تعد عملية بتر الأطراف واحدة من أصعب القرارات التي قد يتخذها الأطباء والمريض معا في مسار العلاج الطبي، حيث يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الحاجة الطبية الملحة والتأثير النفسي طويل الأمد على المريض بتر الأطراف ليس فقط قرارا جراحيا، بل هو أيضاً لحظة فاصلة بين الحياة كما كانت، وبين حياة جديدة مليئة بالتحديات والتأقلم مع واقع جديد.
يُلجأ إلى هذه العملية في حالات تتنوع بين الإصابات البالغة، الأمراض المزمنة مثل السكري أو التهابات الأوعية الدموية، وحتى السرطان، بينما تسعى الجراحة لإنقاذ حياة المريض أو تحسين نوعية الحياة، فإنّ ما يليها من تحديات جسدية ونفسية يتطلب دعما مستمرا وإعادة تأهيل شاملة.
ما هي عملية البتر للأطراف؟
لبتر هو عملية جراحية تهدف إلى إزالة جزء أو كامل من طرف الجسم، وعادةً ما يكون أحد الأطراف أو الأطراف السفلية (مثل الذراع، الساق، اليد، أو القدم). وقد يحتاج المريض إلى جراحة لبتر جزء من جسمه إذا كان مصاباً أو مريضاً بشدة ولا يمكن إنقاذه ويشكل تهديداً للأجزاء الأخرى من الجسم، وقد يحتاج المريض أيضاً إلى جراحة إذا فقدت جزءاً من جسمه في حادث صادم، وعندما يكون فقدان الطرف أمراً لا مفر منه، يحرص جراحو البتر على أن تتم العملية بشكل نظيف وآمن لضمان سلامة المريض العامة، والأنواع الشائعة للبتر تشمل:
- بتر الذراع
- بتر اليد
- بتر الإصبع
- بتر الساق
- بتر القدم
- بتر الأصابع
أسباب عملية البتر
يتم اللجوء الى عملية البتر كخيار علاجي أخير عند عدم توفر طرق أخرى لعلاج أحد الأسباب التالية:
- اختلاطات داء السكري من أشيع الأسباب التي تؤدي للبتر وخاصةً بتر القدم، يعود السبب وراء ذلك لاعتلال الشرايين السكري الذي يسبب ضعف تدفق الدم، بالإضافة للاعتلال العصبي المرافق للداء السكري الذي يسبب ضعف إحساس المريض بجروح القدم وتقرحاتها.
- اعتلال الشرايين المحيطية (PAD) الذي يسبب ضعف تدفق الدم عبر الشرايين إلى الأطراف.
- الإنتانات الشديدة التي قد تنتشر لبقية الجسم في حال عدم بتر الطرف كالغانغرين.
- عضة الصقيع Forest bite تسبب أيضاً ضعف تدفق الدم وتموت بالطرف.
- بعض الأورام الخبيثة المنتشرة في النسيج العضلي وعظام الطرف.
- الإصابات الرضية الشديدة كحوادث السيارات أو الحروق.
- الجروح الكبيرة والتقرحات التي لا تلتأم ولا تشفى.
- تشوهات الطرف التي تعيق الحركة وأداء الوظيفة.
- تموت الطرف لعدم إمداده بالأوكسجين الكافي.
أنواع عملية البتر
قد تجرى عملية البتر على مستوى الطرف العلوي أو الطرف السفلي أو كليهما، وقد تقتصر عملية البتر على أحد أجزاء الأطراف (يد، قدم، ساق، ساعد، اصابع)، وفي الواقع إن عملية البتر التي تتم على مستوى الطرف السفلي أشيع بكثير من تلك التي تتم على مستوى الطرف العلوي، فبحسب دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية فإن 3% فقط من عمليات البتر أجريت على مستوى الطرف العلوي، وتشمل أنماط عملية بتر الطرف السفلي:
- البتر على مستوى القدم أو الأصابع
- بتر الطرف السفلي تحت مستوى الكاحل ankle disarticulation، أي بتر القدم من مفصل الكاحل للأسفل
- البتر تحت مفصل الركبة below-knee amputation، يتم بتر الطرف السفلي تحت مفصل الركبة مباشرةً
- البتر على مستوى مفصل الركبة knee disarticulation، يتم بتر الطرف السفلي من مفصل الركبة للأسفل
- البتر من مفصل الورك للأسفل hip disarticulation، يتم بتر الطرف السفلي بشكل كامل من مفصل الورك
- البتر فوق مستوى الركبة above-knee amputation، يجري بهذا النمط بتر الطرف السفلي فوق مفصل الركبة
- البتر الكامل عبر الحوض trans-pelvic disarticulation، تشمل هذه الطريقة بتر الطرف السفلي بشكل كامل مع استئصال جزء من عظم الحوض

وتشمل أنماط عملية بتر الطرف العلوي:
- لبتر على مستوى اليد أو الأصابع
- البتر من مستوى مفصل الرسغ wrist disarticulation
- البتر من مستوى تحت المرفق Below-the-elbow amputation, أي يتم البتر تحت مستوى المرفق مباشرةً باتجاه الأسفل
- البتر على مستوى المرفق Elbow disarticulation، يتم بتر القسم السفلي للذراع وفصلها عن القسم العلوي، أي يتم بتر عظمي الزند والكعبرة
- البتر فوق مستوى المرفق above-elbow amputation، يتم بتر القسم السفلي للذراع بالإضافة للمرفق وجزء من القسم العلوي للذراع حيث يجرى الشق الجراحي عبر عظم العضد
- البتر على مستوى الكتف shoulder disarticulation، يتم بتر الذراع بشكل كامل من مستوى الكتف
- بتر الربع الأمامي Forequarter amputation, يتم في هذا النمط بتر الطرف العلوي بشكل كامل بالإضافة لقسم من الكتف

قبل عملية البتر
قد يتم إجراء عملية البتر بشكل إسعافي (كما في حوادث السيارات أو الحروق)، أو قد تُجرى بشكل مجدول غير إسعافي (كما في حالة اعتلال الشرايين المحيطية، الإنتان، السرطان)، وفي حال تم تقرير إجراء عملية البتر بشكل غير إسعافي يقوم الطبيب بفحص المريض بشكل مفصل للتأكد من أن المريض قادر على خوض هذه العملية، يتم فحص صحة الجهاز القلبي الوعائي بالإضافة للجهاز التنفسي ويتم أيضاً طلب تحاليل عامة ومراقبة نسبة الشوارد في الجسم.
يلجأ الطبيب أيضًا إلى فحص الطرف المقابل السليم، فيتم التأكد من سلامة الطرف المقابل وجاهزيته لتحمل العبئ الذي سيضاف عليه نتيجة بتر الطرف الآخر، وبعد التأكد من جاهزية المريض يقوم طبيب الجراحة العظمية بشرح طريقة إجراء عملية البتر التي تناسب حالة المريض، يتم الحفاظ على النسيج السليم قدر ما أمكن بالإضافة لإجراء العملية بشكل يمكن المريض من تركيب طرف صناعي بديل في تلك المنطقة.
يجب أن يعطى الجانب النفسي عناية خاصة، فخسارة الطرف بشكل نهائي ليس بالأمر السهل على المريض وقد يكون له عواقب نفسية شديدة تؤثر على حياة المريض بعد العملية، ويتم تعريف المريض قبل إجراء عملية البتر بالمعالج الفيزيائي الذي سيعمل على تقديم المساعدة للمريض بعد عملية البتر، بالإضافة لفني الأطراف الاصطناعية prosthetist الذي يعمل على تقديم المشورة للمريض في اختيار وتركيب الأطراف الصناعية التي تناسب حالته.
خلال عملية البتر
تهدف عملية البتر بشكل أساسي إلى إزالة النسيج المصاب والحفاظ على النسيج السليم قدر الإمكان، وعندما يتم اتخاذ قرار البتر يقوم الأطباء بدراسة النتائج المحتملة للعملية على قدرة المريض على تحريك الطرف والإحساس به بالإضافة للنتائج الجمالية، ففي حال تم التخطيط لتركيب طرف صناعي يعمل الأطباء على إجراء البتر بشكل يسمح للطرف الصناعي بالتوضع وأداء وظيفته بشكل جيد، ويتم تخدير المريض إما تخدير عام أو تخدير شوكي بحسب مستوى البتر، ليتم بعدها إجراء الشق الجراحي وإزالة الأنسجة المتضررة عبر بتر القسم المصاب من الطرف بواسطة المشرط الجراحي.
يقوم الجراح بتنعيم مناطق العظام غير المستوية ويقوم بإغلاق الأوعية والأعصاب بشكل محكم ويعمل أيضاً على قطع العضلات وجعلها بالشكل الأمثل تمهيداً لتركيب الطرف الصناعي في مكانه، يتم بعدها تضميد مكان الجرح بضماد عقيم، وتستغرق عملية البتر حوالي 45 إلى 90 دقيقة في حال عدم وجود اختلاطات تعيق سير العملية، تعتمد فترة بقاء المريض في المستشفى بعد العملية على نوع عملية البتر التي أجريت، لكن غالباً يمكث المريض حوالي 4 إلى 14 يوم بعد العملية من أجل تقييم المريض والتأكد من عدم وجود اختلاطات أو مضاعفات ناتجة عن العمل الجراحي.
التعافي بعد عملية البتر
اليوم الأول بعد العملية هو اليوم الأصعب على المريض، فما كان بالأمس مجرد فرضيات أصبح حقيقة يجب على المريض التعايش معها لبقية حياته، فخسارة الطرف تشبه إلى حدٍ ما خسارة فرد من أفراد العائلة المقربين، ويقوم طاقم المشفى بمراقبة الجرح الناتج عن العملية ويتم تغيير الضمادات من فترة لأخرى، يتم وصف أدوية مسكنة للألم ومهدئات بعد العملية وقد يتم وصف صادات للوقاية من الإنتان، بعد العملية يزود المريض بالأوكسجين عبر القناع وتوضع أيضاً قثطرة بولية للمريض لتجنب الحاجة للذهاب للحمام كي يبقى المريض ثابتاً ويلتأم الجرح.
يعاني بعض المرضى بعد العملية من ظاهرة تدعى بالألم الوهمي، بمعنى أنه يتم الشعور بألم أو إحساس بالطرف المبتور الغير موجود أساساً، هذه الظاهرة شائعة بين المرضى بعد عملية البتر لسبب غير مفهوم تماماً، ويعتقد البعض أن سبب هذه الظاهرة يعود لأسباب نفسية، في حين أن بعض الأطباء فسروا سبب هذه الظاهرة بالاستجابة المختلطة العشوائية للدماغ بعد عملية البتر حيث يتم تنبيه الأعصاب المسؤولة عن الطرف المبتور.
يبدأ المريض بتلقي العلاج الطبيعي بعد أيام قليلة من عملية البتر وذلك لتحريك الجسم والأطراف ومنع حدوث ركودة دموية نتيجة البقاء مطولاً في السرير أثناء التعافي لتأمين التئام الجرح، حيث يستمر العلاج الفيزيائي بعد التئام الجرح، يساعد المعالج الفيزيائي المريض على إبقاء نطاق الحركة الطبيعية في أماكن البتر بالإضافة لتمارين التمدد stretching، يقوم أيضاً المعالج الفيزيائي بإعطاء تعليمات ونصائح بعد عملية البتر للمريض، فالعلاج الفيزيائي هو عملية تأهيل مطولة قد تستغرق عدد من الشهور وقد تصل لسنوات.
يلتأم الجرح بشكل كامل بعد العملية بحوالي 4 إلى 8 أسابيع، يوجد عوامل تأخر من التئام الجروح كوجود أمراض مزمنة كالداء السكري أو التدخين، يمكن تركيب الطرف الصناعي بعد التئام الجرح بشكل جيد، يقوم فني الأطراف الصناعية بالعمل جنباً إلى جنب مع المعالج الفيزيائي في فترة إعادة التأهيل بعد عملية البتر.
قد تستغرق مرحلة التعافي وإعادة التأهيل فترة طويلة حتى يعتاد المريض على حياته الجديدة، يتكون فريق إعادة التأهيل من المعالج الفيزيائي والطبيب الجراح بالإضافة لطبيب نفسي يساعد المريض خلال فترة التعافي، وقد ينضم إلى فريق إعادة التأهيل الكادر الطبي المسؤول عن تركيب الأطراف الصناعية في حال التخطيط لإجراء عملية تركيب الطرف بعد البتر.
مخاطر عملية البتر
لا يوجد عمل جراحي خالي تماماً من المخاطر، قد تترافق عملية البتر بمضاعفات تكون ناتجة إما عن العمل الجراحي أو بسبب تأثير بتر الطرف على الجسم نذكر بعض المضاعفات:
- الإنتان مكان الجرح
- تأخر الجرح بالالتئام والشفاء
- الخثار الوريدي (DVT) بسبب الركودة الدموية مكان بتر الطرف
- ذات الرئة (إنتان يصيب الرئتين)
- الألم الوهمي في الطرف المبتور
- مشاكل قلبية كالسكتة المفاجئة

لمحة عن الاطراف الصناعية
الأطراف الصناعية هي عبارة عن أجهزة تعمل إلى حدٍ ما على تعويض الأطراف المبتورة من الناحية الشكلية والوظيفية، وليس كل شخص خضع لعملية بتر قادر على تركيب الأطراف الصناعية، يوجد عدد من العوامل التي تلعب دور في هذا الأمر، وجود نسيج رخو كافي من أجل وضع الطرف الصناعي أمر مهم بالإضافة لحالة المريض الصحية العامة، وتركيب الطرف الصناعي يحتم على المريض الخضوع لجلسات علاج فيزيائي مطولة، ففي حال عدم مقدرة المريض على فعل ذلك يفضل عدم وضع الطرف الصناعي.
يعتمد أيضاً قرار تركيب الاطراف الصناعية على نوع عملية البتر التي أجريت، فمثلاً البتر الذي يتم على مستوى تحت الركبة مرشح جيد لوضع أطراف صناعية على عكس البتر الذي يتم فوق مستوى الركبة، وجود مفصل الركبة يسهل عملية تركيب أطراف صناعية في تلك المنطقة، ويلعب النشاط الحركي للمريض دور في هذا الأمر، فالمريض ذو النشاط البدني القليل سيجد صعوبة أكثر في التعامل مع الطرف الصناعي مقارنة مع المريض الرياضي الذي تعرض لعملية البتر لسبب ما.
قد تستغرق عملية تأهيل الطرف الصناعي والتأقلم معه فترة قد تكون طويلة بعض الشيء حتى يعتاد الشخص على استخدام الأطراف الصناعية بشكل جيد
في الختام تعد عملية بتر الأطراف، من أعقد العمليات الجراحية وأكثرها خطورة، تتطلب وعياً من قبل المريض وتقبل لإجرائها، ولكن مع تطور التقانات الطبية أصبح من الممكن تركيب أطراف صناعية تعوض الطرف المفقود، حيث تتميز تركيا بأنّها واحدة من أفضل دول العالم في مجال تأهيل مبتوري الأطراف، حيث يحصل المريض على أفضل عناية طبية بأفضل الأسعار.
المصادر:
- British Association of Chartered Physiotherapists in Amputee Rehabilitation. (n.d.). Pre- and post-operative guidelines and recommendations.
- National Health Service (NHS). (n.d.). Amputation