يعد الهيروين من أخطر أنواع المخدرات حيث يسبب مشاكل خطيرة ليست فقط على المستوى النفسي، بل تمتد آثاره الجانبية على المستوى الصحي أيضاً، مما دفع الحكومات والمنظمات الدولية إلى ضرورة علاج إدمان الهيروين والحد من إنتشاره.
يسبب الهيروين كوارث ضخمة صحية وإجتماعية على مستوى العالم، حيث بلغ عدد الأشخاص الذين يتعاطوا الأفيونات بما في ذلك الهيروين حوالي 61 مليون شخص، يتوفى منهم 120 ألف حالة سنوياً بسبب جرعة زائدة من الأفيونات، معظمها مرتبط بالهيروين.
ما هو الهيروين؟
يتكون الهيروين من مركب كيميائي يدعي (ثنائي أسيتيل المورفين – Diacetylmorphine)، وهو يعد من المخدرات الخطيرة التي تسبب إدماناً شديداً، وقد يؤدي تعاطيها إلى الإعتماد الجسدي والنفسي مع رغبة قوية في التعاطي، ينتمي لفئة المخدرات الأفيونية التي تشمل أيضاً المورفين والكوديين، يتم تصنيعه من نبتة الخشخاش الأسيوي، حيث يؤدي تعاطي الهيروين إلى الشعور بالإبتهاج والراحة من الآلام الجسدية.
تختلف أشكال تعاطي الهيروين، حيث يتم تعاطيها بطرق مختلفة تشمل الإستنشاق والتدخين والحقن الوريدي، ويعاني مستخدمين الحقن الوريدي من مخاطر عالية بالإصابة بالأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية أو ما يعرف بالإيدز (HIV) والتهاب الكبد الفيروسي من النوع B أو C، بالإضافة للعدوى الجرثومية للجلد والدم وبطانة القلب (التهاب شغاف القلب).

كيف يعمل الهيروين في الجسم؟
بعد أن يدخل الهيروين الجسم يتحول إلى مورفين في الدماغ الذي يرتبط بالمستقبلات الأفيونية مما يؤدي إلى تسكين الألم والشعور بالنشوة، ويقوم بزيادة إفراز الدوبامين بكميات كبيرة من مراكز المكافئة بالدماغ.
تكمن خطورة الإستخدام المزمن للهيروين إلى تطور ظاهرة التحمل الدوائي، حيث يقوم الجسم بتقليل إستجابته للجرعة المعتادة، مما يدفع المتعاطي إلى زيادة الجرعة للحصول على التأثير المطلوب، وعند التوقف عن التعاطي سيصاب المدمن بأعراض انسحابية تكون شديدة وخطيرة على صحته النفسية.
أعراض إدمان الهيروين وتأثيراته على الجسم
تختلف أعراض إدمان الهيروين وتتنوع تأثيراته تبعاً للعديد من العوامل، منها قوة الجرعة وحجم الشخص وحالته الصحية والنفسية، بالإضافة إلى أيّة أدوية أو مخدرات تم تناولها في نفس الوقت، حيث تزداد تأثيرات الهيروين عند أخذ الحبوب المنومة والمهدئات أو تعاطي الكحول، يشعر متعاطوا المخدرات بالنشوة عند تعاطي الهيروين يتبعها عدد من التأثيرات قصيرة المدى مثل:
- موجة من المشاعر الممتعة وتخفيف الآلام الجسدية
- ثقل في الأطراف
- انخفاض في درجة حرارة الجسم
- تضيق حدقة العين
- فقدان الرغبة الجنسية
- جفاف الفم
لا تنطوي أعراض الهيروين وتأثيراته على المدى القصير، بل يوجد تأثيرات ناتجة عن الإستخدام طويل الأمد مثل:
- إمساك مزمن
- الالتهاب الرئوي
- خراجات في الجلد
- أمراض الكبد والكلى
- مشاكل في الخصوبة
- اضطرابات الدورة الشهرية
- ضعف في الإنتصاب
بالإضافة لما سبق، من أعراض إدمان الهيروين الاضطرابات النفسية التي تتميز باضطراب دماغي مزمن يتسم بما يلي:
- الإستمرار في التعاطي رغم العواقب السلبية
- يصبح تعاطي الهيروين هدف المريض الأساسي في الحياة
- تراجع الأداء الوظيفي والإجتماعي
- تتأثر القدرة في إتخاذ القرارات
طرق علاج إدمان الهيروين
توجد مجموعة متنوعة من طرق علاج الإدمان للهيروين الفعالة، تهدف هذه الطرق في إستعادة الوظائف الطبيعية للدماغ وإعادة السلوك الطبيعي للمريض، وتضم العلاج الدوائي والعلاج النفسي، حيث أثبتت كلا الطريقتين فعاليتها في علاج إدمان الهيروين، إلا أنّ جمع الطريقتين مع بعضهما جاء بنتائج ممتازة وأكثر فعالية لكثير من المرضى.
علاج إدمان الهيروين الدوائي
أثبتت الدراسات العلمية فعالية العلاج الدوائي في القضاء على أعراض إدمان الهيروين، حيث يزيد من فعالية البرنامج العلاجي ويقلل من تعاطي الهيروين والسلوك العدواني وانتقال الأمراض المعدية، يقوم العلاج الدوائي بإزالة السموم مما يفيد في تخفيف الرغبة والأعراض الجسدية التي تدفع المريض إلى الإنتكاس، توجد 3 أنواع للأدوية المستخدمة في علاج إدمان الهيروين وهي:
- ناهضات (Agonists): تنشط مستقبلات الأفيون.
- ناهضات جزئية (Partial agonists): تنشط المستقبلات بشكل جزئي.
- مضادات (Antagonists): تحجب المستقبلات الأفيونية.
ما يلي مجموعة من الأدوية المستخدمة في علاج إدمان الهيروين:
- الميثادون: دواء ناهض أفيوني صناعي يمنع تأثير الهيروين لمدة 24 ساعة، يؤخذ عن طريق الفم ليصل إلى الدماغ ببطء، مما يخفف من النشوة مع منع أعراض الإنسحاب، يتوفر الميثادون فقط عن طريق برامج علاجية معتمدة، حيث يتم توزيعه على المرضى يومياً، يستخدم الميثادون منذ ستينات القرن العشرين ولا يزال خياراً علاجياً مناسبأ للمرضى الذين لا يستجيبون للأدوية الأخرى.
- البوبرينورفين: ناهض أفيوني جزئي، يخفف الرغبة القوية في التعاطي بدون نشوة أو أيّة آثار جانبية، ويعد السوبوكسون نوع جديد من البوبرينورفين، يؤخذ عن طريق الفم أو تحت اللسان، إذ يحتوي على النالوكسون الذي يعد مضاد أفيوني لمنع المريض من محاولات التعاطي بالحقن، فإذا حاول حقن النالكسون ستظهر أعراض الإنسحاب، ولا تحدث عند تناوله عن طريق الفم.
- النالتريكسون: مضاد أفيوني، حيث يمنع من تأثير الأفيونات ولا يسبب الإدمان أو التهدئة، ولا يؤدي إلى الإعتماد الجسدي.
علاج إدمان الهيروين النفسي
تتوفر مجموعة من العلاجات النفسية لعلاج إدمان الهيروين، ويقدم العلاج النفسي إما في العيادات الخارجية أو في المراكز السكنية، ومنها الإدارة الطارئة والعلاج المعرفي السلوكي، وأثبتت هذه الطرق فعاليتها في العلاج خصيصاً عند إستخدامها بالتزامن مع الأدوية.
الإدارة الطارئة
تعتمد الإدارة الطارئة على نظام المكافئة والحوافز يعتمد على القسائم، يحصل المريض مقابل النتائج السلبية في فحوصات المخدرات على نقاط، التي من الممكن استبدالها بمواد تدعم نمط حياته الصحي.
العلاج المعرفي السلوكي لعلاج إدمان الهيروين
يقوم العلاج المعرفي السلوكي بتعديل توقعات المريض وسلوكه المتعلق بتعاطي المخدرات، مع تعزيز المهارات اللازمة للتعامل مع الضغوط الحياتية المختلفة.

مدة خروج الهيروين من الجسم
تختلف مدة بقاء الهيروين في الجسم بناءً على عوامل متعددة، منها ما يتعلق بطريقة التعاطي ومنها ما يتعلق بطبيعة جسم المريض وحجمه، و تختلف أيضاً فترة بقائه في أجهزة الجسم، حيث يتم كشف الهيروين من خلال إختبار كشف المخدرات، ما يلي أنواع اختبارات كشف الهيروين:
- اختبارات الدم: الإختبار الأكثر دقة، يستخدم في حالات الطوارئ والتحقيقات، يستطيع كشف الهيروين بعد إستخدامه من بضع ساعات إلى يوم واحد.
- اختبارات البول: تكشف عن مستقلبات الهيروين، يستخدم في البيئات الطبية، ويكشف عن الهيروين لمدة تصل إلى 3 أيام بعد إستخدامه
- اختبارات الشعر: تقوم بكشف الإستخدام المزمن وطويل الأمد للهيروين حيث تكون قادرة على كشف الهيروين بعد 90 يوم من إستخدامه.
يتحكم معدل استقلاب الهيروين في مدة بقائه في جسم المريض ويعد العامل الرئيسي في فهم خصائصه المسببة للإدمان، إذ يتأثر معدل الاستقلاب بالعديد من العوامل التي تحدد سرعة معالجة الجسم للمادة من أجل إخراجها، من هذه العوامل ما يلي:
- التركيب الجيني: يختلف التركيب الجيني من شخص إلى آخر، يؤدي هذا الإختلاف إلى تباين معدلات الإنزيمات بين المرضى مما يؤثر على معدل الاستقلاب.
- العمر: ينخفض معدل الاستقلاب مع التقدم في العمر مما يؤدي إلى زيادة مدة بقاء الهيروين ومستقلباته عند كبار العمر.
- الوزن ومستوى الترطيب: تؤثر هذه العوامل الفردية في إخراج المواد من الجسم وبالتالي تؤثر في مدة بقاء الهيروين.
- الوضع الصحي: تتحكم وظائف الكبد والكلى بشكل كبير في استقلاب المواد، إذ يمكن للأمراض التي تصيب هذه الأعضاء أن تبطئ من عملية الاستقلاب.
- الإستخدام المنتظم: يؤدي إلى تحمل الدواء وبالتالي تغير قدرة الجسم على الاستقلاب.
أعراض الانسحاب وكيفية التعامل معها
في بعض الأحيان يمكن التخلص من انسحاب الهيروين بأمان في منزل المريض في حال توفر الدعم الكافي، ولكن يمنع الانسحاب المنزلي في حال تواجد حالات طبية غير مستقرة مثل أمراض القلب والحالات النفسية غير المستقرة مثل الاضطرابات النفسية الحادة، وهنالك بعض الحالات التي تتطلب احتياطات خاصة مثل الحمل والإدمان متعدد المخدرات، توجد عدة أعراض انسحابية عند علاج إدمان الهيروين منها أعراض جسدية مثل:
- الأرق والصداع
- غثيان وقيء وفقدان للشهية
- تعرق وقشعريرة
- الإسهال
- تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم
- آلام عضلية ومفصلية
ومنها أعراض نفسية مثل:
- الاكتئاب
- تقلبات المزاج
- رغبة شديدة في التعاطي
- القلق والتوتر والعصبية
استراتيجيات التعامل مع أعراض الانسحاب
من أهم طرق علاج الهيروين معرفة كيفية التعامل مع أعراض إنسحابه من الجسم، إذ من الضروري تقديم الرعاية الدائمة من قبل الأطباء من خلال تقديم معلومات عن كيفية انسحاب الهيروين وتقديم الإستشارة النفسية عند الحاجة، وإعطاء المريض نظام غذائي متكامل من خلال شرب كميات كافية من الماء يومياً (2-3 لتر) و تناول وجبات خفيفة منتظمة وصحية مع تجنب الكافيين والكحول، بالإضافة إلى الأدوية المساعدة في تخفيف الأعراض مثل مضادات الإقياء ومضادات الإسهال ومسكنات الألم.
لا بد أيضاً من المتابعة اليومية للمريض من قبل الطبيب وإمكانية تعديل خطة العلاج حسب استجابة المريض.

دور الدعم الاجتماعي والأسري في التعافي من الإدمان
يلعب الدعم المجتمعي والأسري دوراً قوياً في علاج إدمان الهيروين والتخلص منه، إذ تزداد فرصة التعافي بنسبة 40-60% عند وجود بيئة حاضنة وداعمة للمريض، ومن أبرز الأدوار ما يلي:
- دور الأسرة: من خلال التفهم العاطفي وتقليل الشعور بالعزلة والمشاركة في العلاج عبر حضور جلسات العلاج الأسري من أجل تعلم كيفية التعامل مع المحفزات والانتكاسات، بالإضافة إلى توفير بيئة آمنة من خلال إزالة المخدرات من المنزل وضبط سبل الوصول إلى الأدوية التي من الممكن إدمانها.
- الدور المجتمعي: عن طريق توفير مجموعات الدعم التي تقدم نماذج إيجابية وتجارب مختلفة لعملية التعافي، وتقديم الرعاية اللاحقة من خلال برامج المتابعة المجتمعية التي تمنع العودة إلى الإدمان.
أهمية البرامج التفاعلية والمجتمعية في العلاج والتعافي
تقوم البرامج التفاعلية والمجتعية بدور حاسم في علاج إدمان الهيروين والمخدرات بشكل عام، وخاصة عند الإصابة بالإضطرابات النفسية ومن أجل إعادة التأهيل الإجتماعي، ما يلي من ابرز أدوار هذه البرامج:
- تعزيز الدعم الإجتماعي
- تحفيز الإلتزام بالعلاج
- بناء هوية جديدة إيجابية
- الحد من الانتكاسة
- تمكين الفرد
من المنطلق السابق، يجب على المريض أن يكون على دراية تامة بمخاطر إدمان الهيروين والمخدرات الأخرى ويتجنب العوامل التي تؤدي إلى النكوس بعد العلاج، حيث يجب على الأسرة والمجتمع تقديم المساعدة في علاج المريض ومساعدته في استعادة حياته الطبيعية.
المصادر:
- .Centers for Disease Control and Prevention. (2023, March 21). Heroin. U.S. Department of Health & Human Services
- .National Institute on Drug Abuse. (2021, April). Heroin drug facts. National Institutes of Health
- .Drug Enforcement Administration. (n.d.). Heroin. U.S. Department of Justice