الكيتامين هو مخدر تم تطويره في ستينات القرن الماضي لاستخدامه في الجراحات كمخدر عام، ومع مرور الوقت اكتشف الباحثون أن له خصائص فريدة تتجاوز الاستخدامات الجراحية في مجال الطب النفسي والآلام المزمنة. رغم فوائده الطبية يعتبر الكيتامين أيضاً مادة مثيرة للجدل بسبب إمكانية إساءة استخدامه وتأثيره الإدماني عند تعاطيه خارج الإطار العلاجي.
ينتشر بكثرة في العالم، ففي هونغ كونغ ارتفعت نسبة مستخدميه من %9.8 في عام 2000 إلى %37.6 في عام 2009 مع زيادة ملحوظة بين الشباب دون سن 21 عاماً، وأظهرت دراسات في المملكة المتحدة شملت 274 مستخدماً للكيتامين منتظماً أن %60 منهم عانوا من مشاكل في المثانة أو الأنف، و%56 عانوا من تقلصات عضوية.
ما هو الكيتامين؟
الكيتامين هو دواء مخدر انفصالي مفكك للترابط ذو تأثيرات مهلوسة قادر على تشويه الإدراك الحسي وإضفاء شعور بالانفصال عن الذات والبيئة وفقدان السيطرة على النفس، وهو يُستخدم على نطاق واسع في جراحات الأطفال والطب البيطري. تم تصنيفه كمادة خاضعة للرقابة من الجدول الثالت في الولايات المتحدة مما يجعله غير قانوني للاستخدام غير الطبي. يمكن أن يحفز حالة من التخدير والهدوء والاسترخاء، وعدم الحركة وتخفيف الألم وفقدان ذاكرة مؤقت خلال استخدام المخدر. الكيتامين يعمل بشكل مختلف عن أدوية التخدير الأخرى، فهو لا يسبب انخفاضاً حادًا في ضغط الدم أو التنفس، وهو الأمر الذي يجعله خياراً مفضلاً في غرف الطوارئ والعمليات الجراحية خصوصاً لدى المرضى غير المستقرين.
يتم حالياً البحث في هذا المخدر لعلاج الاكتئاب من خلال استخدامه في التجارب السريرية. أظهرت أيضاً بعض الدراسات أن له تأثيرات سريعة في تقليل أعراض الاكتئاب الحاد خصوصاً عند المرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية، وهو دواء يساء استخدامه ويستعمل بشكل غير قانوني لأغراض ترفيهية بسبب خصائصه المهلوسة. يوجد في الأسواق السوداء على شكل سائل شفاف أو مسحوق أبيض أو يضغط أحياناً على شكل كبسولات.
كيف يعمل الكيتامين في الجسم؟
الكيتامين يعمل بشكل أساسي على مستقبلات تسمى NMDA (N-Methyl-D-Aspartate receptors) في الدماغ، وهي جزء من النظام العصبي المسؤول عن نقل الإشارات بين الخلايا العصبية. عند تثبيط هذه المستقبلات يقلل الكيتامين من فرط النشاط العصبي المرتبط بالألم أو الاكتئاب. هذا التثبيط يحفز أيضاً زيادة في إفراز الغلوتامات، وهو ناقل عصبي سريع يساهم في تشابك الخلايا العصبية مما يعيد تنظيم الشبكات العصبية المتضررة من الاكتئاب.
بسبب هذا التثبيط في NMDA يشعر الشخص بتجربة منفصلة عن الواقع والجسد، وهي خاصية تستخدم في العلاج النفسي للتحرر من الصدمات. لا يثبط المخدر إشارات الألم فقط بل يغير طريقة تفسير الدماغ لهذه الإشارات، والذي يساعد في تسكين الحالات المزمنة الي يكون فيها الألم غير مرتبط بمشكلة جسدية مباشرة (آلام الأعصاب أو الألم المزمن بدون سبب عضوي واضح).

الاستخدامات الطبية للكيتامين
يتم استعماله بكثرة وبشكل كبير في الممارسات الطبية الحديثة أهمها:
- التخدير العام (General Anesthesia): يستخدم منذ ستينات القرن الماضي كمخدر في العمليات الجراحية وفي الطوارئ بشكل خاص والمواقف التي لايمكن استخدام أدوية تخدير تقليدية، ويتميز بأنه آمن نسبيًا في الجراحات العامة والميدانية.
- تسكين الألم (Pain Management): يستخدم بجرعات منخفضة لتخفيف الألم الحاد أو المزمن خاصة في آلام الأعصاب والألم بعد الجراحة، وآلام السرطان المتقدمة، وقد يستخدم كبديل أو مكمل للمورفين.
- علاج الاكتئاب المقاوم (Treatment-Resistant Depression): في السنوات الأخيرة تمت الموافقة على استخدام الكيتامين، وخاصة رذاذ الأنف (Esketamine – Spravato) لعلاج حالات الاكتئاب الشديد التي لا تستجيب للطرق التقليدية حيث يتم إعطاءه في عيادات متخصصة وتحت مراقبة طبية دقيقة.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): حيث أظهرت دراسات حديثة أن الكيتامين يساعد في تقليل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بفضل تأثيره على الذاكرة والانفصال عن التجارب الصادمة.
- القلق الحاد والاضطرابات النفسية الأخرى: يستعمل تجريبياً في علاج اضرابات القلق العام، واضرابات الوسواس القهري (OCD) عندما تفشل العلاجات الأخرى.
- الاستخدام في طب الأطفال والطب البيطري: يستخدم بأمان في عمليات الأطفال وفي العمليات البيطرية للحيوانات نظرًا لفعاليته وسرعة مفعوله.
الاستخدامات غير الطبية للكيتامين وأخطار التعاطي
الاستخدامات غير الطبية للكيتامين أصبحت محور قلق عالمي متزايد خاصة بسبب انتشاره في أوساط الشباب والحفلات كمخرد ترفيهي. فهو يستخدم كمخدر للحصول على تجربة منفصلة عن الواقع والجسد بسبب تأثيره العصبي، ويستخدم في الحفلات بسبب تأثيره السريع والمفصول عن الواقع. بعد أخذ المخدر بفترة قصيرة يمكن أن يتعرض المتعاطي لمخاطر قصيرة الأمد مثل مشاكل في التعلم والذاكرة والهلوسة وارتفاع ضغط الدم والأرق والقلق.
الفرق بين الاستخدام الطبي والتعاطي غير القانوني للكيتامين
يعد التمييز بين الاستخدام الطبي المشروع والتعاطي غير القانوني ضرورياً للكيتامين لمعرفة فوائده وتجنب مخاطر الوقوع في مشاكل قانونية. أهم هذه الفروق:
الاستخدام وجانب المقارنة | الهدف | الرقابة | الجرعة | السلامة |
الاستخدام الطبي | حالات طبية محددة مثل التخدير والألم المزمن | تحت إشراف طبي مباشر | دقيقة ومدروسة | يتم تقييم المريض ومراقبة العلامات الحيوية أثناء العلاج |
الاستخدام غير الطبي | للحصول على النشوة وحالة الانفصال عن الواقع | بدون إشراف طبي أو وعي بالمخاطر | عشوائية | خطر كبير على الصحة العقلية والجسدية |
هل يسبب الكيتامين الإدمان؟
نعم يمكنه أن يسبب الإدمان في حال الاستخدام غير الطبي أو لفترات طويلة، فهو يسبب إدمان نفسي ويحفز مراكز المتعة في الدماغ مما يؤدي إلى شعور بالنشوة، والذي يجعل المستخدمين يرغبون في إعادة التجربة، فيبدأ حينها الاعتماد النفسي. مع الاستخدام المتكرر سيحتاج المدمن إلى جرعات أعلى لتحقيق التأثير ذاته بسبب تعود الدماغ على الجرعة السابقة، وهو الأمر الذي يزيد خطر الإدمان فيصبح الشخص مدمناً للكيتامين، ويصبح عنده سلوك روتيني يومي.
علامات التحذير من إدمان الكيتامين
علامات التحذير من إدمانه تظهر تدريجياً، وقد لا تكون واضحة في البداية لكنها تصبح أكثر وضوحاً مع استمرار التعاطي. تبدأ العلامات على شكل رغبات قوية وملحة للتعاطي وصعوبة التوقف رغم المعرفة بالأضرار والاستخدام المتكرر دون مبرر طبي، وفي حال أخذ جرعة مفرطة يمكن أن تشاهد علامات مثل عدم القدرة على الحركة مع عضلات متشنجة، وضغط دم مرتفع وفقدان للوعي. ظهور بعض هذه العلامات أو كلها يتطلب تقييماً طبياً ومحاولة جادة للتوقف لأن الاستخدام المفطر من الممكن أن يؤدي إلى الوفاة.
الأعراض الجسدية والنفسية لإدمان الكيتامين
الأعراض الجسدية والنفسية للكيتامين متعددة وواسعة، فهي تؤثر على الدماغ والعضلات وحتى الجهاز البولي. هذه الأعراض هي:
الأعراض الجسدية للكيتامين
تبدأ الأعراض بمشاكل في المثانة والمسالك البولية من ألم وحرقان أثناء التبول والتبول المتكرر، ومن الممكن أن يصل الأمر إلى تلف دائم في المثانة مسببةً متلازمة مثانة الكيتامين. ويسبب أيضاً اضطرابات في الجهاز الهضمي من غثيان وإقياء، وفقدان الشهية. ويسبب أيضاً خلل في التوازن الحركي، وتغيرات في الرؤية والسمع، وتسارع ضربات القلب. الآثار الجسدية وخاصة المتعلقة بالمثانة تظهرمع التعاطي المزمن وعلى المدى المتوسط والبعيد
الأعراض النفسية للكيتامين
تبدأ الأعراض بالاعتماد العقلي ورغبة شديدة في تعاطي المخدر بشكل متكرر والشعور بفراغ بدونه. يحدث الاكتئاب بعد انتهاء مفعول المخدر والشعور بهبوط مزاجي حاد، ويحدث قلق ونوبات هلع بسبب الزيادة في التوتر والعصبية. يحدث أيضاً هلوسات ورؤية أو سماع أشياء منفصلة عن الواقع، وضعف في الذاكرة وسلوكات عدوانية ونوبات غضب. الآثار النفسية تبدأ بالظهور في وقت مبكر من التعاطي.
مخاطر تعاطي الكيتامين على المدى الطويل
تعاطي المخدر على المدى الطويل يسبب أضراراً صحية ونفسية خطيرة ودائمة أحياناً، وليس من الضرورة أن يتعاطى الشخص جرعات عالية من المخدر. هذه المخاطر تكون على شكل استرجاع ذكريات من الماضي (flashbacks)، وضعف في حاسة الشم وتغيرات في المزاج وضعف التركيز وتذكر الأحداث، واضرابات في وظائف الكبد أو الكلى وآلام في البطن وضعف في العضلات والتوازن.

علاج إدمان الكيتامين: طرق فعالة للتعافي
هنالك طرق علاج عديدة للكيتامين تتطلب نهجاً متكاملاً يجمع بين العلاج النفسي والدعم الطبي والتأهيل السلوكي لأنه غالباً ما يكون نفسي أكثر من جسدي. من أهم هذه الطرق:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): من أكثر العلاجات فعالية، ويساعد الشخص على فهم دوافع التعاطي وتغيير أنماط التفكير والسلوك.
- العلاج الجماعي وبرامج الدعم: وهي مجموعات دعم توفر بيئة آمنة للمشاركة، ويشعر المريض بأنه ليس وحده مما يزيد من فرص الثبات.
- المتابعة النفسية والطبية: لتقييم الأعراض النفسية المصاحبة (مثل القلق أو الاكتئاب)، وقد يوصف أدوية داعمة لتحسين المزاج أو النوم لكن لا يوجد دواء مخصص لإدمان الكيتامين حاليًا.
- برامج إعادة التأهيل: وهي مناسبة للحالات المتقدمة أو المدمنين الذين لا يستطيعون التحكم بأنفسهم مع توفير بيئة خالية من المحفزات مع رعاية طبية نفسية متواصلة.
- المتابعة طويلة الأمد والوقاية من الانتكاس والعلاج التكميلي.

دور العلاج النفسي والسلوكي في علاج إدمان الكيتامين
العلاج النفسي والسلوكي من أهم أسس التعافي من الإدمان لأنه لا يركز فقط على الامتناع بل على تغيير نمط التفكير والسلوك الذي يدفع الشخص للتعاطي. أبرز هذه الأساليب هو العلاج المعرفي السلوكي الذي يساعد المريض على التعرف على الأفكار المشوهة الي تبرر التعاطي وتغييرها بسلوكيات إيجابية، وتعزيز القدرة على مقاومة الرغبة في التعاطي وبناء روتين صحي يقلل من فرص الانتكاس، وبناء خطة لمنع الانتكاس عن طريق تعليم الشخص كيفية التعرف على المحفزات التي تؤدي إلى التعاطي وبناء خطة للتصرف الصحيح في حال الشعور بالرغبة بالتعاطي مجدداً.
أهمية الدعم الاجتماعي والأسري في عملية التعافي
تعتبر عملية الدعم الاجتماعي والأسري من العناصر الحاسمة في نجاح عملية التعافي واستمراره، وهي لا تقل أهمية عن العلاج الطبي والنفسي. تكمن هذه العملية عن طريق تقوية الدافع للتعافي، فوجود دعم من العائلة أو الأصدقاء المهتمين بالمريض يجعله يشعر بالاستقرار النفسي والعاطفي ويبعد الوحدة عنه، والتواصل الإيجابي يقلل من التوتر والاكتئاب ويعزز الصحة النفسية. المساعدة في الالتزام بالخطة العلاجية وبناء بيئة آمنة ومشجعة تمكن المريض من حضور الجلسات وتناول الأدوية، والبيئة الإيجابية تعزز من التعافي وتعلم الأسرة كيفية التعامل مع المريض بناء على علاقات صحية تدعم الشفاء.
أعراض الانسحاب من الكيتامين وكيفية التعامل معها
للكيتامين أعراض انسحاب ناتجة عن استخدامه لفترة طويلة مما يجعل عملية التعافي منه صعبة لأن الجسم يجب أن يعتاد على العمل بدونه مما يؤدي إلى أعراض كثيرة مثل الرغبة الشديدة في تناول الكيتامين وفقدان الشهية والتعب والخمول والتعرق والهزات والكوابيس وقلق شديد. هذه الأعراض تستوجب طرق للتعامل معها مثل الاستعانة بطبيب أو معالج مختص، والعلاج النفسي الفردي أو الجماعي، والراحة والتغذية الجيدة مع شرب كميات كافية من الماء وممارسة الرياضة الخفيفة تسهم في تنظيف الجسم وتحسين المزاج بشكل طبيعي. أعراض الانسحاب قد تستمر من عدة أيام إلى أسبوعين حسب مدة وكمية التعاطي.
الكيتامين دواء فعال يستخدم منذ سنوات في التخدير أثبت فعاليته مؤخرًا في علاج بعض الحالات النفسية مثل الاكتئاب المقاوم للعلاج. رغم فوائده الطبية إلا أن إساءة استخدامه قد تؤدي إلى الإدمان ومضاعفات صحية ونفسية خطيرة. التوعية بمخاطره والالتزام باستخدامه تحت إشراف طبي صارم هو السبيل لتحقيق الفائدة وتجنب الأضرار. إن فهم الكيتامين بشكل متوازن يفتح الباب أمام استخدامه الآمن ويمنع تحوّله من أداة علاجية إلى خطر صحي.
المصادر:
- Drug Enforcement Administration. (2020). Ketamine. U.S. Department of Justice
- Sassano-Higgins, S., Baron, D., Juarez, G., Esmaili, N., Gold, M., & Wilkins, J. (2024). Amphetamine abuse. In M. A. Weller (Ed.),StatPearls.StatPearls Publishing
- Healthdirect Australia. (n.d.). Ketamine