علاج التهاب القولون التقرحي شهد تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث توفرت خيارات متعددة تهدف إلى تخفيف الأعراض وتحسين جودة حياة المرضى. يُعد التهاب القولون التقرحي من الأمراض المزمنة التي تصيب الأمعاء الغليظة، ويؤثر بشكل كبير على نوعية الحياة. هذا المرض منتشر في مختلف أنحاء العالم، وفي تركيا تتطور الرعاية الطبية بشكل ملحوظ مع اعتماد أحدث التقنيات والخبرات المتخصصة.
لمحة عن القولون
يُشكل القولون الجزء الأكبر من الأمعاء الغليظة والتي تتألف منَ الأعور والقولون والمُستقيم. يمتد القولون من نهاية الأعور إلى بداية المُستقيم حيث يبلُغ طول القولون حوالي 150 سم. إن الوظيفة الرئيسية للقولون هي إمتصاص الماء والأملاح من الأطعمة غير المهضومة وتحويل ما تبقى إلى فضلات (براز) ليتم طرحها إلى خارج الجسم عبر فُتحة الشرج. يُقسم القولون تشريحياً إلى أربع أقسام القولون الصاعد والقولون النازل والقولون المستعرض والسيني.

ما هو التهاب القولون التقرحي؟
يُعد التهاب القولون التقرحي (Ulcerative Colitis) من الأمراض الالتهابية المزمنة التي تصيب الأمعاء الغليظة (القولون والمستقيم)، ويتسم بوجود التهاب وتهيّج وتقرحات مستمرة في بطانة القولون. ويُميز هذا المرض عن داء كرون أنه يقتصر على الأمعاء الغليظة فقط، بينما يمكن أن يؤثر داء كرون على أي جزء من الجهاز الهضمي من الفم حتى الشرج.
يعد التهاب القولون التقرحي مرض مُزمن يُرافق المريض طوال حياته يسبب اعراض تؤثر على نوعية الحياة وتسبب مشاكل اجتماعية أو نفسية للمُصاب في حال عدم تدبير تلك الأعراض، وقد يتطور المرض ليُعطي مُضاعفات خطيرة مهددة للحياة تتطلب تدخُل جراحي عاجل.
أسباب التهاب القولون التقرحي
يُعتبر التهاب القولون التقرحي أحد أكثر أمراض الأمعاء الالتهابية شيوعًا، إلا أن السبب الدقيق للإصابة لا يزال غير معروف. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن المرض ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية، البيئة، الجهاز المناعي، وبعض الأدوية أو الضغوط النفسية. إليك أبرز العوامل المحتملة المسببة لالتهاب القولون التقرحي:
- فرضية الوراثة: تعد العوامل الوراثية من الأسباب الرئيسية حيث إنََ وجود قصة عائلية للإصابة بالمرض يرفع خطر الإصابة حوالي 10 إلى 25%. تٌعلل هذه الفرضية سبب التهاب القولون التقرُحي إلى خلل وراثي في عمل الخلايا المناعية، حيثُ تهاجم الخلايا المناعية الجراثيم المُتعايشة بشكل طبيعي في القولون مما يسبب التهابات وتقرُحات متكررة. في الحقيقة.
- العوامل البيئية: ربطت بعض الدراسات العوامل البيئية بارتفاع احتمال الإصابة بالتهاب القولون التقرُحي, فاحتمال الإصابة بكون أعلى عند سُكان المدن من سكان الريف يُمكن أن يعود السبب وراء ذلك إلى تلوث الهواء في المُدن والحمية الغذائية الغنية بالدهون والمواد الضارة.
- الأدوية المضادة للالتهابات اللاستيروئيدية (NSAIDS): وجدت بعض الدراسات أنََ ثُلث المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرُحي تتفاقم أعراضُهم عند استخدام تلك الأدوية.
- العوامل النفسية: قد تلعب دور في تطور الإصابة بالمرض وتفاقُم الأعراض فبحسب دراسة أُجريت عام 2015 فإن 82% من مرضى التهاب القولون التقرُحي يعانون من مشاكل نفسية وغالباً تكون هذه المشاكل مُشخصة قبل تشخيص التهاب القولون التقرحي.
- التدخين: وجدت بعض الدراسات أن المُدخنين أقل عُرضة للإصابة بالمرض (هذا لا يعني ان ننصح المريض بالتدخين للوقاية حيثُ يترافق التدخين مع مُشكلات طبية أٌخرى لا تُعد ولا تُحصى).
أعراض التهاب القولون التقرحي
تتفاوت أعراض التهاب القولون التقرحي (Ulcerative Colitis) من شخص لآخر، ويعتمد ذلك على شدة المرض وموقع الالتهاب في القولون. تبدأ الأعراض عادةً بشكل تدريجي، وقد تتفاقم مع مرور الوقت إذا لم يتم العلاج بشكل مناسب.
أهم الأعراض الأولية:
- التغوط المُدمى (دم في البراز)
- الإسهال المتكرر
- ألم أسفل البطن
- غثيان وتعب
- فقر دم
- مع الزمن قد يحصل خسارة وزن
قد تسوء الأعراض مع الزمن وتظهر الأعراض التالية:
- مخاط أو قيح في البراز
- حُمى وطفح جلدي
- ألم على مستوى المفاصل
- التهاب قزحية العين
- ألم شديد بالبطن
- اضطراب بالشوارد
تشخيص التهاب القولون التقرحي في تركيا
يُعد تنظير القولون (Colonoscopy) الوسيلة الأكثر دقة لتشخيص التهاب القولون التقرحي، ويُستخدم على نطاق واسع في تركيا بفضل توفر مراكز طبية متخصصة وأطباء ذوي خبرة عالية في مجال أمراض الجهاز الهضمي.
تنظير القولون
في حال شكََ الطبيب باحتمال الإصابة بالتهاب القولون التقرحي يلجأ لتنظير القولون، حيثُ يتم إدخال أنبوب لين مرن موصول بكاميرا بالأسفل عبر الشرج ويتم عبر شاشة مشاهدة مُخاطية القولون والبحث عن تقرحا أو التهابات على مستوى مخاطية القولون. يُمكن وبواسطة التنظير أخذ خُزعة من القولون لفحصها في المخبر تحت المجهر وتحرََي وجود التغيُرات المرضية حيث يجب أخذ عدة خُزعات للتحري وتأكيد الإصابة.
يُوصى بإجراء تنظير دوري لمراقبة تطور المرض، خاصةً أن التهاب القولون التقرحي يزيد خطر الإصابة بسرطان القولون والمُستقيم.
الفحوصات الدموية
يطلُب الطبيب عادةً فحوصات دموية للبحث عن فقر دم أو علامات الالتهاب كارتفاع المُشعرات وأيضاً تفيد الفحوصات الدموية في تعداد الكريات البيض لتحديد وجود إنتان من عدمه.
زرع البراز
يستخدم زرع البراز لاستبعاد الأسباب الأُخرى المٌحتملة كوجود إنتان بالجراثيم أو الطفيليات فقد تظهر الأحياء الدقيقة في البُراز ويتم أيضاً تحري وجود الدم الخفي في البراز والكريات البيض.
الصور الشُعاعية الأٌخرى
يقوم الطبيب بطلب صور شعاعية أُخرى لاستبعاد الأسباب الأٌخرى كداء كرون، يُمكن أن يقوم الطبيب بطلب صور كالرنين المٌغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب للبحث عن التهابات في أماكن أُخرى بالجسم.
طرق علاج التهاب القولون التقرحي في تركيا
يجب في البداية معرفة أنََ العلاج لا يؤدي إلى الشفاء من المرض بل يهدُف إلى التخفيف من الأعراض وتحسين نوعية الحياة، يوجد عدة خيارات علاجية بحسب شدة الحالة واستجابة المريض ورغبته فتتراوح طُرق علاج التهاب القولون التقرحي من الأدوية إلى العمل الجراحي.
العلاج التهاب القولون التقرحي الدوائي
في الحالات ذات الأعراض الخفيفة يتم علاج التهاب القولون التقرحي باستخدام أدوية تُقلل من الالتهابات الحاصلة في الأمعاء الغليظة ومن تلك الأدوية نذكر:
- الامينوساليسيلات: من أشهر الأدوية المُستخدمة في هذه المجموعة السلفازينيل والميزالامين حيث يُعطى الميزالامين على شكل تحميلة شرجية تتميز التحميلة بتأثير جيد على المُستقيم, لكن قد يكون تأثيرُها على القولون ضعيف لذلك يلجأ للمشاركة بين التحاميل والأدوية الفموية.
- الستيروئيدات: في حال عدم الاستجابة للمُعالجة السابقة أو في الحالات ذات الأعراض الأشد يتم اللجوء للستيروئيدات التي تثبط من التفاعلات الالتهابية الحاصلة، أشيع الستيروئيدات المُستخدمة البريدينوزن (prednisone).
- العلاج البيولوجي: في الحالات ذات الأعراض الشديدة من التهاب القولون التقرُحي والغير مُستجيبة للعلاجات السابقة يتم إعطاء الأدوية البيولوجية التي أثبتت فعاليتها كالإنفلكسيماب (infliximab), حيث يقوم هذا الدواء بكبح عامل التثبيط الورمي TNF وبالتالي يضعف الاستجابة الالتهابية في الجسم ككُل.
علاج التهاب القولون التقرحي الجراحي
متى نلجأ للجراحة لعلاج التهاب القولون التقرحي؟
حوالي 30% من مرضى التهاب القولون التقرحي يحتاجون إلى علاج التهاب القولون التقرحي الجراحي في مرحلة ما من المرض، خصوصًا في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، أو عند ظهور مضاعفات خطيرة مثل النزف الشديد، أو توسع القولون السمي، أو تغيرات قبل سرطانية.
التحضير لعلاج التهاب القولون التقرحي الجراحي
قبل إجراء عملية استئصال القولون والمستقيم مع تركيب جيب اللفائفي (J-pouch)، يقوم الطبيب بطلب التوقف عن تناول بعض الأدوية التي قد تزيد من مخاطر النزيف والمضاعفات، مثل الأدوية المميعة للدم.
كما يُطلب من المريض الصيام لفترة تتراوح بين عدة ساعات إلى يوم كامل حسب تعليمات الفريق الطبي، عادةً ما يوصف الطبيب مضادات حيوية للوقاية من الالتهابات المصاحبة للعملية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تنظيف الأمعاء قبل الجراحة باستخدام محلول تنظيف أو أدوية مسهلة لضمان خلو القولون من الفضلات وتقليل خطر العدوى.
استئصال القولون والمٌستقيم مع جيب اللفائفي j-pouch procedure
يعد استئصال القولون والمستقيم مع إنشاء جيب اللفائفي (J-pouch) هو الإجراء الأكثر شيوعًا لعلاج التهاب القولون التقرحي المزمن. يتم الاستئصال عن طريق عمليتين، حيث يتم إزالة القولون والمستقيم بالكامل، ثم يتم تشكيل جيب من الأمعاء الدقيقة على شكل حرف “J”، ليتم توصيله بالقناة الشرجية، مما يسمح للمريض بالتغوط طبيعيًا دون الحاجة إلى كيس خارجي.
العملية الأولى
يتم أولاًً استئصال القولون والمُستقيم وثم يقوم الطبيب بعمل كيس على شكل حرف J بواسطة الأمعاء الدقيفة، يتم من خلال الكيس وصل نهاية الأمعاء الدقيقة بالقناة الشرجية لإتاحة القدرة على إطراح الفضلات من الشرج. يتم عمل فغر لفائفي مؤقت بهدف السماح للفضلات بالعبور عبر جدار البطن حيث يتم وضع حقيبة خارجية مؤقتة لفترة من الزمن لتجميع الفضلات. إن الهدف من فغر اللفائفي هو إتاحة الفرصة للكيس بأخذ مكانه جيداً ريثما يتم إزالة الحقيبة الخارجية ويأخُذ الكيس الجديد (j pouch) وظيفته ودور الكولون المُستأصل.
العملية الثانية
بعد حوالي 8 إلى 12 أسبوع من العملية الأولى يكون الكيس الداخلي (j pouch) جاهز لأداء وظيفته فيتم بهذه العملية إغلاق فغر اللفائفي وإزالة الحقيبة الخارجية حيثُ يُصبح المريض قادر على طرح الفضلات عبر الكيس الجديد الذي يصل بين الأمعاء الدقيقة والشرج.

استئصال القولون والمٌستقيم والشرج مع فغر نهائي للفائفي
في هذه العملية يتم استئصال القولون والمستقيم والشرج ويتم بعدها عمل فغر لفائفي دائم وتركيب حقيبة خارجية من اجل طرح الفضلات. يتم في هذا النوع من العملية ارتداء حقيبة خارجية لبقية حياة المريض، يتم تغيير الحقيبة من فترة لاُخرى حسب تعليمات الطبيب، طبعاً هذا النمط أصعب للمريض من الجراحة الأولى التي لا تحتاج لحقيبة خارجية.

المتابعة والرعاية بعد علاج التهاب القولون التقرحي الجراحي
بعد علاج التهاب القولون التقرحي الجراحي وتركيب الكيس (j pouch) يبقى المريض بالمشفى من 3 إلى 7 أيام للمُراقبة من قبل الطبيب وتقدر فترة التعافي وسطياً من 4 إلى 6 أسابيع. يتم وضع المريض بعد العمل الجراحي على حمية غذائية تحوي أطعمة لينة ويجب تجنُب الأطعمة التي تُسبب غازات ويُنصح المريض بشرب كميات وافرة من الماء.
يحتاج الجسم لفترة كي يعتاد على التغيُرات الحاصلة، ففي البداية بعد عملية تركيب الكيس لا يُعطي الكيس الجديد (J-pouch) بنفس وظيفة الكولون المستأصل بل يحتاج وقت لكي يأخذ الشكل والحجم المناسب. قد يحدث تسرب عبر الكيس الجديد مما يدفع الشخص للتغوط بكثرة وقد تصل ل 12 مرة باليوم لعدة أسابيع ويكون البراز لين مائي.
مع الوقت يزداد حجم الكيس الجديد وتزداد معصرة الشرج قوة مما يؤدي إلى بُراز صلب وينخفض عدد مرات التغوط في اليوم. يصل عدد مرات التغوط لحوالي 8 مرات باليوم بعد عدة أشهُر من العملية وتختلف من شخص لآخر وقوام البراز يكون أقرب للمائي.
تكلفة علاج التهاب القولون التقرحي؟
تبلغ تكلفة عملية استئصال القولون والمستقيم مع تركيب جيب اللفائفي (J-pouch) تتفاوت حسب الخبرة، نوع المستشفى، والخدمات المرافقة، وتتراوح عادة بين 5,000 إلى 10,000 دولار أمريكي.
أخيرا، يُعتبر علاج التهاب القولون التقرحي خطوة مهمة للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي وتحسين جودة الحياة. في تركيا، يقدم مركز بيمارستان الطبي خدمات طبية متكاملة ومتخصصة في علاج هذا المرض، مع فريق طبي متميز وتقنيات حديثة تضمن أفضل نتائج للمرضى.
المصادر
- U.S. Food and Drug Administration. (2022, April). Ulcerative colitis: Developing drugs for treatment (Guidance for Industry). U.S. Department of Health and Human Services
- Johns Hopkins Medicine. (2024). Ulcerative colitis treatment
- National Health Service. (n.d.). Ulcerative colitis – Treatment. NHS