يُعتبر الصلب المشقوق من أكثر التشوهات الخلقية شيوعاً في العمود الفقري، حيث تشير الدراسات إلى إصابة نحو طفل واحد من كل 1000 ولادة حية، ويظهر نتيجة خلل في إغلاق الأنبوب العصبي خلال الأسابيع الأولى من الحمل، مما يؤدي إلى مشاكل عصبية متفاوتة الشدة. تختلف الأعراض بين الحالات البسيطة التي قد تمر دون ملاحظة، والحالات الشديدة التي تسبب إعاقات جسدية ووظيفية. مع تطور الطب، بات التشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب عاملاً أساسياً في تحسين نوعية حياة المصابين.
.floating_btn{ display:none !important; } .println-contact-form-button-element{ display:none !important; }
ما هو مرض الصلب المشقوق؟
الصلب المشقوق هو عيب خلقي يحدث عندما يفشل الأنبوب العصبي في الانغلاق بشكل كامل خلال الأسابيع الأولى من الحمل، مما يؤدي إلى فتحة في العمود الفقري. قد يكون هذا الخلل بسيطاً بحيث لا يُلاحظ إلا صدفة عند إجراء الفحوص، أو شديداً يسبب مشاكل عصبية وحركية.
في الحالات المتقدمة، يمكن أن يؤدي الصلب المشقوق إلى ضعف أو شلل في الأطراف السفلية، واضطرابات في التحكم بالمثانة والأمعاء، وتختلف شدة الأعراض من مريض لآخر، ويعتمد نجاح العلاج على التشخيص المبكر والتدخل الطبي المناسب.
ما هي أنواع الصلب المشقوق؟
الأنواع الثلاثة للصلب المشقوق هي:
القيلة النخاعية السحائية myelomeningocele
هو النوع الأخطر من تشوهات الصلب المشقوق، حيث يتمثل بخروج جزء من الحبل الشوكي والأعصاب عبر الفتحة الموجودة في ظهر الطفل، ويظهر هذا التشوه على شكل كيسة تحوي سائلاً دماغياً شوكياً بالإضافة إلى مكونات من الحبل الشوكي والأعصاب، ونظراً لغياب الحماية الكافية لهذه البنى العصبية، يزداد خطر تعرضها لأذيات قد تؤدي إلى إعاقات عصبية متوسطة أو شديدة يصعب عكسها.
القيلة السحائية Meningocele
في هذا النوع من الصلب المشقوق تنتقل الأغشية (السحايا) مع السائل الدماغي الشوكي عبر فتحة في ظهر الطفل لتشكّل كيسة، لكن يبقى الحبل الشوكي والأعصاب في مكانهما دون أن يهاجروا معها، وبسبب غياب مشاركة البنى العصبية في الكيسة، يُعد هذا الشكل أقل خطورة مقارنة بالقيلة النخاعية السحائية.
الصلب المشقوق المستتر Spina Bifida Occulta
يُعد هذا النمط هو الأكثر شيوعاً والأقل خطورة بين أنواع الصلب المشقوق، ويُعرف بالصلب المشقوق المستتر أو الخفي، إذ غالباً لا يسبب أعراضاً واضحة، ونادراً ما يتم اكتشافه في الطفولة المتأخرة، وغالباً يُشخَّص بالصدفة عند إجراء صور شعاعية لأسباب أخرى. في هذا الشكل لا تلتحم فقرتان أو أكثر بشكل كامل، ما يؤدي إلى تشكل فتحة صغيرة في العمود الفقري، دون أن يرافقها بروز للسحايا أو الحبل الشوكي، ويبدو الجلد طبيعياً في منطقة الظهر.

ما هي أسباب الصلب المشقوق؟
إن السبب الأساسي العائد وراء هذا التشوه غير معروف لكن هناك أسباب او عوامل خطورة يمكن أن تلعب دور في تطور هذا التشوه عند أمهات أطفال الصلب المشقوق وهي:
نقص حمض الفوليك (فيتامين B-9)
نقص حمض الفوليك يمكن أن يزيد من خطر حدوث تشوهات عصبية مختلفة سواءً على مستوى الدماغ أو العمود الفقري فهو ضروري من أجل تطور الأنبوب العصبي عند الجنين.
وجود قصة إصابة عائلية سابقة بتشوهات الأنبوب العصبي
يرتفع خطر حدوث السنسنة المشقوقة عند الرضع في حال وجود حمل سابق لنفس الأم مصاب بالصلب المشقوق.
الأدوية المأخوذة أثناء الحمل
بعض الأدوية التي تأخذها الحامل قد ترفع خطر إصابة جنينها بتشوهات الأنبوب العصبي كالأدوية المأخوذة لمرض الصرع (الكاربامازيبين وحمض الفالبوريك) لذا يجب على الحامل أن تستشير الطبيب حول الأدوية المأخوذة أثناء الحمل واستبدال هذه الأدوية بأدوية آمنة على الجنين.
الحامل المصابة بالداء السكري الغير مضبوط
يزداد خطر الإصابة لدى الجنين عند الحامل التي تعاني من داء السكري الغير معالج.
السمنة
يرتفع خطر الإصابة بتشوهات الأنبوب العصبي عند النساء ذوي الوزن الزائد حيث يكون (مؤشر كتلة الجسم لديهن30< BMI)
ما هي أعراض مرض الصلب المشقوق؟
في الحقيقة غالباً ما تترافق القيلة النخاعية السحائية (النوع الأخطر للصلب المشقوق) مع أعراض حدوث اذية في أعصاب الحبل الشوكي.
تختلف الأعراض بحسب مكان الشق في الحبل الشوكي ودرجة التضرر العصبي التي حصلت وقد يسبب الشوك المشقوق طيف من الأعراض والمضاعفات المرتبطة نذكر منها:
- صعوبة في المشي عند الطفل
- فقدان الاحساس بالطرف السفلي
- تشوهات بالقدم والكاحل (club foot)
- مشاكل بالقدرة على التحكم بالمثانة والأمعاء
- تظهر عند بعض الأطفال مشاكل بالتنفس وشلل في الأطراف السفلية
تترافق القيلة النخاعية السحائية بشكل شبه دائم مع أحد التشوهات الأخرى التي تعرف بتشوه ارنولد كياري، حيث يسبب هذا التشوه تجمع السائل بالدماغ وحدوث استسقاء رأس hydrocephalus، الأمر الذي قد يسبب خطر شديد على الطفل وامكانية اصابته بإعاقة فكرية او حتى الوفاة.
يمكن أن يكون مرض الشوك المشقوق غير عرضي في الحالات الأخف، فغالباً ما تكون أعراض الصلب المشقوق الخفي غير ظاهرة ويكشف بالصدفة عند إجراء صورة للمرضى لأسباب أُخرى.
تشخيص الصلب المشقوق
يمكن أن يتم كشف التشوه خلال الحمل أو بعد الولادة.
التشخيص أثناء الحمل
يمكن وضع التشخيص بواسطة الفحوصات التي تجرى للأم الحامل لكشف التشوهات العصبية للجنين ومنها:
الفحوصات الدموية
يتم فحص عيار الألفا فيتو بروتين AFP وهو عبارة عن بروتين ينتج من الجنين ويعبر قسم منه إلى دم الأم عبر المشيمة ففي حال كان عيار البروتين مرتفعاً عند الأم يمكن أن يدل ذلك على وجود تشوه ومرض عصبي عند الجنين، ولكن ليس بالضرورة ان يترافق العيار المرتفع مع تشوه بالأنبوب العصبي.
الايكو
هو الاختبار الأمثل لتشخيص تشوه الشوك المشقوق عند الجنين قبل الولادة حيث يمكن ان يشاهد الفاحص التشوه خلال الثلث الثاني (الأسبوع 18 الى 24) من الحمل.
خزعة السائل الأمنيوسي
في حال شك الطبيب الفاحص بإصابة الطفل بالصلب المشقوق يقوم عندها بطلب خزعة للسائل الأمنيوسي بهدف التأكد، ولكن لا يمكن تجاهل الاختلاطات الصعبة المرافقة للخزعة كاحتمال حدوث اجهاض للحمل.
التشخيص بعد الولادة
في بعض الحالات لا يتم تشخيص المرض إلا بعد ولادة الطفل حيث يُلاحظ منطقة مشعرة أو ما يشبه الوحمة على ظهر الطفل فيقوم الطبيب بطلب صورة للعمود الفقري بالأشعة السينية أو رنين مغناطيسي لرؤية العمود الفقري والحبل الشوكي وتحديد الإصابة من عدمها.

علاج الصلب المشقوق في تركيا
في حالة القيلة النخاعية السحائية Myelomeningocele يجب أن يتم عمل جراحة بأسرع وقت ممكن لتغطية الأعصاب والحبل الشوكي ومنع حدوث أذية في الأعصاب قدر ما أمكن، ويتم حالياً بالمراكز المتطورة إجراء عمل جراحي للجنين وهو في رحم أمه قبل الولادة خوفاً من تأثير السائل الأمنيوسي على الجنين وحدوث أذيات بالحبل الشوكي.
الجراحة قبل الولادة Prenatal surgery
بعد ما يتم تشخيص إصابة الجنين بالصلب المشقوق يتم تحديد فيما إذا كانت الأم مرشحة لهذا النوع من العمل الجراحي.
يجري الأطباء الجراحة بعمل شق أفقي في بطن الأم وثم يتم استعمال الايكو للحصول على رؤية واضحة لمكان الجنين وتحديد مكان وجود الانشقاق وبعدها يتم عمل شق في الرحم للوصول إلى ظهر الجنين ومن ثم يتم إصلاح العيب عن طريق إزالة الكيسة إن وجدت وإغلاق الفتحة في الظهر بالأنسجة المحيطة.
تملك هذه الجراحة المعقدة مخاطر على حياة الطفل والأم على حد سواء فيمكن أن يحصل تمزق لرحم الأم يؤدي إلى حدوث إجهاض للجنين، وتحتاج هذه العملية إلى تعاون أطباء من مختلف الاختصاصات ودقة متناهية في مراكز مجهزة لهذا النوع من العمليات.
الجراحة بعد الولادة Postnatal surgery
يولد الطفل عادةً في الموعد الطبيعي للولادة، ثم يُنقل مباشرة إلى وحدة العناية بحديثي الولادة حيث يقوم جرّاح الأعصاب بمتابعته وتقييم حالته، ثم يتم إجراء الفحوص اللازمة، بما في ذلك التصوير بالرنين المغناطيسي، لتحديد درجة تشوه الصلب المشقوق، وغالباً ما يُجرى التدخل الجراحي خلال اليوم الأول أو الثاني بعد الولادة، إذ يُغلق الجراح الفتحة في الظهر باستخدام الأنسجة المحيطة والجلد تحت التخدير العام.
بعد العملية، يُعاد الطفل إلى وحدة العناية المركزة لمتابعة وضعه الصحي، ويبقى في المستشفى عادةً من أسبوع وحتى ثلاثة أسابيع للمراقبة الدقيقة، ورغم أن هذا الإجراء يعد أقل خطورة مقارنة بالجراحة التي تُجرى قبل الولادة، إلا أن من مخاطره المحتملة حدوث أذية عصبية نتيجة تعرض الحبل الشوكي للسائل الأمنيوسي أثناء الحمل. في تركيا، يُقدَّم علاج الصلب المشقوق على يد فرق طبية متخصصة داخل مراكز جراحية متطورة مجهزة بأحدث التقنيات.
نسبة نجاح عملية الصلب المشقوق
تشير الأبحاث السريرية إلى أن عملية الشوك المشقوق التي تجرى قبل الولادة كان لها نتائج أفضل على حياة الطفل لكنها تحمل خطراً أكبر على الأم.
ففي عمر 3 سنوات، استطاع 42% من الأطفال الذين خضعوا لجراحة قبل الولادة من المشي بشكل مستقل بينما كانت النسبة 21% عند الاطفال الذين أجروا جراحة بعد الولادة.
مضاعفات الصلب المشقوق وكيفية علاجها
قد يسبب مرض الصلب المشقوق عند الأطفال مضاعفات تؤثر على جودة حياة الطفل كالإعاقات الجسدية الجزئية أو الدائمة إضافةً إلى استسقاء الرأس الذي قد يخلف عقابيل فكرية خطيرة على حياة الأطفال.
علاج الاستسقاء الدماغي
يمكن أن يسبب تجمع السائل الدماغي الشوكي في الرأس ارتفاع الضغط في الدماغ مما يؤدي إلى مشاكل وإعاقات دماغية قد تكون مميتة، ويحتاج الطفل لعملية من أجل تصريف السائل حيث يقوم الطبيب بوضع تحويلة (shunt) من الدماغ للبطن لتصريف السائل الدماغي الشوكي ويتم تبديل التحويلة في حال انسدادها أو عند نمو الطفل قد يحتاج لتحويلة جديدة أطول من التحويلة القديمة.
العلاج الفيزيائي
يعتبر العلاج الفيزيائي وسيلة هامة لمساعدة الساقين على الحركة عند مرضى الشوك المشقوق حتى يعيش المريض حياته بشكل مستقل بمعنى أن لا يحتاج لدعم الأجهزة الطبية كالكرسي المتحرك، وإن الهدف الأساسي وراء العلاج الفيزيائي هو منع تطور الضعف العضلي الذي يصيب للأطفال حيث يوجد علاقة مهمة بين الصلب المشقوق والمشي.
علاج مشاكل المثانة والأمعاء
إن سلس البول عرض شائع عند اطفال الصلب المشقوق، يمكن ان نساعد هؤلاء المرضى عن طريق إعطاء الأدوية التي تساعد على ارتخاء المثانة كي تخزن كمية أكبر من البول أو يمكن عمل عملية لتوسيع المثانة لتخفيف معاناة الأطفال و ذويهم، ولمعالجة الإمساك يمكن اعطاء ملينات تساعد على تفريغ الأمعاء.
الوقاية من الصلب المشقوق
إن الخطوة الرئيسية للوقاية هي حمض الفوليك الذي يعتبر هاماً لتجنب تشوهات الأنبوب العصبي حيث تعطى الحامل جرعة 400 ميكروغرام، ويجب لفت نظر المرأة التي تخطط للإنجاب لضرورة أخذ الدواء طوال فترة الحمل ومع تناول الغذاء الصحي الحاوي على الفوليك.
في النهاية، يمثل الصلب المشقوق تحدياً صحياً يتطلب متابعة دقيقة ورعاية متخصصة لضمان أفضل النتائج على المدى الطويل، وبفضل التقدم الطبي أصبحت هناك خيارات متعددة تشمل الجراحة والعلاج التأهيلي، وإن التشخيص المبكر والتعامل الصحيح مع الحالة يمنح الطفل فرصة أكبر لحياة طبيعية. يقدم مركز بيمارستان الطبي في تركيا أحدث الحلول العلاجية على يد نخبة من الأطباء المتخصصين ضمن بيئة متكاملة تركز على المريض واحتياجاته.
المصادر:
- Au, K. S., Ashley-Koch, A., & Northrup, H. (2010). Epidemiologic and genetic aspects of spina bifida and other neural tube defects. Developmental Disabilities Research Reviews
- Greene, N. D. E., & Copp, A. J. (2014). Neural tube defects. Annual Review of Neuroscience