تعد الوحمة الدموية من أكثر التشوهات الجلدية شيوعاً، إذ تظهر لدى ما يقارب 4–5% من الأطفال حديثي الولادة، ورغم أنها أورام حميدة تميل غالباً إلى التراجع مع مرور السنوات الأولى من العمر، إلا أن بعض الحالات قد تستمر أو تسبب مضاعفات وظيفية وجمالية تستدعي التدخل الطبي. بفضل التطور الحديث، أصبحت هناك وسائل علاج متعددة تشمل الأدوية، أو العلاج بالليزر، أو التدخل الجراحي عند الضرورة، مما يمنح المرضى فرصاً أكبر للحصول على نتائج آمنة وفعّالة.
ما هي الوحمة الدموية؟
الوحمة الدموية (Hemangioma) هي ورم وعائي حميد ينشأ نتيجة تكاثر غير طبيعي في خلايا بطانة الأوعية الدموية. غالباً ما تظهر عند الأطفال حديثي الولادة خلال الأسابيع الأولى من العمر، وقد تُلاحظ منذ الولادة مباشرة في نحو ثلث الحالات، وتُعتبر من أكثر التشوهات الجلدية شيوعاً. تظهر الوحمات عادةً على سطح الجلد كلطخة حمراء أو وردية إذا كانت سطحية، بينما تميل إلى اللون الأزرق أو البنفسجي عند وجودها في طبقات أعمق، ويتركز نحو 80% منها في منطقة الرأس والوجه والرقبة، مع إمكانية ظهورها أيضاً في الصدر أو البطن أو الأطراف.
رغم أنَ الوحمات الدموية أورام حميدة لا تتحول عادةً إلى أورام خبيثة، لكنها قد تكبر بسرعة أو تتعرض للنزيف إذا أصيبت برضّ، مما يستدعي أحياناً التدخل الطبي خاصة عند تموضعها في أماكن حساسة قد تؤثر على الرؤية أو التنفس.

أسباب وعوامل خطر الوحمة الدموية
يُعتقد أن السبب الرئيسي لظهور الوحمات الدموية هو حدوث خلل أو طفرة جينية أثناء نمو الجنين تؤدي إلى تكاثر غير طبيعي في خلايا بطانة الأوعية الدموية. وعلى الرغم من أن السبب الدقيق ما زال غير مفهوم تماماً، إلا أن هناك عوامل تزيد من احتمالية الإصابة، أبرزها:
- الجنس: تصيب الوحمات الإناث بمعدل أكبر يصل إلى 3–5 مرات مقارنة بالذكور.
- الولادة المبكرة: يزداد احتمال الإصابة عند الأطفال الخدّج.
- نقص الوزن عند الولادة: يُلاحظ ارتفاع معدل الإصابة إلى نحو 26% عند الرضّع منخفضي الوزن.
أنواع الوحمة الدموية
تختلف الوحمات الدموية في شكلها وخصائصها بحسب نوع الأوعية الدموية المصابة وعمقها داخل الجلد، ومن أكثر الأنواع شيوعاً:
- وحمة الفراولة (Strawberry Hemangioma): وحمة مرتفعة بلون أحمر ساطع تشبه سطح حبة الفراولة، تظهر خلال الأسابيع الأولى من العمر وتنمو بسرعة قبل أن تبدأ بالتراجع تدريجياً.
- وحمة بورت واين (Port Wine Stain): بقعة مسطحة بلون أحمر داكن أو خمري تظهر منذ الولادة بسبب توسع غير طبيعي في الأوعية الشعرية، وتتميز بأنها لا تزول مع الوقت.
- قبلة الملاك (Angel Kiss): بقعة سطحية وردية أو حمراء صغيرة تظهر غالباً على الجبين أو الجفن العلوي، وتميل للاختفاء تلقائياً خلال السنوات الأولى.
- وحمة اللقلق (Stork Bite): بقعة مؤقتة غالباً ما تظهر في مؤخرة الرقبة أو على فروة الرأس، وتختفي تدريجياً خلال الطفولة المبكرة.
- الوحمات الداخلية: قد تنشأ في الأعضاء الداخلية مثل الكبد، وتُعرف بالوحمات الكبدية، وغالباً تُكتشف بالصدفة أثناء الفحوصات الشعاعية.
أعراض ومضاعفات الوحمة الدموية
في معظم الحالات لا تسبب الوحمات الدموية أي أعراض خطيرة وتبقى مجرد مشكلة تجميلية، لكن قد تظهر بعض المضاعفات تبعاً لمكانها وحجمها، من أبرزها:
- النزيف: قد تتعرض الوحمة للنزف عند تعرضها لرضّ أو خدش.
- القرحات الجلدية: أحياناً تتشكل تقرحات مؤلمة على سطح الوحمة خاصة عند الرضع.
- المشكلات الوظيفية: إذا وُجدت الوحمة قرب العين أو الأنف أو الفم فقد تعيق الرؤية أو التنفس أو الرضاعة.
- التشوه التجميلي: تمثل بعض الوحمات مصدر قلق نفسي واجتماعي خاصة عند تموضعها في الوجه أو الرقبة.
- الاستمرار أو التضخم: رغم أن معظم الوحمات تميل للتراجع مع الوقت، إلا أن بعضها قد يستمر في النمو ويحتاج إلى علاج طبي.
تشخيص الوحمة الدموية
يعتمد تشخيص الوحمات الدموية في معظم الحالات على الفحص السريري من قبل الطبيب المختص، حيث يمكن تمييزها بسهولة من مظهرها وشكلها، وقد يطلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات التصويرية للتأكد من طبيعة الوحمة وتحديد عمقها وعلاقتها بالأنسجة المحيطة، مثل:
- التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار): يساعد على تقييم تدفق الدم داخل الوحمة.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يُستخدم في الحالات المعقدة أو عند الشك بوجود إصابة في الأعضاء الداخلية.
- الخزعة النسيجية: نادراً ما تُجرى، وتُستخدم فقط للتمييز بين الوحمة الدموية وأورام أخرى مشابهة في الشكل.
طرق علاج الوحمة الدموية
تميل معظم الوحمات الدموية إلى التراجع تدريجياً حتى تختفي غالباً خلال سن 5–7 سنوات من العمر. مع ذلك، قد تستمر بعض الحالات بالنمو أو تسبب مضاعفات تستدعي التدخل الطبي. يحدد الطبيب طريقة العلاج الأنسب بناءً على عمر المريض، ونوع الوحمة، وحجمها ومكانها.
العلاج الدوائي
يُعتبر البروبرانولول (Propranolol) العلاج الدوائي الأساسي حالياً، حيث يعمل على تقليص حجم الوحمة وتقليل نموها بشكل فعّال وآمن. يعطى الدواء عن طريق الفم بجرعات مضبوطة وتحت متابعة طبية دقيقة، وتختلف مدة العلاج من حالة لأخرى.
العلاج بالليزر
يُعد الليزر من أكثر الطرق شيوعاً وفعالية لعلاج الوحمات السطحية، ويُستخدم في ذلك جهاز Pulsed Dye Laser (PDL) المعروف باسم ليزر الصبغة النبضي. يعمل هذا الجهاز على استهداف الأوعية الدموية المصابة بدقة عالية وتخثيرها دون إلحاق ضرر بالأنسجة السليمة المحيطة.
غالباً ما يحتاج المريض إلى سلسلة من الجلسات تتراوح بين 10 و15 جلسة حتى تتراجع الوحمة تدريجياً وتختفي، وتشير الدراسات إلى أن بدء العلاج في وقت مبكر يزيد من فرص نجاحه، إذ أظهرت النتائج شفاءً كاملاً في حوالي 25.9% من المرضى وتحسناً ملحوظاً لدى أكثر من 40% منهم. رغم أن العلاج بالليزر يُعتبر آمناً إلى حد كبير، إلا أنه قد يسبب أحياناً حروقاً سطحية بسيطة أو تغيراً مؤقتاً في لون الجلد، خصوصاً عند البشرة الحساسة.

العلاج بالحقن (التصليب)
تعتمد هذه التقنية على حقن مادة مصلبة داخل الأوعية الدموية غير الطبيعية المكوّنة للوحمة، مما يؤدي إلى تصلبها وانكماشها تدريجياً حتى تختفي، ويتم الحقن عادةً تحت توجيه الأشعة فوق الصوتية لضمان الدقة ومنع إصابة الأنسجة السليمة المحيطة.
يُشبه هذا الأسلوب إلى حد كبير تقنية علاج الدوالي بالتصليب، حيث يُستخدم المبدأ نفسه لإغلاق الأوردة المتوسعة في الساقين، وبالمقارنة مع الخيارات الأخرى، يُعد التصليب خياراً فعالاً لبعض أنواع الوحمات العميقة أو الكبيرة، خاصة عند عدم الاستجابة للعلاج الدوائي أو الليزر.
العلاج بالرغوة
يُعد العلاج بالرغوة شكلاً متطوراً من تقنية التصليب، حيث يتم خفق المادة المصلبة مع الهواء أو ثاني أكسيد الكربون لتكوين رغوة كثيفة، تُحقن هذه الرغوة داخل الأوعية الدموية غير الطبيعية المكوّنة للوحمة، فتعمل على إتلاف بطانتها الداخلية وإغلاقها تدريجياً مما يؤدي إلى انكماش الوحمة وتحسن المظهر الخارجي للجلد مع مرور الوقت.
تمنح هذه الطريقة ميزة إضافية تتمثل في قدرتها على الانتشار داخل الأوعية بشكل أفضل من الحقن السائل، مما يجعلها مناسبة لعلاج الوحمات الدموية الكبيرة أو متعددة الفروع الوعائية.
العلاج الجراحي
يُجرى التدخل الجراحي لعلاج الوحمات الدموية في الحالات النادرة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي أو الليزر أو الحقن، أو عندما تكون الوحمة كبيرة وعميقة وتسبب مشكلات وظيفية أو تشوهات واضحة. يقوم الجراح في هذه الحالة بإزالة الأوعية الدموية المصابة جراحياً للتخلص المباشر من الوحمة.
رغم فعالية هذا الإجراء، إلا أنه لم يعد الخيار الأول في العلاج بفضل التطور الكبير في استخدام الأدوية والليزر، حيث يُفضل الأطباء تجنب الجراحة إلا عند الضرورة القصوى. كما أن النتائج قد تختلف بحسب حجم الوحمة ومكانها، مع احتمال ترك ندبات أو حدوث نزف بعد العملية.
تقنيات أخرى
بالإضافة إلى العلاجات الأساسية، توجد بعض التقنيات الحديثة التي يمكن أن تُستخدم في مراكز متقدمة لعلاج أنواع معينة من الوحمات الدموية، مثل:
- التخثير بالأشعة تحت الحمراء (IRC): حيث تُولّد حرارة عالية تؤدي إلى تخثر الأوعية الدموية غير الطبيعية وانكماشها تدريجياً حتى تزول مع الوقت.
- العلاج بالتبريد (Cryotherapy): يعتمد على تعريض الوحمة لدرجات حرارة منخفضة جداً باستخدام غاز مثل النيتروجين السائل، ما يؤدي إلى تدمير الأوعية الدموية غير الطبيعية.
تُعد هذه الأساليب خيارات مساعدة أو بديلة في بعض الحالات الخاصة، لكنها ليست العلاج الأول مقارنةً بالدواء أو الليزر.
في الختام، تُعد الوحمات الدموية من الحالات الشائعة التي يلاحظها الأهل في السنوات الأولى من حياة الطفل، وغالباً ما تتراجع تدريجياً مع النمو. مع ذلك، قد تستمر بعض الوحمات أو تسبب أعراضاً تستدعي التدخل العلاجي، ومع تنوع الوسائل الطبية المتاحة يمكن السيطرة على معظم الحالات بفعالية وأمان عند التشخيص المبكر والمتابعة المنتظمة.
المصادر:
- Kahn, A. (2024, May 6). Hemangioma: Symptoms, diagnosis, and treatment. Healthline.
- MedlinePlus. (2024, October 14). Hemangioma. U.S. National Library of Medicine.