تُعدّ عملية استئصال الديسك المجهرية خياراً جراحياً متقدّماً يُستخدم لعلاج الانزلاق الغضروفي في العمود الفقري، وتُشير الدراسات إلى أن معدّل النجاح لتلك العملية يتراوح بين نحو 70%5 إلى 90% من المرضى الذين أجروا العملية ضمن إطار مناسب، وعلاوة على ذلك، أظهرت مراجعة شاملة أن معدّل المضاعفات الكلي في بعض الدراسات بلغ حوالي 10.8% إلى 13.3%، وبالتالي تُعدّ هذه التقنية خياراً آمناً نسبياً مع نتائج جيدة لدى غالبية المرضى الذين خضعوا لها.
ماذا يعني الانزلاق الغضروفي أو الديسك؟
إن الانزلاق الغضروفي أو الديسك هي حالة تحدث عندما يخرج جزء من من النواة الهلامية الموجودة بين فقرات العمود الفقري، بسبب تمزق أو ضعف في الحلقة الليفية المحيطة بها، فتضغط على النخاع الشوكي والأعصاب المحيطة مسببةً ظهور أعراض انضغاطية قد تؤثر في جودة حياة المصاب، وأهمها:
- ألم في الظهر أو الرقبة حسب موقع الانزلاق
- تنميل أو ضعف في الأطراف
- سلس بول في الحالات المتقدمة
- صعوبة في الحركة والمشي والتوازن
وتختلف شدة هذه الأعراض حسب درجة الانزلاق وموقعه، ويعتمد العلاج في الحالات الخفيفة على الأدوية والعلاج الطبيعي، أما في الحالات المتقدمة فغالباً ما يتم اللجوء إلى الجراحة للوصول إلى الشفاء التام.

ما هي عملية استئصال الديسك المجهرية؟
إن عملية استئصال الديسك المجهرية هي إجراء جراحي دقيق جداً يُستخدم في الحالات المتقدمة من الديسك عندما يضغط الجزء المنفتق من القرص الغضروفي على الأعصاب ويسبب ألماً أو ضعفاً في الأطراف، وتتم هذه العملية عن طريقة إدخال ميكروسكوب جراحي خاص من قِبل الجراح من خلال شق صغير جداً في الظهر، وذلك لتكبير الرؤية وإزالة الجزء المنفتق فقط من الغضروف دون المساس بالأنسجة السليمة.
هذا الإجراء يُعد من أقل الجراحات تدخلاً مقارنة بالجراحة التقليدية، ويتميز بأنه يقلل ألم ما بعد العملية ويُسرّع التعافي، ويخفّف مدة البقاء في المستشفى، وغالباً ما تُجرى العملية للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج الدوائي أو العلاج الفيزيائي واستمرت لديهم الأعراض نتيجة الضغط على الأعصاب والنخاع الشوكي.
متى يُنصح بإجراء عملية استئصال الديسك المجهرية؟
يُنصح بإجراء عملية استئصال الديسك المجهرية عندما يصبح الانزلاق الغضروفي مؤثراً بشكل واضح على حياة المريض، أو عندما يفشل العلاج المحافظ في تخفيف أعراض المرض، وغالباً ما يُوصى بهذه العملية في الحالات التالية:
- استمرار الألم الشديد في الظهر أو الساق أو الذراع لمدة تزيد عن 6–8 أسابيع رغم استخدام المسكنات والعلاج الفيزيائي
- ضغط واضح على جذر العصب يظهر في تصوير الرنين المغناطيسي، مع أعراض مثل التنميل أو الخدر أو الضعف العضلي
- صعوبة المشي أو ضعف القوة في القدم أو اليد نتيجة الضغط العصبي المتقدم
- حالات نادرة تستدعي التداخل السريع مثل:
- فقدان السيطرة على البول أو البراز (متلازمة ذيل الفرس)
- ألم عصبي شديد غير محتمل لا يستجيب لأي علاج
هذه الحالات تُرجّح الكفّة للقيام بعملية استئصال الديسك المجهرية، حيث أنها عملية دقيقة نسبة الخطأ فيها منخفضة.
كيف تُجرى عملية استئصال الديسك المجهرية؟
تُجرى عملية استئصال الديسك المجهرية باستخدام تقنيات دقيقة وحديثة تهدف لإزالة الجزء المنفتق من الغضروف مع الحفاظ على سلامة الأنسجة المحيطة به، وتتم العملية عبر سلسلة من الخطوات تتضمن التحضير قبل الجراحة، ومرحلة التخدير وغيرها.
التحضير قبل العملية
يخضع المريض لفحوصات دم وصورة رنين مغناطيسي حديثة لتحديد مكان ودرجة الانزلاق بدقة، ومن ثم يشرح الطبيب الجراح للمريض خطوات وتفاصيل العملية، ويعطى المريض موعد متوقع للتعافي والعودة لحياته الطبيعية.
خطوات العملية الجراحية
تبدأ العملية بالتخدير حيث تُجرى عادةً تحت التخدير العام، ومن ثم يُوضَع المريض على بطنه بطريقة تسمح للجرح بالوصول الآمن إلى الفقرات القطنية أو الرقبية حسب موضع الانزلاق، بعدها يقوم الجراح بعمل شق صغير يتراوح عادة بين 1.5 إلى 3 سم فقط فوق الفقرة المصابة، وفي هذه المرحلة يُستخدم جهاز الميكروسكوب الجراحي لتكبير الرؤية بدقة عالية.
بعد إجراء الشق الجراحي يتم إبعاد العضلات برفق دون قصّها (بهدف تقليل الألم ومدة التعافي) للوصول إلى موقع العصب المضغوط، ومن ثم يتم تقييم المنطقة بدقّة، بعدها وباستخدام أدوات دقيقة، يزيل الجراح فقط الجزء المنفتق من الغضروف الذي يضغط على العصب، وتُترك بقية القرص سليمة للحفاظ على استقرارية العمود الفقري، وأخيراً يُعاد وضع الأنسجة في مكانها ويتم إغلاق الشق عادة بغرزة أو غرزتين فقط، ويُنقل المريض لغرفة الإفاقة ثم إلى غرفته في المستشفى.
المدة ونسبة النجاح
تدوم العملية عادة بين 45 و90 دقيقة، ويشعر معظم المرضى بتحسن ملحوظ من ناحية الألم العصبي فوراً بعد العملية أو خلال أيام قليلة فقط بعدها.

مميزات عملية استئصال الديسك المجهرية
تتميّز عملية استئصال الديسك المجهرية بأنها من أكثر جراحات العمود الفقري دقةً وأماناً، حيث أصبحت الخيار العلاجي المفضل للمرضى الذين يعانون من انزلاق غضروفي مُقاوم للعلاج التقليدي، ومن أبرز مزاياها:
- شق جراحي صغير جداً يقلل الألم والندبات مقارنة بالجراحة التقليدية
- حماية الأنسجة المحيطة بفضل استخدام الميكروسكوب الجراحي الذي يوفر رؤية مكبّرة ودقيقة
- فترة تعافٍ أسرع تسمح للمريض بالعودة إلى نشاطه اليومي خلال فترة قصيرة
- انخفاض معدل المضاعفات مثل النزيف أو العدوى، بسبب محدودية التداخل الجراحي
- نتائج ممتازة في تخفيف الألم العصبي الناتج عن الانزلاق الغضروفي والضغط على الأعصاب
- تقليل احتمال الحاجة إلى جراحة أكبر بفضل إزالة الجزء المنفتق فقط من الديسك والمحافظة على استقرار العمود الفقري
هذه الميّزات تجعل جراحة الديسك المجهرية من أكثر الجراحات طلباً وأماناً، ولكن للحصول على الفائدة الأكبر منها يجب إجراؤها بأيدي خبيرة وفي مركز متخصص يضمن جودة العملية وراحة المريض.
المخاطر والمضاعفات المحتملة
على الرغم من أن عملية استئصال الديسك المجهرية تُعد من الجراحات الآمنة وذات معدلات نجاح مرتفعة، إلا أنها مثل أي إجراء جراحي قد تحمل بعض المخاطر، ومنها:
- عودة الانزلاق الغضروفي في نفس المكان أو في مستوى فقري آخر، وهو احتمال موجود في نسبة محدودة من المرضى
- التهاب الجرح أو العدوى رغم ندرتها بفضل صِغَر الشق الجراحي وتقنيات التعقيم المتقدمة
- نزيف خفيف أو تجمع دموي في منطقة العملية، ويُعالج عادة دون تدخل إضافي
- إصابة الجذر العصبي بشكل غير مقصود، لكنها حالة نادرة الحدوث وتقلّ كثيراً عند الجراحين ذوي الخبرة
- تسرب السائل الشوكي في حال تمزق الغشاء المحيط بالنخاع الشوكي، وغالباً ما يُعالج أثناء الجراحة نفسها
- ألم في الظهر بعد العملية نتيجة تحريك العضلات أو الالتئام الطبيعي للأنسجة، وغالباً يتحسن خلال أسابيع
ورغم أن هذه المضاعفات نادرة جداً، إلّا أنها قد تحدث إذا أُجريت على يد جراح غير خبير، أو في مركز لا يهتم بجودة الرعاية الطبية.
مقارنة بين الجراحة المجهرية وجراحة الديسك بالمنظار
| المقارنة | الجراحة المجهرية (Microdiscectomy) | جراحة الديسك بالمنظار (Endoscopic Discectomy) |
|---|---|---|
| حجم الشق الجراحي | 1.5 – 3 سم | أقل من 1 سم |
| طريقة الرؤية | ميكروسكوب جراحي يوفّر رؤية مكبّرة ودقيقة | كاميرا عالية الدقة تنقل الصورة لشاشة خارجية |
| التداخل الجراحي | متوسّط – يتطلب فتحاً بسيطاً للأنسجة | أقل تداخلاً، ودون شق العضلات |
| المدة المتوقعة للعملية | 45 – 90 دقيقة | 30 – 60 دقيقة |
| فترة البقاء في المستشفى | غالباً يوم واحد | قد يغادر المريض في نفس اليوم |
| فترة التعافي | 2 – 6 أسابيع | 1 – 3 أسابيع |
| مستوى الألم بعد العملية | منخفض | أقل من الجراحة المجهرية |
| نسبة النجاح | عالية ومثبتة منذ سنوات طويلة | عالية أيضاً لكنها تعتمد على خبرة الجراح |
| إمكانية عودة الانزلاق | موجودة بنسبة قليلة | موجودة أيضاً بنسب قريبة |
| التكلفة | متوسطة | أعلى نسبياً بسبب المعدات المتقدمة |
| مناسب للحالات | الانزلاق المتوسط إلى الشديد | الانزلاق البسيط إلى المتوسط |
التعافي بعد عملية استئصال الديسك المجهرية
يبدأ التحسن عادة خلال الأيام الأولى بعد العملية، إذ يختفي الألم العصبي الذي كان يمتد إلى الساق أو الذراع بشكل ملحوظ نتيجة إزالة الضغط عن العصب، ويُنصح المريض بالمشي الخفيف منذ الساعات الأولى، مع تجنّب الانحناء الحاد أو حمل الأشياء الثقيلة، كما وقد يشعر الشخص الذي خذع للعملية ببعض الألم البسيط في منطقة الظهر بسبب التئام الأنسجة، وهو أمر طبيعي يتحسن تدريجياً مع مرور الوقت.
أما على المدى المتوسط، فإن معظم المرضى يعودون إلى أنشطتهم اليومية خلال 2 إلى 6 أسابيع، وذلك بحسب طبيعة عملهم ومدى التزامهم بالتعليمات الطبية، ويُعد العلاج الفيزيائي خطوة مهمة في تعزيز قوة العضلات ودعم العمود الفقري لمنع عودة الانزلاق، ويساهم اتباع نمط حياة صحي (يشمل الحركة المستمرة وتحسين الجلسة وتجنّب الجلوس الطويل) في الحفاظ على نتائج العملية لأطول فترة ممكنة.
تشكّل عملية استئصال الديسك المجهرية إحدى الركائز الحديثة في جراحة العمود الفقري، إذ تجمع بين الدقة الجراحية وتقليل الأذى للأنسجة المحيطة، ما يتيح للمريض فرصة أفضل للعودة إلى النشاط الطبيعي. وعند اتخاذ القرار بإجرائها، تُوفّر فرق متخصّصة في مركز بِيمارِستان الطبي المرونة والدعم الكامل في التخطيط، تنفيذ الرعاية ما بعد الجراحة، وضمان متابعة دقيقة لضمان أفضل النتائج للمريض.
المصادر:
- Microdiscectomy compared with standard discectomy. (2008). Spine, 33(6), 646–650.
- Comparison of outcomes between tubular microdiscectomy and conventional microdiscectomy: a meta-analysis. (2023). Journal of Orthopaedic Surgery and Research
