الأمعاء الدقيقة هي جزء أساسي من الجهاز الهضمي مسؤولة عن هضم وامتصاص معظم العناصر الغذائية. وقد يؤدي تضيق الأمعاء الدقيقة إلى مشاكل هضمية خطيرة مثل الانسداد وسوء الامتصاص إذا لم يُعالج بشكل مناسب لذلك يُعد الكشف المبكر عن التضيق وتحديد سببه أمراً مهماً لاختيار العلاج المناسب.
ما هو تضيق الأمعاء الدقيقة؟
تضيق الأمعاء الدقيقة هو انكماش أو ضيق غير طبيعي في جزء من الأمعاء الدقيقة يعيق مرور الطعام والسوائل. يُعد من المضاعفات الشائعة لدى مرضى داء كرون، وقد يحدث أيضًا لأسباب أخرى مثل الأدوية أو الجراحة ينقسم التضيق إلى نوعين:
- جزئي: يسمح بمرور الطعام مع ظهور أعراض هضمية مثل الانتفاخ والتقلصات.
- كامل: يسبب انسداداً تاماً وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
هذا التضيق يُضعف الهضم وامتصاص المغذيات، مما يؤدي إلى سوء تغذية وفقدان وزن ونقص الفيتامينات حيث تتطلب الحالة تقييماً دقيقاً لتحديد طبيعتها واختيار العلاج المناسب سواء دوائياً أو بالمنظار أو جراحياً.

ما أسباب تضيق الأمعاء الدقيقة؟
الأسباب الشائعة لتضيق الأمعاء الدقيقة:
- داء كرون (Crohn’s disease): من أكثر الأسباب شيوعاً، حيث يسبب التهابات مزمنة تؤدي إلى تليف وتضيق في الأمعاء.
- الالتهاب المعوي المزمن: مثل التهاب القولون التقرحي، قد يسبب تضيقات نتيجة الالتهاب المستمر.
- الالتصاقات المعوية: تحدث غالباً بعد العمليات الجراحية بسبب تليف الأنسجة، ما يؤدي إلى تضيق أو انسداد.
- الأورام (الحميدة أو الخبيثة): يمكن أن تضغط على الأمعاء أو تنمو بداخلها مسببة تضيقاً.
أسباب أقل شيوعًا أو غير نموذجية:
- العلاج الإشعاعي: يسبب تلفاً وتليفاً في الأمعاء مع الوقت، ما يؤدي إلى تضيق في المناطق المتأثرة.
- مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs): الاستعمال المزمن قد يؤدي إلى تضيقات رفيعة تُعرف بـ”تضيقات الحجاب الحاجز”.
- نقص التروية (Ischemia): ضعف تدفق الدم يسبب تلف الأنسجة وتليفها، ما يؤدي إلى تضيق الأمعاء الدقيقة
- العيوب الخلقية: تضيقات أو انسدادات خلقية تظهر غالبًا في الأطفال حديثي الولادة.
- التهاب الأوعية الدموية: أمراض مثل الذئبة تؤدي إلى تلف جدران الأوعية الدموية المغذية للأمعاء، مما يسبب تضيقاً.
- الأسباب المجهولة (Idiopathic): في بعض الحالات، لا يمكن تحديد سبب واضح لتضيقات الأمعاء.
- التضيقات ما بعد الجراحة: تظهر في مواقع التداخلات الجراحية نتيجة تندب أو التئام غير طبيعي.
- داء بهجت (Behçet’s disease): يسبب تقرحات مزمنة قد تؤدي إلى تليف وتضيق في الأمعاء الدقيقة.
أعراض تضيق الأمعاء الدقيقة
الأعراض الخفيفة الى المتوسطة
تمثل الأعراض الخفيفة الى المتوسطة علامات تضيق جزئي أو بداية الانسداد، حيث لا يكون الانسداد كاملاً بعد والأمعاء لا تزال تحاول التعامل مع المشكلة ومنها:
- تقلصات بطنية: تشعر بها بسبب محاولة الأمعاء تخطي التضيق.
- ألم بطني: يتفاوت من خفيف إلى شديد حسب شدة التضيق.
- انتفاخ: تراكم الغازات بسبب عرقلة مرور الأمعاء.
- فقدان الشهية: نتيجة الانزعاج والألم المستمر.
- إرهاق: قد ينتج عن سوء الامتصاص أو فقدان الشهية.
الأعراض الشديدة
الأعراض الشديدة تكون ناتجة عن انسداد كامل وخطير ومنها ما يلي:
- ألم شديد في البطن: علامة على انسداد كامل أو مضاعفات خطيرة.
- غثيان: نتيجة تراكم محتويات الأمعاء وتأثيره على الجهاز الهضمي.
- تقيؤ: من أعراض الانسداد الشديد حيث لا يمكن مرور الطعام.
- إمساك: بسبب عدم قدرة الأمعاء على تمرير الفضلات.
- انتفاخ وتمدد في البطن: علامة على وجود انسداد كامل أو شبه كامل.
كيف يتم تشخيص تضيق الأمعاء الدقيقة؟
- الفحص السريري وتاريخ الأعراض: يساعد في التعرف على نمط الأعراض مثل الألم والانتفاخ وتغير في التبرز وتحديد شدة ومدة الأعراض.
- اختبارات الدم: تُظهر مؤشرات غير مباشرة مثل فقر الدم، الالتهاب (CRP، ESR) أو سوء الامتصاص لكنها لا تكشف التضيق مباشرة.
- التصوير الشعاعي مع مادة التباين (Small Bowel Follow‑Through): يُظهر التضيقات وتباطؤ مرور الباريوم عبر الأمعاء الدقيقة.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT Enterography): يوفر صورًا دقيقة لتحديد موقع وشدة التضيق ويكشف الالتهاب أو المضاعفات المرتبطة به.
- الرنين المغناطيسي للأمعاء (MR Enterography): يُقيّم التضيق والأنسجة المحيطة دون استخدام الأشعة ويُفرق بين التضيق الالتهابي والتليفي.
- كبسولة التنظير (Capsule Endoscopy): تُظهر سطح الأمعاء من الداخل بدقة لكنها قد تعلق في مواقع التضيق، لذا تُستخدم بحذر.
- التنظير المزدوج البالون (Double Balloon Enteroscopy): يُتيح رؤية مباشرة للتضيق مع إمكانية العلاج كالتوسيع أو أخذ خزعة في نفس الجلسة.
خيارات علاج تضيق الأمعاء الدقيقة
العلاج التحفظي (في الحالات الخفيفة أو عند غياب المضاعفات)
- الراحة المعوية (Bowel rest): تقليل أو إيقاف تناول الطعام عن طريق الفم لتقليل الضغط على الأمعاء.
- التغذية الوريدية (TPN): تزويد الجسم بالعناصر الغذائية عبر الوريد في حال عدم القدرة على تناول الطعام فموياً.
- المراقبة والمتابعة: تقييم تطور الأعراض واستجابة المريض للعلاج دون تدخل مباشر.
العلاج بالمنظار (في التضيقات القصيرة والبسيطة)
- التوسيع بالبالون (Endoscopic Balloon Dilation – EBD): هو إجراء غير جراحي يُستخدم لعلاج تضيق الأمعاء الدقيقة عبر إدخال بالون عن طريق المنظار ويُنفخ البالون لتوسيع التضيق ويُعد خياراً فعالاً لتأجيل الجراحة خاصة في مرض كرون ويتميز بسرعة التعافي وقلة المخاطر ويمكن تكراره عند الحاجة.
الجراحة (في الحالات المتقدمة أو التضيقات المعقدة)
- استئصال الجزء المتضيق (Resection): إزالة الجزء المتأثر من الأمعاء بالكامل في حال فشل العلاجات الأخرى أو وجود مضاعفات.
- توصيل الأمعاء (Anastomosis): إعادة وصل طرفي الأمعاء بعد الاستئصال لضمان استمرارية المسار الهضمي.
- تجاوز المنطقة الضيقة (Bypass surgery): تحويل مجرى الطعام بعيداً عن المنطقة المتضيقة دون إزالتها ويُستخدم أحيانًا لتقليل المخاطر في الحالات المعقدة.
هل يمكن أن يعود التضيق بعد العلاج؟
نعم، يمكن أن يعود تضيق الأمعاء بعد العلاج خاصة في حالات الأمراض المزمنة مثل داء كرون، حيث يُعد هذا المرض من الحالات الالتهابية المتكررة وقد يؤدي إلى تضيقات جديدة حتى بعد التوسيع بالبالون أو الاستئصال الجراحي، لذلك من المهم الالتزام بالمتابعة الطبية المنتظمة للكشف المبكر عن أي انتكاس، كما أن السيطرة على الالتهاب من خلال العلاج المناسب تساعد على تقليل احتمالية تكرار التضيق.
المضاعفات المحتملة في حال إهمال العلاج
- انسداد الأمعاء: تضيق الأمعاء يمكن أن يسبب انسداداً كاملاً يمنع مرور الفضلات مما يؤدي إلى ألم شديد وغثيان وقيء وانتفاخ.
- التمزق المعوي: قد يؤدي ضعف جدار الأمعاء الناتج عن التضيق إلى تمزق الأمعاء وتسرب محتوياتها إلى تجويف البطن مسببًا التهاب الصفاق وعدوى خطيرة.
- سوء التغذية الحاد: انسداد الأمعاء المزمن يؤثر على امتصاص الغذاء مما يؤدي إلى سوء تغذية.
- الجفاف والاختلالات الكهربائية: القيء المتكرر وفقدان السوائل يسببان جفافاً واضطرابات في التوازن الكهربائي.
نصائح للوقاية والمتابعة
- المتابعة الطبية المنتظمة
- تناول تغذية صحية ومتوازنة
- الانتباه للأعراض الهضمية المتكررة
- التحكم في الأمراض المزمنة المسببة مثل داء كرون
- تعديل النظام الغذائي مؤقتاً: تناول وجبات صغيرة وطهي الطعام جيدًا وتجنب اللحوم القاسية والمكسرات والبذور وقشور الفواكه والخضروات والفطر والفاصوليا.
- استشارة الطبيب قبل أي تغييرات غذائية لتجنب نقص الفيتامينات والمعادن.
في الختام، يُعد تضيق الأمعاء الدقيقة حالة قابلة للعلاج بنجاح عند التشخيص المبكر والتدخل المناسب، إن الالتزام بالعلاج والمتابعة يساهمان في تحسين النتائج والوقاية من مضاعفات تضيق الأمعاء الدقيقة.
المصادر:
- UpToDate. (2024). Small bowel strictures: Diagnosis and management.
- National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK). (2023). Intestinal strictures and blockages.