زراعة الكبد تُعد من العمليات المعقدة التي تُمنح فيها حياة جديدة لمرضى يعانون من فشل كبدي لا يمكن علاجه بطرق أخرى، لفهم هذا الإجراء بشكل أفضل من المهم التعرف على خطوات عملية زراعة الكبد بالتفصيل بداية من تقييم المريض وحتى المتابعة بعد الجراحة. يساعد هذا الفهم في تقليل القلق وتحسين نتائج العملية على المدى الطويل.
ما هي زراعة الكبد ولماذا نلجأ إليها؟
زراعة الكبد: هي إجراء جراحي يتم فيه استبدال الكبد التالف أو المتوقف عن العمل بكبد سليم من متبرع حي أو متوفى دماغياً حيث تُستخدم هذه العملية لعلاج أمراض الكبد المتقدمة التي لم تعد تستجيب للعلاجات الأخرى. تشمل الحالات التي تستدعي زراعة الكبد ما يلي:
- الفشل الكبدي المزمن نتيجة التهاب الكبد B أو C أو تشمع الكبد
- الفشل الكبدي الحاد الناتج عن التسمم أو التهاب فيروسي حاد
- سرطان الكبد في مراحله المبكرة بشرط ألا يكون منتشراً
- أمراض وراثية كداء ويلسون أو نقص ألفا-1 أنتي تريبسين

شروط إجراء عملية زراعة الكبد في تركيا
تُحدد أهلية المرضى لإجراء زراعة الكبد بناءً على ثلاثة معايير رئيسية:
- أن يُعاني المريض من مرض كبدي حاد أو مزمن نهائي غير قابل للعلاج، يُهدد الحياة، وتُعد زراعة الكبد الخيار العلاجي الوحيد له.
- أن تكون الحالة الصحية العامة للمريض مناسبة لتحمّل الجراحة وفترة التعافي التالية لها.
- أن يكون هناك توقّع منطقي بتحسن البقاء على قيد الحياة بعد الزراعة، وتحقيق جودة حياة جيدة على المدى الطويل.
تعتمد هذه الشروط على تقييم شامل لحالة المريض، يشمل الجانب الجسدي، النفسي، والاجتماعي لضمان تحقيق أفضل النتائج بعد الزراعة.
موانع زراعة الكبد في تركيا
أولاً: الموانع المطلقة (Absolute Contraindications)
وهي حالات لا يُسمح فيها بإجراء زراعة الكبد تحت أي ظرف، وتشمل:
- وجود أورام خبيثة نشطة خارج الكبد (مثل النقائل).
- سرطان القنوات الصفراوية داخل الكبد (Cholangiocarcinoma)، باستثناء الحالات المؤهلة وفق بروتوكولات خاصة.
- سرطان الكبد (HCC) الذي يتجاوز معايير ميلان أو يظهر عليه انتشار خارج الكبد.
- أمراض قلبية أو رئوية شديدة لا يمكن السيطرة عليها.
- إنتانات غير مضبوطة أو مزمنة فعّالة (مثل إنتان الدم أو الخراجات غير المسيطر عليها).
- تعاطي الكحول أو المخدرات المستمر دون إثبات الامتناع لفترة كافية (غالباً 6 أشهر).
- الإصابة المتقدمة بفيروس نقص المناعة (AIDS) مع مضاعفات مناعية أو انتانية نشطة.
- غياب الدعم الاجتماعي أو ضعف الالتزام الطبي، مما يهدد نجاح العلاج على المدى البعيد.
- وجود موانع تقنية أو تشريحية تجعل الزراعة غير ممكنة جراحيًا، مثل التصاق شديد أو تشوهات وعائية كبيرة.
ثانيًا: الموانع النسبية (Relative Contraindications)
وهي عوامل قد لا تمنع الزراعة تمامًا، لكنها تتطلب تقييمًا دقيقًا، وتشمل:
- العمر المتقدم (فوق 70 عامًا)، ويُقيَّم كل مريض على حدة بناءً على حالته البيولوجية وليس العمر الزمني فقط.
- خثار الوريد البابي الكامل، خاصةً مع وجود امتداد للوريد المساريقي أو انعدام الجريان الكبدي البديل.
- عدوى فيروس نقص المناعة البشري (HIV) غير المضبوطة (لكن يمكن إجراء الزراعة في حال التحكم الفيروسي التام).
- السمنة المرضية الشديدة (BMI ≥ 40)، بسبب زيادة خطر المضاعفات الجراحية والمناعية.
- الاضطرابات النفسية غير المضبوطة التي تؤثر على الالتزام بالعلاج.
- ضعف الالتزام بالعلاج أو المتابعة الطبية، ويُعد عاملًا مهمًا في نجاح الزراعة.
تقييم حالة المريض قبل زراعة الكبد
تُعد عملية زراعة الكبد إجراءً جراحياً معقداً يتطلب استعداداً دقيقاً لضمان النجاح وتقليل المخاطر وقبل الخوض في خطوات عملية زراعة الكبد لا بد من تقييم شامل للمرشح، إذ إن التقييم الطبي المسبق هو المرحلة الأولى والأساسية ضمن هذه الخطوات ويهدف هذا التقييم إلى التأكد من أن المريض:
- يتمتع بصحة عامة كافية لتحمل الجراحة وفترة التعافي
- قادر على الالتزام بالخطة العلاجية بعد الزراعة
- يحظى بدعم نفسي واجتماعي مناسب
يشمل هذا التقييم عدة جوانب حيوية ضمن خطوات عملية زراعة الكبد:
1. الفحوصات المخبرية الأساسية
تهدف إلى تقييم وظائف الأعضاء الرئيسية وتحري الأمراض المعدية والمزمنة وتشمل:
- تحديد فصيلة الدم ABO وRh للتوافق مع المتبرع.
- اختبارات وظائف الكبد والكلى (AST، ALT، ALP، البيليروبين، الكرياتينين، BUN).
- تقييم التوازن الكهربي والكالسيوم وفيتامين D.
- زمن البروثرومبين وINR لتقدير قدرة التخثر.
- تعداد دم كامل.
- تحليل البول وتحري المخدرات أو الأدوية المؤثرة.
- الفحوصات الفيروسية: التهاب الكبد A وB وC، HIV، EBV، CMV، فيروس الحماق النطاقي، والسل.
2. الفحوصات الشعاعية
تلعب دوراً مهماً في التخطيط الجراحي ضمن خطوات عملية زراعة الكبد وتشمل:
- تصوير مقطعي ثلاثي الطور (Triple-phase CT) أو تصوير بالرنين المغناطيسي المعزز بالجادولينيوم (MRI with contrast) لتقييم التشريح الكبدي والأورام وخثار الوريد البابي والدوالي.
- في حال عدم توفر التصوير المتقدم، يمكن استخدام الإيكو دوبلر لتقييم تدفق الدم في الأوعية الكبدية.
- التصوير الشعاعي ضروري بشكل خاص لتقييم أورام الكبد وتحديد مدى انطباقها على معايير الزراعة (مثل معايير ميلان).
3. التقييم القلبي
يُرفض المرضى ذوو الإصابة القلبية المتقدمة غير القابلة للعلاج، ويُعد تقييم القلب الذي يركز على كشف أمراض القلب الخفية التي قد تعيق الزراعة أحد المعايير الأساسية التي تُؤخذ بعين الاعتبار في خطوات عملية زراعة الكبد ويكشف عن:
- مرض الشريان التاجي، اعتلال عضلة القلب، واضطرابات النظم.
- يُجرى تخطيط القلب، إيكو قلب، واختبارات الجهد حسب الحاجة.
4. التحري عن الأورام الخبيثة
- يُمنع إجراء زراعة الكبد في حال وجود ورم خبيث خارج الكبد.
- يُنصح بإجراء فحوصات السرطان المناسبة للعمر (مثل تنظير القولون، تصوير الثدي، PAP smear، PSA) بحسب توصيات الجمعيات الطبية.
5. تقييم كثافة العظام
يُجرى فحص DEXA Scan لتحري هشاشة العظام التي قد تكون شائعة في مرضى الكبد المتقدم نتيجة نقص فيتامين D أو قلة الحركة أو تأثيرات الكحول والكورتيزونات.
6. التحري عن الأمراض الانتانية
- يُعد المرضى المصابون بأمراض كبدية متقدمة عرضة للانتانات كالتهاب الصفاق الجرثومي العفوي، الالتهابات البولية، أو ذات الرئة الاستنشاقية.
- يجب معالجة أي عدوى نشطة قبل البدء بأي من خطوات عملية زراعة الكبد.
7. التلقيح والمناعة
- يجب التأكد من تلقي اللقاحات التالية: التهاب الكبد A وB (إذا لم يكن المريض مناعيًا) والكزاز والدفتيريا والسعال الديكي والإنفلونزا والمكورات الرئوية.
- يُفضل إتمام التطعيمات قبل البدء بمثبطات المناعة بعد الزراعة.
8. ارتفاع ضغط الدم الرئوي
- يُفحص المرضى باستخدام تخطيط صدى القلب وفي بعض الحالات قسطرة قلبية لتقييم الضغط الرئوي.
- إذا تجاوز متوسط الضغط الشرياني الرئوي 45 ملم زئبق، فإن ذلك يُعد مانعًا نسبيًا للزراعة بسبب ارتفاع خطر الوفاة بعد الجراحة.
9. التدخين
- التدخين يزيد من خطر مضاعفات ما بعد الزراعة مثل خثار الشريان الكبدي وأورام الرأس والعنق.
- تُشترط بعض المراكز الامتناع الكامل عن التدخين لفترة محددة قبل قبول المريض ضمن خطوات عملية زراعة الكبد.
خطوات عملية زراعة الكبد في تركيا
تمرّ عملية زراعة الكبد بعدة مراحل جراحية دقيقة، تنفذ وفق تسلسل محدد لضمان نجاح الزرع واستعادة الوظيفة الكبدية. ويمكن تلخيص خطوات عملية زراعة الكبد في أربع مراحل رئيسية:
1. استئصال كبد المتلقي (Recipient Hepatectomy)
تُعد الخطوة الأولى في الجراحة، وتتمثل في إزالة الكبد المصاب من المريض، وتُعد هذه المرحلة معقدة بسبب العلاقات التشريحية الدقيقة للكبد، خاصة مع الوريد الأجوف السفلي، ووجود مشاكل مثل اعتلال التخثر وارتفاع ضغط الوريد البابي، والتي تزيد من صعوبة الإجراء وخطر النزف ويتم استئصال الكبد باستخدام إحدى الطريقتين التاليتين:
- الطريقة التقليدية (Classic Technique): تتضمن إزالة الجزء الكبدي من الوريد الأجوف السفلي، مما يستدعي أحياناً إغلاق الوريد الأجوف بالكامل خلال العملية ولتفادي الانخفاض الحاد في الضغط الدموي أثناء هذه المرحلة (المرحلة اللاكبدية) قد تُستخدم مجازة وريدية (venovenous bypass) حسب تقدير الجراح.
- تقنية الحفاظ على الوريد الأجوف (Piggyback Technique): تترك الوريد الأجوف السفلي في مكانه، ويتم استئصال الكبد مع الحفاظ على جزء من اتصاله الوريدي، مما يسمح بالحفاظ على العود الوريدي خلال المرحلة اللاكبدية. هذه التقنية مفيدة بشكل خاص عندما لا يتوافر جزء مناسب من الوريد الأجوف في الكبد المزروع.
2. مفاغرة الوريد البابي (Portal Vein Anastomosis)
بعد تثبيت الكبد الجديد وربطه بالوريد الأجوف، يُعاد توصيل الوريد البابي لإعادة تدفق الدم إلى الكبد، يُعد هذا التدفق الحيوي من أهم المراحل، إذ إن دخول الدم إلى الكبد البارد المحفوظ يمكن أن يسبب عدم استقرار ديناميكي دموي مؤقت (مثل بطء القلب أو انخفاض الضغط) نتيجة تدفق السيتوكينات والمخلفات المحفوظة، للتقليل من هذا التأثير يُغسل الكبد الجديد قبل إعادة التروية باستخدام:
- محلول ملحي فاتر لتنظيف الأوعية من بقايا المحلول الحافظ.
- الدم الذاتي من المريض (عن طريق الوريد البابي أو الوريد الأجوف) لتدفئة الطُعم تدريجيًا قبل التروية الكاملة.
3. مفاغرة الشريان الكبدي (Hepatic Artery Anastomosis)
تُجرى عادة مفاغرة طرفية إلى طرفية بين الشريان الكبدي العام للمتلقي والشريان الكبدي أو أحد فروعه في الكبد المزروع (غالبًا عند التقاءه مع الشريان المعدي الإثني عشري) حيث يعتمد مستوى المفاغرة على:
- التكوين التشريحي للطُعم.
- وجود شرايين فرعية أو متكررة.
- تفضيل الجراح لتقنية تسمح بمفاغرة واحدة بسيطة وآمنة.
في حال وجود فرع شرياني مستقل (مثل الشريان الكبدي الأيمن المنفصل)، يمكن ربطه مع جذع الشريان المعدي الإثني عشري.
4. مفاغرة القنوات الصفراوية (Biliary Reconstruction)
بعد إتمام المفاغرات الدموية وضمان استقرار التروية، يتم الانتقال إلى إعادة بناء القنوات الصفراوية.
الخيارات تشمل:
- مفاغرة قناة إلى قناة (Duct-to-Duct): وهي الطريقة المفضلة في الحالات الطبيعية، إذ يتم ربط القناة الصفراوية المشتركة للمتبرع مباشرة بقناة المتلقي.
- مفاغرة القناة الكبدية بالصائم (Roux-en-Y Hepaticojejunostomy) تُستخدم عندما تكون قناة المتلقي غير صالحة (كما في التهاب الأقنية الصفراوية المصلب الأولي) أو عند وجود فرق كبير في القطر.

الرعاية بعد الجراحة ضمن خطوات عملية زراعة الكبد
تُعد الرعاية بعد العملية جزءاً أساسياً من خطوات عملية زراعة الكبد، وتُسهم في تحسين نتائج الزرع وتقليل المضاعفات.
1. استقرار الدورة الدموية
بعد الزرع، قد تحدث تغيرات في ديناميكا الدم بسبب عودة التروية للكبد الجديد. يتطلب ذلك مراقبة دقيقة لتجنّب هبوط الضغط أو ضعف وظيفة الطُعم.
2. إزالة أنبوب التنفس المبكرة
إذا كانت الحالة مستقرة، يمكن إزالة الأنبوب الرغامي خلال ساعات من الجراحة، ما يُقلل خطر الالتهابات الرئوية ويُقصّر مدة الإقامة في العناية المشددة.
3. السيطرة على الألم
يُستخدم الفنتانيل أو مضخات تسكين الألم لتخفيف الألم بعد الزراعة، مع تجنّب المسكنات ذات الاستقلاب الكبدي الطويل. التخدير فوق الجافية غير شائع في زراعة الكبد.
4. تصحيح اضطرابات الشوارد
يُراقب المرضى بعناية لتصحيح اختلالات مثل فرط البوتاسيوم أو نقص الكالسيوم، والتي قد تؤثر سلبًا على القلب والضغط.
5. ضبط سكر الدم
يُعد فرط سكر الدم شائعًا بعد الزراعة، وقد يرتبط بالستيروئيدات أو التوتر الجراحي. ويجب مراقبته لتجنّب العدوى ورفض الطُعم.
6. تقييم التخثر
لا تتحسن اضطرابات التخثر فوراً بعد الزرع، وقد يظهر فرط أو نقص تخثر، ما يستدعي مراقبة دقيقة لتعديل العلاج حسب الحالة.
7. كبت المناعة
تشمل بروتوكولات كبت المناعة استخدام الستيروئيدات وأدوية مثل تاكروليموس. ويجب تحقيق توازن بين منع الرفض وتقليل خطر العدوى.

تُعد زراعة الكبد خياراً علاجياً منقذاً للحياة لكنها عملية معقدة تتطلب تخطيطاً دقيقاً ورعاية متواصلة. إن فهم خطوات عملية زراعة الكبد بدءً من تقييم المريض والتحضير وصولًا إلى المتابعة بعد الجراحة يُعد أساسيًا لنجاح الزرع وتحقيق أفضل النتائج على المدى الطويل، يلعب الالتزام بالإرشادات الطبية دوراً محورياً في تجاوز التحديات ويُساعد المريض على تخطي كل مرحلة من خطوات عملية زراعة الكبد بأمان. ومن خلال وعي المريض وعائلته بجميع خطوات عملية زراعة الكبد يمكن تعزيز فرص الشفاء وتحسين جودة الحياة بعد الزراعة.
المصادر:
- Raza, A., & Makkar, M. (2024). Liver Transplantation. In StatPearls. StatPearls Publishing.
- NHS Inform. (n.d.). Liver transplant. NHS Scotland./