تمر جميع أشكال الإدمان بمراحل من التجريب إلى الاستخدام المنتظم ثم إلى الاستخدام عالي الخطورة وفي النهاية يصل المريض إلى الإدمان الكامل، ومن هذا المنطلق فإنه ليس من المستغرب أن يكون التخلص من السلوك الإدماني ليس فورياً أيضاً.
إن عملية التعافي تتضمن مجموعة من آليات التأقلم المكتسبة التي يجب تنفيذها على فترات ومراحل متعددة، وقد تكون الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لأي شخص تحقيق الامتناع الدائم هي الحصول على مساعدة مهنية.
إن فهم مراحل علاج الإدمان يمكن أن يكون إنقاذ للمدمنين وأسرهم، حيث يجب فهم كل مرحلة بوضوح بعد التعرف على المشكلة والاعتراف بها.
أهمية علاج الإدمان بشكل صحيح
الهدف الأساسي من العلاج هو تحقيق الامتناع عن الحالة الإدمانية تجاه أي شيء أو مادة أو فعل والحفاظ على السلامة النفسية.
تنبع أهمية علاج الإدمان بطريقة منهجية وأكاديمية من خطر النكس العالي في معظم الأمراض الإدمانية، حيث قد يكون العلاج غير الملائم سبباً لعودة الإدمان بشكل أقوى من حالته قبل العلاج مما يؤدي إلى صعوبة علاج الإدمان في المرة القادمة، الأمر الذي يشكل تحديات مادية ونفسية إضافية على المريض وصعوبة في تدبير الحالة بالنسبة للطبيب.
مراحل علاج الإدمان من المخدرات
على الرغم من صعوبة التخلص من الإدمان وتعقيده، إلا أن اتباع نهج صحيح للعلاج يساعد على ارتفاع نسبة العلاج لتقارب ال 95% عند المرضى الملتزمين. يتم تقسيم الرحلة العلاجية إلى خمس مراحل منفصلة:
المرحلة الأولى: التقييم والتشخيص
لا يمكن البدء بالخطة العلاجية قبل الحصول على تقييم شامل للمريض وحالته والحصول على تشخيص دقيق ومناسب.
يتطلب تشخيص إدمان المخدرات تقييماً شاملاً يتضمن تقرير الطبيب النفسي. تُستخدم اختبارات الدم أو البول أو غيرها من الاختبارات المخبرية لتقييم تعاطي المخدرات، لكنها ليست اختبارات موثوقة لتشخيص الإدمان يمكن استخدامها لمراقبة العلاج والتعافي.
لتشخيص إدمان المخدرات يجب بالإضافة إلى دراسة قصة المريض وسماع آراء عائلته استخدام المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
المرحلة الثانية: التخلص من السموم (الديتوكس)
يكفي تشخيص المرض من قبل الطبيب للبدء فوراً في مرحلة إزالة السموم أو ما يسمى بالعلاج الانسحابي. يهدف هذا العلاج إلى التوقف عن تناول المخدرات بأسرع ما يمكن وبأمان دون آثار جانبية خطيرة.
قد يكون من الآمن الخضوع للعلاج بالانسحاب في العيادات الخارجية ولكن قد يحتاج بعض المرضى إلى الدخول إلى المستشفى. ينتج الانسحاب من فئات مختلفة من العقاقير مثل المنشطات أو المواد الأفيونية آثاراً جانبية مختلفة ويتطلب طرقاً مختلفة. قد تتضمن إزالة السموم تقليل جرعة العقار تدريجياً أو استبداله بمواد أخرى مؤقتاً، مثل الميثادون أو البوبرينورفين.
يتطلب استبدال المخدرات بمواد أخرى للعلاج من الإدمان الحصول على موافقة من الطبيب ويجب الامتناع عن تناولها بدون مراجعة الطبيب.
المرحلة الثالثة: العلاج النفسي والتأهيل السلوكي
إن هذه المرحلة تحديداً تشكل تحدي كبير في الرحلة العلاجية وذلك لأنها تعتمد بشكل كبير على وعي المريض وقدرته على الالتزام بالخطة العلاجية، لذلك لابد من إدخال العلاج النفسي والتأهيل السلوكي كجزء من الرحلة العلاجية.
يتم إجراء العلاج السلوكي بواسطة الطبيب النفسي وقد يجرى العلاج مع فرد أو أسرة أو مجموعة. تكون مهمة المعالج في هذه المرحلة:
- مساعدة المريض في تطوير طرق جديدة للتعامل مع الرغبة الشديدة في المخدرات
- اقتراح استراتيجيات لتجنب المخدرات ومنع الانتكاس
- تقديم اقتراحات حول كيفية التعامل مع الانتكاس إذا حدث
- التحدث عن القضايا المتعلقة بالوظيفة والعمل والمشاكل القانونية والعلاقات مع الأسرة والأصدقاء
- إشراك أفراد الأسرة لمساعدتهم على تطوير مهارات التواصل والدعم بشكل أفضل
المرحلة الرابعة: العلاج الدوائي
قد يوصي الطبيب النفسي بالأدوية كجزء من الخطة العلاجية لعلاج الإدمان. يمكن لهذه الأدوية أن تقلل من الرغبة الشديدة في تناول المواد الأفيونية وقد تساعد على تجنب الانتكاس. قد تشمل خيارات علاج الإدمان دوائياً لإدمان المواد الأفيونية البوبرينورفين والميثادون والنالتريكسون ومزيج من البوبرينورفين والنالوكسون.
المرحلة الخامسة: الدعم الاجتماعي وإعادة الإدماج
غالباً ما يكون تعاطي المخدرات تجربة معزولة يتفرد بها المريض لنفسه. تعد مشاعر الوحدة عامل خطر مهم لتعاطي المواد المخدرة. عندما يصبح الناس مدمنين على الكحول أو المخدرات، فإنهم يميلون إلى الانجذاب نحو مجموعات من الأشخاص الذين يتعاطون نفس المواد. هذا النمط الاجتماعي يديم دورة الإدمان ويجعل من الصعب على الشخص طلب العلاج حتى عندما يدرك حاجته إليه.
يبرز هنا دور الأسرة والمجتمع في دعم المتعافي من خلال فصل المتعاطي عن مجتمعه الذي يدعمه على هذه السلوكيات الخاطئة ومساعدته على الاندماج في المجتمع المنتج والإيجابي.
أعراض الإدمان الشائعة
تختلف أعراض الإدمان من شخص لآخر وتعتمد على المادة المُدمَن عليها والحالة الصحية للمدمن. تشمل الأعراض غالباً ما يلي:
- عدم القدرة على التوقف: قد يستخدم الأشخاص مادة ما أو ينخرطون في سلوك إدماني ضار على الرغم من تعدد المحاولات للتوقف. غالباً يكذب المرضى المدمنون على عائلاتهم بشأن ذلك أو يحاولون إخفاءه.
- زيادة التعود: بمرور الوقت قد يحتاجون إلى المزيد من المادة أو النشاط للشعور بنفس التأثيرات المبهجة التي كانت تظهر لديهم سابقاً.
- التركيز الشديد على المادة أو النشاط: يصبح الأشخاص المدمنون مشغولين بشكل مرضي بالمادة أو النشاط.
- الافتقار إلى السيطرة: قد يشعرون وكأنهم فقدوا السيطرة الكاملة وغالباً ما يشعرون بالعجز والذنب والاكتئاب.
- أعراض الانسحاب: قد يعاني المدمنون من أعراض انسحاب عاطفية وجسدية عندما يتوقفون عن الاستخدام. تشمل الأعراض الجسدية الارتعاش أو التعرق أو القيء.
كيفية اختيار مركز علاج الإدمان المناسب
مركز علاج الإدمان في تركيا هو مرفق علاج للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الإدمان التي تتضمن إدمان الكحول أو المخدرات. يذهب بعض الأشخاص بشكل دوري هذه المراكز للحصول على علاج مناسب بينما يعيش آخرون في مركز لفترة معينة حتى يتم العلاج بشكل كامل. إليك بعض النصائح التي تساعدك على اختيار المركز المناسب لك:
تحديد الاحتياجات الأولية
قبل أن التفكير في المركز الذي سيذهب المريض إليه لإعادة التأهيل، يحتاج أولاً إلى فهم ما الذي يتطلع إليه بالضبط. يجب إعداد قائمة ببعض الرغبات التي قد تجعل العلاج أكثر راحة، حيث تقدم كل منشأة خدمات ووسائل راحة مختلفة عن الأخرى.
استكشاف مستويات الرعاية
إن إيجاد مستوى مناسب من الرعاية أمر بالغ الأهمية لفعالية العلاج، لذا فمن المهم أولاً فهم الخيارات المتاحة. يبدأ العديد من المرضى رحلة علاجهم بإزالة السموم.
ينتقل العديد من المرضى بعدها إلى إعادة التأهيل الداخلي أو الخارجي. تتوفر مستويات متعددة من الرعاية ضمن هذين النوعين من علاج الإدمان.
البحث عن خيارات ومواقع علاج الإدمان وتحديد الأنسب منها
بمجرد فهم الاحتياجات والمستويات المختلفة للرعاية المتاحة فإنه الوقت لاستكشاف الخيارات الموجودة وإنشاء قائمة بالمراكز التي توافق المعايير والاحتياجات الشخصية للمريض نفسه.
الفرق بين الديتوكس والعلاج الشامل
الديتوكس أو إزالة السموم هي عملية تطهير الجسم من المخدرات أو الكحول التي استهلكها الفرد. الغرض من إزالة السموم هو إدارة أعراض الانسحاب بأمان عندما يتوقف شخص ما عن تناول المخدرات أو الكحول. كل شخص لديه تجربة مختلفة مع إزالة السموم حسب نوع المخدر ومدة استخدامه.
تساعد الأدوية المستخدمة في إزالة السموم على إبقاء المدمنين السابقين مرتاحين أثناء مرحلة خروج المخدرات من أجسامهم مما يؤمن انسحاب بأخف الأعراض الجانبية الممكنة.
العلاج الشامل يتضمن الديتوكس بالإضافة لنهج شامل من العلاج السلوكي والنفسي والمتابعة والدعم الاجتماعي.
أهمية العلاج النفسي في التعافي
يعد العلاج النفسي أحد أكثر الطرق فعالية في علاج الإدمان والتغلب عليه نهائياً. يوفر هذا الشكل من العلاج بيئة آمنة ومريحة حيث يمكن للمرضى التحدث عن صراعاتهم وتحديد الأسباب الجذرية لإدمانهم. يمكن للمرضى من خلال العمل مع معالج مدرب تعلم آليات التأقلم وتقنيات إدارة الشهوات وطرق جديدة للتعامل مع محفزاتهم. يمكن للعلاج النفسي أيضاً أن يساعد المرضى على تطوير عقلية إيجابية وبناء المرونة وتحسين احترامهم لذاتهم. يمكن مع العقلية والتوجيه الصحيحين أن يكون التعافي من الإدمان عملية تحويلية تؤدي إلى حياة أكثر سعادة وصحة.
أدوية مستخدمة في علاج الإدمان
يوجد عدد من الأدوية تختلف بحسب نوع الإدمان المادة المُدمَن عليها:
- الأفيونات: الميثادون والبوبرينورفين والنالتريكسون ممتد المفعول واللوفيكسيدين
- النيكوتين: علاجات استبدال النيكوتين (متوفرة على شكل لصقة أو جهاز استنشاق أو علكة) والبوبروبيون والفارينيكلين
- الكحول: النالتريكسون وديسلفرام وأكامبروسيت
كيف يمكن للأسرة دعم المتعافي؟
يلعب دعم الأسرة دوراً حاسماً في علاج الإدمان بالنسبة للعديد من الأفراد، فهو يوفر التشجيع العاطفي والأخلاقي اللازم لمواصلة عملية التعافي. تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات لديهم نتائج تعافي أفضل عندما يقدم أفراد أسرهم دعماً إيجابياً.
لا يؤثر تعاطي المخدرات على الفرد فحسب بل يؤثر أيضاً على أسرته. يمكن أن يلحق الضرر ببنية الأسرة والعلاقات ويترك وراءه الشعور بالذنب والغضب والخوف واليأس. إن إدراك أن الإدمان ليس مجرد قضية فردية ولكنه أزمة عائلية أمر ضروري لتوفير علاج فعال. تعد استراتيجيات التأقلم وتعزيز ديناميكيات الأسرة الصحية الداعمة أمراً بالغ الأهمية في مكافحة الإدمان.
فيما يلي بعض أنواع الدعم التي يمكن للأسرة أن تقدمه:
- الدعم العاطفي: غالباً ما يرتبط إدمان المخدرات والكحول بالوحدة والعزلة والشعور بالذنب. يمكن لأفراد الأسرة تقديم الدعم العاطفي من خلال التعاطف والتفهم. يساعد توفير الاستقرار العاطفي والتفهم الشخص المتعافي على الشعور بالاهتمام والأمان ويطمئنهم إلى أنهم ليسوا وحدهم في معركتهم.
- المساءلة والمتابعة: يمكن لأفراد الأسرة أن يعملوا كشركاء في المساءلة من خلال تعزيز المسؤولية الشخصية والتشجيع على البقاء ملتزمين بالتعافي، حيث يساعد أفراد الأسرة في الحفاظ على تحفيز المريض على الالتزام بخطة التعافي الخاصة بهم.
- الفهم: تتوصل الأسر التي تشارك في برامج العلاج الأسري أو العلاج إلى فهم تعقيدات الإدمان والتعافي ويكتسبون نظرة ثاقبة لما يمر به المريض مما يعزز الصبر والتعاطف والحب.
- تعزيز السلوكيات الإيجابية: يمكن للأحباء تشجيع التغييرات الإيجابية، وتعزيز احترام الفرد لذاته ومعنوياته وثقته في التعافي.
- الأمل: تمنح الأسرة الدعم القوي الفرد وتعطيه الأمل في التعافي.
كيفية تجنب الانتكاس بعد العلاج
إن مهارات منع الانتكاس ضرورية لتعلم كيفية العيش حياة طبيعية في مرحلة التعافي. إن التعافي من الكحول أو المخدرات الأخرى هو عملية نمو للشخصية يتضمن مراحل من التطور. في أي مرحلة من مراحل التعافي هناك خطر الانتكاس مما يجعل معرفة وفهم مهارات منع الانتكاس أمراً بالغ الأهمية، وتشمل أفضل مهارات لمنع الانتكاس ما يلي:
- العناية الذاتية: تتضمن أعراض الانسحاب الحادة الشائعة عند التعافي من الإدمان الأرق والتعب. من خلال ممارسة التمارين الرياضية واتباع نظام غذائي متوازن يمكن للمرء تحسين جودة حياته ونومه، ويمكن القيام بذلك من خلال إعداد جدول منظم للنوم والتمارين وتناول الطعام واتباعه.
- استراتيجية HALT: إن كلمة HALT هي اختصار لـ (الجوع والغضب والوحدة والتعب). كلما شعر المريض برغبة في التعاطي أو شعر بالقلق أو الانزعاج، اسأل نفسك عما إذا كنت تشعر بأي من هذه الأعراض. المحفزات الأكثر شيوعًا للعديد من مدمني الكحول والمدمنين المتعافين هي الجوع والغضب والشعور بالوحدة والشعور بالتعب. ومن خلال إجراء جرد منتظم لـ HALT، يمكن للمرء المساعدة في منع خطر الانتكاس.
- التأمل: وهو مفهوم يعلم الأفراد أن يصبحوا أكثر وعياً بذواتهم حتى يصبحوا أكثر قدرة على التعامل مع المحفزات المحتملة للانتكاس.
قد يكون الخوف من الانتكاس هاجس مرهق للعديد من المرضى، ومع ذلك لا يجب أن يكون سبباً للتوتر عندما يكون المريض مستعداً تماماً بمجموعة أدوات من استراتيجيات التأقلم الصحية لمواجهة هذا النكس.
إن فهم المشكلة والمعطيات التي تواجه مريض الإدمان في رحلته العلاجية هو حجر الأساس لنجاح هذه الرحلة. إن تطبيق تقنيات منع الانتكاس يومياً يمكن أن يساعد بشكل كبير في تقليل خطر الانتكاس.
لا تنسَ التواصل مع خبراء الطب النفسي في مركز بيمارستان للحصول على المزيد من المعرفة عن برامج علاج الإدمان للمرضى سواءً في مراكز علاج الإدمان أو في العيادات الخارجية.
المصادر: