إنّ تخثر الشريان الرئوي يعد من أخطر أمراض الأوعية الدموية، تؤدي هذه الحالة إلى الوفاة إذا لم يتم علاج تخثر الشريان الرئوي في الوقت المناسب. في أوروبا يتم تسجيل قرابة 430,000 حالة سنوياً، مع نحو 39,000 حالة وفاة وذلك بحسب تقارير صحية رسمي، أمّا في تركيا فتُقدَّر نسبة الإصابة بالجلطة الرئوية بحوالي 98 حالة لكل 100,000 شخص، وتزداد عند مرضى السرطان.
ما هو تخثر الشريان الرئوي؟
إنّ تخثر الشريان الرئوي يعد انسداد مفاجأة في شريان أو أكثر من شرايين الرئة وذلك بسبب جلطة دموية تنتقل غالباً من وريد عميق وغالباً ما يكون في الساق، وقد تتكون الجلطة بشكل مباشر داخل الرئة عند وجود إصابة أو التهاب. يؤدي هذا الانسداد إلى تعطيل تدفق الدم ضمن الشريان واحتمال حدوث مشاكل مثل ارتفاع الضغط الرئوي أو سكتة دماغية ولكن ليس بشكل مباشر، يعد هذا الانسداد حالة طارئة وخطيرة تطلب وعي واهتمام مثل الجلطة الدماغية، التدخل المبكر باستخدام مضادات تخثر أو علاجات متقدمة يعد ضرورة في علاج تخثر الشريان الرئوي.

ما هي أسباب تخثر الشريان الرئوي؟
السبب الرئيسي وراء التخثر الوريدي هو غالباً تكون جلطة في أوردة الساق العميقة والتي تنتقل للرئة وتسد الشريان الرئوي ومن أهم الأسباب التي تساهم في حدوث هذا التخثر هي:
- بطء تدفق الدم: إنّ الحركة القليلة والخمول في الفراش لمدى طويلة بعد الجراحة مثلاً أو بسبب السفر لفترات طويلة أكثر من 4 ساعات يسبب بطء الدورة الدموية بالأطراف وهذا يعد عامل مهم في تشكل هذه الجلطات التي تنتقل للرئة.
- إصابة جدار الوريد: إنّ الإصابات المباشرة أو الناتجة عن التدخلات الجراحية خصوصاً في الحوض والفخذ والرئة تضر جدران الأوعية وتشجع على حدوث تجلط للدم.
- اضطرابات في تخثر الدم: مثل متلازمة factor V Leiden أو نقص في البروتين C/S. جميعها عوامل تزيد من احتمالية تكون هذه الجلطات.
عوامل أخرى مساعدة لحدوث الجلطات
- السمنة والتدخين والتقدم بالعمر
- استخدام الكاتتر الوريدي
- إصابات العظم الكبيرة وكسور الحوض والساق
- السرطان والعلاج الكيميائي يشكلان عامل خطر
ما هي أعراض تخثر الشريان الرئوي؟
إن أعراض التخثر الرئوي تختلف بحسب حجم الجلطة ومدى تأثيرها على الرئتين ولكن تعد هذه الأعراض الرئيسية:
- ضيق التنفس المفاجئ
- ألم صدري حاد
- سعال مع دم
- تسارع ضربات القلب
- دوخة وإغماء مفاجئ
- تعرق شديد وشعور بالقلق
- زرقة في الجلد
- بحة أو سرعة في التنفس
كيف يتم علاج تخثر الشريان الرئوي؟
إن علاج تخثر الشريان الرئوي هو علاج يهدف إلى منع نمو الجلطة أي إذابتها أو إزالتها ومنع حدوث جلطات جديدة، يقسم علاج تخثر الشريان الرئوي عادةً إلى:
التدخل السريع بمضادات التجلط
يعد علاج أولي يبدأ فور الاشتباه بحدوث التجلط ويفضل استخدام الهيبارين غير المجز UFH أو الهيبارين منخفض الوزن الجزيئي LMWH مثل Enoxaparin، وخاصة عند حالات هبوط الضغط أو إمكانية التدخل اللاحق.
ومن ثم تأتي المرحلة التالية والتي تستمر (3_6 أشهر) بعد التدخل السريع، تشمل عادة الهيبارين منخفض الوزن الجزيئي أو مميعات فموية حديثة DOACs مثل Rivaroxaban أو Apixaban والتي يتم تفضيلها على الوارفارين بسبب فعالية مماثلة وأمان أكثر.
العلاجات الهدفية لإذابة أو إزالة الجلطة
إذابة الجلطة بشكل جهازي
تعد أحد الخيارات المهمة التي تستخدم في علاج تخثر الشريان الرئوي، خاصةً في الحالات الطارئة التي يهدد فيها الانسداد الرئوي حياة المريض، حيث تعتمد هذه الطريقة على إعطاء أدوية مذيبة للجلطات مباشرة عبر الوريد لتنتقل في مجرى الدم وتستهدف الخثرة داخل الشريان الرئوي، وتشمل هذه الأدوية: Alteplase (tPA) وStreptokinase وTenecteplase، حيث تعمل كلها على تسريع تحليل الخثرة واستعادة تدفّق الدم. يتم اللجوء إلى هذا النوع من علاج تخثر الشريان الرئوي عندما يعاني المريض من انخفاض حاد في ضغط الدم أو علامات صدمة قلبية وشيكة، وهي مؤشرات تدل على انسداد خطير قد يؤدي إلى الوفاة. ورغم أن هذه الأدوية فعّالة وسريعة المفعول، إلا أنها تحمل خطراً مرتفعاً لحدوث نزيف داخلي، ما يتطلب استخدامها بحذر شديد.
إذابة جلطة موجهة بالقسطرة
يعتبر هذا الإجراء من الخيارات المتقدمة في علاج تخثر الشريان الرئوي ويُستخدم عادةً في الحالات المتوسطة إلى الشديدة التي لا تستدعي جراحة فورية ولكنها لا تستجيب بشكل تام للعلاج بالأدوية فقط، حيث يتم إدخال قسطرة رفيعة عبر أحد الأوردة الكبيرة في الجسم وغالباً من منطقة الفخذ أو الرقبة ثم تُوجَّه بدقة عبر الأوعية الدموية حتى تصل إلى موقع الجلطة في الشريان الرئوي، بعد ذلك يُحقن عبر هذه القسطرة دواء مُذيب للجلطة (مثل alteplase) مباشرة في الجلطة نفسها بجرعات صغيرة ومضبوطة، يتم استخدام قسطرة موجهة لإذابة الجلطة (Catheter-Directed Thrombolysis) لهذا الإجراء.
هذه الطريقة تسمح بتفتيت الجلطة بشكل سريع وفعال مع تقليل كمية الدواء المستخدمة، هذا ما يقلل من خطر النزيف مقارنة بالإذابة الجهازية. في بعض الحالات، قد يتم استخدام القسطرة أيضاً لسحب أو شفط الجلطة جزئياً ميكانيكياً، وهو ما يُعرف باسم الشفط الميكانيكي للجلطة (Mechanical Thrombectomy).
الجراحة وإزالة الجلطة
تعد من أهم الطرق المتبعة في علاج تخثر الشريان الرئوي حيث تسخدم في الحالات الشديدة وعند فشل العلاجات الأخرى، قد تترافق مع أجهزة أخرى مثل ECMO.
أجهزة داعمة ومرشحات الوريد الأجوف السفلي
تستخدم مؤقتاً عندما يكون مضاد التجلط مقيد أو مرفوض ( عند النزيف مثلاً)، حيث تمنع انتقال هذه الجلطات للرئتين.
الدعم النفسي والدورة الدموية
الأوكسجين التكميلي ودعامة القلب والرئة (مثل مساند ضغط الدم أو ECMO)، تستخدم لدعم المرضى أصحاب الأعراض الشديدة أو القصور القلبي الحاد.
يُعد علاج تخثر الشريان الرئوي خطوة مهمة قد تنقذ حياة المريض عند تطبيقه بشكل مبكر وفعّال، وبفضل تطور الوسائل الطبية من مضادات التجلط إلى التدخلات المتقدمة مثل القسطرة والجراحة أصبحت فرص النجاة أكبر من أي وقت مضى. يبقى التشخيص المبكر والوعي بالأعراض والعوامل المسببة من أهم خطوات الوقاية والتدخل السريع.
المصادر:
- Franz, J., & Smith, D. (2023). Pulmonary Embolism: Diagnosis and Treatment. Journal of Clinical Medicine, 12(3), 456-467.
- NHS. (n.d.). Pulmonary embolism. Retrieved June 11, 2025