تعد الأورام السحائية من أكثر أنواع الأورام التي تصيب الأغشية المحيطة بالدماغ، وغالباً ما تكون أوراماً غير خبيثة، لكنها قد تسبب أعراضاً مزعجة وخطيرة نتيجة الضغط على أنسجة الدماغ الحساسة، لذلك في كثير من الحالات، يكون اللجوء إلى جراحة الأورام السحائية هو الحل الأمثل لعلاج المشكلة واستعادة صحة المريض. في هذا المقال، سنستعرض متى يحتاج المريض إلى إجراء هذه الجراحة، كيف تتمّ، وما هي نسب النجاح المتوقعة، لتكون على دراية كاملة بكل ما يخص هذا العلاج الحيوي بطريقة علمية مبسطة ومطمئنة.
ما هي الأورام السحائية؟
الورم السحائي هو أكثر أنواع الأورام شيوعاً في الرأس (حيث يمثل 39% من جميع أورام الدماغ الأولية)، وهو الورم الذي ينمو من الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي والتي تسمى السحايا، مما يعني أنه الورم السحائي ليس ورماً دماغياً، ولكنه قد يضغط على الدماغ والأعصاب والأوعية الدموية المجاورة مما يتطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً. قد تنشأ الأورام السحائية بعد علاج سابق بالإشعاع المؤين أو التعرض المفرط للأشعة السينية، كما تنتشر بين الرجال والنساء، وهي أكثر شيوعاً لدى النساء، وغالباً ما تُكتشف في سن متقدمة ولكنها قد تحدث في أي عمر.
تُعتبر معظم الأورام السحائية أوراماً غير خبيثة أو منخفضة الدرجة غالباً، كما أن معظمها ينمو ببطء شديد، ويمكن أن تنمو على مدى سنوات عديدة دون أن تُسبب أعراضاً، ومع ذلك، قد تُسبب آثارها إعاقة خطيرة على أنسجة الدماغ أو الأعصاب أو الأوعية الدموية المجاورة. في بعض الحالات، يمكن أن يمتد نمو الأورام السحائية إلى عظام الرأس والوجه، مما قد يُحدث تغيرات مرئية، وفي حالات نادرة جداً قد يغزو الجمجمة أو ينتشر إلى الجلد أو الرئتين.
كما أنه لا توجد طريقة للتنبؤ بمعدل نمو الورم السحائي أو لمعرفة مدة نمو الورم قبل التشخيص على وجه اليقين، حيث تُصنف الأورام السحائية من منخفضة إلى عالية، وكلما انخفضت الدرجة انخفض خطر تكرار المرض ونموه العدواني. يُقسّم تصنيف منظمة الصحة العالمية الأورام السحائية إلى ثلاث درجات:
- الدرجة الأولى: ورم سحائي حميد
- الدرجة الثانية: ورم سحائي غير نمطي
- الدرجة الثالثة: ورم سحائي خبيث (كشمي)
أعراض الأورام السحائية
غالباً ما تبدأ أعراض الورم السحائي ببطء وقد يصعب ملاحظتها في البداية، كما أنها أحياناً لا تسبب أي أعراض ويُكتشف الورم بالصدفة، حيث تعتمد الأعراض على موقع الورم السحائي في الدماغ أو نادراً في العمود الفقري، حيث تتضمن الأعراض ما يلي:
- الغثيان والقيء
- فقدان الذاكرة
- نوبات صرع
- فقدان حاسة الشم
- صعوبة في الكلام
- صداع يزداد سوءاً في الصباح
- فقدان السمع أو طنين الأذن
- تغيرات سلوكية وإدراكية
- ضعف في الذراعين أو الساقين
- تغيرات في الرؤية مثل الرؤية المزدوجة أو الضبابية
علاج الورم السحائي
يعتمد علاج الورم السحائي على حجم الورم وموقعه، وغالباً ما تُكتشف الأورام السحائية عرضياً في فحوصات الدماغ التي تُطلب لأسباب أخرى (مثل إصابات الرأس). بالنسبة للأورام السحائية الصغيرة عديمة الأعراض، تُعدّ المراقبة النشطة أحياناً الخيار الأمثل، حيث تُجرى فحوصات (مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني بتقنية DOTATATE) على فترات منتظمة لتقييم نمو الورم، ويجب إبلاغ الطبيب فوراً بأي أعراض جديدة أو غير عادية.
بما أن الغالبية العظمى من الأورام السحائية حميدة (غير سرطانية)، فإن علاجها الأكثر شيوعاً هو جراحة الأورام السحائية، حيث يُفضّل الاستئصال الكامل للورم السحائي لأنه يقلل من فرص عودته، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يُساعد الإشعاع في تقليل حجم الورم السحائي قبل إجراء جراحة الأورام السحائية، كما يمكن استخدام العلاج الإشعاعي أو الجراحة الإشعاعية التجسيمية (SRS) لعلاج الأورام التي لا يمكن إزالتها جراحياً بأمان، أو الورم المتبقي الذي لم يُستطع إزالته تماماً أثناء جراحة الأورام الجراحية، ويُمكن استخدام هذا الإجراء أيضاً عندما يكون المريض مريضاً جداً ولا يستطيع الخضوع للجراحة.
أما بالنسبة للأورام الخبيثة (السرطانية) والأورام المتكررة فيمكن استخدام العلاج الإشعاعي أو الجراحة الإشعاعية التجسيمية (SRS) للعلاج، كما يمكن استخدام العلاج الدوائي لعلاج الأورام السحائية التي لا يمكن إزالتها عن طريق جراحة الأورام السحائية، أو عند موانع استخدام العلاج الإشعاعي، أو في حالة تكرار الورم السحائي أو عودته، حيث يمكن أن يشمل العلاج الدوائي علاجاً موجهاً لطفرة الورم السحائي سواءً عن طريق الحبوب أو التسريب أو الحقن.
متى يحتاج المريض لعملية جراحة الأورام السحائية؟
رغم أن معظم أعراض الورم السحائي تظهر ببطء، إلا أنه في بعض الحالات قد يتطلب الورم السحائي رعاية فورية وإجراء جراحة الأورام السحائية لتدبير الحالة والحد من تفاقمها، حيث يأخذ جراح الأعصاب عدة عوامل في الاعتبار قبل التوصية بإجراء جراحة الأورام السحائية، منها:
- الحجم: تُعالج الأورام السحائية بجميع أحجامها بجراحة الأورام السحائية، حيث تتطلب بعض الأورام الصغيرة جراحة إذا ضغطت على أعصاب أو أوعية مهمة، ومع ذلك، كلما كبر حجم الورم السحائي، زادت احتمالية حاجته للجراحة.
- الأعراض: بعض الأورام تُسبب أعراضاً لأنها تضغط على مناطق من الدماغ، حيث تشمل هذه الأعراض الصداع الذي يزداد سوءاً في الصباح والغثيان والقيء ونوبات صرع مفاجئة، أو الضعف ومشاكل في الحركة.
- الموقع: إذا سبب الورم تغيرات مفاجئة في الرؤية أو الذاكرة أو ضغط على الأعصاب أو الأوعية الدموية، فقد يتطلب الأمر جراحة الأورام السحائية.
- النمو: إذا كان الورم ينمو بسرعة فقد يتطلب جراحة الأورام السحائية.
لذلك لا تتردد في طلب الرعاية الطارئة وحدد موعداً مع طبيبك إذا كنت تعاني من أعراض مستمرة تُقلقك ليتم تقييم الحالة جراحياً واتخاذ القرار العلاجي المناسب لحالتك.
كيف تُجرى جراحة الورم السحائي وما فرص الشفاء؟
يخصص الجراح الإجراء المناسب بناءً على موقع الورم، وغالباً ما يستخدم الصور ثلاثية الأبعاد لمساعدته في تحديد أفضل الخيارات الجراحية المناسبة للحالة، كما يعتمد أسلوب الجراحة على حجم الورم وموقعه، حيث يسعى الطبيب لإزالة الورم بالكامل مع الحفاظ على سلامة الأنسجة والأعصاب المحيطة.
تتم عملية جراحة الورم السحائي باستخدام تقنيات طبية متقدمة مثل المجهر الجراحي والتنظير التي تسمح للجراح برؤية الورم بوضوح ودقة عالية أثناء العملية بأي شيء أثناء العملية. هناك أربعة أنواع لجراحة الأورام السحائية التي تُستخدم في علاج الأورام السحائية، هي:
الجراحة التقليدية (جراحة الأورام السحائية المفتوحة)
هي إجراء جراحي يحدث تحت التخدير العام حيث يتم إجراء فتحة مؤقتة في الجمجمة (Craniotomy) لإزالة الورم السحائي الموجود على سطح الدماغ أو في بعض مناطق قاعدة الجمجمة من خلالها، ثم تُصلح الفتحة في نهاية الجراحة ويُعيد الجراح العظم إلى مكانه ويُثبّته بصفائح ومسامير من التيتانيوم، وعادةً ما يكون الشق في فروة الرأس خلف خط الشعر ولا يكون واضحاً بعد الشفاء، كما يستخدم المجهر الجراحي أثناءها لإزالة أكبر قدر ممكن من الورم. قد يكون الإجراء الأمثل للورم الكبير أو المعقد.

الجراحة العصبية بالمنظار (Neuroendoscopic Surgery)
في بعض الحالات، قد يتمكن الجراح من الوصول إلى الورم السحائي باستخدام تقنيات دقيقة عبر فتحات صغيرة في الجمجمة، حيث يتم استخدام المنظار وأدوات جراحية تحت توجيه صور الكمبيوتر للوصول إلى الأورام في غرف البطينين، وتتميز هذه العملية بأنها أقل إيلاماً وأسرع في التعافي، لكنها تناسب الأورام الصغيرة والمواقع المناسبة.

الجراحة الأنفية بالمنظار (Endoscopic Endonasal Surgery)
تتم لإزالة ورم سحائي في قاعدة الجمجمة يمكن الوصول إليه من خلال الأنف حيث يتم إجراء جراحة أنفية بالمنظار، كما يتطلب هذا الإجراء التخدير العام، وهو أقل توغلاً، حيث لا يتم فتح الجمجمة، بل يستخدم الجراحون أنبوباً رفيعاً مزوداُ بكاميرا لرؤية الورم وإزالته.

جراحة العمود الفقري (Spinal Surgery)
تتم جراحة العمود الفقري لإزالة ورم سحائي في العمود الفقري، حيث يقوم الجراح بعمل شق في الظهر، ويستخدم أدوات دقيقة لإزالة الورم مع تجنب الحبل الشوكي والأعصاب المهمة كما يتطلب هذا الإجراء التخدير العام.

ما فرص الشفاء بعد جراحة الأورام السحائية؟
على الرغم من وجود مخاطر في جراحة الأورام السحائية، إلا أنه إجراء آمن نسبياً بفضل هذه التقنيات الدقيقة، حيث تكون فرص الشفاء بعد جراحة الأورام السحائية عالية خاصة ً عندما يكون الورم قابلاً للاستئصال الكامل دون التأثير على المراكز العصبية الحيوية، حيث يتجاوز معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات 80%، بينما يتجاوز معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 10 و15 عاماً 70%، كما أن وجود متابعة طبية دقيقة بعد جراحة الأورام السحائية ضروري لضمان التعافي السريع وتقليل مخاطر المضاعفات وبالتالي تعزيز جودة حياة المريض بعد الجراحة وزيادة معدلات البقاء.
معدلات البقاء على قيد الحياة النسبية لمدة 5 سنوات للأورام السحائية الحميدة (غير السرطانية) حسب الفئة العمرية هي كما يلي:
- الأطفال (0-14): 96.5%
- المراهقون والشباب (15-39): 97.2%
- البالغون (40+): 87.6%
معدلات البقاء على قيد الحياة النسبية لمدة 5 سنوات للأورام السحائية الخبيثة (السرطانية) حسب الفئة العمرية هي كما يلي:
- الأطفال (0-14): 79.6%
- المراهقون والشباب (15-39): 84.4% البالغون (40+): 65.1%
في النهاية، تمثل جراحة الأورام السحائية خياراً فعّالاً وآمناً عندما تتطلب الحالة تدخلاً طبياً عاجلاً لضغط الورم على أنسجة المخ الحساسة. بالاعتماد على أحدث التقنيات الطبية، تزداد فرص استئصال الورم بنجاح مع تقليل المخاطر، مما يفتح أمام المرضى أبواب الشفاء وتحسين جودة حياتهم.
لا تدع الخوف يمنعك من استشارة الطبيب، فالعلاج المبكر يُحدث فرقاً كبيراً في جودة الحياة والشفاء التام.
المصادر:
- Johns Hopkins Medicine. (2025, May 29). Meningioma treatment.
- American Brain Tumor Association. (n.d.). Meningioma