يشكّل الصرع تحديًا كبيرًا للأطفال وعائلاتهم، خاصةً عندما تفشل الأدوية في السيطرة على النوبات المتكررة. هنا يأتي دور علاج الصرع جراحياً عند الأطفال كحلّ جذري قد يغيّر مسار الحياة، حيث تُظهر الدراسات أن 70% من الحالات المُختارة بعناية تتحرر من النوبات تمامًا بعد الجراحة. مع تطور تقنيات جراحة الصرع عند الأطفال، أصبحت هذه العمليات أكثر أمانًا ودقة، مما يمنح الأمل لأطفالٍ كثر في عيش طفولة طبيعية.
ما هو الصرع عند الأطفال؟
إن الصرع عند الأطفال هو اضطراب عصبي مزمن، يحدث نتيجة وجود مشكلة في النشاط الكهربائي للقشرة الدماغية، وعلى عكس البالغين الذين غالباً ما يكون سبب الصرع لديهم هو إصابات الدماغ وأمراض الدماغ الوعائية، فإن الصرع عند الأطفال ينتج بشكل أساسي لأسباب وراثية، أو لوجود تشوهات خلقية في الدماغ، أو لحدوث التهابات في الجهاز العصبي المركزي.
تتميز نوبات الصرع عند الأطفال بأنها شائعة بشكل أكبر بكثير من نوبات الصرع عند البالغين، ويتوقف وعي الطفل فيها لمدة 10-20 ثانية، وتكون النوبات البؤرية (البؤر الصرعية هي المناطق الدماغية التي يحدث في الاضطراب الكهربائي) عند الأطفال مرتبطة بمناطق نامية وسليمة في الدماغ، وهذا قد يؤثر مستقبلاً على السلوك المعرفي للطفل، ولذلك يجب العمل على علاجها قبل أن تتخرب منطقة من مناطق الدماغ الوظيفية.
متى يُوصى بعلاج الصرع جراحياً عند الأطفال؟
إن علاج الصرع جراحياً عند الأطفال ليس من الخيارات الرئيسية، ويستخدم بعد فشل الأدوية المضادة للصرع في العلاج، أو عند وجود بؤرة صرعية محددة في منطقة من مناطق الدماغ، وعندها يُلجئ لعلاج الصرع جراحياً عند الأطفال لإنقاذ المنطقة الدماغية من التلف. هناك بعض أنواع الصرع المعروفة والمقاومة للأدوية والتي تتطلب تدخلاً جراحياً، مثل الصرع المرتبط مع متلازمة لانداو-كليفنر أو الصرع المرتبط بالفص الصدغي.
أنواع الجراحات المستخدمة في علاج الصرع عند الأطفال
إن علاج الصرع جراحياً عند الأطفال يُقسم بشكل أساسي إلى ثلاث فئات رئيسية حسب الهدف من التدخل الجراحي، الفئة الأولى هي الاستئصال، والثانية هي قطع المسارات العصبية، والثالثة هي التحفيز العصبي.
الجراحة الاستئصالية
الهدف منها هو إزالة البؤرة الصرعية بشكل كامل، وهي إما أن تشمل بؤرة صغيرة من القشرة المخية، أو أن تشمل فصاً كاملاً من فصوص المخ كما في حالة استئصال الفص الصدغي (وهي الأشيع) التي تُجرى عند وجود البؤرة الصرعية في الفص الصدغي كاملاً، وإما أن يتم استئصال نصف الكرة المخية بشكل كامل كما يُجرى في بعض المتلازمات أو في تشوهات القشرة المخية، وهو إجراء صعب ولكنه يُحافظ على وظائف الدماغ مع التخلص من الصرع بشكل كامل إذا تمّ إجراؤه في سن مبكّرة. قد تحمل الجراحات الاستئصالية بعض المخاطر، كأن يحدث نقص في مجال الرؤية، أو أن يحدث ضعف حركي مؤقت والذي يُعالج بالعلاج الطبيعي.
جراحات قطع المسارات
الهدف منها هو عزل بؤرة الصرع دون إزالة أو إتلاف أنسجة الدماغ، ولها إجرائين أساسيين، الأول هو قطع الجسم الثفني (الألياف الواصلة بين نصفي الكرة المخية)، وهذا الإجراء يتم في حالات النوبات المعممة المقاومة للعلاج، والإجراء الثاني هو القطع تحت القشري، حيث يتم قطع الألياف التي تصل بين المناطق في نصف الكرة المخية الواحد، ويُستخدم في حالات توضّع البؤرة في المناطق الوظيفية التي لا يُمكن استئصالها، مثل توضعها في باحة الكلام.
جراحات التحفيز العصبي (Neuromodulation)
الهدف منها هو زرع أجهزة تُنظم النشاط الكهربائي في قشرة المخ، ومن أهم الأجهزة المستخدمة:
- الجهاز المُحفز للعصب المبهم (VNS): يُزرع تحت الجلد في منطقة الصدر ويتم توصيله مع العصب المبهم أثناء مروره في الصدر، وهو يُقلل النوبات بنسبة 40-50% ولكنّه لا يوقفها تماماً، وهو مناسب للأطفال الغير مرشحين للجراحات الاستئصالية.
- التحفيز العميق للدماغ (DBS): يتم زرع جهاز داخل المخ بنفسه، وغالباً ما يكون في منطقة المهاد، وهو مناسب لحالات الصرع المقاوم للعلاج.
- التحفيز المستجيب (RNS): من الأجهزة الحديثة والتي لا زالت الدراسات تُجرى عليه، وهدفه هو كشف النشاط الصرعي وإيقافه على الفور.
هذه الطريقة تُقلل النوبات الصرعية بشكل كبير، ولكنها لا توقفها نهائياً، وما يُميّزها هو أن بعضها قليل التوغل، ولا تُعرض الطفل لحالات الاستئصال.
فوائد الجراحة مقابل المخاطر المحتملة
إن علاج الصرع جراحياً عند الأطفال له العديد من المخاطر التي قد تهدد صحة الطفل النفسية والجسدية، ولكنّها في المقابل تُقدّم علاجاً يُحسن نوعية حياة الطفل إلى نهاية حياته، حيث أن الجراحة توقف النوبات الصرعية بشكل كامل في 60-80% من الحالات، وإن لم توقفها فإنها تخففها قدر الإمكان، هذا يساعد الطفل على تحسين أداءه الأكاديمي، وزيادة ثقته بنفسه مما يعزز مهاراته الاجتماعية والسلوكية. إضافةً إلى ما سبق، فإن الجراحة تّقِي مناطق المخ من التلف بسبب الصرع، وتقلل خطر الموت المفاجئ وغير المتوقع الذي قد يتعرض له الطفل المصاب بالصرع.
مع ذلك، ومثل أي عملية جراحية على الدماغ، فإنه يوجد العديد من المخاطر التي قد يسببها علاج الصرع جراحياً عند الأطفال، كحدوث نزيف في الدماغ كأحد المضاعفات بعد الجراحة، أو حدوث عدوى وتشكل خراج في المخ والذي قد يتطلب عملاً جراحياً إضافيا لتصريفه. إضافةً لما سبق، فإنه يوجد بعض المخاطر العصبية المحددة التي قد تصيب الطفل الخاضع لعلاج الصرع الجراحي، مثل حدوث بعض الاضطرابات البصرية والتي تظهر عند استئصال الفص الصدغي، أو حدوث ضعف حركي مؤقت في 20-30% من حالات استئصال نصف الكرة المخية، أو حدوث مشاكل في الذاكرة والكلام إذا كانت الجراحة قريبة من تلفيف الحصين أو باحة الكلام، ويمكن تقليل هذه المضاعفات بشكل نسبي إذا تم اختيار جراح متخصص وخبير في علاج الصرع جراحيأً عند الأطفال.
كيفية التشخيص والاستعداد للجراحة
يخضع الطفل لعدد من الفحوصات التشخيصية لتقييم حالته، وللتأكد من جاهزيّته للعمل الجراحي، وتبدأ عملية التشخيص بالتقييم السريري الأولي للطفل ويتم فيها التحري عن التاريخ الطبي المفصل (عدد النوبات، ومدة النوبات، والأعراض المصاحبة لها)، ومن ثم يتم فحص الجهاز العصبي المركزي للطفل وتقييم نموه وتطوره، وبعدها يتم الانتقال بعدها لمرحلة الفحوصات الأساسية، والتي تشمل تخطيط كهربائية الدماغ للكشف كهربائية الدماغ، والتصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن تشوهات هيكلية الدماغ. بعد إجراء الفحوصات التشخيصية يخضع الطفل لبعض الاختبارات الوظيفية لتأكيد أهليته للجراحة، ولتحديد موضع البؤرة الصرعية بدقة.
كيف يمكن للأسرة دعم الطفل قبل وبعد جراحة الصرع؟
إن للأسرة دور كبير في هذه العملية، حيث تُمثل الأسرة المحور الذي يثق فيه الطفل ويضع آمله بهم، ولذلك عليهم أن يشرحوا له حالته بطريقة مبسطة يستطيع فهمها، وأن يعطوه فكرة عامة ومبسطة عن مسار العملية وفي ماذا ستفيده، ويمكن استخدام أسلوب اللعب العلاجي لتحضير الطفل نفسياً لهذه الجراحة. بعد انتهاء العمل الجراحي يبرز الدور الأكبر للأسرة في مراقبة الطفل الدقيقة وملاحظة أي تغيرات سلوكية أو إدراكية قد تُصيبه فجأة، وفي حال ظهور أيٍّ من هذه التغيرات، فعليهم مراجعة الطبيب المختص بسرعة للتأكد منها.
جراحة الصرع عند الأطفال تُعد خيارًا علاجيًا حاسمًا يُغير حياة الصغار، حيث تمنحهم فرصة للتحرر من النوبات وتحقيق تطور طبيعي. في مركز بيمارستان الطبي، نقدم هذه الجراحات بدقة عالية وبأحدث التقنيات، مدعومة بفريق متخصص يضع سلامة الطفل ونجاح العلاج كأولوية قصوى. مع تطور الأساليب الجراحية، أصبحت النتائج أكثر إيجابية، مما يعزز الأمل في مستقبل أفضل للأطفال وعائلاتهم. نؤمن في بيمارستان بأن كل طفل يستحق حياةً كاملة، ونسعى جاهدين لتحقيق هذه الغاية من خلال الرعاية الطبية المتميزة.
جراحة الصرع عند الأطفال تمثل بارقة أمل للحالات المستعصية، تفتح أمامهم أبواب حياة أكثر استقراراً. في مركز بيمارستان الطبي، نعمل برؤية متكاملة تجمع بين الدقة التشخيصية والخبرة العالية في علاج الصرع جراحياً عند الأطفال لتحقيق أفضل النتائج. هذه التدخلات المتقدمة لم تعد مجرد حلول علاجية، بل نقلة نوعية في جودة حياة الصغار وأسرهم. مع كل حالة ناجحة، نؤكد أن التحديات الكبيرة تقابلها إمكانيات أكبر عندما توضع في أيدي الخبراء.
المصادر:
- National Institute of Neurological Disorders and Stroke. (2023). Epilepsy surgery information page.
- Cross, J. H., & Jayakar, P. (2022). Pediatric epilepsy surgery: Special considerations. Epilepsia, *63*(1), 12-25.