مع التقدم السريع في تقنيات التصوير والتصميم الرقمي، برز جهاز تقويم العظام ثلاثي الأبعاد، كأحد الابتكارات الثورية التي غيرت الطريقة التقليدية في تصميم وتصنيع الأجهزة التقويمية، حيث أثبتت الدراسات الأولية فعالية هذه الأجهزة في تحسين النتائج الوظيفية وجودة الحياة، مقارنة بالتقويم التقليدي، ومع تزايد الاهتمام البحثي والسريري بهذا المجال، أصبح من الضروري دراسة أبعاده التطبيقية والطبية بشكل كامل.
ما هو تقويم العظام ثلاثي الأبعاد؟
يعد تقويم العظام ثلاثي الأبعاد تقنية حديثة تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصميم وصنع أجهزة تقويم مخصصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في العظام والمفاصل أو إصابات عضلية هيكلية، حيث تعتمد هذه التقنية على مسح دقيق لجسم المريض أو الجزء المصاب، ثم يتم تحويل هذا المسح إلى نموذج رقمي يستخدم لتصميم جهاز تقويم يناسب البنية التشريحية للمريض، ويتم طباعة الأجهزة التقويمية بمواد خفيفة ومتينة، مما يجعل الجهاز مريحاً وفعالاً أكثر بالمقارنة مع الأجهزة التقليدية.
ما هي الأجهزة التي يمكن تصنيعها بواسطة تقويم العظام ثلاثي الأبعاد؟
يمكن من خلال تقنية تقويم العظام ثلاثي الأبعاد تصميم الأجهزة التالية:
- الدعامات (Braces): مثل دعامات الركبة، الكاحل، أو المعصم لتثبيت المفاصل ودعمها أثناء التعافي.
- الأطراف الاصطناعية (Prosthetics): أطراف صناعية مخصصة مثل اليد أو القدم تطبع حسب شکل واحتياجات المريض.
- الجبائر (Splints): لتثبيت العظام المكسورة أو المفاصل المصابة مؤقتاً.
- أحذية تقويمية (Orthotic Insoles): نعال مخصصة لدعم القدم وتصحيح مشاكل المشي.
- أجهزة دعم العمود الفقري (Spinal Orthoses): مثل دعامات الظهر التي تصمم لتقويم التشوهات مثل الجنف.

كيف تعمل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم أجهزة تقويم العظام؟
قد تختلف بعض الخطوات في سير العمل الرقمي في تصميم أجهزة تقويم العظام ثلاثية الأبعاد، لكن الخطوات الأساسية تبقى نفسها.
جمع بيانات المريض
الخطوة الأولى في تصميم أجهزة التقويم المخصصة هي الحصول على بيانات تشريحية عالية الدقة باستخدام تقنيات التصوير الطبي ثلاثي الأبعاد، حيث يمكن الحصول على هذه البيانات باستخدام ماسح ثلاثي الأبعاد محمول، أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو الرنين المغناطيسي (MRI)، بعد ذلك يتم تقسيم البيانات وتحويلها إلى شبكات سطحية رقمية تستخدم في عمليات التصميم التالية.
توليد التصميم
اعتماداً على حالة الاستخدام واستراتيجية التخصيص ستقوم هذه التقنية بتصميم نموذج للجهاز وفقاً لمستوى الأتمتة المختار، ومن التصميم اليدوي الفردي إلى الأجهزة المتطابقة مع المريض بشكل كامل ومؤتمت، كما في هذه المرحلة ستقوم أيضاً بتصميم أي أدوات مخصصة ضرورية لتوصيل الجهاز إلى المريض، ويجب أن يضع المريض في اعتباره أنّ عملية التصميم مهمة بقدر أهمية المنتج النهائي لأنها تدعم الامتثال لأفضل الممارسات والبروتوكولات الطبية.
التصنيع
يمكن استخدام التصنيع الإضافي (AM) لإنتاج أجهزة التقويم مباشرةً أو بشكل غير مباشر من خلال إنشاء أدوات مخصصة لعملية التصنيع الرئيسية بشكل عام، ويفضل النهج المباشر عند إنشاء أجهزة تحتوي على ميزات لا يمكن تحقيقها إلا عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد، أما من الناحية الاقتصادية، فإن الطريقة غير المباشرة قد تكون أكثر فعالية عند الإنتاج بكميات كبيرة.
تسليم الجهاز للمريض
نظراً لأنّ الجهاز مصمم ليتناسب مع التشريح الفريد للمريض، فإنّ تركيب الجهاز ينبغي أن يكون بسيطاً نسبياً بينما قد تتطلب أجهزة التقويم الجاهزة تعديلاً أثناء عملية التركيب.
أبرز فوائد تقويم العظام ثلاثي الأبعاد
يتمتع تقويم العظام ثلاثي الأبعاد بعدة ميزات وفوائد، تجعله مميزاً عن غيره من التقنيات، منها:
- التخصيص الدقيق: يصمم الجهاز ليتوافق بدقة مع التشريح الفريد لكل مريض، مما يعزز الراحة والفعالية العلاجية.
- سرعة الإنتاج: تقليل كبير في وقت التصنيع مقارنة بالطرق التقليدية التي تعتمد على الجبائر اليدوية والقوالب.
- خفة الوزن والتهوية: تطبع الأجهزة بمواد خفيفة الوزن ومسامية، ما يقلل من التعرق ويسمح بارتدائها أثناء الاستحمام أو السباحة.
- تقليل التكاليف على المدى الطويل: حيث يقل استخدام المواد والهدر، وتلغي الحاجة لعدة مراحل يدوية (مثل التشكيل واللصق).
- إمكانية التكرار وإعادة التصنيع بسهولة: يتم حفظ التصميم الرقمي، مما يسمح بطباعة جهاز بديل بسرعة في حال تلف أو فقدان الجهاز الأصلي.
- مرونة التصميم: يمكن تعديل النماذج الرقمية بسهولة، وتجريب تصاميم متعددة دون الحاجة لنماذج مادية أولية.
- تحسين نتائج العلاج: بفضل الدقة العالية في التلاؤم والدعم الموجه، يمكن أن تسهم هذه الأجهزة في تسريع الشفاء وتحسين الوظيفة الحركية.
من هم المرضى الذين يستفيدون من تقويم العظام ثلاثي الأبعاد؟
يوجد عدد كبير من المرضى الذين يمكنهم الاستفادة من تقويم العظام ثلاثي الأبعاد، ومن الحالات المرضية المستفادة ما يلي:
- مرضى الكسور: خصوصاً كسور الطرف العلوي، حيث تستخدم جبائر ودعامات ثلاثية الأبعاد لتثبيت الكسر بطريقة مريحة ودقيقة.
- مرضى الجنف وتشوهات العمود الفقري: حيث يستخدم تقويم العمود الفقري ثلاثي الأبعاد لدعم حالات الجنف وفرط التحدب خصوصاَ عند الأطفال والمراهقين.
- إصابات اليد والأطراف: مثل تمزق الأوتار أو إصابات المفاصل، إذ تستخدم جبائر لتثبيت المفصل في وضع معين لتحسين التعافي.
- مرضى الشلل الدماغي أو إصابات الحبل الشوكي: في سياق إعادة تأهيل مرضى الشلل الدماغي لتوفير دعم وظيفي للأطراف المصابة وتحسين وضعية الحركة.
- مرضى القدم المسطحة: من خلال النعال التقويمية ثلاثية الأبعاد لتصحيح توزيع الضغط وتحسين المشي.
- مرضى بتر الأطراف: حيث تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم أطراف صناعية مخصصة بدقة لتتناسب مع الطرف المبتور.

الفرق بين تقويم العظام ثلاثي الأبعاد وتقويم العظام العادي
يتميز تقويم العظام ثلاثي الأبعاد عن تقويم العظام العادي بعدة مميزات منها، استخدام التصنيع الرقمي في إنتاج أجهزة التقويم، حيث يقلل بشكل كبير من وقت تنفيذ المنتج، إذ تتطلب العمليات التقليدية قوالب وجبائر تصنع عادةً يدوياً بواسطة الفنيين، مما يجعلها أبطأ وأقل دقة من نظيراتها الرقمية، أما بالنسبة للتكاليف، يقلل التصنيع الرقمي من تكاليف المواد عن طريق إلغاء الحاجة إلى بعض المواد والمكونات، إذ ما يتضمن الإنتاج التقليدي عادةً لأجهزة التقويم عدة خطوات كثيفة مثل الصب، والتشكيل، واللصق، والتي تتطلب مواد باهظة التكلفة.
أما في حالة الطباعة ثلاثية الأبعاد، فلا يستخدم إلا الكمية اللازمة من المادة، مما يؤدي إلى توفير كبير في المواد، وأخيراً، يوفر التصنيع الرقمي مرونة أكبر في التصميم مقارنة بالطرق التقليدية، مما يسمح للمصممين بإجراء تعديلات سريعة دون الحاجة إلى إنتاج نماذج أولية متعددة، كما يمكن تكرار سير العمل الرقمي بسهولة، مما يتيح إدخال بیانات مرضی جدد بسرعة لتوليد تصاميم مسبقة الاعتماد.
مستقبل تقويم العظام ثلاثي الأبعاد مع تقنيات الذكاء الاصطناعي والطباعة الحيوية
يمثل دمج تقنيات تقويم العظام ثلاثي الأبعاد مع الذكاء الاصطناعي (AI) والطباعة الحيوية مستقبلاً واعداً في مجال الرعاية الصحية التخصصية للمرضى المصابين بتشوهات أو اضطرابات في الجهاز العضلي الهيكلي، حيث تعتمد النماذج الحديثة على تحليل بيانات المرضى ثلاثية الأبعاد باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتوليد تصاميم تشريحية دقيقة وشخصية للأجهزة التقويمية مع توقعات محسنة لنتائج العلاج، حيث تعمل أنظمة التعلم الآلي على تحسين تصميم الأجهزة بمرور الوقت عبر تحليل آلاف الحالات السريرية السابقة وتقديم حلول مبنية على الأدلة.
في الوقت ذاته، تستخدم تقنيات الطباعة الحيوية في الأبحاث المتقدمة لإنتاج هياكل داعمة من مواد بيولوجية (مثل الهيدروجيل أو الخلايا الجذعية) التي يمكن أن تدمج مع العظام أو الغضاريف التالفة، مما يفتح آفاقاً جديدة في تقويم العظام التجديدي، وتشير الدراسات الحديثة إلى إمكانية تصنيع دعائم داعمة مزروعة حيوياً تتفاعل مع الجسم بيولوجياً وتتحلل تدريجيا مع الزمن.
في الختام، يمثل تقويم العظام ثلاثي الأبعاد تطوراً جوهرياً في الرعاية العضلية الهيكلية، حيث يوفر حلولاً دقيقة ومخصصة بفضل التكامل بين التصوير الرقمي، والتصميم المحوسب، والطباعة ثلاثية الأبعاد، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي والطباعة الحيوية، يتجه المستقبل نحو أجهزة أكثر كفاءة وذكاء، مما يعزز جودة الرعاية وسرعة الاستجابة للاحتياجات الفردية.
المصادر:
- American Academy of Orthotists and Prosthetists. (2021, July 29). Position statement on 3D printed orthoses and prostheses. In Provision of 3D printed orthoses and prostheses. AAOP.
- Beygi, B. H., & Wong, M. S. (2023,December 22). Contemporary and future development of 3D printing technology in the field of assistive technology, orthotics and prosthetics. Canadian Prosthetics & Orthotics Journal, 6(2), 42225.