قد تبدأ اللعبة بلحظة تسلية فتمر دقائق ثم ساعات قبل أن تدرك أن العالم من حولك قد بدأ يتلاشى، شاشة مضيئة انتصارات وهمية ومهام لا تنتهي ولكن ماذا عن المدرسة؟ عن النوم؟ عن العلاقات التي تتدهور شيئاً فشيئاً؟ في عصر تحوّلت فيه التكنولوجيا إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، باتت الألعاب الإلكترونية ملاذاً للهرب من الواقع ولكنها في بعض الحالات تتحوّل إلى سجن نفسي خفي وفي هذه المقالة سنستعرض مفهوم إدمان الألعاب الإلكترونية وأبرز أعراضه النفسية والسلوكية ونناقش كيف يمكن التدخل والعلاج قبل أن يفقد الإنسان السيطرة على حياته.
ما هو إدمان الألعاب الإلكترونية؟
إدمان الألعاب الإلكترونية والمعروف أيضاً باسم اضطراب ألعاب الإنترنت يُعد أحد أنماط الإدمان السلوكي التي تتسم بفقدان السيطرة على سلوك اللعب مما يؤدي إلى تدهور في مختلف جوانب الحياة اليومية مثل الرعاية الذاتية والعلاقات الاجتماعية والدراسة أو الأداء المهني وغالباً ما يرتبط هذا النوع من الإدمان بالألعاب عبر الإنترنت.
يؤثر إدمان الألعاب الإلكترونية على جميع الفئات العمرية، لكن البالغين هم الأكثر عرضة للإصابة به وفقاً لعدد من الدراسات ويُقدّر الباحثون أن ما بين 1.7% إلى 10% من سكان الولايات المتحدة يعانون من هذا الاضطراب ولا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كان إدمان الألعاب يمثل حالة مرضية قائمة بذاتها أم أنه مجرد انعكاس لاضطرابات نفسية كامنة كالاكتئاب أو القلق أو اضطرابات نقص الانتباه وقد صعّب هذا الجدل من مهمة تطوير أدوات تشخيصية دقيقة أو وضع بروتوكولات علاجية قائمة على الأدلة.
أبرز أعراض إدمان الألعاب الإلكترونية
يُعد إدمان الألعاب الإلكترونية حالة نفسية وسلوكية تتسم بمجموعة من الأعراض التي تؤثر على الأداء الدراسي والمهني والاجتماعي للمصاب، وتتنوع هذه الأعراض بين نفسية وسلوكية واجتماعية وقد تتفاقم تدريجياً دون أن يُدرك الفرد أو محيطه حجم التأثير،ومنها:
- تدهور الأداء الدراسي أو المهني: الإفراط في اللعب يؤدي إلى تراجع في التحصيل الدراسي أو انخفاض الإنتاجية في العمل، بالإضافة إلى إهمال المهام المنزلية أو الأسرية.
- اللجوء للألعاب كمهرب نفسي: استخدام اللعب كوسيلة للهروب من التوتر والمشكلات الأسرية أو المشاعر السلبية مثل الإحباط أو الذنب أو الوحدة.
- الكذب أو إخفاء الوقت المقضي في اللعب: إخفاء اللعب عن الأسرة أو الأصدقاء، أو تقديم أعذار زائفة لتبرير الغياب الاجتماعي.
- فقدان السيطرة على السلوك: تكرار المحاولات الفاشلة لتقليل وقت اللعب أو الإقلاع عنه رغم الوعي بالعواقب السلبية.
- أعراض الانسحاب: الشعور بالقلق، الحزن أو التهيّج عند التوقف عن اللعب أو عدم القدرة على الوصول إلى اللعبة.
- إهمال الأنشطة الأخرى: الانسحاب من الهوايات السابقة أو العلاقات الاجتماعية لصالح التفرغ التام للألعاب.
- إهمال الرعاية الذاتية: تراجع النظافة الشخصية والعادات الصحية كالنوم والتغذية بسبب الانغماس في اللعب.

الآثار النفسية والسلوكية للإدمان
أصبحت الألعاب الإلكترونية هواية شائعة ومحببة لملايين الأشخاص حول العالم، سواء على أجهزة الكمبيوتر أو منصات الألعاب مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس، وبينما تُعد وسيلة فعالة للتسلية والتواصل الاجتماعي، إلا أن الإفراط في ممارستها قد يتحول إلى إدمان حقيقي يحمل عواقب نفسية وسلوكية خطيرة، خاصة عند تجاهل الحدود الصحية للعب، ورغم أن ليس كل من يلعب ألعاب الفيديو يُعتبر مدمناً، تماماً كما لا يُعد كل من يتناول الكحول مدمناً، فإن بعض الأفراد يُطورون ارتباط مرضي بالألعاب يؤدي إلى تأثيرات مدمّرة في مختلف جوانب حياتهم.
وفقًا لتقارير طبية فإن إدمان الألعاب الإلكترونية ولاسيما العنيفة منها، يُحفز الدماغ على الدخول في حالة دائمة من التوتر العصبي المعروفة باسم الكر أو الفر، كرد فعل على مواقف افتراضية يتعامل معها الدماغ كما لو كانت حقيقية. ومع الوقت، يمكن لهذا التحفيز المفرط أن يؤدي إلى:
- الإصابة باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب وضعف تقدير الذات والشعور بعدم الكفاءة الشخصية
- قلة التركيز على الأهداف المهنية، ما يؤدي إلى تأخر أو فشل في بناء مستقبل مستقر.
- عدم الاستقلال المادي نتيجة قلة الإنتاجية وانعدام المسؤولية.
- انخفاض مستويات القدرة على التفكير الإبداعي
- مشكلات في العلاقات الاجتماعية والعاطفية.
- صعوبات في التحكم بالمشاعر والانفعالات
- تراجع في الحافز والاهتمام بالتعلم
- زيادة السلوك العدواني
- تبلّد الإحساس تجاه العنف
- عدم اتباع التعليمات
- اضطرابات النوم والكوابيس
كيف يعالج إدمان الألعاب الإلكترونية
يُعد العلاج النفسي (العلاج بالكلام) الخيار العلاجي الرئيسي لإدمان الألعاب الإلكترونية ويشمل هذا المصطلح مجموعة من التقنيات والأساليب التي تهدف إلى مساعدة الفرد على التعرف على أنماط التفكير والسلوك غير الصحية وتعديلها، تحت إشراف أخصائيي الصحة النفسية كالأطباء النفسيين أو المعالجين النفسيين.من أبرز أنواع العلاج النفسي التي أثبتت فعاليتها في التعامل مع هذا النوع من الإدمان:

العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
تقنيات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) تمثل استراتيجيات عملية تساعد الأفراد على التغلب على السلوكيات الإدمانية والحفاظ على التعافي على المدى الطويل، وتشمل هذه الآليات الأساسية:
- تحديد الأفكار السلبية: يتعلم الأفراد التعرف على أنماط التفكير السلبية والمشوهة التي تحفز السلوكيات الإدمانية، وكيفية مواجهتها وتغييرها إلى أفكار أكثر إيجابية وواقعية.
- تقنيات حل المشكلات: تساعد هذه الأدوات الأفراد على التعامل بفعالية مع التحديات والعقبات التي تواجههم خلال رحلة التعافي، وهذا يُعزز مرونتهم وقدرتهم على المثابرة.
- معالجة المشكلات الكامنة: يعمل العلاج على استكشاف الجذور العاطفية والنفسية للإدمان، مما يمكن الأفراد من التعامل مع الأسباب الأساسية التي تُسهم في استمرار الإدمان ويؤسس لقاعدة صلبة لتعافي دائم ومستقر.

العلاج الجماعي
يوفر بيئة داعمة تُشجّع المشاركين على مشاركة تجاربهم وتبادل الدعم بإشراف مختص، وهو مفيد بشكل خاص لأولئك الذين فقدوا علاقاتهم الاجتماعية بسبب الإدمان.
العلاج الأسري أو الزوجي
يُساهم في تثقيف أفراد الأسرة حول طبيعة هذا الاضطراب ويُعزّز بيئة منزلية مستقرة داعمة للتعافي وبالتالي يقلل احتمالات الانتكاس.
الأدوية
في بعض الحالات، قد يُعاني الشخص المصاب بإدمان الألعاب من اضطرابات نفسية مرافقة مثل الاكتئاب والقلق أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، مما قد يستدعي تدخلاً دوائياً مكمّلًا للعلاج النفسي.
على غرار اضطرابات الإدمان الأخرى مثل تعاطي المخدرات يُركّز العلاج على تعديل السلوك وتطوير الوعي الذاتي ولكن بخلاف المخدرات أو الكحول فإن ألعاب الفيديو ترتبط بأجهزة تُستخدم في أنشطة يومية لا يمكن الاستغناء عنها تماماً مثل الدراسة والعمل مما يجعل الامتناع الكلي غير واقعي وبالتالي فإن الهدف من العلاج غالباً ما يكون إعادة ضبط العلاقة مع التكنولوجيا وتحقيق تحكّم صحي في استخدامها، وليس الامتناع التام.
إدمان الألعاب الإلكترونية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل تحدٍ حقيقي يهدد صحتنا النفسية والاجتماعية. إذا كنت أنت أو أحد أحبائك تعاني من أعراض هذا الإدمان، لا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة قبل أن تتفاقم المشكلة.
المصادر:
- Novotney, A. (2024, July). Interventions for problematic video gaming. Monitor on Psychology. American Psychological Association.
- World Health Organization. (2020, October 22). Addictive behaviours: Gaming disorder.