يُعد طيف التوحد حالة مرضية تؤثر في طريقة تفاعل الأفراد مع العالم من حولهم وتشمل صعوبات في التواصل الاجتماعي وعلى الرغم من أن ملامحه قد تختلف من شخص لآخر فإن التوحد ليس مرضاً يجب علاجه، بل طريقة مختلفة في التفكير والتفاعل تستحق الفهم والدعم. في هذه المقالة، سنسلّط الضوء على ماهية طيف التوحد، أسبابه المحتملة، التحديات التي يواجهها المصابون به، وأهمية التوعية والدعم المجتمعي.
ما هو طيف التوحد؟
طيف التوحد هو حالة مرتبطة بتطور الدماغ تؤثر على إدراك الشخص للآخرين وتفاعله معهم مما يسبب عوائق في التواصل الاجتماعي، يبدأ اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة ويمكن أن يستمر مدى الحياة وغالباً ما تظهر أعراضه على الطفل خلال السنة الأولى مؤدية في النهاية إلى مشاكل في الأداء الإجتماعي في المدرسة والعمل. على الرغم من عدم وجود علاج لاضطراب طيف التوحد إلا أن العلاج المكثف المبكر يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة العديد من الأطفال.
يجب تسليط الضوء على أن التوحد ليس مرضا ًوذلك لأننا عادةً نلجأ إلى علاج الأمراض والوصول للشفاء أما في التوحد فالهدف ليس الشفاء بل إيجاد طرق مساعدة للتعرف على نقاط القوة لدى الطفل والاستفادة منها إلى أقصى حد مع إدارة أي تحديات قد يواجهها كما أنهم قد يتفوقون في مجالات معينة ويحتاجون إلى مزيد من الدعم في مجالات أخرى مقارنة بأقرانهم من ذوي النمط العصبي الطبيعي.
مع بلوغ الأطفال المصابين بالتوحد مرحلة المراهقة والشباب قد يواجهون صعوبات في بناء الصداقات والحفاظ عليها وقد يعانون أيضاً من حالات مثل القلق والاكتئاب واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط وهي حالات أكثر شيوعاً لدى المصابين بالتوحد مقارنة بالأشخاص غير المصابين به.
كيف يؤثر طيف التوحد على التواصل الإجتماعي؟
يُعدّ التواصل الاجتماعي أحد أبرز الجوانب التي تتأثر لدى الأفراد المصابين بطيف التوحد إذ يواجهون تحديات في إقامة علاقات مع الآخرين وتبادل المشاعر. هذه الصعوبات لا تعكس ضعفاً في الرغبة بالتواصل، بل تعود إلى اختلافات في طريقة معالجة المعلومات الاجتماعية ومنها:
- لا يتمكن بعض الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد من التواصل بالكلام أو اللغة وقد تكون مهارات التحدث لدى بعضهم محدودة للغاية كما قد يمتلك آخرون مفردات غنية ويكونون قادرين على التحدث عن مواضيع محددة بتفصيل كبير.
- قلة الاهتمام باللعب مع الأقران: على عكس الأطفال الطبيعيين الذين يسعون بطبيعتهم إلى التفاعلات الاجتماعية قد يفضل الأفراد المصابون بالتوحد الأنشطة الانفرادية أو لديهم اهتماماتٌ فريدة، مما يُعيق قدرتهم على التفاعل مع أقرانهم.
- صعوبات التواصل غير اللفظي: فقد يجدون صعوبة في تفسير واستخدام الإشارات غير اللفظية مثل تعابير الوجه ولغة الجسد والإيماءات والتواصل البصري.
- نقص التعاطف: قد يضعف التعاطف أي القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتها لدى الأفراد المصابين بالتوحد ولكن هذا لا يعني أن الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد يفتقرون إلى التعاطف أو الرغبة في التواصل مع الآخرين بل يجدون صعوبة في تحديد الحالات العاطفية للآخرين والاستجابة لها.
- السلوكيات المتكررة والمقيدة: أداء حركات مكررة مثل رفرفة اليدين واهتزاز الجسم مما يصعب التواصل مع المحيط من خلال الحد من المرونة أو المشاركة في الأنشطة مع الأقران.

أسباب طيف التوحد: عوامل وراثية وبيئية
رغم التقدم الكبير في فهم طيف التوحد، لا يزال تحديد أسبابه بدقة موضع بحث واسع ومعقّد وتشير الدراسات إلى أن ظهور التوحد يرتبط بعوامل متعددة، تشمل الجينات الوراثية والتأثيرات البيئية المبكرة، فبينما تلعب العوامل الوراثية دوراً بارزاً في زيادة القابلية للإصابة قد تسهم بعض العوامل البيئية أثناء الحمل أو بعد الولادة في تحفيز ظهور الأعراض. في هذا السياق، نسلّط الضوء على أبرز الأسباب الوراثية والبيئية التي يُعتقد أنها تساهم في تطور طيف التوحد:
- العوامل الوراثية: ترتبط العديد من الاختلافات الجينية بالتوحد وهذا يعني أن المصابين بالتوحد قد يكون لديهم تباين جيني واحد أو أكثر يلعب دورًا في اختلاف تطور أدمغتهم، وتحدث الوراثة أحياناً على شكل متلازمات وراثية حيث أن هناك انتشار أعلى للتوحد في بعض المتلازمات الوراثية مثل متلازمة الصبغي X الهش ومتلازمة داون والتصلب الدرني وفي هذه المتلازمات يكون الطفل مصاب بالتوحد ولكنه يعاني أيضاً من مجموعة واسعة من التغيرات النمائية الأخرى. تزيد التغيرات في جينات معينة أو جينوم الشخص من خطر إصابة الطفل بالتوحد فإذا كان أحد الوالدين يحمل واحد أو أكثر من هذه التغيرات الجينية فقد تنتقل إلى الطفل حتى لو لم يكن الوالدين مصابين بالتوحد.
- العوامل البيئية: قد تزيد بعض العوامل البيئية من خطر الإصابة بالتوحد مثل تقدم سن الوالدين والتعرض لتلوث الهواء أو بعض المبيدات الحشرية قبل الولادة والأم البدينة أو إصابتها بداء السكري أو اضطرابات الجهاز المناعي والخداج الشديد أو انخفاض الوزن الشديد عند الولادة ومضاعفات الولادة التي تُؤدي إلى فترات نقص الأكسجين في دماغ الطفل. بالإضافة إلى تدخين الأم أثناء الحمل وإصابة الأم بالالتهابات البكتيرية والفيروسية أثناء الحمل، إذ قد تؤدي العدوى الفيروسية عند الأم الحامل خلال الأشهر الثلاثة الأولى والالتهابات البكتيرية في الثلث الثاني من الحمل إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد وأيضاً استخدام بعض الأدوية أثناء الحمل، مثل: حمض الفالبرويك، ومثبطات إعادة التقاط السيروتونين الانتقائية.
- الاضطرابات الأخرى: قد تترافق أو تكون سبب بظهور علامات التوحد المبكرة والإصابة بالتوحد عدة أمراض أو حالات نفسية مثل متلازمة أنجلمان والصرع ومتلازمة ريت ومتلازمة داون ومتلازمة الصبغي X الهش والوسواس القهري والاكتئاب والتصلب الحدبي.
ومن الجدير بالذكر لا تعد اللقاحات الروتينية التي تعطى أثناء الحمل مثل: اللقاحات ضد الأنفلونزا والسعال الديكي من العوامل البيئية المؤثرة على التوحد، ولا يوجد دراسات مثبتة تؤكد أن لقاحات الأطفال التي تعطى بعد الولادة تزيد احتمال الإصابة بالتوحد.
أعراض طيف التوحد: كيف يمكن التعرف عليه في مراحل مبكرة؟
طيف التوحد هو اضطراب عصبي يؤثر على طريقة تفاعل الفرد وتواصله مع الآخرين، ويتميز بمجموعة من الأعراض والسلوكيات التي تختلف من شخص لآخر. وتُعد معرفة الأعراض خطوة أساسية لفهم هذا الطيف ودعم من يعانون منه بطريقة فعالة، مثل:
- ضعف التواصل البصري: وعدم الاستجابة للنداء بالاسم أو اللامبالاة.
- الانعزالية والعدوانية: ينمو هؤلاء الأطفال بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات الأولى من حياتهم، ثم يصبحون فجأة منعزلين أو عدوانيين أو يفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها سابقاً.
- مقاومة العناق والضم: ويبدو الطفل أنه يُفضل اللعب بمفرده، منعزلاً في عالمه الخاص.
- لا يتكلم أو يتأخر في الكلام: أو يفقد قدرته السابقة على نطق الكلمات أو الجمل.
- يؤدي حركات متكررة: مثل التأرجح أو الدوران أو رفرفة اليدين.
- يعاني من مشاكل في التنسيق أو أنماط حركة غريبة، مثل الخرق أو المشي على أصابع القدم، ولديه لغة جسد غريبة أو متيبسة أو مبالغ فيها.
- يركز بشدة أو تركيز على شيء أو نشاط ما بشكل غير طبيعي
- يكرر الكلمات أو العبارات حرفياً، لكنه لا يفهم كيفية استخدامها
- ينزعج بشدة من أي تغيير في روتينه
مع نضوجهم، يصبح بعض الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد أكثر تفاعلاً مع الآخرين ويُظهرون اضطرابات سلوكية أقل. قد يعيش البعض حياة طبيعية أو شبه طبيعية في النهاية ومع ذلك، يستمر آخرون في مواجهة صعوبات في اللغة أو المهارات الاجتماعية وقد تُسبب سنوات المراهقة مشاكل سلوكية وعاطفية أسوأ.

تشخيص طيف التوحد: كيفية تحديد الحالة بدقة
تختلف أعراض طيف التوحد بشكل واسع بين الأفراد ويشكّل التشخيص المبكر والدقيق خطوة أساسية لفهم الحالة وتقديم الدعم المناسب، لا يوجد اختبار محدد لتشخيصه حيث تعتمد أدوات التشخيص عادة على مصدرين رئيسيين للمعلومات: وصف الوالدين أو مقدمي الرعاية لنمو طفلهم، وملاحظة الأخصائي لسلوك الطفل عن طريق:
- الفحص النمائي: تعد الخطوة الأولى من خطوات تشخيص التوحد عند الرضع هي الفحوصات الروتينية التي تجرى للطفل، وعادة ما يجري الطبيب فحصاً للتوحد في عمر 18 و24 شهر، حيث يقيم المهارات الأساسية مثل قدرات التعلم ومدى تطور الكلام وكذلك سلوكيات الطفل وحركته.
- التقييم السلوكي الشامل: يتضمن تشخيص التوحد عند الأطفال إجراء تقييم شامل لتحديد مهارات الطفل المعرفية وقدراته اللغوية وكذلك مدى قدرته على القيام بالمهارات الحياتية اليومية بنفسه مثل الأكل وارتداء الملابس والذهاب إلى الحمام.
- قد يفيد إجراء بعض الفحوصات والاختبارات الأخرى في استبعاد الحالات المشابهة والمساعدة على التشخيص، ومن هذه الاختبارات: اختبارات السمع والنظر واختبارات الدم والفحوصات الجينية.
ويعتمد تشخيص حالات التوحد على مقارنة الأعراض التي تظهر على الطفل بمعايير تشخيص التوحد الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الإصدار الخامس، والتي تنص على أن يكون الطفل لديه:
- مشاكل مستمرة في التفاعل الاجتماعي
- صعوبة التواصل غير اللفظي مع الآخرين، مثل عدم التواصل البصري أو فهم التلميحات
- عدم القدرة على بناء علاقات مع الآخرين أو الحفاظ عليها
- التمسك بروتين معين والانزعاج الشديد عندما يطرأ عليه أي تغير مهما كان بسيط
- الاهتمام بأشياء محددة والتركيز عليها بشدة
- تكرار حركات أو ترديد عبارات معينة
- الحساسية الشديدة للمثيرات الحسية مثل الأصوات أو الروائح أو الطعوم أو قلة الحساسية تجاهها
التحديات اليومية للاطفال والبالغين المصابين بالتوحد
يعاني الأطفال والبالغون المصابون بطيف التوحد من مجموعة من التحديات اليومية التي تختلف في شدّتها تبعاً للفرد، ومن أبرزها:
- التواصل: صعوبة في التعبير عن الذات أو فهم اللغة المنطوقة أو الإشارات غير اللفظية، ما يؤدي إلى تحديات في التفاعل مع الآخرين.
- التفاعل الاجتماعي: صعوبات في بناء العلاقات أو فهم العواطف والسلوكيات الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى العزلة.
- المرونة السلوكية: مقاومة التغيير أو التمسك بالروتين، ما يجعل التغييرات المفاجئة في البيئة أو الجدول الزمني أمر مسبب للقلق أو الإرباك.
- المعالجة الحسية: فرط أو نقص في الاستجابة للمؤثرات الحسية مثل الأصوات والأضواء واللمس، مما يؤثر على راحتهم اليومية.
- التنظيم الذاتي: صعوبة في تنظيم المشاعر أو التصرفات، وقد يظهر ذلك في نوبات الغضب أو القلق أو التوتر المفرط.
- التعليم والعمل: مواجهة تحديات في بيئات تتطلب مهارات اجتماعية أو تنظيمية، مثل المدرسة أو مكان العمل، ما يستدعي تكييف خاص أو دعم إضافي.
الخيارات العلاجية المختلفة لطيف التوحد
رغم أن طيف التوحد لا يُعالج بشكل نهائي، إلا أن التدخلات المبكرة والمناسبة تسهم بشكل كبير في تحسين قدرات الفرد على التعلم والتواصل والاندماج. تتنوع طرق العلاج بحسب احتياجات كل شخص، وتهدف إلى تعزيز نقاط القوة وتطوير المهارات اللازمة للحياة اليومية، ومنها:
- علاجات السلوك والتواصل: ويُعرف تحليل السلوك التطبيقي (ABA) بأنه أحد العلاجات السلوكية البارزة للأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد. يشجع تحليل السلوك التطبيقي السلوكيات المرغوبة ويمنع السلوكيات غير المرغوبة لتحسين مجموعة متنوعة من المهارات.
- علاج النطق واللغة: يُستخدم لتحسين مهارات التواصل، سواء كانت لفظية أو غير لفظية.
- العلاج النفسي أو السلوكي المعرفي (CBT): مفيد خاصة للبالغين والمراهقين، لمساعدتهم في التعامل مع القلق، الغضب، أو التوتر.
- الدعم الأسري: تدريب الأهل على كيفية التعامل مع طفلهم بطريقة فعالة يعتبر جزء مهم من العلاج.
- العلاج الوظيفي: يساعد على تنمية المهارات الحياتية مثل الأكل واللبس والاعتماد على النفس.
لا توجد أدوية لعلاج الأعراض الأساسية لاضطراب طيف التوحد. تعالج بعض الأدوية الأعراض المصاحبة (تلك التي تحدث مع اضطراب طيف التوحد) ويمكن أن تساعد الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد على تحسين وظائفهم. على سبيل المثال، قد تساعد الأدوية في إدارة مستويات الطاقة العالية أو عدم القدرة على التركيز أو سلوكيات إيذاء النفس مثل ضرب الرأس أو عض اليدين. كما يمكن أن تساعد الأدوية في إدارة الحالات النفسية المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب، بالإضافة إلى الحالات الطبية مثل النوبات ومشاكل النوم أو مشاكل المعدة أو غيرها من مشاكل الجهاز الهضمي.

العلاج السلوكي وعلاج النطق والتدخلات الطبية
تُعد العلاجات السلوكية وبالتحديد تحليل السلوك التطبيقي (ABA) وعلاج النطق من أهم العلاجات للأطفال المصابين بالتوحد، إذ تساعدهم على تحسين التواصل والمهارات الاجتماعية وقدرات الحياة اليومية حيث يستخدم تحليل السلوك التطبيقي أساليب منظمة لتعزيز السلوكيات الإيجابية والحد من تلك التي تعيق التعلم والتواصل الاجتماعي، بينما يُعالج علاج النطق تحديات اللغة والتواصل.
تحليل السلوك التطبيقي (ABA)
تحليل السلوك التطبيقي للطفل هو علم مجال يعتمد على علم التعلم والسلوك، أي أنه يساعدنا على فهم كيفية عمل السلوك وكيفية تأثر السلوك بالبيئة وكيفية التعلم، حيث يمكن استخدامه كتقنية تسهم بتطوير سلوكيات ومهارات جديدة للطفل عن طريق التعزيز الإيجابي، وهو تشجيع الطفل على السلوكيات المرغوب اكتسابها. يهدف تحليل السلوك التطبيقي بشكل عام إلى تحسين استجابة الطفل للمواقف الاجتماعية وزيادة قدرات التركيز ومهارات التعلم ومساعدته على تعلم أداء المهام الشخصية مثل كيفية الأكل أو الاستحمام أو ارتداء الملابس بمساعدة أقل أو بشكل مستقل، كما تساعده على تحسين مهارات التعلم والاستجابة.
كما يمكن أن يوفر تحليل السلوك التطبيقي فوائد تشمل ما يلي:
- زيادة اهتمام الطفل بمحيطه والأشخاص من حوله
- تعزيز تواصل الطفل مع الآخرين
- تحسين التركيز وقدرات التعلم في المدرسة
- تقليل أو وقف السلوكيات المؤذية للنفس ونوبات الغضب
علاج النطق
أهداف علاج النطق لمصابي طيف التوحد:
- تطوير مهارات التواصل اللفظي: مثل تحسين نطق الكلمات وبناء الجمل وزيادة الحصيلة اللغوية.
- تعزيز التواصل غير اللفظي: مثل استخدام الإشارات وتعابير الوجه أو وسائل بديلة مثل الصور.
- فهم اللغة: تدريب الطفل على فهم التعليمات والأسئلة والمفاهيم المجردة.
- تنمية مهارات الحوار والتفاعل الاجتماعي: مثل بدء المحادثات وتبادل الأدوار واستخدام اللغة في سياق اجتماعي مناسب.
أهمية الدعم الأسري والتدخل المبكر في تحسين حالة الأطفال
تلعب الأسرة دور محوري في تطور الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد، إذ تُعد البيئة الأسرية الداعمة عنصر أساسي في تعزيز النمو العاطفي والسلوكي والاجتماعي، فالتفاعل الإيجابي والدافئ داخل الأسرة يساهم في تقليل السلوكيات السلبية، في حين أن التوتر أو النقد الزائد قد يؤدي إلى تفاقم هذه التحديات. تشكل العلاقات الأسرية أيضاً أساس لتطوّر المهارات الاجتماعية والمرونة العاطفية لدى الطفل، مما يجعل مشاركة الأهل في عملية العلاج أمر بالغ الأهمية. من هنا، يأتي دور تثقيف الوالدين، من خلال تزويدهم بالمعرفة والأدوات العملية التي تساعدهم في دعم طفلهم ضمن البيئة المنزلية.
كما يُعد التدخل المبكر خطوة حاسمة في دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، وهي فترة حرجة لتطوّر المهارات الأساسية حيث تُساعد هذه الخدمات الأطفال على اكتساب مهارات مهمة مثل التحدث، المشي، والتفاعل الاجتماعي. تشير الأبحاث إلى أن التدخل المبكر يُسهم في تحسين النمو المعرفي وتطوير المهارات الاجتماعية وتعزيز الأداء الأكاديمي بالإضافة إلى دعم الاستقلالية في المراحل اللاحقة من الحياة. وغالباً ما تركز هذه التدخلات على مجالات رئيسية مثل تنمية اللغة وتعديل السلوك وبناء المهارات الاجتماعية ومن بين أكثر الأساليب استخداما في هذا المجال: تحليل السلوك التطبيقي (ABA) وعلاج النطق، واللذان أثبتا فعاليتهما في تعزيز تطور الطفل بشكل ملموس.
باختصار، فإن الجمع بين التدخل المبكر والدعم الأسري الفعّال لا يُعد مفيد فقط، بل هو ضروري لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
دور الدعم المجتمعي والتعليمي في تحسين جودة حياة المصابين بالتوحد
يُعدّ الدعم المجتمعي والتعليمي حجر الأساس في تمكين الأفراد المصابين بالتوحد، حيث يُحدث فارق حقيقي في حياتهم اليومية، من خلال بيئات تعليمية مرنة ومجتمعات واعية، حيث يمكن تعزيز قدراتهم وتوسيع فرصهم في التعلم والتواصل وتمهيد الطريق أمامهم لحياة أكثر استقلالية واندماجاً.
الدعم المجتمعي
- التثقيف والتوعية: نشر الوعي حول خصائص التوحد والتحديات المرتبطة به يساعد في تصحيح المفاهيم الخاطئة وبناء بيئة أكثر تقبّلاً.
- تعزيز التعاطف والفهم: من خلال تجارب حسية أو أنشطة محاكاة، يمكن مساعدة الآخرين على فهم وجهات نظر واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد بشكل واقعي وإنساني.
- الاندماج في الأنشطة المجتمعية: المشاركة في النوادي والفعاليات الاجتماعية والأنشطة الترفيهية تعزز من بناء الصداقات وتطوير المهارات الاجتماعية وتعميق الشعور بالانتماء.
- شبكات الدعم: تتيح العلاقات مع الآباء والمعلمين والمهنيين فرص تبادل الخبرات والدعم العاطفي، ما يُسهم في تمكين الأسر ومساندتها.
الدعم التعليمي
- البرامج التعليمية الفردية: يُراعى في تصميمها تلبية الاحتياجات الخاصة لكل طالب، مما يوفّر بيئة تعليمية داعمة ومحفّزة على التعلّم.
- دمج التعليم المجتمعي: يهدف إلى نقل المهارات المكتسبة في المدرسة إلى بيئات الحياة الواقعية، ما يعزز الاستقلالية والثقة بالنفس.
- تدريب المهارات الحياتية: يشمل مهارات مثل إدارة الوقت ووضع الميزانية وبناء العلاقات، ما يساعد الأفراد على النجاح في حياتهم اليومية.
- التأهيل المهني والتعليم المستمر: من خلال توفير فرص تدريب مهني وتعليم إضافي، يتم دعم الأفراد في تطوير مهاراتهم والانخراط في سوق العمل بما يتماشى مع اهتماماتهم.
في الختام، يُعد طيف التوحد اضطراب عصبيًا تطوري متعدد الأسباب، يرتبط بعوامل جينية وبيئية معقدة لم تُفهم بشكل كامل بعد، وعلى الرغم من غياب علاج نهائي، فإن التدخلات المبكرة والمعتمدة على الأدلة مثل العلاج السلوكي وعلاج النطق تُظهر فعالية واضحة في تحسين المهارات التواصلية والاجتماعية. إن التقدم في البحث العلمي وفهم الآليات العصبية الحيوية للتوحد يشكل خطوة أساسية نحو تطوير أساليب تشخيص وعلاج أكثر دقة وتخصصاً، تسهم في تحسين جودة حياة الأفراد المصابين وأسرهم.
المصادر:
- World Health Organization. (n.d.). Autism spectrum disorders
- Autism Speaks. (n.d.). Autism Speaks
- National Autistic Society. (n.d.). Autism