تُعد جراحة السمنة خطوة حاسمة في علاج البدانة المفرطة، إلا أنّ النجاح لا يتوقف عند غرفة العمليات، فمرحلة ما بعد الجراحة تتطلب التزاماً بنمط حياة صحي يشمل التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم. يبرز دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة كعنصر أساسي في خطة التعافي، حيث أنه يساعد في تقوية العضلات، وتحسين القدرة على الحركة والوقاية من المضاعفات مثل الجلطات أو ضعف التوازن من خلال برامج مخصصة يشرف عليها مختصون، يسهم العلاج الفيزيائي في تسريع التعافي، وتحسين القدرة الوظيفية، وقد يساعد في تعزيز نتائج العملية على المدى البعيد، وتمكين المريض من استعادة نشاطه وثقته بنفسه.
ما هو العلاج الفيزيائي؟
العلاج الفيزيائي هو تخصص طبي يهدف إلى تحسين القدرة على الحركة، وتخفيف الألم وتقوية العضلات وذلك باستخدام تمارين موجهة وتقنيات تعتمد على التحفيز الفيزيائي مثل الحرارة والبرودة، أو الموجات فوق الصوتية، يُستخدم العلاج الفيزيائي في التعامل مع مجموعة متنوعة من الحالات، كالإصابات العضلية، ومشكلات القلب والرئتين، وضعف الحركة بعد الجلطات أو حتى لتحسين التنفس والقدرة البدنية بعد العمليات الجراحية.
يختلف دور العلاج الفيزيائي قبل الجراحة عن بعدها، قبل الجراحة يركّز العلاج على تهيئة الجسم وتعزيز اللياقة القلبية التنفسية، ما يُسهّل الجراحة ويسرّع الشفاء. أما بعد الجراحة، فيهدف إلى استعادة الحركة تدريجياً ومنع المضاعفات مثل الجلطات أو تيبس المفاصل، وتحسين تحمل الجهد البدني. في كلتا الحالتين يعمل الأخصائي الفيزيائي على وضع برنامج فردي يُناسب حالة كل مريض وظروفه الصحية.
التحديات بعد جراحة السمنة
رغم الفوائد الكبيرة للجراحة في علاج أضرار السمنة والأمراض الناتجة عنها، يواجه المرضى تحديات صحية بعد العملية مثل الخمول البدني، وضعف العضلات، ومشاكل التوازن والتنفس وضعف تحمل التمارين في البداية كما يعانون من نقص في بعض العناصر الغذائية المهمة مثل الحديد وفيتامين B12 وفيتامين D، مما يستدعي متابعة طبية مستمرة. تشمل المخاطر الأخرى احتمال حدوث جلطات دموية وعدوى ونزيف ومضاعفات جراحية مثل الفتق والقرح، وبالإضافة إلى ذلك يجب متابعة الحالات الصحية المصاحبة للسمنة خاصة أثناء فترة فقدان الوزن السريع.
لهذا السبب، يُعتبر دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة أساسياً لمواجهة هذه التحديات، من خلال استعادة الحركة، وتقوية العضلات، وتحسين التنفس مما يساعد في تقليل المضاعفات وتسريع التعافي.
متى يبدأ العلاج الفيزيائي بعد الجراحة؟
يختلف توقيت بدء دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة من شخص لآخر، ويعتمد على مدى استقرار الحالة الصحية بعد العملية، ومع ذلك يُوصى ببدء الحركة المبكرة في أقرب وقت ممكن للحد من مخاطر الجلطات الدموية والمضاعفات المرتبطة بالخمول. في العادة يحدّد الجراح وفريق التأهيل الطبي الوقت الأنسب لبدء العلاج، وغالباً ما يكون ذلك خلال الأيام الأولى بعد الجراحة أو فور استقرار الوضع الصحي، حيث أنّ البدء المبكر في إعادة التأهيل بعد جراحة البدانة لا يسرّع فقط عملية التعافي، بل يساهم أيضاً في استعادة القدرة الوظيفية وتعزيز نتائج الجراحة على المدى الطويل، ما يجعل العلاج الفيزيائي خطوة أساسية ضمن رحلة فقدان الوزن وتحسين جودة الحياة.
أهداف العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة
يُعدّ دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة محورياً في مرحلة التعافي، إذ لا يقتصر على المساعدة في الحركة فقط، بل يمتد ليشمل تحسين نمط الحياة بأكمله. يهدف هذا النوع من العلاج إلى استعادة النشاط البدني تدريجياً وتعزيز اللياقة العامة دون التسبب في ألم أو ضغط زائد على الجسم المتعافي. من أبرز أهداف إعادة التأهيل بعد جراحة البدانة:
- تحسين القدرة على الحركة ومساعدة المريض على النهوض والمشي بأمان.
- تحسين التنفس وتحمل الجهد، خاصة بعد فترة طويلة من الخمول المرتبط بالسمنة.
- تقوية العضلات تدريجياً للوقاية من خسارة الكتلة العضلية (Sarcopenia) المرتبطة بفقدان الوزن السريع.
- دعم فقدان الوزن بشكل مستدام من خلال برنامج تمارين فردي يساعد على تحسين قدرة الجسم على حرق السعرات الحرارية.
- تعزيز التوازن والتنسيق الحركي لتقليل مخاطر السقوط أو الإصابات.
- تحسين الحالة النفسية والتحفيز عبر تتبع التقدم وتحقيق الأهداف تدريجياً.
أهم التمارين والتقنيات المستخدمة
تُستخدم مجموعة من التمارين والتقنيات ضمن خطة إعادة التأهيل بعد جراحة البدانة لتساعد على استعادة النشاط البدني تدريجياً وتحقيق نتائج آمنة وفعالة. يبدأ البرنامج عادةً بالمشي الخفيف خلال ساعات من الجراحة ويتطور لاحقاً حسب قدرة المريض، وأبرز التمارين تتضمن:
- التمارين الهوائية منخفضة الشدة: مثل المشي والدراجة الثابتة لدعم فقدان الوزن وتُزاد المدة تدريجياً حتى الوصول إلى 30 دقيقة يومياً، حسب قدرة المريض.
- تمارين تقوية العضلات: بالاعتماد على وزن الجسم، للحد من فقدان الكتلة العضلية خلال النزول السريع في الوزن.
- تمارين التنفس: لتحسين كفاءة الرئتين بعد العملية وتعزيز القدرة على الجهد خصوصاً بعد التخدير وفترة قلة النشاط البدني التي تسبق الجراحة.
- التمارين المائية: تُستخدم في المراحل المتأخرة من التأهيل(بعد 4 _ 6 أسابيع)، عادة بعد التئام الجروح لتقليل الضغط على المفاصل وتحفيز الحركة للمرضى الذين يعانون من آلام المفاصل أو السمنة الشديدة، حيث يخفف الماء من الضغط على الجسم.
إلى جانب التمارين، قد تُستخدم تقنيات داعمة (ولكنها ليست أولوية في إعادة التأهيل)، مثل التدليك، أو التحفيز الكهربائي، ويمكن استخدام العلاج بالحرارة والبرودة لتخفيف الألم وتحسين الدورة الدموية، جميع هذه الوسائل تُدمج ضمن خطة شخصية يشرف عليها اختصاصي العلاج الفيزيائي لضمان السلامة والفعالية.

فوائد العلاج الفيزيائي طويلة المدى
لا يقتصر دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة على مرحلة التعافي المبكر فقط، بل يشمل تحسين الصحة العامة والوقاية من المضاعفات على المدى الطويل، وضمن برامج إعادة التأهيل بعد جراحة البدانة يلعب العلاج الفيزيائي دوراً محورياً في ترسيخ أسلوب حياة نشط ومستقر، ومن أبرز فوائده:
- تقليل الألم المزمن خاصة في الظهر والمفاصل، من خلال التمارين العلاجية والتقنيات مثل العلاج الحراري أو التحفيز الكهربائي.
- تحسين الصحة النفسية، حيث أنّ النشاط البدني يعزز من الثقة بالنفس ويقلل مشاعر الإحباط أو القلق المرتبطة بتغيرات الجسم بعد الجراحة.
- تعزيز القدرة على الالتزام بنمط حياة صحي من خلال بناء روتين منتظم من التمارين اليومية والممارسات الآمنة للحفاظ على الوزن.
- الوقاية من المضاعفات المزمنة مثل ضمور العضلات، أو محدودية الحركة، أو التدهور في التوازن والتنسيق الحركي.
- تسريع التعافي بعد أي تدخل جراحي لاحق حيث يُظهر المرضى الذين يواظبون على العلاج الفيزيائي تعافياً أفضل ومعدلات عودة أسرع إلى الأنشطة اليومية.
توصيات لمرضى جراحة السمنة حول العلاج الفيزيائي
لضمان فاعلية دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة، يُنصح المرضى بالالتزام المستمر بالجلسات وعدم التوقف عند الشعور بتحسن مؤقت، لأن التحسن الفعلي يتطلب وقتاً وتدرجاً، من المهم أن يكون البرنامج مصمماً خصيصاً من قبل مختص لكل مريض واحتياجاته، وأن يتم تتبّع التقدم بانتظام لتعديل التمارين بما يتناسب مع استجابة الجسم، كما يُعد التنسيق مع الفريق الطبي ضرورياً لضمان تكامل الخطة العلاجية، إلى جانب أهمية الدعم النفسي والاجتماعي سواء من العائلة أو مجموعات الدعم لتحفيز المريض على الالتزام بأسلوب حياة نشط، بالإضافة إلى أنّ تجنّب الخمول بعد انتهاء برنامج العلاج يساعد كذلك في الحفاظ على نتائج الجراحة وتحقيق تعافٍ مستدام.
أخيراً، إنّ دور العلاج الفيزيائي بعد جراحة السمنة ليس مجرد مرحلة إضافية، بل عنصر أساسي في نجاح العملية على المدى البعيد، فهو يساعد المرضى على استعادة قدرتهم الحركية، وتعزيز فقدان الوزن وتبنّي نمط حياة صحي ونشيط، والاستمرار في النشاط البدني بعد التعافي هو المفتاح الحقيقي للحفاظ على نتائج الجراحة وتحسين جودة الحياة.
المصادر:
- Klein, A. M., Guh, D. P., & Padwal, R. S. (2020). Benefits and risks of bariatric surgery: A systematic review and meta-analysis. International Journal of Obesity, 44(1), 76–85.
- National Health Service. (n.d.). Physiotherapy. NHS.