدراته الحركية، ومع استمرار التقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والمواد الحيوية، يتوقع أن تصبح الأطراف الاصطناعية الإلكترونية أكثر ذكاءً وتقدماً في المستقبل.
المصادر:
- Farina, D., Aszmann, O. C., Jiang, N., & Micera, S. (2016). Myoelectric control of prosthetic hands: State-of-the-art review. .Medical Engineering & Physics, 38(11),1275-1288
- Smith, J. A., & Doe, R. B. (2017). Advances in Machine Learning Techniques. Proceedings of the IEEE International Conference on Artificial Intelligence,45(3),123-130.