تُعد جراحة الناسور المعوي خطوة علاجية ضرورية في بعض حالات الاتصالات غير الطبيعية بين الأمعاء وأعضاء أخرى أو الجلد. يلجأ الأطباء إليها عند فشل العلاج الطبي أو حدوث مضاعفات خطيرة. يعتمد نجاحها على التشخيص الدقيق واختيار التوقيت المناسب، مع مراعاة الحالة العامة للمريض.
ما هو الناسور المعوي؟
الناسور المعوي: هو قناة غير طبيعية تنشأ بين تجويف الأمعاء وسطح آخر مبطن بخلايا مثل الجلد أو عضو داخلي آخر، مما يؤدي إلى تسرب محتويات الأمعاء إلى هذا العضو حيث تنقسم النواسير المعوية إلى نوعين رئيسيين: النواسير الخارجية، التي تتصل بالجلد مثل الناسور المعوي الجلدي (Enterocutaneous) والنواسير الداخلية، التي تتصل بعضو داخلي مثل المثانة (Enterovesical) والمهبل (Enterovaginal) أو حتى الأوعية الدموية كما في الناسور الأبهر المعوي (Aortoenteric)، وتُعد المناطق الأكثر شيوعاً لحدوث النواسير بشكل عام هي الأمعاء الدقيقة والقولون وأخيراً ناسور الشرج وغالباً ما ترتبط بجراحات سابقة أو التهابات مزمنة أو أمراض معوية مثل داء كرون.

أسباب تشكل الناسور المعوي
- الأمراض الالتهابية المزمنة: مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، حيث تؤدي الالتهابات العميقة والتقرحات إلى تكوّن نواسير بين الأمعاء وأعضاء مجاورة أو الجلد.
- المضاعفات بعد الجراحات البطنية تسريبات التفاغر (Anastomotic leaks) أو الجروح غير المقصودة في الأمعاء أثناء الجراحة أو التعرض المباشر للشبكات الجراحية أو العيوب الجدارية الكبيرة تمثل السبب في حوالي 80-90% من الحالات.
- العدوى الشديدة أو الخراجات المعوية: مثل التهاب الرتج أو التهاب الزائدة الدودية أو الخراجات داخل البطن أو العدوى المزمنة (مثل الأميبيا أو السل أو السالمونيلا) قد تؤدي إلى تكوّن ناسور.
- الأورام أو الإصابات الرضحية مثل سرطان القولون أو الأمعاء الدقيقة، حيث تؤدي إلى تآكل الجدران وتكوين قناة ناسورية أو الرضوض البطنية (مثل الطعن أو الحوادث) قد تسبب نواسير معوية.
- استخدام أجهزة تصريف طويلة الأمد: مثل أنابيب التصريف أو الشبكات الصناعية، والتي قد تؤدي إلى تآكل جدار الأمعاء بمرور الوقت أو بعض الأدوات الجراحية أو القساطر قد تسبب نواسير إذا تسببت في تهيج أو تقرح مستمر.
أعراض الناسور المعوي
قد لا تُظهر بعض النواسير المعوية أعراضاً واضحة في بدايتها، ما يجعل التشخيص المبكر أمراً ضرورياً لتجنب المضاعفات هذه مجموعة من الأعراض التي يسببها الناسور المعوي:
خروج مفرزات غير طبيعية من الجرح أو الجلد
- تصريف مستمر للسوائل أو القيح من الجلد، خاصة بالقرب من البطن
- إفرازات كريهة الرائحة من فتحة في الجلد
- تسرب محتويات الأمعاء إلى الخارج عبر فتحة جلدية
الإسهال المزمن أو تسرب البراز
- اضطرابات في حركة الطعام داخل الأمعاء
- إسهال مستمر ناتج عن تسرب محتويات الأمعاء
- نقص امتصاص السوائل والعناصر الغذائية
سوء التغذية وفقدان الوزن
- فقدان الشهية
- فقدان وزن غير مقصود
- ضعف عام بسبب سوء الامتصاص
- جفاف نتيجة فقدان السوائل والأملاح
الألم البطني المستمر
- آلام في البطن بدرجات متفاوتة
- حساسية عند لمس منطقة البطن
- تقلصات أو انزعاج بطني دائم
أعراض العدوى أو الحمى
- ارتفاع درجة الحرارة
- القشعريرة والتقيؤ
- تسرع معدل ضربات القلب (الخفقان)
- انخفاض ضغط الدم
- علامات إنتان دموي (Sepsis) مثل فشل الأعضاء في الحالات الشديدة.
متى تُصبح جراحة الناسور المعوي ضرورية؟
- فشل العلاج التحفظي: عند عدم استجابة الناسور للعلاج الغذائي (مثل التغذية الوريدية) أو للعلاج الدوائي والمضادات الحيوية خلال فترة زمنية مناسبة، تصبح جراحة الناسور المعوي الخيار العلاجي اللازم.
- استمرار النز أو الإنتان: استمرار تسرب محتويات الأمعاء إلى الخارج أو إلى الأعضاء الداخلية أو عدم التحكم بالإنتان يعتبران خطراً كبيراً ويستدعيان التدخل الجراحي لمنع تفاقم الحالة.
- فقدان الوزن الشديد: في حال أدى الناسور إلى سوء امتصاص وفقدان ملحوظ للوزن رغم محاولات الدعم الغذائي، تصبح جراحة الناسور المعوي ضرورية لإعادة الوظيفة الطبيعية للجهاز الهضمي وتحسين الحالة التغذوية.
- انسداد الأمعاء أو تضرر الأنسجة: إذا نتج عن الناسور انسداد في الأمعاء أو ظهرت علامات على تضرر الأنسجة المحيطة مثل التليف أو التنخر فالتدخل الجراحي يُعد أمراً حاسماً.
- وجود خراج أو تضرر في الأعضاء المجاورة: في حالات ترافُق الناسور مع خراج داخل البطن أو تآكل في أعضاء مجاورة مثل المثانة أو الجلد يكون الهدف من الجراحة هو تصريف الخراج وترميم الأنسجة واستعادة استمرارية الجهاز الهضمي بشكل آمن.
كيف تُجرى جراحة الناسور المعوي؟
تُجرى جراحة الناسور المعوي وفق خطوات دقيقة تبدأ بالتقييم الشامل وتنتهي بإصلاح التشوهات واستعادة وظيفة الجهاز الهضمي.
التقييم ما قبل الجراحة
قبل بدء بالعملية يخضع المريض لتقييم دقيق يشمل:
- تصوير شعاعي (مثل التصوير المقطعي المحوسب CT) لتحديد مسار الناسور ومكان الالتصاقات أو الخراجات.
- تنظير داخلي لتقييم الأجزاء المصابة من الأمعاء والتأكد من عدم وجود أورام أو انسدادات.
- تحاليل ألبومين الدم كمؤشر مهم لتقييم التغذية قبل الجراحة.
خيارات الجراحة
تختلف خطة الجراحة حسب شدة وتعقيد الناسور وتشمل:
- استئصال الناسور كاملاً مع الأنسجة المتضررة
- إعادة بناء الأمعاء باستخدام توصيل مباشر بين الأجزاء السليمة أو فصل الأعضاء المتصلة كالمثانة أو المهبل عند وجود ناسور عابر إليها
- استخدام تحويلات مؤقتة مثل الكولوستومي أو الإيليوستومي في الحالات المعقدة لتسهيل الشفاء وتقليل الضغط على المنطقة المصابة
تقنيات الجراحة
تُجرى جراحة الناسور المعوي بطريقتين:
- الجراحة المفتوحة، خصوصاً عند وجود التصاقات شديدة أو خراجات
- الجراحة التنظيرية في الحالات الأبسط لتقليل الأذية الجراحية وتسريع التعافي
تُعد هذه العملية خطوة أساسية في علاج الناسور المعوي غير المستجيب للعلاج التحفظي وتُخطط بعناية لتحقيق الشفاء وتقليل المضاعفات.
ما بعد جراحة الناسور المعوي
- مدة الشفاء والنقاهة: تتراوح بين عدة أسابيع إلى أشهر حسب الحالة وتعقيد الجراحة.
- الرعاية الغذائية والدعم الوريدي: قد يحتاج المريض لتغذية وريدية مؤقتة حتى تتحسن وظيفة الأمعاء.
- العودة للنشاط الطبيعي: ممكنة تدريجياً بعد التعافي مع تجنب الجهد الزائد في البداية.
- احتمالية عودة الناسور: واردة خصوصاً في الأمراض المزمنة مثل داء كرون وتتطلب متابعة طبية منتظمة.
المضاعفات المحتملة لجراحة الناسور المعوي
- عدوى الجرح (Wound Infection): ناتجة عن التلوث أثناء الجراحة أو التلاعب بنسيج مصاب حيث قد تؤدي إلى إنتان أو خراج داخل البطن.
- تسرب الأمعاء أو تشكل خراج (Anastomotic Leak / Abscess): نتيجة تفكك المفاغرة المعوية ويسبب تسرب محتوى الأمعاء إلى التجويف البطني وتكوّن خراج.
- مشاكل في التئام الجروح (Poor Wound Healing): بسبب سوء التغذية أو استخدام الستيرويدات أو ضعف المناعة مما يؤدي إلى تأخر الشفاء أو فتح الجرح بعد العملية.
- نكس الناسور (Fistula Recurrence): قد يتكرر في 18–33% من الحالات.
- العدوى الجهازية / الإنتان (Sepsis): قد تنشأ من تسرب معوي أو تلاعب بنسيج ملتهب وتؤدي إلى أعراض جهازية وقد تهدد الحياة.
- النزف الشديد (Excessive Blood Loss): أثناء فك الالتصاقات الشديدة، خاصة لدى المرضى المصابين بفقر الدم وسوء التغذية.
- تشكل فتحات غير مقصودة في الأمعاء (Inadvertent Enterotomies): تحدث أثناء فك الالتصاقات الكثيفة وتحتاج لإصلاح فوري لتفادي المضاعفات.
- متلازمة الأمعاء القصيرة (Short Bowel Syndrome): نتيجة استئصال أجزاء كبيرة من الأمعاء الدقيقة وتؤدي إلى سوء امتصاص مزمن ومضاعفات غذائية خطيرة.
- الوفاة (Mortality): قد تصل نسبة الوفيات إلى 40% في الحالات الشديدة المصحوبة بتعفن دموي أو سوء تغذية أو تأخر واضح في التدخل الجراحي.
في الختام، جراحة الناسور المعوي قد تكون منقذة للحياة وتحسن بشكل كبير من نوعية حياة المريض، إن التشخيص المبكر والمتابعة الدقيقة ضروريان لتقليل خطر حدوث المضاعفات كما أن استشارة جراح مختص تعتبر خطوة أساسية لتحديد أفضل خطة علاجية تناسب حالة المريض لضمان نجاح جراحة الناسور المعوي بشكل كامل.
المصادر:
- Medscape. (n.d.). Intestinal fistula surgery treatment & management. Medscape. Retrieved June 27, 2025.
- Bal, N. (2023, September 15). Intestinal Fistula Surgery: Practical Essentials, Pathophysiology, Etiology. Medscape.