يُعدّ مرض السل من أكثر الأمراض المعدية انتشاراً في العالم، ومع ذلك فإنّ معظم حالاته يمكن الوقاية منها من خلال الوعي والالتزام بالإجراءات الوقائية. تمثل الوقاية من مرض السل خطوة أساسية للحد من العدوى وتقليل الحاجة إلى العلاجات الطويلة والمعقدة.
إنّ نشر الوعي الصحي وتبنّي الممارسات الوقائية يحمي الأفراد والمجتمعات من خطر العدوى، ويسهم في بناء بيئة أكثر أماناً وصحة، فالوقاية ليست مسؤولية طبية فحسب، بل هي واجب جماعي يحدّ من انتشار المرض ويضمن مستقبلاً خالياً من السل.
ما هو مرض السل؟
السل هو مرض معدٍ تسببه بكتيريا المتفطرة السلَية التي تصيب الرئتين في أغلب الحالات، وقد تمتد لتؤثر على أعضاء أخرى مثل الكلى والدماغ بالإضافة لسل العظام. حيث تنتقل العدوى عن طريق الهواء عندما يسعل أو يعطس الشخص المصاب دون وقاية، فيستنشقها الآخرون بسهولة. رغم أنّ المرض يتطوّر ببطء، إلا أنه ما يزال من أبرز أسباب الوفاة المعدية عالمياً، مما يجعل التوعية والوقاية منه ضرورة لحماية المجتمع والحد من انتشاره.
أهمية الوقاية من مرض السل؟
تكتسب الوقاية من مرض السل أهمية كبيرة كونها الركيزة الأولى في السيطرة على انتشار هذا المرض المعدي، فبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2024 يُصاب أكثر من عشرة ملايين شخص بالسل كل عام، وتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 60% من هذه الحالات يمكن تجنّبها من خلال تطبيق استراتيجيات وقائية فعّالة. فالتحصين المبكر، والتشخيص المبكر، والعلاج الوقائي للسل الكامن كلها وسائل تسهم في خفض معدلات العدوى والوفيات.
لا تقتصر الفائدة على حماية الفرد فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع بأكمله، إذ أنَ منع العدوى لدى شخص واحد قد يعني حماية العديد من الأشخاص من خطر الإصابة. يُعدّ الاستثمار في الوقاية خطوة ذكية تسهم في خفض الأعباء الصحية والاقتصادية وتضمن مستقبلاً أكثر أماناً خالياً من مرض السل.
لقاح BCG ودوره في الوقاية من مرض السل
يُعدّ لقاح Bacille Calmette-Guérin (BCG) الوسيلة الوحيدة المعتمدة عالمياً للوقاية من مرض السل، وهو لقاح حيّ مُضعّف طُوّر من سلالة Mycobacterium bovis ويُستخدم منذ عام 1921. يُعطى هذا اللقاح في مرحلة الطفولة المبكرة ضمن برامج التطعيم الوطنية في البلدان التي تشهد معدلات مرتفعة من الإصابة بالسل، إذ يمنح حماية فعّالة للأطفال ضد الأشكال الخطيرة من المرض مثل السل السحائي والسل المنتشر.
تقدّر فعالية اللقاح بنحو 80% خلال أول 15 سنة بعد التطعيم، إلا أن تأثيره يقلّ مع التقدّم في العمر، كما تختلف فعاليته بين المناطق الجغرافية بسبب وجود أنواع أخرى من المتفطرات في البيئة. رغم أنّه لا يمنع العدوى بشكلٍ كامل، إلا أنّه يخفّف من شدّة المرض ومضاعفاته بشكلٍ ملحوظ، وتُجرى حالياً أبحاث لتطوير لقاحات جديدة أكثر قدرة على حماية البالغين من عدوى السل الرئوي في إطار الجهود العالمية لتحقيق أهداف مبادرة End TB بحلول عام 2035.

السلوكيات اليومية للوقاية من مرض السل
تُعدّ السلوكيات الصحية اليومية خط الدفاع الأول ضد انتقال عدوى السل، فالبكتيريا تنتقل بسهولة عبر الهواء عند السعال أو العطاس في الأماكن المغلقة. الالتزام بعادات النظافة والتنفس السليم يقلّل من احتمالية العدوى ويحمي أفراد الأسرة والمخالطين المباشرين. من أهم الإجراءات الوقائية اليومية:
- تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطاس
 - فتح النوافذ يومياً لتحسين التهوية المنزلية
 - ارتداء الكمامة في الأماكن المغلقة والمزدحمة
 - غسل اليدين بانتظام وتجنّب مشاركة الأدوات الشخصية
 - تجنّب الاختلاط الوثيق مع المصابين حتى انتهاء فترة العدوى
 
كما يُنصح المصابون بالسل النشط بالبقاء في أماكن جيدة التهوية خلال الأسابيع الأولى من العلاج، مع استخدام كمامات طبية من نوع N95 وتجنّب العودة إلى العمل أو المدرسة قبل تأكيد الشفاء. الالتزام بهذه العادات اليومية البسيطة يساهم في كسر سلسلة العدوى والحدّ من انتشار المرض في المجتمع.
الوقاية من مرض السل داخل المستشفيات
تُعدّ المستشفيات من أكثر البيئات عرضةً لانتقال عدوى السل، لذلك تُطبّق فيها بروتوكولات دقيقة لمكافحة العدوى. تعتمد الوقاية داخل المستشفيات على التهوية الجيدة، واستخدام غرف ضغط سلبي لعزل المرضى المصابين بالسل النشط عن باقي المرضى، مما يحدّ من انتشار البكتيريا في الهواء.
كما يُلزم العاملون الصحيون بارتداء كمامات N95 أثناء التعامل مع المرضى، بينما يُطلب من المريض ارتداء كمامة طبية خلال الفحص أو العلاج، وتُجرى فحوص دورية للعاملين في القطاع الصحي لاكتشاف أي إصابة كامنة بالسل في مراحلها المبكرة. يضمن الالتزام بهذه الإجراءات الوقائية داخل المؤسسات الصحية حماية الطواقم الطبية والمرضى على حد سواء ويمنع تكوّن بؤر عدوى جديدة.

التغذية الصحية ودورها في الوقاية من مرض السل
تلعب التغذية السليمة دوراً محورياً في تعزيز المناعة ومقاومة العدوى، إذ تشير الدراسات إلى أن الأشخاص ذوي المناعة الجيدة قادرون على القضاء على بكتيريا السل بنسبة تصل إلى 60%، فالغذاء المتوازن لا يقي فقط من الإصابة، بل يساعد أيضاً على سرعة التعافي عند المرضى الخاضعين للعلاج.
يوصى بتناول أطعمة غنية بالبروتين مثل اللحوم، والبيض، والبقوليات، إضافةً إلى الفيتامينات والمعادن الضرورية مثل سيّما فيتامين D وفيتامين C والزنك والحديد، كونها تساهم في دعم الجهاز المناعي. كما تُعدّ معالجة سوء التغذية لدى الفئات محدودة الدخل جزءاً أساسياً من برامج الوقاية من مرض السل على المستوى الوطني، إذ إنّ الفقر وسوء التغذية يزيدان خطر الإصابة وانتكاس المرض بعد العلاج.
الوقاية الدوائية للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة
تُعد الوقاية من مرض السل باستخدام الأدوية من أهم الوسائل لحماية الفئات المعرّضة للإصابة، ويُعرف هذا الإجراء باسم العلاج الوقائي للسل الكامن أو العلاج الوقائي للسل، يهدف هذا الإجراء إلى منع تطوّر العدوى الكامنة (في حال وجودها) إلى مرض نشط معدٍ، كما يمكن أن يُعطى للأشخاص المعرّضين بشدة للإصابة حتى لو لم يُثبت لديهم وجود البكتيريا بعد، مثل المخالطين المباشرين للمصابين والعاملين في القطاع الصحي.
توصي منظمة الصحة العالمية بتطبيق هذا العلاج الوقائي أيضاً عند المصابين بفيروس HIV بسبب ضعف المناعة لديهم. وتشمل الأدوية الأكثر استخداماً دواء إيزونيازيد لمدة 6 إلى 9 أشهر أو ريفامبيسين لمدة 4 أشهر، يساعد هذا العلاج على خفض احتمال الإصابة بالمرض بشكلٍ كبير، ويُعد جزءاً أساسياً من برامج مكافحة السل على مستوى العالم، خاصةً في الدول التي تسعى إلى تقليل معدل العدوى وتحقيق أهداف مبادرة End TB العالمية.
الوقاية من مرض السل على مستوى المجتمع
تلعب الجهود المجتمعية دوراً أساسياً في الحد من انتشار العدوى وتحقيق أهداف الوقاية من مرض السل على نطاق واسع. إلى جانب مسؤولية الفرد، تقع على الحكومات والمؤسسات الصحية مهمة تحسين الظروف البيئية والمعيشية التي تسهّل انتقال البكتيريا، مثل ضعف التهوية والاكتظاظ في الأماكن العامة، حيث تساهم هذه الجهود في كسر سلسلة العدوى وبناء بيئة صحية أكثر أماناً. تشمل أهم إجراءات الوقاية المجتمعية:
- تحسين التهوية والإضاءة الطبيعية في المنازل والمدارس وأماكن العمل
 - الحد من الاكتظاظ في السجون والمخيمات والمناطق الفقيرة
 - إجراء فحوص دورية للمخالطين لحالات السل النشط
 - إطلاق حملات توعية عامة لتشجيع التطعيم والكشف المبكر
 - توفير العلاج المجاني والدعم للفئات الضعيفة والمهددة بالإصابة
 
إنّ تطبيق هذه السياسات على مستوى المجتمع بالتوازي مع السلوكيات الفردية للوقاية من مرض السل يوفّر حماية جماعية فعّالة، ويعزز من قدرة الأنظمة الصحية على السيطرة على المرض ومنع انتشاره في المستقبل.
الوقاية من مرض السل في تركيا
تولي تركيا اهتماماً كبيراً ببرامج الوقاية من مرض السل ضمن خططها الوطنية لمكافحة العدوى، حيث تشرف وزارة الصحة على تنفيذ نظام متابعة دقيق يشمل التطعيم الإجباري بلقاح BCG لجميع الأطفال حديثي الولادة، كما توفّر المراكز الحكومية فحوصاً دورية وعلاجاً وقائياً مجانياً للأشخاص المعرّضين للعدوى، مثل المخالطين والعاملين في القطاع الصحي.
تعمل المستشفيات التركية على تطبيق معايير صارمة للوقاية داخل الأقسام التنفسية، بما في ذلك غرف الضغط السلبي واستخدام كمامات N95 وتدريب الكوادر الطبية على التعامل الآمن مع المرضى. من خلال هذه الجهود المتكاملة، نجحت تركيا في خفض معدّل الإصابات الجديدة بشكلٍ ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مما جعلها نموذجاً ناجحاً في مجال الوقاية والسيطرة على السل، ويساعد مركز بيمارستان الطبي المرضى والمخالطين على الوصول إلى برامج الوقاية والفحص المبكر ضمن أفضل المستشفيات التركية المعتمدة.
في الختام، تشكّل الوقاية من مرض السل حجر الأساس في الحد من انتشاره، إذ تعتمد على الوعي بالتطعيم والسلوكيات الصحية والتغذية السليمة والعلاج الوقائي للفئات المعرّضة. إنّ الالتزام بهذه الإجراءات لا يحمي الأفراد فحسب، بل يحافظ على صحة المجتمع بأكمله، ويقلّل من عبء المرض ومضاعفاته على المدى الطويل، فالتعاون بين الفرد والمؤسسات الصحية يبقى الطريق الأضمن نحو مستقبلٍ خالٍ من السل.
المصادر:
- Centers for Disease Control and Prevention. (n.d.). Preventing tuberculosis.
 - TB Alert. (n.d.). Prevention.
 
								
								