يُعدّ التهاب وتر الإبهام، أو ما يُعرف طبيًا باسم التهاب غمد الوتر دي كورفان (De Quervain’s Tenosynovitis)، من الحالات الالتهابية المؤلمة التي تصيب الأوتار الواقعة على جانب الرسغ من جهة الإبهام. يتجلى هذا الالتهاب في تورم يصيب وتريْن يمران عبر غمد ضيق من الرسغ إلى قاعدة الإبهام، ما يؤدي إلى تقييد حركتهما وتسبب الألم خصوصًا عند تدوير المعصم أو الإمساك بالأشياء أو تكوين قبضة.
ورغم أن السبب الدقيق للإصابة بهذا الالتهاب لا يزال غير مؤكد تمامًا، إلا أن الحركات المتكررة للإبهام والمعصم، سواء في إطار العمل أو أثناء ممارسة الهوايات مثل البستنة أو رياضات المضرب أو حمل الأطفال، تُعد من أبرز العوامل المساهمة في تفاقم الحالة. وفي العادة، يبدأ التدبير العلاجي بالخيارات المحافظة، والتي تشمل ارتداء الجبيرة وإراحة المعصم لبضعة أسابيع، وقد تتطور الحالة لتتطلب تداخلًا جراحيًا في حال استمرار الأعراض لتخفيف الضغط على غمد الوتر المتضيق.
ما هو التهاب وتر الإبهام؟
الأوتار هي حبال قوية ومرنة من النسيج الليفي، تربط العضلات بالعظام، وتؤدي دورًا حيويًا في تمكين الحركة اليومية مثل الجري، القفز، والإمساك، وذلك من خلال نقل قوة انقباض العضلات إلى الهيكل العظمي. ويُحيط بهذه الأوتار غمد نسيجي واقٍ يُنتج سائلاً زليلياً يعمل على تسهيل انزلاق الوتر داخل القنوات الليفية العظمية بسلاسة ودون احتكاك أو ألم.
في متلازمة دي كورفان، يتأثر وتران رئيسيان في اليد: وتر العضلة الباسطة القصيرة للإبهام، وعضلة الإبهام الطويلة المُبعدة، واللتان تنشآن من الجانب الظهري للساعد وتنتقلان عبر نفق ضيق يُعرف باسم قيد الباسطات نحو قاعدة الإبهام على الجانب الوحشي للرسغ. يبلغ طول هذا القيد الليفي حوالي 2 سم، مما يجعله معرضًا للانغلاق والاحتكاك، خاصة في حالات الصدمة المتكررة أو الحركة الزائدة، وهو ما يؤدي إلى احتقان في الغمد الزليلي المحيط بهذه الأوتار، فتحدث عملية التهابية تُعرف بـ التهاب غمد وتر دي كورفان.
يُسبب هذا الالتهاب تضيقًا وتورمًا في الغمد، ما يؤدي إلى احتكاك غير طبيعي للأوتار عند حركتها، ويترتب على ذلك ألم حاد عند قاعدة الإبهام قد يمتد إلى الساعد، مع صعوبة في أداء حركات بسيطة مثل القبض أو الإمساك. يُعد هذا الاضطراب من أكثر أنواع التهاب غمد الأوتار شيوعًا، حيث يُقدّر أنه يصيب نحو 1% من سكان الولايات المتحدة سنويًا. ويظهر بشكل أكبر لدى البالغين في العقدين الرابع والخامس من العمر، وتحديدًا النساء بمعدل يفوق الرجال بـ 8 إلى 10 أضعاف. كما يُلاحظ شيوعه لدى الأفراد الذين يعانون من إصابات سابقة في المرفق مثل التهاب اللقيمة الإنسي أو الوحشي، أو أولئك الذين ينخرطون في أنشطة تتطلب تكرارًا مستمرًا لحركات الإبهام والمعصم.

أسباب التهاب وتر الإبهام
رغم أن السبب الدقيق لالتهاب غمد وتر الإبهام دي كورفان لا يزال غير معروف بشكل قاطع، فإن الأدبيات الطبية تشير إلى عدد من العوامل المؤهبة والمسببة التي تؤدي إلى ظهور هذا الاضطراب أو تفاقمه. يُعد الإفراط في الاستخدام المزمن للمعصم أو الإبهام، خاصةً في الحركات المتكررة اليومية كالإمساك أو القبض أو الالتفاف، من أبرز المسببات، حيث يؤدي ذلك إلى تهيّج الغمد المحيط بالأوتار، مسبّبًا زيادة في سماكته وتورّمه، ما يقيّد حركة الأوتار داخل النفق الليفي العظمي الضيق المتجه نحو قاعدة الإبهام.
وقد تسهم الإصابات المباشرة في المعصم أو الإبهام، مثل الضربات أو الرضوض، في تكوّن أنسجة ندبية داخل الغمد، تُعيق انزلاق الأوتار بسلاسة. كما تُعد الحالات الالتهابية المزمنة، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، من العوامل المرضية الشائعة التي تؤهب للإصابة نتيجة الاستجابة المناعية الالتهابية المستمرة. إضافةً إلى ذلك، تؤدي التغيرات الهرمونية خلال الحمل إلى احتباس السوائل في الأنسجة، ما يزيد من الضغط على الغمد الليفي ويساهم في تطور الحالة، ويُلاحظ أن هذه الظاهرة شائعة لدى النساء الحوامل أو المرضعات.
وتُعد الأنشطة التي تتطلب حركة جانبية متكررة للمعصم أثناء تثبيت الإبهام من المحفزات المباشرة لظهور الالتهاب أو ازدياد حدته. من هذه الأنشطة: ممارسة رياضات المضرب مثل التنس والريشة، استخدام الأدوات اليدوية كالمطرقة، أعمال الخياطة الدقيقة، رفع الأطفال الصغار، العزف على البيانو، أو حتى البستنة والأعمال اليدوية المكثفة التي تستلزم حركات قبض متكررة.
يتجلى من ذلك أن التهاب وتر الإبهام دي كورفان هو اضطراب متعدد العوامل، يتداخل فيه الاستخدام الميكانيكي المفرط، والرضوض الموضعية، والتغيرات الالتهابية والهرمونية، مما يستدعي تقييمًا شاملاً لعوامل الخطر لكل حالة على حدة، بهدف وضع خطة علاجية فعالة وشاملة.
أعراض التهاب وتر الإبهام
يُعدّ الألم في الجانب الكعبري من الرسغ، أسفل قاعدة الإبهام، العرض الأكثر شيوعًا لالتهاب غمد وتر الإبهام دي كورفان، وقد يظهر هذا الألم بشكل مفاجئ أو يتطور تدريجيًا مع مرور الوقت، ليزداد سوءًا مع استخدام الإبهام أو المعصم. تشمل الأعراض المصاحبة الأخرى:
- تورم موضعي بالقرب من قاعدة الإبهام، والذي قد يترافق أحيانًا مع احمرار وسخونة دالة على الالتهاب.
- إحساس بالطقطقة أو الفرقعة في المعصم عند ثني أو تحريك الإبهام، نتيجة احتكاك الأوتار المتورمة داخل الغمد الليفي الضيق.
- تيبّس أو تصلّب في حركة الإبهام.
- حساسية شديدة عند الضغط على المنطقة المصابة.
- تشكل كيس ممتلئ بسائل في بعض الحالات قرب قاعدة الإبهام، كاستجابة التهابية مزمنة.
- خدر أو تنميل في الإبهام أو الرسغ، في الحالات المتقدمة، بسبب الضغط على الأعصاب المجاورة.
تشخيص التهاب وتر الإبهام
يعتمد تشخيص التهاب غمد وتر الإبهام دي كورفان بشكل رئيسي على الفحص السريري التفصيلي الذي يجريه مقدم الرعاية الصحية، حيث يبدأ الطبيب بملامسة الجانب الكعبري من الرسغ متتبعًا موضع الأوتار المتورمة، ويتحرى وجود ألم موضعي أو تورم في قاعدة الإبهام عند الضغط. كما يُسجَّل التاريخ المرضي بدقة، متضمّنًا بداية الأعراض والأنشطة التي قد تؤدي إلى تفاقم الحالة، مثل الحركات المتكررة أو الإجهاد المزمن.
اختبار فينكلشتاين (Finkelstein Test): يُعد حجر الأساس في تأكيد التشخيص السريري. في هذا الاختبار:
- يُطلب من المريض ثني الإبهام داخل راحة اليد وتغطيته بالأصابع الأربعة لتشكيل قبضة مغلقة.
- بعدها يُطلب ثني المعصم باتجاه الزند (نحو الخنصر)، كما في حركة المصافحة.
يؤدي هذا الوضع إلى شد الأوتار المصابة، وإذا كان هناك التهاب في الغمد، فسيشعر المريض بألم حاد أو انزعاج واضح على طول جانب الإبهام من الرسغ، مما يشير إلى إيجابية الاختبار.

الاستقصاءات الإضافية تشمل الاختبارات التصويرية مثل الأشعة السينية، حيث تُجرى ليس لتأكيد التشخيص، بل لاستبعاد حالات أخرى قد تسبب ألمًا مشابهًا في الرسغ، كالفصال العظمي (هشاشة العظام المفصلية) أو الكسور الدقيقة.
علاج التهاب وتر الإبهام
يعتمد علاج التهاب وتر الإبهام (دي كورفان) على مرحلة الإصابة، شدة الأعراض، واستجابة المريض للعلاج، ويُقسّم إلى ثلاثة أنواع رئيسية: العلاج التحفظي، العلاجات الدوائية، والعلاج الجراحي، حيث تهدف جميعها إلى تقليل الألم والتورم، واستعادة الوظيفة الحركية للإبهام والمعصم، ومنع تكرار الالتهاب.
العلاج المحافظ
فيما يخص العلاج التحفظي، يُوصى به كخط أول، ويتضمن الراحة وتعديل الأنشطة اليومية لتجنّب الحركات المتكررة أو الأنشطة التي تزيد من شدة الألم. كما يُنصح بارتداء الجبائر أو الدعامات الخاصة التي تُثبّت الإبهام والمعصم، وتُمنع حركتهما، وعادة ما تُرتدى لمدة لا تقل عن أربعة إلى ستة أسابيع بشكل مستمر. ومن الإجراءات المفيدة كذلك تطبيق كمادات الثلج لمدة تتراوح بين 15 إلى 20 دقيقة كل أربع إلى ست ساعات، مما يُساعد في تقليل التورم وتخفيف الإحساس بالألم. ويُوصى بعد تحسن الأعراض ببدء برنامج تمارين علاجية بإشراف أخصائي علاج فيزيائي، مثل تمارين إمساك كرة التنس، من أجل تحسين المرونة، واستعادة القوة العضلية.

العلاج الدوائي
أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فتُستخدم مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية مثل الإيبوبروفين والنابروكسين لتخفيف الألم وتقليل الالتهاب، سواء عن طريق الفم أو بشكل موضعي. وإذا استمرت الأعراض، قد يلجأ الطبيب إلى حقن الكورتيكوستيرويدات داخل غمد الوتر، وقد أظهرت هذه الطريقة فاعلية كبيرة في تخفيف الأعراض لدى أكثر من نصف المرضى، خاصة عند استخدامها مبكرًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستعانة ببعض الأعشاب الطبيعية كعلاج تكميلي في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة، ومن أبرزها الصفصاف الأبيض، الكركم، الأشواغاندا، ونبات العطاس، لما لها من خصائص مضادة للالتهاب، ولكن يُفضل استخدامها تحت إشراف طبي.
التداخل الجراحي
أما في الحالات التي لا تستجيب للعلاج التحفظي أو الحقني، أو في حال استمرار الألم وتدهور الحالة الوظيفية لليد، يُوصى بإجراء جراحة تحرير غمد الوتر. تُجرى هذه الجراحة تحت التخدير الموضعي في العيادات الخارجية، حيث يقوم الجراح بإحداث شق صغير في غمد الوتر لتوسيعه والسماح للأوتار بالانزلاق بحرية، كما يحرص على تحديد الأعصاب المجاورة وحمايتها من الضرر، وقد يتطلب الأمر إزالة الأنسجة الملتهبة المحيطة بالأوتار. تهدف الجراحة إلى تخفيف الألم بشكل جذري واستعادة حركة الإبهام والمعصم. وتُعد مضاعفات الجراحة نادرة، لكنها قد تشمل تشكل ندبة مزعجة، خدرًا مؤقتًا في منطقة الإبهام، الإصابة بعدوى بنسبة أقل من 1%، أو حدوث تيبس موضعي. بعد الجراحة، يُوصى باتباع برنامج إعادة تأهيل يتضمن تمارين علاج طبيعي لتعزيز الشفاء الكامل واستعادة الوظائف اليدوية.
الوقاية من التهاب وتر الإبهام
الوقاية من التهاب وتر الإبهام (دي كورفان) تعتمد بشكل أساسي على تعديل الأنشطة التي قد تسبب الألم، وذلك من خلال تبني بعض العادات السليمة والوقائية. من أبرز طرق الوقاية هو تجنب الأنشطة التي تؤدي إلى تفاقم الحالة، بالإضافة إلى ضرورة أخذ فترات من الراحة لتقليل الضغط على المعصم والإبهام. كما يساهم التنويع في الحركات اليدوية وتجنب اتخاذ وضعية ثابتة لفترات طويلة في تقليل خطر الإصابة.
من جانب آخر، تُعد الوقاية من التهاب غمد الوتر دي كيرفان أكثر فاعلية عند تجنب الإفراط في استخدام إبهام المعصم. ويتحقق ذلك من خلال تعلم التقنيات الصحيحة في ممارسة الأنشطة المختلفة، سواء كانت رياضية أو مهنية، مع ضرورة ارتداء معدات الحماية المناسبة في أثناء ممارسة الأنشطة البدنية. كما يُنصح بالتدرج في ممارسة الأنشطة أو التمارين الجديدة لتجنب الإجهاد والإصابات، وأخذ فترات راحة منتظمة في حال القيام بمهمات متكررة. في حال شعورك بأي ألم في المعصم أثناء أو بعد النشاط البدني، يجب تجنب “اللعب خلال الألم” ومنح الجسم وقتًا كافيًا للراحة والتعافي بعد أي نشاط مكثف، مما يسهم في تقليل فرص الإصابة بهذا الالتهاب المزعج.
في الختام، يعتبر التهاب وتر الإبهام (دي كورفان) من الحالات المؤلمة التي قد تؤثر بشكل كبير على القدرة الوظيفية لليد والمعصم. مع تنوع الأسباب والعوامل المؤدية لهذه الإصابة، مثل الإفراط في الاستخدام أو الحركات المتكررة، فإن العلاج المناسب يعتمد بشكل رئيسي على التشخيص المبكر والتعامل الفعال مع الأعراض، سواء من خلال العلاج التحفظي أو الدوائي أو في بعض الحالات العلاج الجراحي.
تعتبر الوقاية عنصراً أساسياً في تجنب تفاقم هذا الالتهاب، إذ تساهم العادات الصحية مثل تجنب الإفراط في استخدام الإبهام والمعصم، وأخذ فترات من الراحة، وكذلك تعلم التقنيات الصحيحة في ممارسة الأنشطة البدنية، في الحفاظ على صحة الأوتار والمفاصل.
في هذا السياق، يُعد مشفى بيماريستان في تركيا من الوجهات المميزة لعلاج مثل هذه الحالات، بفضل التميز الكبير الذي يتمتع به طاقم الأطباء المتخصصين في علاج التهاب وتر الإبهام، والذي يستخدم أحدث الأساليب الطبية والتقنيات العلاجية. يوفر المشفى رعاية صحية شاملة من التشخيص الدقيق والعلاج الفعّال إلى إعادة التأهيل، مما يضمن للمريض الشفاء التام والعودة إلى ممارسة أنشطته اليومية بكل راحة وأمان. كما تتميز مشفى بيماريستان بوجود أحدث المعدات الطبية التي تسهم في تحسين نتائج العلاج وتخفيف الألم بشكل كبير.
المصادر التي استُعين بها في كتابة المقال:
- De Quervain’s tenosynovitis. NHS Foundation Trust.
- DE QUERVAIN’S TENOSYNOVITIS. THE SPORTS MEDICINE PATIENT ADVISOR
- De Quervain’s Disease. Patient Information Therapy Services.
- What Is De Quervain Tenosynovitis? AMERICAN SOCIETY FOR SURGERY OF THE HAND
- De Quervains Tenosynovitis. East Sussex Healthcare, NHS Trust
- De Quervain’s Tenosynovitis Rehabilitation Exercises. The University Hospital of Columbia and Cornell