تُعرف الشخصية النرجسية في الأدبيات النفسية بأنها الحالة التي تصف الشخص الذي يتميز بتضخم مُرضي في تقدير الذات وضعف القدرة على التعاطف وانشغال دائم بالحصول على الإعجاب والهيمنة على الآخرين، يعود أول تعريف أكاديمي لهذا المفهوم إلى الطبيب والباحث البريطاني هافلوك إليس (1898)، الذي وصفه كحالة نفسية ترتبط بانغماس الفرد في ذاته، مصحوباً ببرودة عاطفية واعتماد على التخيلات كبديل للتفاعلات الاجتماعية الواقعية.
ما هي الشخصية النرجسية؟
الشخصية النرجسية هي نمط من أنماط الشخصيات تشير إلى سمات أو صفات نرجسية قد تظهر لدى بعض الأشخاص، قد تكون هذه الصفات خفيفة أو مؤقتة ولا تؤثر بشكل كبير على علاقات الشخص أو حياته العملية، حيث تتميز الشخصية النرجسية بتركيز مفرط على الذات والحاجة المستمرة للإعجاب والشعور المبالغ فيه بالأهمية والتفوق على الآخرين، غالباً ما يرى الشخص النرجسي نفسه شخصاً مميزاً واستثنائياً يستحق معاملة خاصة ويبالغ في تقدير إنجازاته أو مكانته الاجتماعية مع تجاهل أو تقليل من شأن الآخرين، ورغم المظهر الخارجي الواثق فإن النرجسية قد تخفي شعوراً داخلياً بعدم الأمان أو الحاجة إلى إثبات الذات باستمرار.
تتشكل هذه الشخصية من خلال تفاعل عوامل متعددة مثل أساليب التربية كالإفراط في المدح أو النقد، والصدمات النفسية في الطفولة إلى جانب الاستعدادات الوراثية، لا تُعد النرجسية اضطراباً في الشخصية دائماً بالضرورة، فهي قد تكون مجرد صفات موجودة بدرجات مختلفة، لكنها تصبح مشكلة حين تؤثر سلباً على العلاقات أو الحياة الاجتماعية أو التوازن النفسي.
في التعامل مع الشخصية النرجسية، قد يواجه الآخرون صعوبات في إقامة علاقات متزنة، بسبب قلة التعاطف أو التلاعب العاطفي، مع ذلك يمكن للأشخاص ذوي الصفات النرجسية تحقيق وعي أكبر بأنفسهم والاستفادة من العلاج النفسي لتحسين سلوكهم وتفاعلهم مع المجتمع.
صفات الشخصية النرجسية: كيف تعرفها؟
تتميّز الشخصية النرجسية بأنماط سلوكية وانفعالية مميزة يمكن رصدها في السياقات الاجتماعية المختلفة، من أبرز هذه الصفات ما يلي:
- الشعور المبالغ فيه بالأهمية الذاتية: حيث يرى الشخص النرجسي نفسه أعلى شأناً من الآخرين، حيث يُكون توقعات غير مبررة للحصول على امتيازات خاصة، كما أنه يكون في مقارنات دائمة لصالح الذات وغالباً ما يبالغ في عرض إنجازاته أو مؤهلاته، حتى وإن كانت محدودة أو عادية.
- الرغبة المستمرة في نيل الإعجاب: الشخصية النرجسية لديه حاجة مرضية للإعجاب والثناء المستمر من خلال سلوكيات استعراضية لجذب الانتباه، كما تكون لديه ردود فعل سلبية إذا لم يحصل على التقدير المتوقع.
- نقص في التعاطف مع الآخرين: إذ يصعب عليه فهم أو مراعاة مشاعرهم، ويقلل من شأن مشكلاتهم أو احتياجاتهم.
- استغلال العلاقات لمصلحته الخاصة: حيث يقوم باستغلال الآخرين لتحقيق المكاسب سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية، دون النظر إلى تأثير ذلك على الطرف الآخر.
- يُظهر حساسية مفرطة تجاه النقد: حيث ينكر الخطأ أو يهاجم من ينتقده أو يلجأ إلى التلاعب لخلق صورة مثالية عن نفسه.
- التصرف بتكبّر أو تعالٍ: حيث يعامل الآخرين كما لو كانوا أقل قيمة أو مكانة.
هذه الصفات وإن بدت متفرقة لكنهت تشكل معاً منظومة متكاملة تختلف في حدتها من شخص لآخر، ويمكن أن تظهر بأشكال متنوعة حسب السياق الاجتماعي والثقافي، الفهم الدقيق لهذه الخصائص يساعد في التعرف المبكر على الأنماط النرجسية واتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها.

ما هي أسباب الشخصية النرجسية؟
تتشكل الشخصية النرجسية من مزيج معقد بين الاستعداد الوراثي والتجارب الحياتية المبكرة، حيث تتفاعل العوامل البيولوجية مثل التركيبة العصبية مع بيئة التنشئة الأسرية والاجتماعية مما يؤدي إلى تطور نمط سلوكي ونفسي متميز يميل إلى تضخيم الذات وتدنّي مستوى التعاطف مع الآخرين، لا يوجد عامل وحيد مسؤول، بل تتداخل تأثيرات الطبيعة والتربية بشكل ديناميكي، تظهر النرجسية عندما تجتمع هذه العناصر بظروف تنشئوية معينة على مدى سنوات النمو.
العوامل الوراثية والبيولوجية
تشير بعض الدراسات النفسية الحديثة إلى أن بعض الأشخاص قد يولد باستعداد جيني تجعل منه أكثر عرضة لتطوير سمات نرجسية، خصوصاً تلك الصفات التي تميل نحو حب الظهور والسيطرة والميل إلى السلوك الاستعراضي والتفكير المتفوق، كما تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن مناطق معينة من الدماغ، خاصة المرتبطة بالتعاطف وتنظيم المشاعر، قد تكون أقل نشاطاً عن البعض أو تعمل بشكل مختلف لدى الأشخاص ذوي الصفات النرجسية، أيضاً ترى بعض النظريات أن الهرمونات والنواقل العصبية يمكن أن تلعب دوراً في حاجتنا المفرطة للتقدير والانتباه ،حيث أي خلل في تنظيم المواد الكيميائية العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين قد يساعد في تطوير هذه السلوكيات، لكن الجينات ليست من الضروري أن تظهر فهي فقط تزيد الاحتمالات، لذا يجب عدم التعامل معها كأنها قدر محتوم.
العوامل البيئية والنفسية
تلعب البيئة دوراً محورياً في تشكيل الشخصية النرجسية، خاصة خلال مرحلة الطفولة المبكرة، فعندما ينشأ الطفل بين دَفّتي الإفراط في التدليل أو القسوة في الانتقاد، تبدأ ملامح هذه الشخصية بالظهور، حيث أن الإفراط في الدلال أو المثالية الزائدة من الوالدين قد تعزز لدى الطفل شعوراً غير واقعي بالتفوق والاستحقاق، ما يؤدي إلى بناء تصور ذاتي غير متوازن، بالمقابل قد تتطور النرجسية كرد فعل على الإهمال العاطفي أو الانتقاد القاسي المتكرر إذ يحاول الطفل حماية ذاته الضعيفة من الألم النفسي، فيدفعه لاختراع عظمة وهمية تعوض نقص الحب.
كذلك، فإن التعرض لصدمات نفسية أو بيئات أسرية مختلة مثل عدم الاستقرار والتنافس الشديد بين الإخوة أو المقارنة المستمرة يمكن أن يغذي ميل الطفل إلى البحث عن التفوق والشعور بالاستحقاق كطريقة دفاعية للبقاء، حيث قد يلجأ الصغير إلى صنع عالم خاص به لأن الواقع المحيط به لم يمنحه فرصة أن يكون نفسه ببساطة، وفي بعض الأحيان قد تساهم البيئة الثقافية أو المجتمعية في تعزيز هذه النزعة، حيث تقوم بالترويج لقيم سطحية مثل النجاح المادي والمظهر الخارجي أو الشهرة، مما يعزز من بناء شخصية نرجسية خصوصاً في المجتمعات التي تركز على الفردية والمنافسة.
أعراض الشخصية النرجسية: التأثير على العلاقات والتفاعل الاجتماعي
تتجلى أعراض الشخصية النرجسية بشكل واضح في الطريقة التي يتفاعل بها الفرد مع من حوله، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية، وتلك الأعراض لا تقتصر فقط على نظرة الشخص إلى نفسه، بل تمتد لتشمل سلوكيات ومواقف تُحدث توتراً مستمراً في العلاقات الاجتماعية وقد تؤدي إلى عزلة أو فشل متكرر في التواصل الصحي مع الآخرين.
مركزية الذات والحاجة الدائمة للإعجاب
من أبرز الأعراض أن الشخص النرجسي يتمركز حول ذاته بصورة مفرطة، ويُظهر حاجة ملحة لأن يكون محورإهتمام الجميع، وغالباً ما يتحدث عن إنجازاته ومواهبه بتهويل مبالغ فيه حتى لو لم تكن واقعية، ويستاء إن لم يحصل على إعجاب وتقدير الآخرين، مما يجعل علاقاته تميل إلى أن تكون أحادية الاتجاه وتعتمد على التمجيد، حيث يُتوقع من الآخرين الدعم والتصفيق دون مقابل حقيقي.
انعدام التعاطف واستغلال العلاقات
يفتقر الشخص النرجسي إلى القدرة على وضع نفسه مكان الآخرين، حيث يواجه صعوبة في فهم مشاعر الآخرين مما يجعله غير حساس لمشاعرهم أو احتياجاتهم، هذا النقص في التعاطف يؤدي إلى سلوك استغلالي، حيث يقوم بإعتبار الأشخاص المحيطين به أدوات لتحقيق أهدافه سواءاً كانت عاطفية أو مادية، العلاقات القائمة على هذا الأساس غالبًا ما تكون قصيرة الأمد ومتوترة، لأن الطرف الآخر يشعر بالتقليل من شأنه أو التلاعب به.

الحساسية المفرطة للنقد
على الرغم من الصورة الخارجية التي توحي بالثقة المفرطة، فإن النرجسي يكون هشاً تجاه النقد ويتفاعل بحساسية مفرطة تجاه أي ملاحظة مهما كانت بسيطة، قد يلجأ إلى ردود فعل دفاعية مبالغ فيها كالغضب أو التقليل من شأن الناقد و حتى الانتقام الرمزي لحماية الصورة المثالية التي يحاول الحفاظ عليها.
الغطرسة والتصرف بتعالٍ
يُظهر الشخص النرجسي غالباً تعامل متعال مع المحيطين، حيث يتحدث إلى الآخرين كما لو كانوا أقل منه شأناً، هذا النوع من السلوك يولد النفور من المحيطين به، ويقلل من فرص بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.
كيف يتم تشخيص الشخصية النرجسية؟
يتم تشخيص الشخصية النرجسية بواسطة مختص في الصحة النفسية مثل طبيب نفسي أو أخصائي نفسي سريري، من خلال إجراء تقييم نفسي دقيق متعدد الأبعاد، وليس من خلال الملاحظة العامة فقط، إليك الخطوات والمقاييس الأساسية المتبعة:
المقابلة السريرية
هي الخطوة الأساسية في التشخيص، حيث يُجري الأخصائي مقابلة لتقييم المريض ولفهم تاريخه النفسي وتحليل أنماط التفاعل الاجتماعي والعلاقات، كما يتم تقسسم طريقة تعبيره عن نفسه ومشاعره وتفسيره لسلوكياته، أيضاً يتم استكشاف البنية النفسية الداخلية للمريض وملاحظة السلوكيات والتعبيرات العاطفية.
تطبيق معايير DSM-5 التشخيصية
يعتمد التشخيص على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي على توافر خمسة على الأقل من المعايير التالية بشكل دائم ومستمر:
- الاعتقاد بالتميز والاستثنائية وأنه لا يمكن فهمه إلا من قبل أشخاص مميزين مثله
- انشغال بالأوهام المتعلقة بالنجاح أو القوة أو الجمال أو الحب المثالي
- حسد الآخرين أو الاعتقاد بأنه محط حسد
- استغلال الآخرين لتحقيق أهدافه
- تضخم إحساس الذات بأهميتها
- سلوكيات أو مواقف متعجرفة
- شعور غير مبرر بالاستحقاق
- العجز وقلة التعاطف
الأدوات النفسية المساعدة
يمكن استخدام أدوات نفسية قياسية مثل:
- اختبار الشخصية متعددة الأوجه (MMPI-2) لتقييم السمات الشخصية
- استبيان الشخصية النرجسية (NPI) للكشف عن النزعات النرجسية
- مقاييس تقييم السمات النرجسية بشكل مباشر أو غير مباشر
استبعاد الاضطرابات الأخرى
يجب أن يحرص المختص على التأكد من أن الأعراض ليست جزءاً من اضطرابات نفسية أخرى مثل اضطرابات المزاج مثل ثنائي القطب أو الاكتئاب، لأن بعض الأعراض قد تتداخل جزئياً.
ما هي طرق علاج الشخصية النرجسية؟
علاج الشخصية النرجسية يُعد من التحديات الكبرى في مجال الصحة النفسية، ليس فقط بسبب تعقيد الاضطراب ذاته، بل أيضًا لأن النرجسي غالباW يكون في حالة نكران ويقوم بلعب دور الضحية، حيث لا يعترف بوجود مشكلة بل ويقوم بإلقاء اللوم على الآخرين ويراهم السبب في معاناته، لكن يمكن تحقيق تحسن ملحوظ في نمط التفكير والسلوك عند وجود التزام بالعلاج، وتوفر أخصائي متمكن يستخدم أساليب مناسبة ومتدرجة، أيضاً توفر الدعم النفسي مهم جداً سواءاً إن كان من قِبل الأسرة أوالأصدقاء.
العلاج النفسي: العلاج السلوكي المعرفي
العلاج النفسي يُعد الركيزة الأساسية والأكثر فعالية في التعامل مع الشخصية النرجسية، حيث يعمل على تحقيق تحول جذري في بنية الشخصية من خلال آليات منهجية، تتضمن هذه العملية العلاجية عدة أبعاد أساسية:
- زيادة الوعي الذاتي: تطوير القدرة على إدراك الذات بشكل متوازن، حيث يبدأ الشخص في فهم جذور سلوكه النرجسي وكيف تؤثر على علاقاته ومكانته في الحياة، أيضاً تساعد على التحرر من التصورات المثالية غير الواقعية قبول نقاط القوة والضعف كجزء من التركيبة الإنسانية الطبيعية.
- بناء تعاطف حقيقي: يساعد في تطوير القدرة على فهم الآخرين والتعاطف مع مشاعرهم، كما يساعد على تعزيز التسامح مع النقد والخيبة وهو جانب مفقود عادة لدى الشخص النرجسي.
- تحسين احترام الذات الواقعي: بناء إطار مرجعي داخلي للتقييم الذاتي تطوير آليات تقييم ذاتي مستقلة عن التعزيز الخارجي مثل ردود أفعال الآخرين وتكون مبنية على القبول والتوازن.
- تعديل أنماط التفكير والسلوك: يقدم العلاج المعرفي السلوكي (CBT) إطاراً منهجياً فعالاً للمعالجة، حيث يقوم بإعادة التفكير بالأفكار المشوهة مثل التفوق الدائم، بالتالي تقليل السلوكيات العدوانية السلبية ويزيد الرضا عن العلاقات الشخصية.
تظهر بعض الأساليب العلاجية المتقدمة مثل العلاج القائم على المخطط (Schema Therapy) والعلاج التحليلي طويل الأمد فعالية خاصة في معالجة السمات النرجسية المتجذرة منذ المراحل المبكرة من النمو.

العلاج الدوائي
رغم أن الأدوية لا تُعالج اضطراب الشخصية النرجسية ، إلا أن استخدامها يقتصر على التخفيف من الأعراض المصاحبة تشمل الاستخدامات الدوائية:
- تدبير أعراض القلق والاكتئاب المرتبطة بخيبة التوقعات
- ضبط المظاهر العدوانية والتهيجية
- إدارة التقلبات المزاجية الحادة
يقوم طبيب النفسي عادةً بوصف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبتات المزاج ومضادات الاكتئاب، يشترط أن يتم وصفها تحت إشراف طبيب نفسي، ضمن خطة علاجية متكاملة مع التدخلات النفسية.
العلاج الأسري أو الزوجي
يُمثل العلاج الأسري والزوجي ركيزة أساسية في التعامل مع الآثار المترتبة على اضطراب الشخصية النرجسية، حيث يتضمن المستويات التالية:
- التعبير العاطفي الحر: يتم ذلك من خلال تهيئة بيئة خالية من الأحكام المسبقة وإتاحة فرصة متكافئة لجميع الأطراف للإفصاح عن مشاعرهم والحماية من أي شكل من أشكال الإلغاء أو التقليل من شأن الآخر.
- تحسين أنماط التواصل: تحديد أشكال التفاعل غير الصحية وتعزيز الحوار البناء وتقليل السلوكيات التلاعبية.
- حماية الصحة النفسية: مساعدة الأطراف المتضررة وتعزيز احترام الذات ووضع حدود علاقية واضحة.
- تعزيز النمو الشخصي: يتم عن طريق تطوير احترام الذات لدى الشركاء وتعليم الشخص النرجسي الاعتراف باحتياجات الآخرين والانتقال من الرؤية الذاتية الأحادية إلى التفاعل المتبادل.
دعم المصاب في قبول العلاج
يواجه المختصون النفسيون والدائرة المحيطة من المصاب تحديات كبيرة في جعل الشخص النرجسي يقبل العلاج، تعود هذه الصعوبة إلى ما يلي:
- استراتيجيات تحفيز المشاركة: من خلال ربط أهداف العلاج باهتمامات المريض الواقعية والتركيز على تحسين جوانب يهتم بها مثل العلاقات والعمل وعرض العلاج كوسيلة لتحقيق النجاح بدلاً من اعتباره اعترافاً بالضعف.
- دور المعالج الفعال في هذه الحالة: يحرص فيها الطبيب على بناء ثقة تدريجية مع المريض وتقديم التغذية الراجعة بحذر ويجب تجنب أي مواجهة مباشرة قد تثير دفاعاته.
- مقاومة الاعتراف بالمشكلة: يفتقر إلى الوعي بوجود مشكلة ويميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين ويخشى أن يهدد العلاج صورته الذاتية المثالية.
التعامل مع الشخصية النرجسية في الحياة اليومية: توازن بين التعاطف والحماية الذاتية
التعامل مع الشخصية النرجسية يُعد تحدياً نفسياً وعاطفياً مستمراً، ذلك لأن الشخص النرجسي غالبًا ما يفرض واقعاً نفسياً يترك الآخرين في دوامة من الشك في أنفسهم والإرهاق العاطفي والتقليل من قيمتهم، لكن من خلال الوعي والتخطيط، يمكن بناء علاقة أكثر توازناً أو على الأقل تقليل الأذى.
- فهم نمط الشخصية النرجسية: الخطوة الأولى هي فهم أن السلوك النرجسي ينبع من ضعف داخلي رغم المظهر الخارجي الواثق، هذا يعني أن المشكلة ليست به بل بنظرته المشوهة للذات والآخرين لذلك يجب التوقف عن محاولة إقناعه أو تغييره فهو لا يرى مشكلة في سلوكه.
- وضع الحدود الشخصية: من أهم مهارات التعامل مع النرجسي هو القدرة على قول لا بطريقة حازمة، إن الشخص النرجسي غالباً ما يختبر حدود الآخرين، ويتجاوزها إن لم يُواجه، لذلك من الضروري تحديد مساحاتك الشخصية بوضوح مثل لن أتحمل الحديث بصوت عالٍ أو هذا الموضوع غير قابل للنقاش، والالتزام بهذه الحدود باستمرار.
- تجنب الدخول في دوائر الجدل أو الدفاع المستمر: النرجسي غالباً ما يجر الآخرين إلى نقاشات مليئة بالتلاعب والإنكار، لذلك من الجيد توثيق كل شيء كتابياً وتجنب الخوض في نقاشات شخصية واختيار المواضيع المحايدة وتجنب الدخول في منافسات.
- التفكير في المسافة النفسية أو الفعلية عند الحاجة: في بعض الحالات، قد يكون من الضروري تقليل التفاعل أو حتى الابتعاد الكامل، خاصة إذا أصبحت العلاقة مهددة لسلامتك النفسية وتستنزف طاقتك دون فائدة، لذا قد يكون الانفصال العاطفي أو تقليل التوقعات شكلًا من أشكال الحماية الذاتية.
التعامل مع الشخص النرجسي يتطلب مزيجاً من الوعي والحزم والمرونة، لا يمكن تغيير الشخص النرجسي بسهولة، لكن يمكن فهم نمطه ووضع حدودك الخاصة أو حتى المغادرة عن الضرورة، حيث أن الحفاظ على سلامتك النفسية ليس أنانية، بل مسؤولية تجاه نفسك ومن يحبونك حقاً.
أخيراً، تتشكل الشخصية النرجسية من خلال تداخل العوامل الوراثية والبيئية، حيث توفر الجينات القابلية وتُفعّل البيئة تلك القابلية ، فهم هذه العوامل يساعد في وضع خطط علاجية أكثر فاعلية، ويتيح أيضًا فرصة للتدخل المبكر في البيئات الأسرية والتربوية للوقاية من تطور السلوك النرجسي بشكل مزمن، رغم أن علاج اضطراب الشخصية النرجسية يتطلب وقتاً وجهداً، إلا أن التقدّم ممكن مع الالتزام والاستمرارية، حيث إن الدمج بين العلاج النفسي والدعم الدوائي إلى جانب الوعي الأسري، يوفر بيئة علاجية فعالة تُساعد المصاب على بناء حياة أكثر توازنًا وإنسانية وتواصلاً حقيقياً مع الآخرين.
المصادر
- American Psychological Association. (2019, November 7). Recognizing a narcissist, with Ramani Durvasula, PhD. Speaking of Psychology
- The Editors of Encyclopaedia Britannica. (2025, March 27). Narcissism. Encyclopædia Britannica
- Psychology Today Staff. (n.d.). Narcissism. Psychology Today