في حالة الضعف الشديد أو غياب وظائف الكلى إلى حدٍّ لا تتمكن فيه من تصفية الفضلات والسوائل من الدم، يصبح غسيل الكلى الدموي ضرورةً للحفاظ على حياة المريض. يتطلب هذا الإجراء وجود وسيلة فعالة للوصول إلى مجرى الدم، تُعرف باسم التحويلة الشريانية الوريدية. ومع تكرار الجلسات، تبرز أهمية هذه التحويلة كخطوة أساسية لضمان كفاءة العلاج وسلامة المريض.
ما هي تحويلة غسيل الكلى
تحويلة غسيل الكلى، والتي تُعرف طبياً بالناسور الشرياني الوريدي (AV Fistula)، هي وصلة جراحية تُنشأ بين شريان ووريد في الذراع أو الساق لتسهيل غسيل الكلى الدموي. تساعد هذه التحويلة على زيادة تدفق الدم عبر الوريد، مما يسمح بسحب الدم بكفاءة عبر ماكينة غسيل الكلى وتنقيته من الفضلات والسوائل الزائدة، ثم إعادته إلى الجسم. تُعد التحويلة الوسيلة المثلى للوصول إلى مجرى الدم على المدى الطويل، نظراً لقلة المضاعفات مقارنة بالقسطرات المؤقتة أو الأطراف الاصطناعية الوعائية (الطعوم).
أسباب جلسات غسيل الكلى
تحدث الحاجة إلى غسيل الكلى عندما تفشل الكلى في أداء وظيفتها الأساسية في تصفية الدم من الفضلات والسموم والسوائل الزائدة، وهناك العديد من الحالات الطبية التي قد تؤدي إلى هذه المرحلة، منها: الفشل الكلوي المزمن (المرحلة النهائية من الفشل الكلوي)، بالإضافة إلى داء السكري طويل الأمد، وأمراض الكلى المزمنة، والكلى الكيسية وكذلك الأدوية، وأمراض جهاز المناعة (التهاب كبيبات الكلى)، وارتفاع ضغط الدم، وفي حالات نادرة، تلف حاد مفاجئ في أنسجة الكلى بسبب أسباب أخرى.
الأعراض لمرضى غسيل الكلى
تتطور أعراض الفشل الكلوي المزمن تدريجيًا مع تدهور وظائف الكلى، وقد تشمل:
- اضطرابات في التبول تظهر في البداية بزيادة كمية البول، ثم تنخفض تدريجياً مع تقدم الفشل الكلوي
- احتباس السوائل في الجسم (الوذمة)، مما يؤدي إلى تورّم في الساقين أو الكاحلين، وقد يصل إلى الرئتين مسبباً صعوبة في التنفس
- ارتفاع ضغط الدم المزمن نتيجة اختلال توازن السوائل والأملاح
- فقر الدم بسبب نقص إنتاج هرمون الإريثروبويتين المسؤول عن تحفيز إنتاج خلايا الدم الحمراء
- هشاشة العظام ومشاكل في العظام ناتجة عن خلل في استقلاب الكالسيوم والفوسفور
- تلون الجلد باللون الأصفر أو البني الفاتح نتيجة تراكم الفضلات في الدم
- تلف تدريجي في أعضاء أخرى بسبب تراكم السموم، مثل القلب والكبد والجهاز العصبي
في المرحلة المتقدمة (المرحلة النهائية أو ما يُعرف بالانسمام اليوريمي)، هناك غثيان وقيء ورائحة فم كريهة، بالإضافة إلى اضطرابات في الدماغ والأعصاب والأعضاء الأخرى.
تشخيص الحاجة لـ غسيل الكلى الدموي
يبدأ تشخيص الحاجة لغسيل الكلى الدموي بتقييم شامل يشمل استجواب المريض حول الأعراض والتاريخ الطبي، بالإضافة إلى الفحص الجسدي الدقيق في مركز غسيل الكلى. يُطلب من المريض إجراء تحاليل دم وبول لتقييم وظائف الكلى ومستويات الفضلات، كما تُجرى فحوصات تصويرية بالموجات فوق الصوتية للكلى لتحديد حجمها وحالتها، غالبًا ما يُشخّص الفشل الكلوي في مرحلته النهائية التي تتطلب غسيل الكلى بوضوح، بناءً على نتائج هذه الفحوصات والتاريخ الطبي، مع استبعاد الأمراض الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مشابهة.
العلاج
يتم إجراء غسيل الكلى الدموي داخل وحدات مخصصة في المستشفيات أو مراكز غسيل الكلى، حيث يُوصل دم المريض إلى ماكينة غسيل الكلى عبر أنابيب متصلة بالأوعية الدموية. يمر الدم داخل الماكينة عبر غشاء شبه نافذ يقوم بتصفية السموم، الفضلات الأيضية، والسوائل الزائدة، ثم يُعاد الدم المنقى إلى جسم المريض. بالإضافة إلى الغسيل الدموي، توجد طريقة أخرى لغسيل الكلى تُعرف بالغسيل البريتواني، التي تعتمد على استخدام الغشاء البريتواني (الصفاق) المبطن لتجويف البطن كغشاء مرشح طبيعي لتنقية الدم.
لضمان فعالية غسيل الكلى الدموي، يجب توفير وصول مناسب إلى الأوعية الدموية، يتم ذلك عادةً عبر إدخال قسطرة في وريد كبير مثل وريد العنق أو الترقوة، خصوصًا في الحالات الطارئة أو المؤقتة قبل إنشاء التحويلة الدائمة.
الجراحة وانشاء تحويلة لغسيل الكلى لأول مرة
الأوردة السطحية التي يتم ثقبها من أجل غسيل الكلى ، يتم انسدادها بجلطات الدم (الخثرات) بعد فترة قصيرة ، ويصبح تدفق الدم غير كافٍ. لذلك، تُعد تحويلة غسيل الكلى، أو ما يُعرف بالناسور الشرياني الوريدي، الطريقة المثلى للوصول الدائم والآمن إلى مجرى الدم لغسيل الكلى. تنشأ هذه التحويلة جراحياً بربط وريد سطحي قريب من الجلد بشريان مجاور، عادةً في الساعد، لتعزيز تدفق الدم في الوريد وجعله مناسباً للغسيل المتكرر. من الأمثلة الشائعة على ذلك تحويلة سيمينو، التي يتم فيها خياطة نهاية الوريد الذي يمتد من الإبهام إلى الذراع في الشريان المجاور.
تُجرى العملية غالبًا تحت تأثير التخدير الموضعي أو التخدير الناحي، (تخدير منطقة أكبر من الجسم). التخدير العام ممكن أيضًا ، لكن لا يحتاج مرضى الكلى لإجرائه بشكل متكرر لمثل هذه الإجراءات.
في حال عدم توفر وريد مناسب في الساعد، يمكن استخدام أوردة في مناطق أخرى مثل أعلى الذراع، الكوع، أو حتى الساق. وعند الاختيار، يُفضّل استخدام الذراع غير المسيطرة: أي الذراع اليسرى للأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى، والعكس صحيح، وفي حال عدم توفر أوردة مناسبة، يُمكن زراعة وريد مأخوذ من الجسم نفسه أو تركيب طُعم وعائي اصطناعي (طُعم بلاستيكي) لضمان تدفق الدم.

تقييم حالة التحويلة الجديدة
بعد إنشاء تحويلة غسيل الكلى، يتم تقييم سلامة وكفاءة الأوعية الدموية باستخدام فحوصات تصويرية مثل الأشعة السيني مع حقن عامل تباين. يساعد هذا الفحص في التأكد من تدفق الدم بشكل جيد وخلو التحويلة من التضيقات أو المشكلات التي قد تؤثر على فعاليتها
التدخلات الجراحية على تحويلة غسيل الكلى الموجودة مسبقاً
تُعتبر الجراحة الأولية لإنشاء التحويلة الشريانية الوريدية إجراءً بسيطاً نسبياً، لكنه يتطلب دقة عالية لاختيار الموقع الأمثل وضمان تدفق دم كافٍ للغسيل. بعد إنشاء التحويلة، قد تُصبح بعض التدخلات الإضافية ضرورية لضمان استمرارية وظيفتها. من أبرز هذه التدخلات:
- توسيع التحويلة بالبالون (Angioplasty): تُستخدم هذه التقنية عند حدوث تضيق في التحويلة، حيث يُدخل بالون صغير عبر قسطرة لتوسيع الوعاء الدموي المتضيّق وتحسين التدفق.
- إزالة الخثرات (Thrombectomy): عند حدوث انسداد بسبب جلطة دموية، يُجرى إجراء عبر القسطرة لإزالة الخثرة واستعادة وظيفة التحويلة.
- ترقيع التحويلة أو استبدالها: في حال حدوث فشل جزئي أو تكرار الانسدادات، قد يتم إجراء جراحي لتوسيع الجزء المتضيّق أو استبدال التحويلة كلياً.
تخضع هذه التدخلات لتقييم دقيق من قبل جراحي الأوعية وفريق غسيل الكلى، وتُنفّذ في وحدات مجهزة تضمن أقصى درجات الأمان، لتقليل الحاجة إلى القسطرة المؤقتة والحفاظ على جودة الحياة لدى المريض.

إزالة تحويلة غسيل الكلى
عندما تستعيد الكلى وظائفها مرة أخرى، كما هو الحال بعد زرع كلية ناجح أو تركيب تحويلة بديلة فعّالة، يمكن إغلاق الوصلة الوعائية جراحياً بواسطة الخياطة. وغالباً ما يبقى الوريد مفتوحاً نتيجة التدفقات الدموية الأخرى، مما يتيح إمكانية إعادة استخدامه لاحقاً عند الحاجة.
الإجراءات الإضافية المحتملة للعملية
في حال ظهرت أثناء العملية نتائج غير متوقعة أو تغيّرات مرضية أكثر شمولاً أو مضاعفات، فقد تستدعي الحالة اتخاذ تدابير أخرى. يشمل ذلك توسيع التضيقات الوعائية باستخدام البالون، أو إذابة الجلطات بواسطة أدوية محللة للخثرة، أو إدخال دعامة وعائية داخلية (Stent) لضمان استمرار تدفق الدم.
مضاعفات عملية تحويلة غسيل الكلى
رغم أن التحويلة الشريانية الوريدية تُعد إجراءً آمناً وفعّالاً في معظم الحالات، فإنها قد ترافقها بعض المضاعفات، وتشمل:
- تخثّر التحويلة: يُعد من أكثر المضاعفات شيوعاً، وقد يؤدي إلى انسداد مجرى الدم وتوقف فعالية التحويلة.
- العدوى: قد تصيب موقع الجراحة أو التحويلة نفسها، ما يستلزم العلاج بالمضادات الحيوية أو أحياناً إزالة التحويلة.
- النزيف: يمكن أن يحدث في موقع العملية، خصوصاً في الأيام الأولى بعد الجراحة.
- تضيّق الأوعية الدموية: قد يؤدي إلى انخفاض كفاءة التحويلة بمرور الوقت، ويُعالج غالباً بالتوسيع بالبالون أو تركيب دعامة.
- اليد ذات التدفق المنخفض (Steal Syndrome): وهي حالة ينخفض فيها تدفق الدم إلى اليد بسبب سحب كمية كبيرة منه نحو التحويلة، ما يسبّب ألماً أو خدراً أو حتى تنخراً في الحالات الشديدة.
- الوريد البارز أو التوسع المفرط: نتيجة الضغط المستمر، مما قد يتطلب تدخلاً جراحياً تصحيحياً.
الانذار بعد تحويلة غسيل الكلى
تعتبر التحويلة الشريانية الوريدية وسيلة فعّالة وطويلة الأمد للوصول إلى مجرى الدم في غسيل الكلى، وغالباً ما تستمر لعدة سنوات، أحياناً لأكثر من 10 سنوات. مع ذلك، قد تتوقف عن العمل في مرحلة مبكرة بسبب انسداد أو تضيّق أو مضاعفات أخرى، وعلى الرغم من التقدم الطبي في مجال إنشاء ورعاية التحويلات، يبقى متوسط العمر المتوقع لمرضى غسيل الكلى أقل مقارنة بالأشخاص ذوي وظائف الكلى الطبيعية. ويعتمد الإنذار على عدة عوامل مثل عمر المريض، وجود أمراض مصاحبة، وفعالية الرعاية الطبية.
لذلك، فإن المتابعة المنتظمة للحالة الصحية والتحويلة نفسها، بالإضافة إلى علاج الأمراض المصاحبة، تُعدّ عوامل رئيسية لتحسين جودة الحياة وزيادة فترة بقاء التحويلة فعّالةً.
قبل عملية تحويلة غسيل الكلى
قبل إجراء تحويلة غسيل الكلى، يتم تقييم حالة المريض بدقة للتأكد من ملاءمة الأوعية الدموية المناسبة لإنشاء التحويلة. يتضمن ذلك فحوصات مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية للأوعية الدموية وفحوصات الدم. يجب على المريض إبلاغ الطبيب عن الأدوية التي يتناولها، خصوصاً تلك التي تؤثر على تجلط الدم مثل ماركومار® أو الأسبرين®، حيث قد يُطلب التوقف عنها مؤقتاً بالتنسيق مع الطبيب.
بالإضافة إلى ذلك، في حالة استخدام أدوية تحتوي على الميتفورمين (لعلاج السكري)، قد يُطلب التوقف عنها قبل استخدام صبغة التباين في الفحوصات التشخيصية، لتجنب مضاعفات الكلى، أيضاً يُنصح المرضى بالاستعداد النفسي والالتزام بتعليمات الطبيب لضمان سير العملية بسلام وأمان.
الرعاية بعد عملية تحويلة غسيل الكلى
بعد إجراء تحويلة غسيل الكلى، يجب الحفاظ على وضع الذراع أو الساق المرتبطة بالتحويلة مرتفعاً وعدم الضغط عليها في الأيام الأولى لتقليل التورم والنزيف. يُمنع المريض من القيام بأنشطة مجهدة أو حمل أوزان ثقيلة على الذراع أو الساق التي تحتوي على التحويلة حتى يعطي الطبيب الإذن بذلك. كما يُمنع المريض من قيادة السيارة لمدة 24 ساعة بعد العملية لتفادي مضاعفات محتملة بسبب تأثير التخدير أو ضعف التركيز.
يجب الحرص على نظافة الجلد حول موقع التحويلة لتقليل خطر العدوى، مع فحص منتظم للتحويلة بواسطة المريض أو الممرض من خلال الشعور بنبض الدم أو سماع صوت التروية (الصفير) باستخدام سماعة طبية. في حالة ملاحظة أي علامات غير طبيعية مثل ألم شديد، احمرار، تورم، نزيف، أو ضعف في تدفق الدم، يجب التوجه للطبيب فوراً.
في الختام، تُعد تحويلة غسيل الكلى خطوة أساسية لنجاح جلسات غسيل الكلى المزمن، إذ تضمن تدفقاً دموياً كافياً وآمناً أثناء العلاج. إن اختيار نوع التحويلة المناسب، والالتزام بالرعاية اليومية، والمتابعة الطبية المنتظمة، جميعها عناصر ضرورية لإطالة عمر التحويلة وتقليل المضاعفات. لذلك، يُنصح المرضى بالتعاون مع الفريق الطبي منذ مرحلة التحضير وحتى ما بعد العملية لتحقيق أفضل نتائج ممكنة.
المصادر:
- Yale Medicine. (2025). Preparing for dialysis (AV fistula). Yale Medicine.
- National Kidney Foundation. (2025). Hemodialysis access: Types of access (fistula, graft, catheter). Kidney.org.