اضطراب الشخصية الحدية (BPD) هو اضطراب نفسي يصيب نمط التفكير والشعور والسلوك ما يؤدي إلى تقلبات عاطفية حادة وعلاقات غير مستقرة، وصعوبة في ضبط الهوية والانفعالات. تبدأ الأعراض عادة في أواخر سن المراهقة أو أوائل العشرينات.
يصيب حوالي 1.4% من عامة الناس، ويشخّص في حوالي 10% من مرضى العيادات النفسية الخارجية و20% من مرضى التنويم النفسي. 75% من الحالات المشخّصة تكون من الإناث رغم أن الدراسات الحديثة تشير إلى احتمال وجود حالات غير مشخصة بين الذكور.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
اضطراب الشخصية الحدية هو حالة صحية نفسية تؤثر على طريقة شعور الأشخاص تجاه أنفسهم والآخرين ما يجعل من الصعب عليهم التكيف في الحياة اليومية. يتميز الاضطراب بنمط من العلاقات غير المستقرة والعنيفة بالإضافة إلى الاندفاعية ورؤية غير صحية للذات والاندفاعية تعني الشعور بمشاعر شديدة والتصرف أو القيام بأشياء دون التفكير فيها أولاً. يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية من خوف شديد من الهجر أو البقاء وحدهم، وعلى الرغم من رغبتهم في إقامة علاقات محبة ومستدامة إلا أن هذا الخوف من الهجر غالباً ما يؤدي إلى تقلبات مزاجية وغضب كما يؤدي أيضاً إلى سلوكيات اندفاعية وإيذاء النفس التي قد تدفع الآخرين للابتعاد.
يبدأ اضطراب الشخصية الحدية عادة في أوائل مرحلة البلوغ وتكون الحالة أكثر حدة في هذه الفترة. تتحسن تقلبات المزاج والغضب والاندفاعية مع التقدم في العمر لكن القضايا الأساسية المتعلقة بصورة الذات والخوف من الهجر بالإضافة إلى مشاكل العلاقات تستمر.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الحدية واضطراب ثنائي القطب؟
في حين أن الاضطراب ثنائي القطب يتميز أيضاً بتقلبات واسعة في المزاج والسلوك فهو يختلف عن اضطراب الشخصية الحدية (BPD)، ففي اضطراب الشخصية الحدية يتغير المزاج والسلوك بسرعة استجابةً للضغط الكبير خاصة عند التفاعل مع أشخاص آخرين، بينما في الاضطراب ثنائي القطب تكون الحالة المزاجية أكثر استدامة وأقل تفاعلاً. يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب أيضاً من تغيرات كبيرة في الطاقة والنشاط على عكس المصابين باضطراب الشخصية الحدية.
أعراض اضطراب الشخصية الحدية: العلامات السريرية والتأثيرات النفسية
قد يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية من تقلبات مزاجية شديدة وشعور بعدم اليقين تجاه الطريقة التي يرون بها أنفسهم، وقد تتغير مشاعرهم تجاه الآخرين بسرعة، فتنتقل من تقارب شديد إلى نفور شديد. يمكن أن تؤدي هذه المشاعر المتقلبة إلى علاقات غير مستقرة وألم عاطفي ويمكن أن تتحول من الغضب والكراهية إلى الخوف الشديد من الهجر وردود الفعل تجاهه واضطراب الهوية من تقلبات في تغيير الأهداف والقيم إلى صورة غير واضحة أو مستقرة عن الذات وسلوكات اندفاعية عدوانية. ليس كل من يعاني من اضطراب الشخصية الحدية تظهر عليه جميع هذه الأعراض، وتعتمد شدة وتكرار ومدة الأعراض على الشخص نفسه وعلى حالته.

التقلبات العاطفية: كيف تؤثر على العلاقات الشخصية؟
العلاقات بالنسبة لمن يعاني من اضطراب الشخصية الحدية يمكن أن تكون أشبه برحلة عاطفية متقلبة تبدأ أحياناً بشغف وارتباط شديد، ثم تنقلب بسرعة إلى خوف أو حتى غضب. قد يبدو الرد المتأخر على رسالة وكأنه تخلٍ ما يثير مشاعر عميقة من الرفض هذا ليس لأنه شخص درامي بل لأنه يعيش هذه المشاعر بقوة حقيقية حيث يعيش المصاب مشاعر متضاربة بسرعة شديدة ما يجعل التواصل مع الآخرين مرهقاً. يبدأ الأمر غالباً بتعلق شديد وخوف كبير من الهجر يجعل الشخص شديد الحساسية لأي إشارة تُفهم كرفض حتى لو كانت بسيطة مثل تأخر في الرد، وهذا الخوف يؤدي إلى ردود فعل عاطفية قوية مثل الغضب أو الانسحاب المفاجئ.
السلوكيات المندفعة: من الانتحار إلى السلوكيات المحفوفة بالمخاطر
السلوكيات المندفعة تعد من السمات الأساسية في اضطراب الشخصية الحدية، وتشمل تصرفات سريعة وغير مدروسة غالباً ما تكون مدفوعة بمشاعر شديدة ومؤقتة مثل الغضب والخوف والإحساس بالفراغ. هذه السلوكيات قد تكون ضارة جداً للفرد أو للآخرين، وتشمل طيفاً واسعاً من التصرفات منها المحاولات المتكررة للانتحار أو إيذاء النفس كوسيلة للهروب من الألم العاطفي أو لاستجداء الاهتمام في لحظات الخوف من الهجر، كما تشمل مظاهر أخرى مثل تعاطي المخدرات والتهور في القيادة ونوبات الأكل القهري أو الإنفاق المفرط، وهي غالباً تأتي كرد فعل سريع على مشاعر مؤلمة دون التفكير في العواقب.
هذه الاندفاعية ليست بحثاً عن المتعة بل هي صرخة داخلية محاولة للنجاة من عاصفة مشاعر لا تهدأ. المشكلة أن هذه التصرفات رغم أنها تبدو مؤقتة قد تخلف آثاراً عميقة سواء على الشخص نفسه أو على من يحبونه، ومن خلال الدعم والعلاج يمكن للأشخاص المصابين أن يتعلموا كيفية التعامل مع اندفاعهم بطريقة أكثر أماناً واستقراراً.
أسباب اضطراب الشخصية الحدية: العوامل الوراثية والبيئية والنفسية
الباحثون غير متأكدين تماماً مما يسبب اضطراب الشخصية الحدية لكن الدراسات تشير إلى أن العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية قد تزيد من خطر الإصابة به، ولا يوجد سبب واحد مباشر بل مزيج من الاستعدادات الجينية والتجارب الحياتية التي تشكل نمط التفكير والسلوك.
تشمل العوامل الوراثية البيولوجية الاستعداد الجيني، فالدراسات تشير إلى أن اضطراب الشخصية الحدية قد يكون أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابين به. تظهر الأبحاث أن الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية قد يكون لديهم تغيرات هيكلية ووظيفيّة في الدماغ خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم في الاندفاع وتنظيم العاطفة.
تتأثر العوامل البيئية والنفسية بطريقة حياة الشخص، فكثير من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية أفادوا بتعرضهم لأحداث حياتية مؤلمة مثل الإساءة أو ظروف قاسية خلال الطفولة. قد يكون البعض الآخر قد نشأ في بيئات غير مستقرة أو في علاقات غير داعمة أو مليئة بالصراعات، ورغم أن هذه العوامل قد تزيد من خطر الإصابة بالاضطراب إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الشخص سيصاب به. كذلك يمكن أن يصاب أشخاص لا يعانون من هذه العوامل بالاضطراب في مرحلة ما من حياتهم.
كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية الحدية؟
تستمر الشخصية في التطور خلال نمو الطفل أو المراهق لهذا السبب لا يتم تشخيص اضطراب الشخصية الحدية إلا بعد سن 18 عاماً. قد يتم تشخيص الاضطراب قبل 18 عام إذا كانت الأعراض كبيرة ومستمرة لمدة عام على الأقل، ويطلب المريض المساعدة غالباً بسبب حالات القلق أو الاكتئاب. يتم تشخيص المرض من خلال طبيب نفسي أو أخصائي نفسي، ويقومون بذلك عن طريق إجراء مقابلة شاملة وإجراء محادثات حول الأعراض، ويسألون عن التاريخ الطبي والعائلي وتاريخ العمل السابق والسيطرة على الاندفاع، وغالباً ما يعمل الطبيب مع عائلة الشخص وأصدقائه لجمع المعلومات حول سلوكات وتاريخ المريض.

طرق علاج اضطراب الشخصية الحدية: العلاج النفسي والأدوية
لقد كان ينظر إلى اضطراب الشخصية الحدية تاريخياً على أنه من الاضطرابات الصعبة في العلاج ومع ذلك فإن العلاجات الحديثة القائمة على الأدلة العلمية مكّنت العديد من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب من الشعور بأعراض أقل حدة وتكراراً وتحسن في الأداء الوظيفي وجودة حياة أفضل. يعالج اضطراب الشخصية الحدية بشكل رئيسي من خلال العلاج النفسي، وقد يتم إضافة أدوية إلى خطة العلاج. يمكن للعلاج أن يساعد المريض على تعلم مهارات تساعده على التعايش مع حالته والتعامل معها، وينبغي أن تتم معالجة أي اضطرابات نفسية أخرى قد تتزامن مع اضطراب الشخصية الحدية مثل الاكتئاب.
توجد عوامل عديدة تؤثر على المدة التي تستغرقها الأعراض لتبدأ بالتحسن بعد بدء العلاج لذلك من المهم أن يتحلى المصابون باضطراب الشخصية الحدية وكذلك أحباؤهم بالصبر وأن يحظوا بالدعم خلال فترة العلاج.
العلاج السلوكي الجدلي dialectical behavioral therapy (DBT) كخيار رئيسي
العلاج السلوكي الجدلي يعد الخيار العلاجي المفضل للأطباء وممتاز لعلاج اضطراب الشخصية الحدية، وقد طور خصيصاً لهذا الاضطراب على يد الدكتورة مارشا لينيهان في التسعينات. هذا العلاج يستهدف الأعراض الأساسية بشكل مباشر فهو يعالج الاندفاعية وتقلب المزاج وإيذاء النفس والخوف من الهجر على سبيل المثال قد يتعلم المريض في جلسة المهارات كيفية تهدئة نفسه عند تصاعد التوتر بدلاً من اللجوء لإيذاء الذات كما يتعلم مهارات عملية يمكن استخدامها في الحياة اليومية. تشمل مكوناته الجلسات الفردية لمعالجة السلوكيات الفردية والتدريب على مهارات الانتباه الذهني وتحمل الضيق وتنظيم العاطفة وفعالية العلاقات، وتشمل أيضاً دعم بين الجلسات واجتماعات الفريق العلاجي التي تهدف إلى دعم المعالجين والحفاظ على فعالية العلاج.
تكمن أهداف العلاج في تقليل السلوكيات المدمرة كالانتحار وتحسين العلاقات الشخصية وزيادة الوعي الذاتي. أظهرت الدراسات انخفاضاً كبيراً في محاولة الانتحار والغضب بعد عدة أشهر من تطبيق العلاج السلوكي الجدلي، والكثير من المرضى أبلغو عن تحسن في الشعور بالاستقرار العاطفي والقدرة على التواصل.
دور الأدوية في إدارة الأعراض
نظراً لعدم وضوح فوائد الأدوية الموصوفة لعلاج اضطراب الشخصية الحدية فإن الأدوية لا تستخدم عادة كطريقة أساسية لعلاج هذا الاضطراب، ومع ذلك قد يوصي الطبيب النفسي في بعض الحالات باستخدام أدوية لعلاج أعراض معينة أو اضطرابات نفسية مصاحبة مثل تقلبات المزاج. تشمل الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الحالات مضادات الاكتئاب مضادات الذهان أو أدوية مثبتة للمزاج، كما أن الأدوية قد تسبب أحياناً آثاراً جانبية لدى بعض الأشخاص.
كيفية دعم الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية: نصائح للأهل والأصدقاء
دعم شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية (BPD) يتطلب تفهماً عميقاً. يمكن للأحباء أن يساعدوا الشخص في تحمل مسؤولية أفعاله ويشجعوه على تبني سلوكيات صحية والالتزام بالاستراتيجيات العلاجية و يمكن تقديم الدعم عن طريق تخصيص وقت لفهم هذا المرض وتعلمه للإحساس بما يشعر به المريض سواءً كان من العائلة أو الأصدقاء مع تقديم الدعم العاطفي والصبر على مشاكل المريض ومعاناته، فالتغيير قد يكون صعباً ومخيفاً للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية وهذا الأمر طبيعي أن يحصل. يجب تشجييع المريض الذي يتلقى العلاج على أن يسأل عن العلاج الأسري مع طلب المشورة من المعالجين المختصين.

أهمية بيئة الدعم في العلاج والتعافي
تلعب بيئة الدعم دوراً مهماً في علاج اضطراب الشخصية الحدية (BPD) حيث يحتاج المصاب إلى محيط آمن وثابت يساعده على الشعور بالقبول رغم تقلباته العاطفية. يمكن أن يشعر الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية بالعزلة وسوء الفهم. يوفر وجود شبكة داعمة مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر ومشاركة التجارب وتلقي التعاطف والتقدير، وتوفير بيئة متفهمة وآمنة من قبل الأهل والأصدقاء يساعد بشكل كبير على تقليل أعراض المرض ويشجع المريض على الاستمرار في العلاج. قد تكون رحلة العلاج طويلة وصعبة لذلك يوفر نظام الدعم التشجيع والتحفيز مما يساعد الأفراد على الالتزام بخطط العلاج الخاصة بهم.
اضطراب الشخصية الحدية هو اضطراب نفسي يتسم بتقلبات عاطفية شديدة وسلوكيات مندفعة وصعوبات في العلاقات. يختلف عن اضطراب ثنائي القطب في أن الأخير يرتبط بنوبات من الاكتئاب والهوس بينما يتسم اضطراب الشخصية الحدية بتقلبات عاطفية مستمرة. التشخيص يتطلب فحص الأعراض النفسية والسلوكية، ويتم العلاج من خلال العلاج النفسي مثل العلاج السلوكي الجدلي (DBT)، والأدوية لتخفيف الأعراض. الدعم الأسري والاجتماعي مهم جداً للتعافي حيث يعزز الاستقرار العاطفي ويشجع على الالتزام بالعلاج. بتكامل هذه العوامل يمكن للمصابين تحسين حياتهم وبناء علاقات أكثر استقراراً.
المصادر:
- National Institute of Mental Health. (n.d.). Borderline personality disorder. U.S. Department of Health and Human Service
- National Health Service (NHS). (2023, November 22). Borderline personality disorder – Overview
- Office on Women’s Health. (n.d.). Borderline Personality Disorder. U.S. Department of Health & Human Services