تعد اضطرابات الأكل من المشاكل النفسية الصحية التي ازداد الاهتمام بها في المجتمعات الحديثة، ومن أبرز تلك الاضطرابات مرض البوليميا أو ما يعرف بالنهام العصبي، حيث يتميز هذا الاضطراب بأنّه معقد ويرتبط بعوامل نفسية واجتماعية وبيولوجية متعددة.
يصيب هذا المرض النساء بمعدل أكبر من الرجال، إذ أنّ 1-2% من النساء في العالم مصابة بهذا المرض، بينما 0.5-1% من الرجال مصابون، مما يتطلب من المجتمع أن يمتلك فهماً عميقاً لطبيعة هذا المرض وتأثيراته النفسية والجسدية.
ما هو مرض البوليميا (النهام العصبي)؟
يعرف النهام العصبي بأنه اضطراب خطير في الأكل وقد يهدد الحياة، إذ يميل الأشخاص المصابون بهذا المرض إلى الإفراط في تناول الطعام، حيث يشعر المريض بأنّه فقد السيطرة على عاداته الغذائية.
يتناول المريض كميات كبيرة من الطعام في وجبة واحدة، وغالباً ما يفعل ذلك بالسر، يتبع ذلك إحساس بالذنب الشديد، بعد ذلك قد يقوم المريض بسلوك التطهير، إذ يقوم المريض بهذه العملية بالتخلص من الطعام والسعرات الحرارية الزائدة بطرق غير صحية، بإجبار نفسه على التقيؤ أو تناول الملينات (أدوية تسرع حركة الطعام في الجسم)، وقد يستخدم المريض مدرات البول أو حبوب التخسيس، وممارسة الرياضة بشكل مفرط.
يمكن أن تحدث دورات النهم والتطهير عدة مرات بالأسبوع أو عدة مرات باليوم، في هذه الحالة من الممكن أن تصبح الحالة مهددة للحياة، غالباً ما يكون وزن الأشخاص المصابين بالبوليميا طبيعي أو فوق الطبيعي، مما يساعد المريض على إخفاء مشكلته لسنوات، وتكون تلك السلوكيات قد ترسخت ويصعب تغييرها.

أعراض البوليميا
تتنوع أعراض البوليميا بشكل كبير، إذ غالباً ما تظهر أعراض جسدية وأعراض نفسية خطيرة، التي من الممكن أن تؤثر على صحة المريض بشكل خطير، تظهر علامات تحذيرية عدة تدل على إصابة الشخص بهذا المرض، مثل الذهاب المتكرر للحمام بعد الأكل وارتداء ملابس فضفاضة لإخفاء الجسم، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط لغسول الفم والعلكة، وتظهر عدة أعراض أخرى منها:
- تقلبات في الوزن
- تعب عام ودوخة وإغماء
- مشاكل في النوم
- علامات التقيؤ الذاتي (قروح على مفاصل الأصابع)
- جفاف الجلد وهشاشة الأظافر
- عدم انتظام الدورة الشهرية
- ضعف العضلات
- احمرار العينين
الأعراض النفسية للنهام العصبي
غالباً ما يشعر المريض بالذنب والقلق بعد تناوله الطعام، خوفاً على صحته ووزنه، ويصبح المريض ينشغل بشكل مفرط بالوزن والشكل والمظهر، مما يؤدي إلى سلوكيات تقييدية مع اتباع حميات غذائية قاصية بهدف إنقاص الوزن، ومعظم المصابين باضطرابات الأكل يشتركون في أعراض نفسية معينة مثل:
- انخفاض احترام الذات
- الخوف الشديد من السمنة
- الشعور بالعجز
- اضطرابات القلق أو الاكتئاب
- الشعور بالاشمئزاز بعد الأكل
- اعتماد التقييم الذاتي على الشكل والوزن
- الميل إلى تعاطي المخدرات والكحوليات
الأعراض الجسدية
غالباً ما يسبب النهام العصبي مشاكل في الجهاز الهضمي وأضراراً في الأسنان، نتيجة التقيؤ الذاتي وعادات الأكل غير الصحية، ومن هذه الأعراض:
- الإمساك والارتجاع
- النفخة
- تضخم الغدد اللعابية
- الالتهاب والألم المستمر بالحلق
- انتفاخ الخدين أو الفك
- تشنجات معدية
- تآكل الميناء
- تسوس الأسنان
- التهاب اللثة ونزيفها

أسباب مرض البوليميا
لا يوجد سبب دقيق للإصابة بالبوليميا، لكن قد تلعب العوامل الوراثية والنفسية دوراً في تطور النهام العصبي واضطرابات الأكل الأخرى، بالإضافة لذلك قد تلعب الضغوط الاجتماعية والثقافة الشعبية ووسائل الإعلام ضغطاً على الناس لامتلاك نوع معين من الجسم، ويمكن أن تؤثر هذه العوامل الخارجية على تقدير الذات، كما أنّ الشعور بالتوتر أو الانزعاج أو فقدان السيطرة قد يؤدى إلى الإصابة بمرض البوليميا.
كما توجد بعض الأبحاث التي تدرس نشاط الدماغ غير المعتاد، مثل التغيرات بمستوى السيروتونين أو غيره من المواد الكيميائية، لمعرفة كيف قد يؤثر ذلك عالأكل.
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالبوليميا
على الرغم من عدم وجود أسباب دقيقة لمرض البوليميا إلا أنّ هنالك بعض عوامل الخطر التي تزيد من نسبة الإصابة، ومنها عوامل وراثية ونفسية واجتماعية، ومن هذه العوامل:
- التاريخ العائلي والعامل الوراثي: إذ تزداد نسبة الإصابة بهذا المرض عند وجود أقارب تم تشخيصهم بالنهام العصبي، مما يشير إلى رابط وراثي محتمل.
- الصحة النفسية والمشاكل العاطفية: يرتبط المرض بالمشكلات الصحية النفسية والعاطفية، مثل القلق والاكتئاب وتعاطي المخدرات، وقد يشعر المرضى بسوء اتجاه انفسهم، خاصةً إذا تعرضوا للتنمر بسبب وزنهم أو شكل جسدهم.
- اتباع الحميات الغذائية: الأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالبوليميا، إذ يدفعهم خوفهم الزائد من تناول سعرات حرارية كبيرة إلى تكرار نوبات الأكل ثم التطهير.
بالإضافة لما سبق، تعد الإناث أكثر عرضة للإصابة من الذكور، وغالباً ما يبدأ النهام العصبي في أواخر سن المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ.
كيف يتم تشخيص النهام العصبي؟
يقوم الطبيب بإجراء فحص بدني، ويسأل المريض عن تاريخه الطبي والأعراض التي تحدث معه، وقد يطلب تفاصيل دقيقة من سلوكيات المريض، كما قد يطلب الأذن للحصول على معلومات من أقربائك، وقد تجرى اختبارات دم وبول بالإضافة لاختبار وظائف الكلى وتخطيط القلب الكهربائي (EKG).
سيقوم الطبيب بتشخيص المريض بالنهام العصبي إذا تحققت المعايير التالية:
- نوبات متكررة من الأكل الشره لدى المريض
- فقدان السيطرة على الأكل في تلك النوبات
- القيام بسلوكيات تطهيرية غير مناسبة (التقيؤ أو استخدام المسهلات)
- حدوث نوبة الأكل مرة واحدة أسبوعياً على الأقل لمدة ثلاث أشهر
- تأثر تقدير المريض لذاته بشكل كبير بسبب الوزن أو شكل جسمه
طرق علاج البوليميا
يتطلب علاج مرض البوليميا العمل مع فريق طبي متعدد التخصصات في الصحة الجسدية والنفسية، ويشمل هذا الفريق طبيب عام وطبيب نفسي وأخصائي تغذية، نظراً لخطورة الحالة لا بد من طلب المساعدة الطبية بأسرع وقت، حيث أنّ التدخل المبكر يحسن نتائج العلاج بشكل كبير.
توجد عدة أنواع لعلاج مرض البوليميا منها العلاج النفسي الذي يشمل:
- العلاج الأسري (FBT): حيث يساعد الآباء في التعامل مع سلوكيات الأكل غير الصحية لدى أطفالهم.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يساعد المريض على تنظيم المشاعر والتعامل مع الضغوط وتحسين العلاقات مع الآخرين.
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) في علاج البوليميا
يعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب العلاجية فعالية في معالجة النهم العصبي، إذ يساعد في تقليل نوبات الأكل ونوبات التطهير المرتبطة بها، كما يعمل على تحسين الصورة الذاتية للجسم، من خلال مساعدة المريض في التعرف على الأنماط الفكرية والسلوكيات غير الصحية، وتعليم المريض استراتيجيات جديدة للتعامل مع الضغوط النفسية دون اللجوء إلى الأكل.
يعمل العلاج السلوكي المعرفي على عدة محاور، منها تنظيم تناول الطعام ومراقبة السلوك الغذائي وتعديل الأفكار السلبية المرتبطة بالوزن والشكل.
التثقيف الغذائي
كما يعد التثقيف الغذائي حلاً رائعاً لعلاج البوليميا، إذ يساعد أخصائي التغذية على وضع خطة غذائية متوازنة، تهدف إلى تقليل الشعور بالجوع أو الرغبة الشديدة بالأكل، كما يجب الانتظام بتناول الطعام وعدم الحرمان من أنواع معينة من الأكل، ضروري للتغلب عالمرض.
بالإضافة لما سبق، يوجد العلاج الدوائي مثل مضادات الاكتئاب والأدوية المثبطة للشهية، ويعد دواء الفلوكستين (مضاد الاكتئاب) الدواء المعتمد لعلاج مرض البوليميا لدى البالغين فقط.
دور الأدوية المثبطة للشهية في علاج النهام العصبي
على الرغم من كون العلاج السلوكي المعرفي العلاج الأفضل لمرضى البوليميا، إلا أنّ هنالك بعض الأدوية المثبطة للشهية أثبتت فعاليتها في تقليل نوبات الأكل، وغالباً ما تتضمن مواد تؤثر على النواقل العصبية مثل النورأدرينالين والدوبامين، مثل دواء لیسماتامفيتامين ديسميسيلات وهو دواء مثبط للشهية حقق نتائج أولية جيدة في تقليل نوبات الأكل.
على الرغم من ذلك فإنّ استخدام هذه الأدوية لا يزال قيد الدراسة والتجارب، ولم يعتمد رسمياً كعلاج أساسي، بسبب المخاوف المتعلقة بالتأثيرات الجانبية وسوء الاستخدام.

كيفية دعم الشخص المصاب بالبوليميا: نصائح للأهل والأصدقاء
قد يلوم الأهل أنفسهم نتيجة إصابة إحدى أولادهم بالنهم العصبي، ومن المهم أن يعلم الوالدان أن هذا الاضطراب له أسباب عديدة وأنّ الوالدين ليسوا سبباً في نشوء هذا الاضطراب، بل يلعب الوالدان والأهل دوراً كبيراً في مساعدة المرضى على التعافي، ما يلي عدد من النصائح للأهل والأصدقاء لمساعدة المرضى في التغلب على المرض:
- التأكد من حصول المريض على العلاج المناسب
- الاستماع جيداً للمريض ومشاركته المشاعر دون اطلاق أحكام
- تحديد مواعيد منتظمة للوجبات العائلية
- إخبار المريض عن القلق اتجاه هذا المرض دون توجيه اللوم
التعامل مع الأعراض المتكررة لمرض البوليميا
لا بد من وجود خطة علاجية للتعامل مع الأعراض المتكررة والانتكاسات، إذ يتطلب هذا الأمر مزيجاً من الخطط النفسية والسلوكية مع الدعم الاجتماعي والطبي، إذ يجب على المريض أن يحدد المحفزات التي تؤدي لنوبة الأكل مع تسجيل الأوقات التي تحدث فيها، ويجب عليه ممارسة الأكل الواعي، أي بدون ملهيات كالتلفاز والهاتف، بالإضافة إلى تعلم مهارات إدارة المشاعر.
ولا بد أيضاً من وضع خطة لتفادي الانتكاسات، تشمل:
- الاستمرار في العلاج
- وضع خطة طوارئ للانتكاسة
- تجنب العوامل المحفزة
- الرحمة الذاتية بدلاً من الجلد الذاتي
- الانخراط في أنشطة إيجابية
في الختام، يعد النهام العصبي اضطراباً نفسياً معقداً يتداخل فيه الجانب السلوكي مع العوامل النفسية والوراثية والاجتماعية، مما يتطلب فهماً عميقا وتعاملاً شاملاً على مستوى التشخيص والعلاج، كما أنّ التكامل بين العلاج النفسي والسلوكي والتغذوي يشكل ركيزة أساسية لتحقيق تعاف مستدام.
المصادر:
- .J., Duarte, T. A., & Schmidt, U.(2020). Eating disorders. In StatPearls.StatPearls Publishing
- .National Health Service (NHS). (n.d.). Bulimia nervosa. NHS. Retrieved May 14, 2025
- .National Eating Disorders Association.(n.d.). Bulimia nervosa