زراعة البنكرياس هي إجراء جراحي متقدم يهدف إلى استبدال بنكرياس مريض أو متوقف عن إنتاج الأنسولين ببنكرياس سليم من متبرع، بهدف استعادة القدرة الطبيعية للجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم. تُعد هذه العملية خياراً علاجياً حاسماً لمرضى السكري من النوع الأول مثلاً الذين يعانون من اختلال شديد في ضبط السكر أو من مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي أو اعتلال الشبكية. بفضل التطورات الطبية والجراحية أصبحت زراعة البنكرياس تحقق نسب نجاح عالية وتحسّن ملحوظ في جودة الحياة، خاصة في المراكز المتقدمة مثل تركيا التي تُعد وجهة بارزة لهذا النوع من العمليات.
ما هي زراعة البنكرياس؟
زراعة البنكرياس هي عملية جراحية يتم فيها نقل بنكرياس سليم من متبرع متوفى دماغيًا إلى شخص لم يعد بنكرياسه يعمل بشكل طبيعي وغالباً ما يكون مصاباً بالسكري من النمط الأول. يهدف هذا الإجراء إلى استعادة إنتاج الإنسولين الطبيعي وتنظيم مستوى السكر في الدم دون الحاجة لحقن الإنسولين.
الحالات التي يمكن أن تستفيد منه
تُجرى زراعة البنكرياس بشكل أساسي لعلاج مرضى السكري من النمط الأول خاصةً أولئك الذين يعانون من مضاعفات شديدة مثل اعتلال الكلى أو تكرار نوبات انخفاض أو ارتفاع سكر الدم الحاد. وفي بعض الحالات النادرة قد تُستخدم زراعة البنكرياس لعلاج السكري من النمط الثاني أو بعض أنواع السرطان مثل سرطان البنكرياس أو القنوات الصفراوية وغالباً ما تُجرى بالتزامن مع زراعة الكلى لدى المرضى الذين تضررت كليتهم بسبب السكري.
الفرق بين زراعة البنكرياس وزراعة الخلايا الجزيرية
زراعة البنكرياس تشمل نقل العضو كاملاً من المتبرع وربطه بجسم المريض لإنتاج الإنسولين بشكل طبيعي أما زراعة الخلايا الجزيرية فهي إجراء أقل تدخلاً جراحياً حيث يتم نقل الخلايا المسؤولة عن إنتاج الإنسولين من بنكرياس المتبرع إلى المريض عبر الحقن في الكبد إلا أن فعاليتها عادةً أقل من زراعة البنكرياس الكامل وقد يحتاج المريض إلى جلسات متعددة أو الاستمرار على الإنسولين.

متى يحتاج المريض إلى زراعة البنكرياس؟
الحالات التي قد تستفيد من زراعة البنكرياس
- مرضى السكري من النمط الأول مع مضاعفات شديدة مثل:
- تلف الكلى (غالبًا مع زراعة كلى في الوقت نفسه)
- اعتلال الأعصاب
- مشاكل الشبكية وفقدان البصر الجزئي
- نوبات متكررة من انخفاض أو ارتفاع سكر الدم غير المسيطر عليه
- بعض الحالات النادرة من السكري من النمط الثاني
- مرضى القصور الكلوي الناتج عن السكري والمقبلين على زراعة كلى

الحالات التي لا يُنصح فيها بزراعة البنكرياس
- أمراض القلب الشديدة (قصور القلب والذبحة غير المسيطر عليها وأمراض الشرايين التاجية المتقدمة)
- أمراض الرئة المزمنة أو الشديدة
- أمراض وعائية متقدمة في الرقبة أو الأطراف
- وجود سرطان نشط أو تاريخ حديث مع السرطان
- التهابات نشطة مثل التهاب الكبد الفيروسي
- السمنة المفرطة
- التدخين أو تعاطي الكحول والمخدرات
- عدم القدرة على الالتزام بالمتابعة الطبية والفحوصات المنتظمة بعد العملية
التحضيرات قبل عملية زراعة البنكرياس
التقييم السريري الشامل
يبدأ التحضير بإحالة المريض إلى مركز زراعة الأعضاء حيث يقوم فريق الزراعة بإجراء تقييم طبي شامل للتأكد من ملاءمته للجراحة ويشمل ذلك مراجعة التاريخ المرضي والفحص السريري الكامل وتحديد وجود أي أمراض قد تمنع إجراء الزراعة.
الفحوصات المخبرية
تُجرى سلسلة من التحاليل تشمل وظائف الكلية والكبد ومستوى سكر الدم إضافة إلى الفحوصات المناعية مثل تحليل الزمر النسيجية وفصيلة الدم للتأكد من توافق العضو المزروع وتقليل خطر الرفض. كما قد تُؤخذ عينات دم أو جلد للكشف عن الأمراض الانتانية.
الفحوصات الشعاعية
يتم إجراء تصوير للبطن (مثل الإيكو أو الرنين المغناطيسي) لتقييم الأعضاء الداخلية وفحوصات للقلب مثل تخطيط القلب (ECG) أو الإيكو القلبي أو القثطرة القلبية إذا لزم الأمر للتأكد من جاهزية المريض للجراحة.
الاستشارة النفسية والدعم الاجتماعي
يخضع المريض لتقييم نفسي للتأكد من فهمه لخطوات العملية ومخاطرها إضافة إلى تقديم الدعم الاجتماعي والنفسي لضمان التزامه بالعلاج والمتابعة بعد العملية ويُشجَّع على الانضمام لبرامج التوعية أو مجموعات الدعم الخاصة بزراعة الأعضاء.
خطوات عملية زراعة البنكرياس
الحصول على العضو من المتبرع
يتم الحصول على البنكرياس من متبرع متوفى دماغياً وغالباً يكون ذلك ضمن عملية استئصال متعددة للأعضاء البطنية. يُستخرج البنكرياس كاملاً مع جزء من الإثني عشر والطحال مع الحفاظ على الأوعية الدموية الرئيسية (الشريان المساريقي العلوي والشريان الطحالي والوريد البابي). بعد ذلك يُحضّر العضو للزراعة عبر إزالة الطحال وتقصير الجزء المرفق من الإثني عشر وتحضير وصلة شريانية على شكل Y graft من الشريان الحرقفي العام للمتبرع لتغذية البنكرياس من مصدر واحد.
العملية الجراحية وربط الأوعية الدموية والقناة البنكرياسية
- التخدير والشق الجراحي: يخضع المريض للتخدير العام ويُجرى شق بطني طولي من أسفل عظم القص حتى أسفل السرة وأحياناً تُستخدم شقوق إضافية في الناحية الإربية.
- وضع العضو الجديد: يوضع البنكرياس المزروع عادةً في الحفرة الحرقفية اليمنى من البطن لسهولة الوصول إلى الأوعية الدموية هناك.
- ربط الأوعية الدموية:
- تُوصل الشرايين المحضّرة من المتبرع (Y graft) بالشريان الحرقفي الداخلي أو الخارجي للمريض لضمان تدفق الدم إلى العضو.
- يُربط الوريد المزروع بالوريد الحرقفي أو الوريد الأجوف السفلي (التصريف الجهازي) أو بالوريد البابي (التصريف البابي) لتقليد مسار الدم الطبيعي للبنكرياس.
- تصريف العصارات البنكرياسية:
- الطريقة الشائعة هي التوصيل بالأمعاء الدقيقة (إجراء مفاغرة جانبية بين الإثني عشر المرفق بالبنكرياس والصائم).
- في بعض المراكز يُستخدم التصريف المثاني حيث يُوصل الإثني عشر بالمثانة لقياس إنزيم الأميلاز في البول لمراقبة وظيفة الطعم لكن هذه الطريقة قل استخدامها بسبب مضاعفاتها.
- إبقاء البنكرياس الأصلي: يُترك بنكرياس المريض في مكانه ليستمر بإفراز العصارات الهاضمة، بينما يتولى البنكرياس المزروع إنتاج الإنسولين.
- إغلاق الشق الجراحي: بعد التأكد من تدفق الدم السليم وعدم وجود نزيف وتُغلق الشقوق الجراحية بالغرز.
المدة الزمنية للعملية
- زراعة البنكرياس فقط: 3–5 ساعات.
- زراعة البنكرياس مع الكلية في الوقت نفسه: 6–8 ساعات، حيث تُزرع الكلية عادةً في الحفرة الحرقفية اليسرى والبنكرياس في اليمنى.

فترة ما بعد العملية والعناية الطبية
بعد إجراء زراعة البنكرياس يتم نقل المريض مباشرةً إلى وحدة العناية المركزة لمتابعة حالته بدقة خلال الأيام الأولى حيث يراقب الفريق الطبي المؤشرات الحيوية، وظائف البنكرياس المزروع وأي علامات مبكرة للرفض أو المضاعفات. في هذه المرحلة، يحصل المريض على:
- السوائل والمغذيات عبر الوريد
- الأكسجين لدعم التنفس
- مسكنات الألم لتقليل الانزعاج
- أنابيب تصريف لإزالة الدم أو السوائل من منطقة الجراحة
- قسطرة بولية لتصريف البول ومراقبة إنتاجه
عادةً يبدأ البنكرياس الجديد بإنتاج الأنسولين فوراً بعد الجراحة ما يلغي الحاجة لحقن الأنسولين
تجنب رفض العضو
- أدوية كبت المناعة مدى الحياة.
- علاجات وقائية ضد البكتيريا والفيروسات والفطريات، بسبب ضعف المناعة.
بعد الخروج من المستشفى
- تحاليل دم منتظمة لمراقبة مستويات السكر ووظائف البنكرياس.
- تصوير طبي دوري للتأكد من سلامة العضو المزروع.
- مراجعات طبية متقاربة خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى وقد يُطلب من المريض البقاء قريبًا من المستشفى خلال هذه الفترة.
غالبًا تمتد الإقامة في المستشفى بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع إذا لم تظهر مضاعفات، مع إمكانية عودة المريض في حال حدوث رفض حاد يحتاج لعلاج مكثف.
المخاطر والمضاعفات المحتملة لزراعة البنكرياس
تُعد زراعة البنكرياس عملية جراحية معقدة تنطوي على مخاطر عالية ومجموعة من المضاعفات المحتملة سواء أثناء العملية أو بعدها وقد تؤثر هذه المضاعفات على نجاح الزراعة وبقاء العضو المزروع. من أبرز هذه المخاطر:
- الرفض المناعي: محاولة جهاز المناعة مهاجمة البنكرياس المزروع، ويحدث بنسب تتراوح بين 5% و25%، مع زيادة خطر الرفض المزمن في حالات الزراعة المنفردة للبنكرياس مقارنة بالزراعة المشتركة مع الكلية.
- التجلطات الدموية (الخثار): وهي السبب الأكثر شيوعًا لفشل الطُعم غير المناعي، وقد تصيب الأوردة أو الشرايين المغذية للبنكرياس.
- النزيف: قد يحدث أثناء الجراحة أو بعدها بنسبة تصل إلى 5% من المرضى.
- الالتهابات: وتشمل العدوى البكتيرية، الفيروسية، والفطرية، وغالبًا تصيب جدار البطن أو الجهاز البولي، مع خطر مرتفع للإصابة بفيروس CMV.
- التهاب البنكرياس الحاد بعد الزرع: قد ينتج عن إصابة إعادة التروية أو مشاكل تقنية، ويؤدي أحيانًا إلى تسرب إنزيمات البنكرياس أو تلوث بطانة البطن.
- مضاعفات التوصيل المعوي أو المثاني:
- تسرب معوي (5–8%)، ويُعد من المضاعفات الخطيرة التي قد تتطلب إزالة الطُعم.
- مضاعفات المثانة في حال التصريف البولي، مثل الحموضة الاستقلابية والجفاف.
- مضاعفات وعائية نادرة: مثل تمدد الأوعية الميكوتي بسبب عدوى منطقة المفاغرة الوعائية.
تتأثر معدلات حدوث هذه المضاعفات بعدة عوامل مثل مدة حفظ العضو، خبرة الفريق الجراحي، وجود أمراض قلبية أو وعائية أو جراحات سابقة في البطن ويُعد التشخيص المبكر ومعالجة هذه المضاعفات أمراً أساسيًا للحفاظ على نجاح عملية الزراعة.
نسب النجاح والتوقعات المستقبلية
إحصائيات عالمية عن نسب بقاء العضو المزروع
تشير البيانات العالمية إلى أن نسبة بقاء البنكرياس المزروع بعد سنة من العملية تتراوح بين 85% و90%، بينما تصل نسبة بقاء المريض على قيد الحياة في نفس المدة إلى أكثر من 95%. أما على المدى البعيد، فإن معدلات بقاء العضو المزروع لمدة 5 سنوات تبلغ نحو 70%–75%، وتختلف النسب حسب حالة المريض وخبرات المركز الجراحي.
التحسن في جودة الحياة وضبط سكر الدم
تُظهر الدراسات أن معظم المرضى الذين يخضعون لزراعة البنكرياس يحققون استقلالية كاملة عن الإنسولين ويحافظون على مستويات سكر دم طبيعية أو شبه طبيعية مما يقلل بشكل كبير من نوبات نقص أو ارتفاع السكر الحاد ويُبطئ تطور مضاعفات السكري المزمنة مثل اعتلال الكلية أو الشبكية أو الأعصاب. كما ينعكس ذلك إيجاباً على جودة الحياة والنشاط اليومي.
زراعة البنكرياس في تركيا
- المراكز الطبية المتقدمة: تضم تركيا عدداً من المراكز المتخصصة في زراعة الأعضاء مزودة بأحدث التقنيات الطبية ووحدات عناية مركزة متطورة وتعمل وفق المعايير الدولية للجراحة وزراعة الأعضاء.
- الكوادر الطبية والخبرة الجراحية: يضم قطاع زراعة البنكرياس في تركيا فرقاً طبية ذات خبرة طويلة تشمل جرّاحين وأطباء تخدير وأخصائيي كلى وسكري بالإضافة إلى فرق تمريضية مؤهلة لمتابعة المريض قبل وبعد العملية.
- متوسط التكلفة مقارنة بالدول الأخرى: تتميز تركيا بتقديم خدمات زراعة البنكرياس بتكلفة أقل بكثير من العديد من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، حيث تتراوح التكلفة الإجمالية للعملية بين 70,000 و100,000 دولار أمريكي شاملة الفحوصات والتحاليل والإقامة في المستشفى مع الحفاظ على جودة الرعاية الطبية العالية.
زراعة البنكرياس تمثل خياراً علاجياً متقدمًا لمرضى السكري من النمط الأول الذين يعانون من مضاعفات شديدة أو فشل في السيطرة على مستويات السكر بالطرق التقليدية ورغم أنها عملية كبرى تنطوي على مخاطر وتحتاج إلى التزام صارم بالمتابعة والعلاج المثبط للمناعة فإنها توفر فرصة حقيقية لاستعادة إنتاج الإنسولين الطبيعي وتحسين جودة الحياة وتقليل مضاعفات السكري على المدى الطويل ومع التطور المستمر في التقنيات الجراحية وخبرات الفرق الطبية أصبحت نسب النجاح في ارتفاع مستمر مما يجعل هذا الإجراء أملاً جديداً للكثير من المرضى خاصة في المراكز الطبية المتقدمة مثل تلك الموجودة في تركيا التي تجمع بين الكفاءة الطبية والتكلفة المناسبة.
المصادر:
- NHS Blood and Transplant. (n.d.). Pancreas . Retrieved August 10, 2025,
- National Center for Biotechnology Information. (n.d.). Pancreas transplantation. In StatPearls. Retrieved August 10, 2025,