تعد أمراض الأوعية الدموية من المشكلات الصحية التي قد لا تظهر أعراضها في مراحلها المبكرة، مما يزيد من خطورتها، ومن أبرز هذه الحالات توسع الشريان الأبهر في منطقة البطن، والمعروف طبيًا بأم دم الأبهر البطني. هذا التوسع قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم اكتشافه وعلاجه في الوقت المناسب. في تركيا، تقدم المراكز الطبية المتخصصة رعاية متقدمة لعلاج هذه الحالة، باستخدام أحدث التقنيات وأيدي خبراء متخصصين لضمان أفضل النتائج الصحية.
ما هي أم دم الأبهر البطني؟
الشريان الأبهر هو أكبر شريان في الجسم، يحمل الدم المؤكسج من القلب إلى جميع أنحاء الجسم. أحياناً، يحدث تمدد غير طبيعي في جزء من هذا الشريان داخل البطن، حيث تضعف جدرانه وتبرز إلى الخارج بشكل يشبه البالون، يُعرف هذا التمدد بأم دم الأبهر البطني. مع مرور الوقت، يزداد حجم هذا التمدد تدريجياً، ما يجعل جدار الشريان أرق وأضعف، مما يعرضه لخطر الانفجار أو التمزق، وهما من الحالات الطبية الطارئة التي قد تهدد الحياة.
يحدث هذا التمدد غالباً في القسم السفلي من الشريان الأبهر، تحت مستوى الشرايين التي تغذي الكليتين، وله اختصار طبي شائع هو AAA أو “ثلاثي A”. في كثير من الأحيان، لا تظهر على المصابين أي أعراض تحذرهم بوجود هذا التمدد، مما يجعله يُعرف بـ”القاتل الصامت”، حيث يتم اكتشافه عادةً عند حدوث مضاعفات خطيرة. كما تشير الدراسات إلى أن معدل الوفيات الناتج عن تمزق أم دم الأبهر البطني يتراوح بين 6.8% إلى 10.9% حسب الجنس، ما يؤكد ضرورة التشخيص المبكر والمتابعة الدقيقة.
تعتمد طرق العلاج على حجم وسرعة نمو التمدد، فالحالات الصغيرة تُراقب بعناية مع تعديل نمط الحياة واستخدام الأدوية، أما الحالات الأكبر أو المتزايدة بسرعة فتتطلب تدخلاً جراحياً أو تركيب دعامة لدعم جدار الشريان.
أشكال أم دم الأبهر البطني
تتعدد أشكال أم دم الأبهر البطني، وأشهرها شكلان رئيسيان:
- الشكل المغزلي: يتميز بتوسع شامل في جدار الشريان الأبهر من جميع الجهات، بحيث يزداد قطر الشريان بشكل متساوٍ. لا يُعتبر الشريان متوسّعاً حتى يزيد عرضه بنسبة 50% عن الحجم الطبيعي.
- الشكل الكيسي: هو انتفاخ محدود في جانب واحد من جدار الشريان، وغالباً ما ينتج عن تمزق جزئي في الطبقة الداخلية لجدار الشريان. يُطلق عليه أحياناً اسم “أم دم كاذبة”، لأنه لا يشمل جميع طبقات جدار الشريان.
ما الذي يسبب أم دم الأبهر البطنية؟
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ضعف جدار الشريان الأبهر وانهيار أنسجته، مما يتسبب في تمدد الشريان الأبهري البطني وتكوّن أم دم الأبهر، وعلى الرغم من أن السبب الدقيق غير معروف تماماً، يُعتقد أن تصلب الشرايين يلعب دوراً رئيسياً في هذه العملية. يحدث تصلب الشرايين نتيجة تراكم الترسبات الدهنية، والكوليسترول، ومنتجات النفايات الخلوية، بالإضافة إلى الكالسيوم والفيبرين داخل البطانة الداخلية للشريان، مما يؤدي إلى ضيق وتصلب الأوعية الدموية.
تشمل عوامل الخطر المؤدية لتصلب الشرايين، والتي تزيد بالتالي من خطر الإصابة بأم دم الأبهر البطني، ما يلي:
- العمر (أكبر من 60 عاماً)
- الذكور (الحدوث عند الذكور أكبر بأربع إلى خمس مرات من الإناث)
- القصة العائلية (أقارب من الدرجة الأولى مثل الأب أو الأخ)
- عوامل وراثية
- الداء السكري
- السمنة
- ارتفاع شحوم الدم
- ضغط دم مرتفع
- التدخين
تشمل الأمراض الأخرى التي قد تسبب أم دم في البطن ما يلي:
- اضطرابات النسيج الضام مثل متلازمة مارفان ومتلازمة إهلرز دانلوس ومتلازمة تيرنر ومرض الكلى المتعدد الكيسات
- العيوب الخلقية (الموجودة عند الولادة) مثل الصمام الأبهري ثنائي الشرف أو تضيق الشريان الأبهر
- التهاب الشرايين الصدغية وشرايين أخرى في الرأس والرقبة
- الرضوض
- الإنتان مثل مرض الزهري أو السالمونيلا أو المكورات العنقودية (نادراً)
ما هي أعراض أم دم الأبهر البطني؟
لا تظهر أعراض على نحو 75% من حالات أم دم الشريان الأبهري البطني، وغالباً ما يتم اكتشافها صدفة أثناء إجراء فحوصات تصويرية مثل الأشعة السينية أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لأسباب أخرى، ونظراً لأن كثيراً من الحالات لا تُشخّص قبل حدوث التمزق، يُطلق على هذه الحالة أحياناً اسم “القاتل الصامت”.
يُعد الألم العَرض الأكثر شيوعاً، وقد يظهر في البطن أو أسفل الظهر أو منطقة الحوض أو الصدر. يختلف الألم في شدته، لكنه غالباً ما يكون مستمراً أو يزداد تدريجياً. في حال حدوث ألم مفاجئ وشديد في الظهر أو البطن، فقد يشير ذلك إلى قرب تمزق أم الدم، وهي حالة طبية طارئة تهدد الحياة.
تشمل الأعراض الأخرى المحتملة:
- إحساس نابض في البطن يشبه خفقان القلب.
- شعور بالامتلاء أو الضغط في البطن.
- في بعض الحالات، قد يضغط التمدد الكبير على الأعضاء المجاورة، ما يؤدي إلى أعراض بولية أو هضمية.
تتشابه أعراض أم دم الأبهر البطني مع أعراض حالات طبية أخرى، لذا فإن التشخيص الدقيق ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة.
كيف يتم تشخيص أم الدم؟
غالباً ما تُكتشف أم دم الأبهر البطني بالصدفة أثناء إجراء فحوصات أو صور شعاعية لسبب آخر، وذلك لأنها لا تسبب أعراضاً واضحة في كثير من الأحيان. في بعض الحالات، قد يلاحظ الطبيب وجود نبض غير طبيعي في البطن أثناء الفحص السريري، مما يدفعه للشك بوجود تمدد في الشريان الأورطي.
يعتمد التشخيص على وسائل التصوير الطبي، ويُعد تخطيط الصدى (الإيكو) على البطن الطريقة الأولية والأكثر استخداماً للكشف عن أم دم الأبهر البطني، نظراً لبساطته ودقته. أما لتحديد حجم التمدد وشكله ومدى خطورته، فيمكن استخدام التصوير الطبقي المحوري (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو تصوير الشرايين (Angiography) عند الحاجة لتقييم دقيق قبل الجراحة.
ما هو علاج أم دم الأبهر البطني في تركيا؟
تعتمد خطة علاج أم دم الشريان الأورطي البطني على حجم التمدد وسرعة نموه، إضافةً إلى الأعراض التي يُعاني منها المريض وحالته الصحية العامة، وتشمل الخيارات العلاجية: المتابعة المنتظمة، وضبط عوامل الخطر، أو التدخل الجراحي عند الضرورة.
المراقبة والمتابعة الدورية
في حال كانت أم دم الأبهر البطني صغيرة الحجم (قطرها أقل من 5.5 سم لدى الرجال، وأقل من 5.0 سم لدى النساء) ولا تسبب أعراضاً، يُوصى عادةً بالمراقبة الطبية الدقيقة بدلاً من التدخل الجراحي الفوري. تعتمد هذه الاستراتيجية على إجراء فحوصات تصوير دورية لتقييم حجم أم الدم ومعدل توسعها بمرور الوقت.
يُعد التصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو البطني) وسيلة المراقبة المفضلة نظراً لفعاليتها وكونها غير مؤلمة ومنخفضة التكلفة. تُكرر الفحوصات عادة كل 6 إلى 12 شهراً، حسب حجم أم الدم وسرعة نموها. تهدف هذه المتابعة إلى التدخل الجراحي في الوقت المناسب إذا ما تجاوزت أم الدم حداً معيناً في الحجم أو بدأت تسبب أعراضاً، مما يقلل من خطر التمزق المفاجئ ويحسّن فرص النجاح العلاجي.
ضبط عوامل الخطر ونمط الحياة
يمكن لتعديل نمط الحياة أن يُبطئ تطور أم دم الأبهر البطني ويُقلل من خطر تمزقها، ويشمل ذلك:
- الإقلاع عن التدخين: يُعد التدخين العامل الأخطر في تشكُّل أم الدم وتفاقمها، كما يزيد من احتمال التمزق.
- ضبط ضغط الدم: يُنصح بالحفاظ على ضغط دم منخفض باستخدام الأدوية وتجنب التوتر والإفراط في تناول الصوديوم.
- مراقبة الكولسترول والدهون: عبر الحمية الغذائية والأدوية لتقليل ترسّب الدهون في جدار الشرايين.
- ممارسة الرياضة بانتظام: شرط أن تكون معتدلة وتحت إشراف طبي، لتقوية القلب وتحسين الدورة الدموية.
- اتباع نظام غذائي متوازن: يجب أن يكون النظام الغذائي غني بالخضروات، والفواكه، والحبوب الكاملة، وقليل الدهون المشبعة والسكريات.
الالتزام بهذه الإجراءات يُساهم بشكل فعّال في الوقاية من المضاعفات وتأخير الحاجة إلى الجراحة.
علاج أم دم الأبهر البطني بالجراحة
قد تكون الجراحة ضرورية إذا كانت أم الدم كبيرة أو سريعة النمو لأن ذلك يزيد من فرص التمزق، مع الأخذ بالاعتبار أن النساء المصابات بأم الدم الكبيرة أكثر عرضة للإصابة بالتمزق من الرجال، وتشمل الخيارات الجراحية ما يلي:
- الجراحة المفتوحة (Open Repair): يتم فيها فتح البطن واستبدال الجزء المتضخم من الشريان الأبهر بطُعم صناعي (Dacron أو PTFE). تُعد فعالة جداً لكنها ترتبط بفترة شفاء أطول ومضاعفات محتملة أكبر لدى كبار السن أو المرضى الهشّين.
- إصلاح أم الدم داخل الأوعية (EVAR): تقنية طفيفة التوغل تُستخدم فيها دعامة مغلفة تُزرع عبر الشريان الفخذي لتقوية جدار الأبهر من الداخل. وهي خيار شائع للمرضى غير المؤهلين للجراحة المفتوحة.
- الطُعم المثقوب (Fenestrated EVAR): يُستخدم هذا النوع المتقدّم من الدعامات في حالات أم دم الأبهر البطني التي تقع بالقرب من أو تشمل تفرعات الشريان الكلوي أو الشرايين الحشوية. يتم تصميم الطُعم خصيصاً بفتحات (fenestrations) تتيح مرور الدم إلى هذه التفرعات، ما يسمح بعلاج الحالات التي لا تناسب الإصلاح القياسي.
لا يستطيع جميع المرضى تحمل مخاطر الجراحة المفتوحة، لذلك يُعتبر إصلاح أم الدم من داخل الأوعية (EVAR) خياراً ممتازاً للمرضى الذين يعانون من حالات صحية مزمنة أو كبار السن. مع ذلك، لا تتناسب هذه التقنية مع كل الحالات، إذ يعتمد نجاحها على وجود بنية تشريحية مناسبة للشريان الأبهر، لذلك يجب على المريض استشارة جراح الأوعية الدموية لتحديد الخيار الأنسب لحالته.
الحياة بعد علاج أم دم الأبهر البطني
تُعد نتائج علاج أم دم الأبهر البطني مشجعة عند تشخيص الحالة في الوقت المناسب، إذ تساهم الجراحة المفتوحة أو الإصلاح داخل الأوعية في تقليل خطر التمزق بشكل كبير وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، فإن النجاح لا يقتصر على العملية بحد ذاتها، بل يمتد إلى المتابعة الدقيقة وتعديل نمط الحياة بعد العلاج. بعد العملية، يُنصح المرضى باتباع خطة متابعة دورية تشمل فحوصات تصويرية منتظمة لمراقبة مكان الإصلاح والتأكد من عدم تطور أم دم جديدة، كما ينبغي التقيّد بالعلاج الدوائي للسيطرة على ضغط الدم، وتقليل مستويات الكوليسترول، ومنع التجلطات.
يلعب أسلوب الحياة دوراً محورياً في الوقاية من المضاعفات المستقبلية؛ إذ يُوصى بالإقلاع عن التدخين، والالتزام بنظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني المنتظم وفق توجيهات الطبيب. الحفاظ على وزن صحي ومراقبة داء السكري – إن وجد – من الإجراءات الضرورية أيضاً. من خلال الالتزام بالعلاج والمتابعة وتعديل نمط الحياة، يمكن لمعظم المرضى استعادة نمط حياة طبيعي وتقليل احتمال تكرار المشكلة أو حدوث مضاعفات خطيرة.
في الختام، تُعد أم دم الأبهر البطني من الحالات الخطيرة التي قد تتطور بصمت وتُهدد حياة المريض بشكل مفاجئ، إلا أن التشخيص المبكر والمتابعة المنتظمة والعلاج المناسب سواء بالجراحة أو التدخل داخل الأوعية، يمنحان المرضى فرصة حقيقية للنجاة والعودة إلى الحياة الطبيعية. من الضروري ألا ينتهي دور المريض عند تلقي العلاج، بل يجب أن يستمر عبر الالتزام بنمط حياة صحي ومراقبة طبية دقيقة، للوقاية من المضاعفات وضمان أفضل النتائج على المدى الطويل.
المصادر:
- Canadian Society for Vascular Surgery. (n.d.). Abdominal aortic aneurysm (AAA).
- MedlinePlus. (2023, August 22). Abdominal aortic aneurysm. U.S. National Library of Medicine.