في ظل تنامي العروض والترويج المكثف، يتحول التسوق من نشاط اعتيادي إلى إدمان يؤثر سلباً على الصحة النفسية والمالية. أصبح إدمان التسوق أو الشراء القهري ظاهرة نفسية معقدة تتسم بالإنفاق المفرط والندم المتكرر، ما يخلق دوامة من التوتر والضغوط الحياتية. يستعرض هذا المقال الأسباب النفسية وراء هذا السلوك والأعراض المميزة له وأحدث الطرق السلوكية للعلاج التي تسهم في استعادة السيطرة وتقليل الأضرار.
ما هو إدمان التسوق؟
يعرف هذا الإدمان باسم “الشراء القهري” أو “هوس التسوق”، هو نوع من الإدمان السلوكي يرتبط بتحفيز عاطفي قوي، حيث يتمثل هذا الإدمان في رغبة مفرطة وجارفة للشراء، تتجاوز مجرد العادة أو الترفيه، حتى يفقد الشخص السيطرة على هذا السلوك بالرغم من العواقب السلبية المترتبة عليه. يعاني المصابون بهذا الإدمان من شعور بالمتعة والإثارة عند القيام بعمليات الشراء، إذ تساعد هذه المشاعر في تخفيف التوتر أو القلق أو الملل بشكل مؤقت، ولكن هذه الراحة النفسية لا تدوم، مما يدفعهم إلى تكرار الشراء بصورة مستمرة، ويتحول عند ذلك هذا السلوك إلى إدمان.
يكمن الفرق بين التسوق الطبيعي والشراء القهري في أن التسوق الطبيعي يحدث بناءً على حاجة فعلية أو للترفيه باعتدال، بينما الشراء القهري يكون اندفاعياً ومتحكماً في حياة الشخص، ويستمر حتى في حالات وجود مشكلات مالية أو توترات نفسية أو اضطرابات في العلاقات الاجتماعية التي قد تعتبر أحياناً عائقاً للتسوق الطبيعي. يُعتبر التسوق المفرط مشكلةً تستدعي العلاج عندما يبدأ في التأثير سلباً على حياة الفرد اليومية، سواء من خلال تراكم الديون أو تعكر صفو العلاقات الأسرية أو شعور مستمر بالذنب أو الخجل بعد الشراء أو فقدان السيطرة على الإنفاق رغم علمه بالأضرار. في هذه الحالة، يصبح علاج هذا الإدمان أمراً ضرورياً وعاجلاً.
أبرز أعراض إدمان التسوق
يتميز إدمان التسوق بنمط سلوكي قهري ومندفع يصعب السيطرة عليه، حيث يظهر هذا الإدمان من خلال مجموعة من الأعراض الواضحة التي تؤثر على حياة الشخص النفسية والاجتماعية والمالية، ومن أبرز أعراض إدمان التسوق:
- الشعور بالراحة النفسية المؤقتة بعد الشراء: كثير من المدمنين على التسوق يشعرون بنوع من السكينة أو التمكين أثناء عمليات الشراء، إذ يلجأ للتسوق كوسيلة للهروب من مشاعر القلق أو التوتر، لكن هذه الراحة لا تدوم طويلاً.
- الإنفاق المفرط ثم الشعور بالندم: يتكرر الإنفاق بشكل مفرط وغير محسوب، ما يؤدي إلى شعور سريع بالذنب أو الندم بعد إتمام عمليات الشراء.
- تراكم الديون أو إخفاء المشتريات عن الآخرين: نتيجة للإنفاق المتكرر، قد يعاني المدمن من مشاكل مالية حقيقية، مثل تراكم الديون، وقد يلجأ إلى إخفاء مشترياته عن العائلة أو الأصدقاء لتجنب الانتقاد أو المواجهة.
تترافق هذه الأعراض مع انشغال ذهني مستمر بالتفكير في التسوق وإنفاق المال، وعدم القدرة على التوقف حتى في مواجهة عواقب سلبية مثل تدهور العلاقات الأسرية أو التوتر النفسي. كما يزداد الإنفاق في أوقات الشعور بالضيق أو الحزن لأنه يمنح شعواً مؤقتاً بالفرح والنشوة. على المدى الطويل، تتحول هذه الحلقة المفرغة إلى مشكلة مزمنة، حيث تتفاقم مشاعر الذنب والخجل، ويصبح إدمان التسوق عائقاً حقيقياً يؤثر على جودة الحياة.

الآثار النفسية والمالية لإدمان التسوق
لا يقتصر الإدمان على مجرد إنفاق مفرط، بل يحمل آثاراً نفسيةً وماليةً عميقة تؤثر على جودة حياة الفرد بشكل شامل، حيث يرتبط هذا الإدمان بتعلق عاطفي قوي فيشعر المدمن بنشوة أو إثارة مؤقتة أثناء الشراء، تليها مشاعر الندم أو الذنب، مما يغذي دورة الإدمان ويجعل من التسوق وسيلة للهروب من الضغوط النفسية مثل التوتر والقلق والفراغ، كما أنه في كثير من الحالات، يلجأ مدمنو التسوق إلى شراء السلع بغرض تخفيف المشاعر السلبية كالقلق أو الاكتئاب، ما يمنحهم شعوراً مؤقتاً بالراحة والفرح، ومع مرور الوقت، تتحول هذه الحالة إلى عادة قهرية يصعب السيطرة عليها، ويستمر الإنفاق رغم تراكم الديون والمشاكل المالية.
تشير الدراسات إلى أن إدمان التسوق غالباً ما يتزامن مع اضطرابات نفسية أخرى، مثل اضطراب تعاطي المخدرات، حيث يُصاب ما يقرب من 40% من المرضى بحالة تشخيص مزدوج تشمل إدمان التسوق أو اضطرابات نفسية أخرى. ويتشابه إدمان التسوق مع إدمان المواد المخدرة في تأثيره على مركز المكافأة في الدماغ، مما يفسر السلوكيات القهرية والاندفاعية لدى المدمنين.
تشمل الآثار النفسية لإدمان التسوق القلق والاكتئاب نتيجة فقدان السيطرة على النفس والإنفاق، وتدني ثقة الفرد بنفسه لعدم قدرته على التوقف عن التسوق، كما يؤدي الإدمان إلى توتر العلاقات الزوجية والأسرية بسبب النزاعات المستمرة حول المال. أما الآثار المالية فتتمثل في الإنفاق المفرط الذي يؤدي إلى تراكم الديون واستخدام مفرط لبطاقات الائتمان وعدم القدرة على سداد الفواتير، إضافة إلى إخفاء المشتريات عن العائلة أو الأصدقاء لتجنب المواجهة والانتقاد.
لذلك، يمثل إدراك هذه الآثار النفسية والمالية مؤشراً حاسماً يستوجب التدخل العلاجي المبكر، لمنع تفاقم الحالة وضمان استعادة السيطرة على الحياة المالية والنفسية للفرد.
كيف يتم علاج إدمان التسوق؟
يعد إدمان التسوق اضطراب نفسي معقداُ يتطلب علاجاُ متخصصاً، نظراُ لما يحمله من مخاطر وتأثيرات على حياة الفرد، وبالرغم من كونه نوعاً خطيراُ من الإدمان السلوكي، إلا أن هناك العديد من الخيارات العلاجية الفعالة التي تساعد في السيطرة على هذا المرض والتغلب عليه. تشمل خطوات علاج الإدمان ما يلي:
تعديل السلوك من خلال العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي (CBT) العلاج الأكثر شيوعاً وفعاليةً في مواجهة هذا الإدمان، حيث يركز هذا العلاج على تحديد أنماط التفكير والسلوكيات غير الصحية التي تدفع إلى الشراء القهري، ويعمل على تطوير استراتيجيات تمكن المدمن من التحكم في رغباته وتقليل الاندفاع في التسوق، كما يمكن للعلاج الأسري أن يكون دعماً إضافياً مهماً، حيث يساهم في إصلاح العلاقات الأسرية وتعزيز الدعم النفسي للمدمن.

وضع ميزانية والالتزام بخطة مالية
نظراً لترابط إدمان التسوق بالمشاكل المالية، يعد وضع ميزانية واضحة والالتزام بخطة مالية منظمة من الخطوات الأساسية في العلاج، كما يساعد التعاون مع مستشار مالي في وضع أنظمة مالية وضوابط تمنع الإنفاق العشوائي، ويُشكل حاجزاً عملياً أمام التسوق المفرط، مما يسهل استعادة السيطرة على الموارد المالية.
تقنيات ضبط النفس والتحفيز الذاتي
تلعب تقنيات ضبط النفس والتحفيز الذاتي دوراُ هاماً في مقاومة الرغبة الملحة في التسوق، حيث تشمل هذه التقنيات ممارسة التنفس العميق وتغيير التركيز نحو أنشطة بديلة وتحديد أهداف شخصية مع مكافآت عند تحقيقها، كما يُنصح بالانضمام إلى مجموعات الدعم مثل “مدمنو التسوق المجهولون” التي توفر بيئة داعمة ومشجعة للشفاء.

خيارات علاج إضافية
في بعض الحالات، قد يُنصح باستخدام الأدوية التي تنظم السلوك ومضادات الاكتئاب، خاصةً عندما يصاحب إدمان التسوق اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب، كما يُستخدم علاج إعادة معالجة الحركة بالعين (EMDR) لمعالجة الصدمات النفسية التي قد تكون سبباً في ظهور الإدمان.
إن الاهتمام بالعلاج النفسي والدعم الأسري والتخطيط المالي وتقنيات التحكم الذاتي كلها عوامل ضرورية لضمان تعافي فعال من إدمان التسوق واستعادة التوازن النفسي والمالي للفرد.
في الختام، يُعدّ إدمان التسوق اضطراباً نفسياً وسلوكياً معقداً يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والوضع المالي للفرد، ويتطلب التعامل معه فهماُ دقيقاُ لأعراضه وآثاره، بالإضافة إلى اعتماد علاجات معرفية سلوكية وخطط مالية محكمة وتقنيات ضبط النفس، كما يمثل التدخل المبكر عاماً حاسماً في استعادة السيطرة وتحقيق التعافي من الشراء القهري.
المصادر:
- ,AddictionCenter. (n.d.). Signs of shopping addiction. Retrieved May 24, 2025
- ,NPİSTANBUL Brain Hospital. (n.d.). What is shopping addiction? Symptoms and treatment. Retrieved May 24, 2025