يُعَدّ الصرع من أكثر الاضطرابات العصبية المزمنة شيوعاً، حيث يصيب نحو 50 مليون شخص حول العالم بحسب منظمة الصحة العالمية، ويتمثل المرض بحدوث نوبات متكررة نتيجة اضطراب النشاط الكهربائي في الدماغ، مما ينعكس على السلوك والحركة والوعي، ورغم صعوبة التعايش مع المرض، فإن التطور الطبي أتاح خيارات متنوعة من الأدوية والتقنيات الجراحية. يفتح علاج الصرع اليوم آفاقاً جديدة لتحسين نوعية حياة المرضى وتقليل عدد النوبات بشكل ملحوظ.
ما هو الصرع؟
الصرع هو اضطراب عصبي مزمن يحدث نتيجة نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ يؤدي إلى نوبات متكررة قد تختلف شدتها وأعراضها من شخص لآخر، وتظهر النوبات على شكل فقدان وعي مؤقت، تشنجات عضلية، تغيرات في السلوك أو الإحساس، وأحياناً نوبات صمت قصيرة. يمكن أن ينشأ المرض من أسباب وراثية أو إصابات دماغية مثل السكتة أو الرضوض، ويعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً عالمياً، إذ يؤثر على ملايين الأشخاص بمختلف الأعمار، ورغم طبيعته المزمنة، إلا أن علاجه بالأدوية أو التدخلات الجراحية يتيح للمرضى السيطرة على النوبات والتمتع بحياة طبيعية.
ما الذي يسبب الصرع؟
يحدث الصرع نتيجة نشاط كهربائي غير طبيعي ينشأ في الدماغ، حيث تتواصل خلايا الدماغ مع بعضها البعض عن طريق إرسال إشارات كهربائية في نمط منظم، ولكن في حالات الصرع ، تصبح هذه الإشارات الكهربائية غير طبيعية، مما يؤدي إلى ظهور “عاصفة كهربائية” تؤدي إلى حدوث نوبات. قد تكون هذه العواصف داخل جزء معين من الدماغ أو تكون معممة على سائر أقسام الدماغ، اعتمادًا على نوع الصرع.
هل يمكن علاج الصرع دوائياً؟
يتم التحكم في غالبية نوبات الصرع من خلال العلاج الدوائي، ويمكن أيضًا استخدام النظام الغذائي مع الأدوية.
بالنسبة لـ 70٪ من مرضى الصرع، يمكن للأدوية السيطرة على النوبات، ومع ذلك، لا يمكنهم علاج الصرع، وسيحتاج معظم الناس إلى الاستمرار في تناول الأدوية.
للتشخيص الدقيق لنوع الصرع (وليس فقط نوع النوبة، لأن معظم أنواع النوبات تحدث في أنواع مختلفة من الصرع) لدى الشخص أهمية كبيرة في اختيار أفضل علاج. سيعتمد نوع الدواء الموصوف أيضًا على عدة عوامل خاصة بكل مريض، مثل الآثار الجانبية التي يمكن تحملها، والأمراض الأخرى التي قد يعاني منها، وطريقة التسليم المقبولة.
علاج الصرع جراحياً
يمكن للأدوية أن تتحكم في النوبات لدى معظم المصابين بالصرع، لكنها لا تصلح للجميع، وإن حوالي 30٪ من الأشخاص الذين يتناولون الأدوية لا يمكنهم تحمل الآثار الجانبية، ولذلك في بعض الحالات، قد تكون جراحة الدماغ خيارًا.
يمكن لعملية جراحية في الدماغ التحكم في النوبات وتحسين نوعية حياتك. الجراحة لها ثلاثة أهداف رئيسية:
- القيام بتعطيل المسارات العصبية التي تمر بها النبضات عبر الدماغ.
- إزالة المنطقة التي تسبب النوبات في الدماغ (إزالتها من الدماغ).
- زرع جهاز لعلاج الصرع.
من الذي يخضع لجراحة الصرع؟
الجراحة خيار فقط إذا كان:
- يمكن لطبيبك أن يحدد بوضوح منطقة الدماغ التي تبدأ فيها النوبات، والتي تسمى بؤرة النوبة.
- لا تتحكم المنطقة المراد إزالتها في وظيفة حرجة مثل اللغة أو الإحساس أو الحركة.
إذا كنت تستوفي هذه المعايير، فإن الجراحة تعمل بشكل أفضل عندما:
- تكون نوباتك تؤدي إلى إعاقة.
- يكون الدواء لا يتحكم في نوباتك.
- تكون الآثار الجانبية للأدوية شديدة وتؤثر على نوعية حياتك.
لا يُنظر عادةً إلى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل طبية خطيرة أخرى، مثل السرطان أو أمراض القلب، في هذا العلاج.
استئصال الفص المسبب للصرع
ينقسم المخ إلى أربعة فصوص رئيسية هي: الجبهي، الجداري، القذالي، والصدغي. ويُعد صرع الفص الصدغي، الذي تنشأ فيه بؤرة النوبة من الفص الصدغي، أكثر أنواع الصرع شيوعاً لدى المراهقين والبالغين، في عملية استئصال الفص الصدغي، يقوم الجراح بإزالة جزء من أنسجة المخ في هذه المنطقة للتخلص من مصدر النوبات، أما في الاستئصال خارج الفص الصدغي، فيتم استئصال أنسجة من مناطق دماغية أخرى تقع خارج الفص الصدغي.

استئصال الآفة المسببة للصرع
تزيل هذه الجراحة آفات الدماغ – مناطق الإصابة أو العيوب مثل الأورام الدماغية أو الأوعية الدموية المشوهة – التي تسبب النوبات، وعادة ما تتوقف النوبات بمجرد إزالة الآفة.
قطع الجسم الثفني
الجسم الثفني هو حزمة من الألياف العصبية التي تصل بين نصفي الدماغ. في إجراء يُعرف أحياناً بجراحة تقسيم الدماغ، يقوم الجراح بقطع الجسم الثفني لوقف التواصل بين نصفي الكرة المخية، مما يمنع انتقال النوبات من أحد الجانبين إلى الآخر، ويُستخدم هذا النوع من العمليات بشكل خاص لدى المرضى المصابين بأشكال شديدة من الصرع غير المستجيب للعلاج التقليدي، وكذلك عند من يعانون من نوبات قوية قد تسبب سقوطاً عنيفاً وإصابات خطيرة.

استئصال نصف الكرة المخي الوظيفي
في جراحة استئصال نصف الكرة المخية، يقوم الطبيب بإزالة نصف الدماغ كاملاً، أما في الاستئصال الوظيفي لنصف الكرة المخية، فيُترك النصف في مكانه لكن يُفصل عن بقية الدماغ مع إزالة جزء محدود فقط من الأنسجة العصبية، وغالباً ما يُجرى هذا النوع من العمليات للأطفال دون سن الثالثة عشرة ممن يكون أحد نصفي دماغهم غير قادر على أداء وظائفه بشكل طبيعي.
القطع المتعدد تحت القصبة (MST)
يساعد هذا الإجراء على التحكم في النوبات التي تنشأ من مناطق دماغية يصعب استئصالها بأمان، حيث يقوم الجراح بعمل شقوق دقيقة على سطح أنسجة الدماغ، وتُعرف هذه العملية بالقطع، وتعمل هذه الشقوق على إعاقة انتقال النوبات الصرعية دون التأثير في النشاط الطبيعي للدماغ، مما يحافظ على القدرات الوظيفية للمريض.
تحفيز العصب المبهم (VNS)
يُزرع جهاز تحت الجلد ليقوم بإرسال نبضات كهربائية إلى العصب المبهم، وهو العصب المسؤول عن تنظيم التواصل بين الدماغ والأعضاء الحيوية الداخلية. يساهم هذا التحفيز في تقليل حدوث النوبات لدى بعض المرضى الذين يعانون من النوبات الجزئية.
جهاز التحفيز العصبي المستجيب (RNS)
يقوم الأطباء بزرع محفز عصبي صغير داخل الجمجمة أسفل فروة الرأس مباشرة، ويتم توصيله بسلك أو أكثر من الأقطاب الكهربائية التي تُثبت إما في المنطقة الدماغية التي تنشأ منها النوبات أو على سطح الدماغ، ويعمل هذا الجهاز على رصد النشاط الكهربائي غير الطبيعي وإرسال نبضات كهربائية تعيق العملية التي تؤدي إلى حدوث النوبة.
التحفيز العميق للدماغ
يضع الأطباء أقطابًا كهربائية في منطقة معينة من الدماغ، حيث تقوم بتحفيز الدماغ بشكل مباشر للمساعدة في وقف انتشار النوبات لدى البالغين الذين لم يستجيبوا للأدوية وليسوا مرشحين لعمليات جراحية أخرى.

هل هناك مخاطر؟
قبل إجراء الجراحة بهدف علاج الصرع، سيناقش الطبيب الإيجابيات والسلبيات مع المريض. بعض المخاطر هي:
- جعل المشاكل القائمة أسوأ أو خلق مشكلة جديدة في طريقة عمل الدماغ، حيث قد يفقد المريض القدرة على الرؤية أو الكلام أو الذاكرة أو الحركة.
- العدوى والنزيف وكذلك احتمال حدوث رد فعل تحسسي للتخدير. (هذه شائعة في أي عملية).
- عودة النوبات.
إعادة العملية
إذا حدثت نوبة مباشرة بعد العملية، فقد يوصي الطبيب بإجراء جراحة ثانية تُعرف بإعادة الجراحة، ولا يدل ذلك بالضرورة على فشل العملية الأولى، بل غالباً يشير إلى أن بعض الأنسجة الدماغية المسببة للنوبات لم تتم إزالتها بالكامل.
التأقلم مع الصرع
يشكّل العلاج التربوي والاجتماعي والنفسي جزءاً أساسياً من الخطة الشاملة لعلاج الصرع، وتتمثل الخطوة الأهم في طلب الدعم فور الشعور بصعوبة التأقلم مع المرض. يُدار الصرع عادةً من قبل فريق متخصص يقدم رعاية طبية إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي، وعند مواجهة تحديات في الدراسة أو العمل أو الشؤون المالية أو العلاقات أو الأنشطة اليومية، يصبح من الضروري مناقشتها مع أحد أفراد الفريق الطبي. إن التعامل المبكر مع هذه المشكلات يساعد المريض على فهم تأثيرات الصرع المختلفة والسيطرة عليها، كما يساهم في تعزيز القدرة على مواجهة الضغوط والحفاظ على توازن صحي وإيجابي على الصعيد الجسدي والعاطفي والروحي.
في النهاية، أصبح علاج الصرع اليوم أكثر دقة وفعالية بفضل تقدم الأدوية الحديثة والتقنيات الجراحية المتطورة، ويعتمد نجاح العلاج على التشخيص المبكر والمتابعة المنتظمة مع الطبيب المختص لتقليل مخاطر النوبات وتحسين الأداء اليومي للمريض. في تركيا، ساهمت الخبرات الطبية المتقدمة في توفير حلول علاجية تناسب مختلف الحالات. يقدم مركز بيمارستان الطبي رعاية شاملة وخيارات علاجية متطورة للصرع، مع دعم متكامل يضع راحة المريض في المقدمة.
المصادر:
- National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS). (2023). The epilepsies and seizures: Hope through research.
- Centers for Disease Control and Prevention (CDC). (2023). Epilepsy. CDC.