اضطراب نظم القلب من المشاكل الشائعة التي قد تؤثر في قدرة القلب على ضخ الدم بشكل كافٍ إلى أعضاء الجسم، وقد يؤدي ذلك إلى ظهور أعراض مثل التعب والدوخة أو فقدان الوعي في بعض الحالات. مع التقدم الطبي أصبح بالإمكان التحكم بهذه الاضطرابات باستخدام أجهزة دقيقة تزرع تحت الجلد، ومن بينها جهاز يُعرف ببطارية القلب، الذي يُستخدم عند فشل العلاجات الدوائية في ضبط إيقاع القلب.
كيف يعمل القلب بشكل طبيعي؟
يضبط القلب إيقاعه ذاتياً عبر إشارات كهربائية تنشأ من العقدة الجيبية الأذينية (SA node) الموجودة في الأذين الأيمن، تُعد هذه العقدة بمثابة المنظّم الطبيعي لضربات القلب، حيث ترسل نبضات كهربائية منتظمة تنتقل عبر الأذينين ثم البطينين لتُحدث انقباضات متناسقة تدفع الدم إلى أنحاء الجسم. أي خلل في هذه المنظومة قد يؤدي إلى بطء أو عدم انتظام ضربات القلب، مما يستدعي التدخل العلاجي.
ما هي بطارية القلب؟
بطارية القلب، أو ما يُعرف طبيًا بجهاز تنظيم ضربات القلب (Pacemaker)، هي جهاز طبي صغير يُزرع تحت جلد الصدر للمساعدة في ضبط إيقاع القلب عندما يكون بطيئاً أو غير منتظم. يتكون الجهاز من مولد للنبضات الكهربائية متصل بأسلاك دقيقة تصل مباشرة إلى حجرات القلب، حيث تعمل هذه النبضات على تحفيز عضلة القلب وإبقائها تنقبض بإيقاع منتظم.
يُعتبر هذا الجهاز علاجاً فعّالاً للمرضى الذين لا تستجيب اضطرابات نظم القلب لديهم للأدوية، وهو من أكثر التدخلات القلبية شيوعاً وأماناً. وتشير الدراسات الحديثة إلى أنّه يتم زرع أكثر من مليون جهاز تنظيم ضربات قلب سنوياً على مستوى العالم، منها ما يقارب 200–250 ألف عملية في الولايات المتحدة وحدها.

مكونات جهاز منظم ضربات القلب
يتألف جهاز تنظيم ضربات القلب من جزأين رئيسيين:
- مولّد النبضات: وهو علبة معدنية صغيرة تحتوي على بطارية ودارة إلكترونية دقيقة مسؤولة عن إصدار الإشارات الكهربائية. عادةً ما تُستخدم بطاريات الليثيوم لتزويد الجهاز بالطاقة، وتدوم في الغالب بين 5 إلى 10 سنوات قبل أن يحتاج المريض إلى عملية بسيطة لاستبدالها.
- المساري (الأسلاك الكهربائية): وهي أسلاك رفيعة يتم إدخالها عبر الأوردة لتصل إلى حجرات القلب حيث تُثبّت بعضلة القلب بواسطة برغي صغير أو خطاف. تنقل هذه الأسلاك النبضات من المولد إلى القلب لتساعد على ضبط الإيقاع. في بعض الأجهزة الحديثة مثل البطارية عديمة المساري (Leadless Pacemaker) يُستغنى عن هذه الأسلاك تماماً، إذ يُزرع الجهاز مباشرة داخل القلب.

أنواع بطاريات القلب
تختلف أجهزة تنظيم ضربات القلب بحسب عدد المساري ووظائفها، ويمكن تقسيمها إلى الأنواع التالية:
- البطارية أحادية الحجرة: تملك مسرى واحداً يصل إلى الأذين الأيمن أو البطين الأيمن فقط، وتقوم بإرسال النبضات الكهربائية لتنظيم الإيقاع في هذه الحجرة.
- البطارية ثنائية الحجرة: تحتوي على مسريين، أحدهما في الأذين الأيمن والآخر في البطين الأيمن، مما يساعد على تنسيق الانقباض بين الأذينين والبطينين بشكل أفضل.
- البطارية ثنائية البطين: تضم ثلاثة مساري تصل إلى الأذين الأيمن والبطين الأيمن والبطين الأيسر، وتهدف إلى جعل جانبي القلب ينبضان بشكل متزامن، وهو ما يُعرف باسم علاج إعادة تزامن القلب (Cardiac Resynchronization Therapy)، ويُستخدم عادةً عند المرضى الذين يعانون من قصور القلب.
- البطارية عديمة المساري (Leadless Pacemaker): جهاز صغير جداً بحجم كبسولة الدواء يُزرع مباشرة داخل القلب بواسطة القسطرة دون الحاجة إلى أسلاك، ويُعتبر من أحدث التطورات في هذا المجال.
سيقرر الطبيب نوع البطارية المناسبة التي سيتم زرعها في عملية زرع جهاز تنظيم ضربات القلب بعد استشارة المريض والنظر في حالته المرضية ووضعه الصحي.
أسباب تركيب بطارية للقلب
يلجأ الأطباء إلى زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب عندما يفشل القلب في الحفاظ على إيقاع طبيعي منتظم، ومن أبرز الحالات التي تستدعي ذلك:
- بطء القلب (Bradycardia): وهو أحد أكثر الأسباب شيوعاً، حيث يمنع بطء النبض وصول كمية كافية من الدم إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم، مما يؤدي إلى أعراض مثل التعب والدوخة أو حتى الإغماء.
- الحصار القلبي (Heart Block): يحدث نتيجة بطء شديد أو انقطاع في انتقال الإشارة الكهربائية داخل القلب، مما يسبب اضطراباً في انتظام النبض.
- متلازمة العقدة المريضة (Sick Sinus Syndrome): تنتج عن خلل في العقدة الجيبية المسؤولة عن توليد النبضات، فيظهر على شكل تتابع غير طبيعي بين بطء القلب وتسارعه.
- الرجفان الأذيني (Atrial Fibrillation): قد يؤدي إلى بطء غير مرغوب في نبض البطينين، سواء بسبب المرض نفسه أو نتيجة استخدام أدوية لعلاجه، الأمر الذي يجعل المريض بحاجة إلى بطارية لتنظيم النبض.
- الحالات المؤقتة: مثل النوبة القلبية الحادة أو بعض التسممات الدوائية التي تسبب بطئاً شديداً في القلب، حيث يمكن أن تُزرع بطارية بشكل مؤقت حتى يستعيد القلب إيقاعه الطبيعي.
من ناحية أخرى، إذا كان السبب هو تسرع القلب أو الرجفان البطيني، فقد يحتاج المريض إلى جهاز آخر يُدعى مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD)، وهو جهاز مشابه للبطارية لكن يتميز بقدرته على إطلاق صدمات كهربائية لإيقاف اضطرابات النظم الخطيرة.
الفرق بين بطارية القلب ومزيل الرجفان القابل للزرع (ICD)
يخلط الكثير من المرضى بين جهاز تنظيم ضربات القلب (Pacemaker) وجهاز مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD)، نظراً للتشابه في الشكل وطريقة الزرع، لكن لكل منهما وظيفة مختلفة:
- بطارية القلب (Pacemaker): تعمل على إرسال نبضات كهربائية صغيرة ومنتظمة لتحفيز القلب عندما يكون إيقاعه بطيئاً أو غير منتظم، وهي موجهة أساساً لعلاج بطء القلب واضطرابات التوصيل الكهربائي.
- مزيل الرجفان القابل للزرع (ICD): يراقب نبض القلب بشكل مستمر، وعند حدوث اضطرابات خطيرة مثل الرجفان البطيني أو تسرع القلب البطيني، يقوم بإصدار صدمة كهربائية قوية لإعادة القلب إلى إيقاعه الطبيعي. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يعمل الجهاز كمنظم لضربات القلب عند الحاجة.
بالتالي، يمكن القول إن جميع أجهزة ICD تؤدي وظيفة تنظيم ضربات القلب، لكن ليست كل بطارية قلب قادرة على أداء وظيفة مزيل الرجفان.
كيفية تركيب بطارية القلب
تُعتبر عملية تركيب بطارية القلب إجراءً جراحياً بسيطاً نسبياً، وغالباً ما تُجرى تحت التخدير الموضعي مع إعطاء المريض مهدئاً خفيفاً ليبقى مستيقظاً ومرتاحاً أثناء العملية.
تبدأ العملية بشق جراحي صغير بالقرب من عظم الترقوة، ثم يُدخل الجراح المساري عبر أحد الأوردة الكبيرة (مثل الوريد تحت الترقوة) لتصل إلى حجرات القلب. يُستخدم جهاز الأشعة السينية المتحركة (التنظير التألقي) لتوجيه الأسلاك بدقة داخل القلب، بعد ذلك تُثبّت المساري بعضلة القلب وتُوصل إلى مولّد النبضات، الذي يُزرع بدوره تحت الجلد في منطقة الصدر.
في نهاية العملية، يتم اختبار الجهاز والتأكد من فعاليته عبر تخطيط القلب الكهربائي قبل إغلاق الشق الجراحي بالقطب. غالباً ما تستغرق العملية من ساعة إلى ساعتين، ويُطلب من المريض البقاء في المستشفى لبضع ساعات أو حتى اليوم التالي للمراقبة.

ما بعد عملية تركيب بطارية القلب
بعد الانتهاء من العملية، يُبقي الطبيب المريض في المستشفى لبضع ساعات أو حتى اليوم التالي لمراقبة حالته والتأكد من عمل الجهاز بشكل سليم. عند العودة إلى المنزل، تتم متابعة البطارية بشكل دوري من خلال عيادة الطبيب أو عبر أنظمة المراقبة عن بُعد التي تتيح الاطلاع على أداء الجهاز.
يحتاج معظم المرضى إلى فترة نقاهة قصيرة قد تمتد لعدة أيام إلى أسبوع قبل العودة إلى نشاطاتهم اليومية المعتادة. مع ذلك، قد يُوصي الطبيب بتجنب رفع الذراع على جهة الجهاز أو القيام بمجهود شديد في الأسابيع الأولى لتجنب تحرك الأسلاك، كما يُنصح بالابتعاد عن مصادر المغناطيس أو الأجهزة التي تصدر حقولاً كهربائية قوية، لأنّها قد تتداخل مع عمل الجهاز. بمرور الوقت، يعيش معظم المرضى حياة طبيعية تقريباً مع وجود البطارية، مع ضرورة الالتزام بالمراجعات الطبية الدورية لفحص كفاءة الجهاز واستبداله عند انتهاء عمر البطارية.
مخاطر تركيب بطارية القلب
تُعد عملية زرع بطارية القلب آمنة نسبياً، ومعظم المرضى لا يواجهون مشاكل خطيرة بعدها. ومع ذلك، قد تحدث بعض المضاعفات التي ترتبط عادةً بالإجراء الجراحي نفسه، وتشمل:
- الحساسية تجاه أدوية التخدير
- تشكل كدمات أو نزف في منطقة الزرع، خصوصاً عند المرضى الذين يتناولون مميعات الدم
- العدوى في موضع الجهاز تحت الجلد
- تأذي الأوعية الدموية أو الأعصاب المجاورة أثناء إدخال الأسلاك
- استرواح الصدر، وهو تسرب الهواء إلى التجويف الصدري نتيجة إصابة غير مقصودة للرئة
- تحرك الأسلاك من مكانها أو حدوث خلل وظيفي في الجهاز، ما قد يستدعي إعادة التدخل الجراحي
أما على المدى البعيد، فإن أكثر ما يُقلق هو توقف الجهاز عن العمل عند نفاد البطارية أو حدوث أعطال تقنية، لكن هذه الحالات نادرة بفضل التطور الكبير في تكنولوجيا أجهزة تنظيم ضربات القلب.
في الختام، يُعد زرع بطارية القلب من الإجراءات الطبية الحديثة التي حسّنت حياة ملايين المرضى حول العالم من خلال علاج اضطرابات النظم البطيئة وتنظيم ضربات القلب بشكل فعّال، ورغم أنّ العملية تُعتبر آمنة وشائعة، إلا أنّ نجاحها يعتمد على المتابعة الدورية للتأكد من كفاءة الجهاز واستبداله عند الحاجة. إن مراجعة الطبيب عند ظهور أعراض مثل التعب أو الدوخة خطوة أساسية لتحديد الوقت المناسب للتدخل وضمان أفضل النتائج على المدى الطويل.
المصادر:
- NHS. (n.d.). Pacemaker implantation.
- Johns Hopkins Medicine. (n.d.). Pacemaker insertion.
- Healthdirect Australia. (2024, September). Inserting a pacemaker.