تعتبر جراحة المريء إجراءً طبياً معقداً يهدف إلى علاج حالات مثل السرطان والانسداد والارتجاع الشديد ولكنها قد تترافق مع بعض المضاعفات التي قد تؤثر على سلامة المريض. يعد فهم مضاعفات جراحة المريء أمراً ضرورياً لضمان الكشف المبكر والتعامل السريع معها مما يسهم في تحسين نتائج العلاج وتقليل المخاطر الصحية، الالتزام بالرعاية الطبية والمتابعة الدقيقة بعد العملية يساعد في تقليل هذه المضاعفات وتحقيق تعافٍ أفضل.
متى تُجرى جراحة المريء؟
تُجرى جراحة المريء عندما تفشل العلاجات غير الجراحية في معالجة مشاكل خطيرة تؤثر على وظيفة المريء أو تسبب مضاعفات تهدد صحة المريض، إنّ الهدف الأساسي من الجراحة هو استعادة مرور الطعام بشكل طبيعي وتحسين جودة حياة المرضى.
أهم الأسباب الشائعة للجراحة
- السرطان: يُعد سرطان المريء من أكثر الأسباب التي تستدعي استئصال جزء أو كل المريء لإزالة الورم والحد من انتشاره.
- الارتجاع المعدي المريئي الشديد: في الحالات التي لا تستجيب للأدوية وتسبب تلفاً بشكل متكرر للمريء، تُجرى جراحة لتقوية الصمام بين المعدة والمريء ومنع ارتجاع الحمض.
- اضطرابات البلع: مثل تضيقات أو شلل في المريء تؤدي لصعوبة في البلع وقد تحتاج إلى تدخل جراحي لتحسين المرور.
- الفتق الحجابي المعقد: عندما يبرز جزء من المعدة عبر الحجاب الحاجز بشكل يسبب أعراضاً شديدة أو مضاعفات قد تُجرى بهذه الحالة جراحة لإصلاح الفتق وإعادة وضع المعدة.
أهم مضاعفات جراحة المريء
تعتبر جراحة المريء من الإجراءات الكبرى التي ترتبط بعدد من المضاعفات المحتملة، سواء أثناء العملية أو بعدها مباشرة، أو حتى على المدى الطويل، كما تختلف هذه المضاعفات بحسب نوع الجراحة وحالة المريض الصحية وخبرة الفريق الجراحي. إنّ معرفة هذه المضاعفات تساعد على التحضير الجيد والتدخل المبكر لتقليل المخاطر وتحقيق تعافٍ أفضل.
مضاعفات أثناء الجراحة
- النزف: يحدث النزف أثناء فصل المريء عن الأنسجة المحيطة أو خلال التوصيل ويعتمد التعامل معه على سرعة الكشف ووسائل السيطرة الجراحية.
- إصابة أعضاء مجاورة: نتيجة قرب المريء من الرئة، القصبة الهوائية، القلب، والمعدة قد تحدث إصابات عرضية لهذه الأعضاء أثناء استئصال المريء أو إعادة التوصيل.
- اضطراب ضربات القلب: بسبب تأثير الجراحة والتخدير على الجهاز العصبي اللاإرادي، وقد تتطلب هذه الحالة مراقبة قلبية دقيقة أثناء العملية.
مضاعفات بعد الجراحة مباشرة
- تسرّب في مكان الخياطة (Anastomotic Leak): من أخطر المضاعفات ويحدث عندما لا يلتئم مكان التوصيل بين المريء والمعدة أو الأمعاء مما يؤدي إلى تسرب السوائل إلى التجويف الصدري أو البطني، كما قد يسبب عدوى شديدة أو صدمة إنتانية.
- العدوى: قد تشمل التهابات الجرح أو الرئة ذات الرئة، وتزداد احتمالية حدوثها في حال ضعف المناعة أو وجود تسرب في مكان التوصيل.
- صعوبة في التنفس: نتيجة لتجمع السوائل في الصدر أو حدوث ارتشاح رئوي أو تأثير الجراحة على الحجاب الحاجز مما قد يستدعي دعماً تنفسياً أو تصريفاً للسوائل.
مضاعفات لاحقة على المدى الطويل
- التضيق مكان التوصيل: يمكن أن يحدث بسبب التئام غير منتظم للأنسجة مما يؤدي إلى ضيق المجرى وصعوبة في مرور الطعام وقد يحتاج إلى توسيع بالمنظار أو تدخل إضافي.
- الارتجاع المعدي المريئي: بسبب إزالة أو تعديل الصمام الطبيعي بين المريء والمعدة مما يسمح بعودة الحمض إلى الأعلى وقد يستمر لفترات طويلة بعد العملية.
- صعوبات مستمرة في البلع: نتيجة التغيرات البنيوية أو العصبية بعد الجراحة وقد تتطلب تعديل نمط الأكل أو علاجات تأهيلية.
- فقدان الوزن المفرط وسوء التغذية: بسبب انخفاض القدرة على تناول الطعام أو الامتصاص مما يتطلب مراقبة تغذوية دقيقة وتعويض بالعناصر الأساسية.

عوامل التي تزيد من خطر حدوث مضاعفات جراحة المريء
يرتبط احتمال تطوّر مضاعفات جراحة المريء بالكثير من العوامل الصحية والسلوكية التي قد تؤثر على قدرة الجسم على التعافي، هذه العوامل يجب أخذها بعين الاعتبار عند تقييم المريض قبل الجراحة لأنها تزيد من فرص حدوث مشاكل أثناء أو بعد العملية مما يستدعي تحضيراً دقيقاً ومتابعة دقيقة، من أهم هذه العوامل:
- كبر السن: كلما تقدم عمر المريض زادت احتمالية حدوث مضاعفات جراحة المريء بسبب ضعف الوظائف الحيوية وتراجع قدرة الأنسجة على الالتئام وزيادة مخاطر التخدير.
- وجود أمراض مزمنة (مثل السكري، أمراض القلب، أو الرئة): هذه الحالات تقلل من قدرة الجسم على التكيف مع الجراحة وتزيد من خطر العدوى، واضطراب التروية الدموية، أو ضعف التنفس، مما يؤدي إلى تفاقم مضاعفات جراحة المريء بعد العملية.
- ضعف المناعة: سواء بسبب أدوية مثبطة للمناعة أو أمراض مزمنة، فإن الاستجابة الضعيفة للعدوى ترفع خطر الإصابة بالتهابات خطيرة وتسرب مكان التوصيل وهي من أبرز مضاعفات جراحة المريء الحادة التي قد نواجهها.
- التدخين: يؤثر بشكل سلبي على التروية الدموية وقدرة الجسم على الالتئام ويرفع من خطر حدوث تسرّب في مكان الجراحة والتهابات الرئة بعد العملية.
- سوء التغذية قبل الجراحة: إنّ نقص البروتينات والعناصر الأساسية يُضعف التئام الجروح ويقلل من مقاومة الجسم للمضاعفات مثل الالتهاب أو فقدان الوزن الحاد بعد الجراحة.
كيف تُشخَّص وتُعالَج المضاعفات؟
بعد الخضوع لجراحة المريء قد يواجه بعض المرضى مضاعفات تتفاوت في طبيعتها وشدّتها. إنّ الاكتشاف المبكر لأي خلل بعد العملية يعتبر أمراً حاسماً في تحسين فرص التعافي وتجنّب التدهور، ولذلك يعتمد الفريق الطبي على مجموعة من الوسائل التشخيصية الدقيقة لتحديد نوع مضاعفات جراحة المريء إن وُجدت وتوجيه خطة العلاج المناسبة اعتماداً على الحالة، حيث يتضمن ذلك استخدام تقنيات تصوير متقدّمة وتنظير داخلي وأحياناً تدخلات دوائية أو جراحية مكمّلة، لضمان السيطرة على المضاعفات بشكل آمن وفعّال.
دور التصوير الطبي (الأشعة – التصوير المقطعي)
عندما يتم الاشتباه بحدوث إحدى مضاعفات جراحة المريء، يُعد التصوير الشعاعي بالصبغة من أول الإجراءات التي يتم اللجوء إليها وخاصةً لتقييم وجود تسرب في مكان التوصيل الجراحي، في هذا الفحص يُطلب من المريض ابتلاع مادة ظليلة ويُراقب مسارها عبر المريء والمعدة لرصد أي تسرب خارج المجرى الطبيعي. أما في الحالات التي يعاني فيها المريض من حمى غير مفسّرة أو صعوبة تنفّس، أو ألم صدري بعد العملية فيتم استخدام التصوير المقطعي المحوسب (CT scan) لأنه يوفر لنا صوراً دقيقة تُظهر تراكم السوائل أو الهواء غير الطبيعي داخل التجويف الصدري أو البطني وهي مؤشرات مهمة على وجود تسرب أو التهاب.
التنظير للكشف عن التسرب أو التضيق
يعد التنظير الداخلي من أهم أدوات تقييم مضاعفات جراحة المريء وخاصةً عند الاشتباه في حدوث تسرب غير ظاهر بالتصوير أو عند وجود صعوبات مستمرة في البلع تشير إلى تضيق في المجرى، حيث من خلال إدخال منظار مرن عبر الفم يستطيع الطبيب فحص منطقة التوصيل الجراحي بدقة وتقييم وضع بطانة المريء والمعدة. هذا الفحص يسمح لنا بالكشف المباشر عن التسربات الصغيرة، القرَحات، أو الالتهاب الموضعي، وفي حال وجود تضيق نتيجة التئام غير منتظم أو نسيج ندبي يمكن أثناء التنظير إجراء توسيع فوري باستخدام بالون أو أدوات مخصصة مما يساعد على استعادة البلع وتحسين جودة حياة المريض، كما يتم استخدام التنظير لتركيب دعامات خاصة تغطي مناطق التسرب أو تُبقي المجرى مفتوحتً وخاصةً في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي وحده.
العلاج الدوائي أو الجراحي حسب الحالة
يعتمد علاج مضاعفات جراحة المريء على نوع المضاعفة ومدى انتشارها واستجابة المريض العامة. في الحالات التي يُكتشف فيها تسرب صغير دون علامات عدوى شديدة قد يتم الاكتفاء بإيقاف التغذية الفموية مؤقتاً، وإعطاء مضادات حيوية واسعة الطيف إلى جانب دعم التغذية عبر الوريد أو أنبوب تغذية خاص. أما إذا كان التسرب كبيراً أو مصحوباً بتجمّع صديدي أو علامات تسمم دموي، فنلجأ غالباً إلى تدخل جراحي جديد لإصلاح الخلل أو لتركيب أنابيب تصريف.
أما بالنسبة للتضيق الذي قد يظهر بعد أسابيع أو أشهر من الجراحة، فيُعالج عادة عبر جلسات توسيع بالمنظار وقد تُكرر عدة مرات حسب استجابة المريض. كما أنّ حالات الارتجاع المعدي المريئي المتأخرة تُدار دوائياً باستخدام مثبطات الحمض ومعدلات الحركة وقد تحتاج تعديلاً غذائياً طويل الأمد، أي في جميع الأحوال يتطلب التعامل مع هذه المضاعفات إشرافاً طبياً وخطة علاجية فردية لكل مريض لضمان استقرار الحالة وتحقيق أفضل نتائج ممكنة.
هل تختلف المضاعفات بين الجراحة المفتوحة والمنظار؟
تختلف طبيعة ومعدل مضاعفات جراحة المريء حسب نوع الإجراء الجراحي المستخدم، سواء كان ذلك بالجراحة المفتوحة القليدية أو بالجراحة التنظيرية. حيث أنّ الجراحة المفتوحة تتطلب شقاً كبيراً في الصدر أو البطن وعادةً ما تكون مرتبطة بمعدلات أعلى من المضاعفات مثل الالتهابات وفقدان الدم وتأخر التئام الجروح واضطرابات تنفسية بعد العملية. تشير الدراسات إلى أن معدل المضاعفات الخطيرة في الجراحة المفتوحة قد يتراوح بين 40% إلى 60% حسب الحالة الصحية العامة للمريض.
في المقابل تُظهر لنا الجراحة التنظيرية معدلات أقل من بعض المضاعفات، خصوصاً تلك المرتبطة بإصابات الرئة والتهابات الجرح، كما تقلل من مدة الإقامة في المستشفى وفترة النقاهة، إلا أنها ليست خالية من المخاطر وتبقى عرضة لتسرب التوصيل أو التضيق وإن كان بدرجة أقل في بعض الحالات. يتم مراعاة اختيار نوع الجراحة بناءً على تقييم شامل يشمل حالة المريض، درجة تطور المرض، وخبرة الجراح.
لماذا تُفضَّل الجراحة التنظيرية في بعض الحالات؟
يتم تفضيل الجراحة التنظيرية في العديد من الحالات نظراً لانخفاض معدل بعض مضاعفات جراحة المريء مقارنة بالجراحة المفتوحة وكونها تعد أقل ضرراً على الأنسجة المحيطة، يقلل هذا النوع من الجراحة من الحاجة إلى شقوق كبيرة مما يساهم في تقليل الألم بعد العملية وانخفاض خطر الالتهابات وتسريع التعافي الوظيفي للمريض. كما تعتبر خياراً جيداً للمرضى كبار السن أو الذين يعانون من أمراض مزمنة حيث يُقلل المنظار من العبء الجراحي العام ويحسّن فرص الخروج المبكر من المستشفى دون تأثير على النتائج طويلة المدى.
الوقاية من مضاعفات جراحة المريء
الوقاية من مضاعفات جراحة المريء تعتمد على سلسلة من الإجراءات الدقيقة تبدأ قبل العملية وتستمر بعدها لضمان أفضل نتائج ممكنة، من أبرز وأهم العوامل المؤثرة في تقليل هذه المضاعفات:
اختيار الجراح والمركز المناسب
إنّ إجراء الجراحة في مستشفيات ذات إنّ إجراء الجراحة في مستشفيات ذات خبرة عالية وفريق جراحي متخصص يرتبط بشكل مباشر مع انخفاض معدل مضاعفات جراحة المريء وارتفاع نسب النجاح، وذلك نظراً لتكامل الرعاية الجراحية والتمريضية ودقة بروتوكولات التحضير والمتابعة.خبرة عالية وفريق جراحي متخصص يرتبط بشكل مباشر مع انخفاض معدل مضاعفات جراحة المريء وارتفاع نسب النجاح، وذلك نظراً لتكامل الرعاية الجراحية والتمريضية ودقة بروتوكولات التحضير والمتابعة.
تحضير المريض جيداً قبل العملية
يشمل ذلك تقييم الحالة العامة للمريض ومعالجة سوء التغذية وضبط الأمراض المزمنة مثل السكري أو أمراض القلب، والإقلاع عن التدخين. هذا التحضير يساهم في تقليل خطر العدوى ومشاكل التئام الجروح والمضاعفات التنفسية.
الالتزام بخطة ما بعد الجراحة
تشمل الخطة تناول السوائل والطعام المهروس تدريجياً والالتزام بالأدوية وتجنّب الأنشطة المجهدة خلال فترة النقاهة. يعد الالتزام بهذه الخطة أمراً مهماً يقلل من فرص حدوث تسرب في مكان الخياطة أو ارتجاع شديد.
المتابعة الطبية المستمرة
إذ تُعد المتابعة المنتظمة مع الفريق الطبي ضرورية لكشف أي مؤشرات مبكرة على مضاعفات جراحة المريء مثل التضيق أو الالتهاب أو صعوبات البلع، حيث تساعدنا هذه الفحوصات المتكررة على التدخل المبكر وتعديل خطة العلاج عند الحاجة.
تُعد جراحة المريء خطوة علاجية ضرورية في بعض الحالات المعقّدة، إلا أن نجاحها لا يكتمل دون وعي المريض بكيفية الوقاية من آثارها الجانبية المحتملة. من خلال اختيار مركز متخصص والاستعداد بشكل جيد والالتزام الدقيق بخطة التعافي. إذ يمكن تقليل خطر مضاعفات جراحة المريء بشكل واضح، وتحقيق شفاء فعّال يحافظ على وظائف الجهاز الهضمي وجودة الحياة على المدى الطويل.
المصادر:
- Hashemi, S., & Bremner, R. M. (2015). Complications following surgery for gastroesophageal reflux disease and achalasia. Thoracic Surgery Clinics, 25(4), 485–498.
- MedlinePlus. (n.d.). Esophagectomy. U.S. National Library of Medicine.
