لطالما شكّلت أورام المنصف تحدي معقد في عالم الأورام بسبب موقعها الحساس وتنوع أنواعها النسيجية ومع محدودية فعالية العلاجات التقليدية في بعض الحالات، بدأ الأمل يتجدد بفضل دور العلاج المناعي في أورام المنصف الذي غيّر قواعد اللعبة في السنوات الأخيرة فالعلاجات المناعية التي تعتمد على تنشيط الجهاز المناعي لمحاربة الخلايا السرطانية بدأت تُظهر نتائج واعدة في حالات كانت تُعدّ في السابق شبه مستعصية، فكيف يعمل هذا النوع من العلاج؟ وما هي الأدوية التي أحدثت هذا التحوّل؟ وهل يمكن أن يكون العلاج المناعي هو المستقبل الحقيقي لعلاج أورام المنصف؟ في هذه المقالة، نستعرض أحدث الاكتشافات والدراسات حول هذا المجال الصاعد بأسلوب مبسّط وعلمي موثوق.
ما هي أورام المنصف؟
أورام المنصف هي كتل تنمو داخل المنصف وهي المنطقة الواقعة في منتصف الصدر بين الرئتين خلف عظم القص وأمام العمود الفقري. يمكن أن تكون هذه الأورام حميدة أو خبيثة، وتنشأ من أنسجة مختلفة في المنصف مثل الغدة الزعترية أو الأعصاب أو العقد اللمفاوية أو الأوعية الدموية.
وعلى الرغم من أن العديد من هذه الأورام لا تُسبب أعراضًا في مراحلها المبكرة، فقد يعاني بعض المرضى من أعراض مثل السعال المزمن، أو ضيق التنفس، أو ألم في الصدر، أو صعوبة في البلع، خاصة عندما يزداد حجم الورم ويضغط على الأعضاء المجاورة
كما تختلف الأسباب بحسب نوع الورم فبعضها يرتبط بفرط نمو الغدة الزعترية وبعضها ينشأ من العقد اللمفاوية أو الخلايا الجرثومية، أما عن العلاج فيعتمد على طبيعة الورم وموقعه وتشمل الخيارات الجراحة،والعلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي وتُعد الجراحة الخيار العلاجي الأكثر شيوعاً خاصة في الحالات القابلة للاستئصال الكامل.
ما هو العلاج المناعي وكيف يعمل؟
يُعد العلاج المناعي أحد التطورات البارزة في علاج السرطان إذ يعتمد على تحفيز جهاز المناعة في الجسم وتمكينه من التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. بخلاف العلاجات التقليدية مثل العلاج الكيميائي، الذي قد يتسبب في إلحاق الضرر بالخلايا السليمة إلى جانب السرطانية، يتميز العلاج المناعي بتركيزه على الخلايا المريضة فقط، مما يقلل من التأثيرات الجانبية غير المرغوبة ويمنح استهدافًا أدق.

كيف يعمل العلاج المناعي؟
يعتمد العلاج المناعي على تعزيز الاستجابة المناعية الطبيعية ضد الورم، ويتم ذلك عبر آليات متعددة:
- تحفيز جهاز المناعة للتعرف على السرطان كمصدر خطر، ما يفعّل خلايا دفاعية قوية لمهاجمته.
- استهداف الخلايا السرطانية بشكل مباشر سواء بمنع نموها أو تعطيل إشارات الهروب التي تستخدمها لتجنب الكشف المناعي.
- تسخير دفاعات الجسم الطبيعية من خلال أدوات بيولوجية متطورة تُعيد توجيه الجهاز المناعي إلى البؤرة السرطانية.
أنواع العلاج المناعي:
- مثبطات نقاط التفتيش المناعية (Immune Checkpoint Inhibitors): تعمل هذه الأدوية على تعطيل البروتينات التي تُثبّط عمل الخلايا المناعية مما يسمح لها بالتعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها بفعالية وتشمل أبرز هذه المثبطات PD‑1، PD‑L1، وCTLA‑4.
- نقل الخلايا التائية المُتبناة (Adoptive T‑cell Therapy): تُجمع خلايا تائية من المريض وتُعدّل أو تُنشّط في المختبر ثم تُعاد إلى الجسم لمهاجمة الورم بقوة مُضاعفة ومن أبرز أنواعها تقنية CAR T-cell التي أظهرت نتائج مذهلة في بعض أنواع السرطان.
- لقاحات السرطان (Cancer Vaccines): تهدف هذه اللقاحات إلى تحفيز الجهاز المناعي لاستهداف خلايا سرطانية محددة بطريقة تُشبه اللقاحات المستخدمة ضد الفيروسات لكن مع تصميم مخصص لكل نوع من الأورام.
مزايا العلاج المناعي:
- استهداف أدق: يركز على تدمير الخلايا السرطانية دون الإضرار الكبير بالخلايا السليمة.
- استجابات طويلة الأمد: في بعض الحالات، يؤدي إلى نتائج مستدامة أو حتى شفاء تام.
- آثار جانبية أقل حدّة: غالبًا ما تكون أقل من تلك الناتجة عن العلاجات الكيميائية أو الإشعاعية
دور العلاج المناعي في أورام المنصف
برز العلاج المناعي في السنوات الأخيرة كأحد الاتجاهات الواعدة في علاج السرطان ويزداد الاهتمام به في حالات أورام المنصف خصوصاً عندما تكون الجراحة أو العلاج الكيميائي غير فعالَين أو غير ممكنَين. يستند هذا النوع من العلاج إلى تحفيز الجهاز المناعي للجسم ليُميّز الخلايا السرطانية ويهاجمها بشكل دقيق وبينما حقق العلاج المناعي نجاح ملحوظ في أنواع عديدة من الأورام لا يزال تطبيقه في أورام المنصف في مرحلة التطوير مع استمرار الأبحاث السريرية لتحسين فعاليته وتحديد الاستراتيجيات المثلى لاستخدامه. ويتمتطبيق العلاج المناعي في أورام المنصف:
- أورام الغدة الصعترية الظهارية (TETs): أظهرت مثبطات نقاط التفتيش مثل Pembrolizumab نتائج مبشرة خاصة في الحالات المتقدمة أو المتكررة.
- ورم الخلايا البائية الكبير المنصفي الأولي (PMBCL): يُستخدم العلاج المناعي إلى جانب العلاج الكيميائي كخيار فعّال، لا سيما لدى المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج الأولي.
- أنواع أخرى من أورام المنصف: مثل أورام الخلايا الجرثومية والساركوما المنصفية لا تزال قيد الدراسة وتحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتحديد مدى استجابتها للعلاج المناعي.
فوائد العلاج المناعي في أورام المنصف
من خلال تسخير قدرات الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها يمكن للعلاج المناعي أن يُحدث استجابات طويلة الأمد ويُحسّن من فرص البقاء بل ويُمهّد الطريق نحو الشفاء لدى بعض المرضى ومن فوائده في أورام المنصف:
- تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة: أثبتت مثبطات نقاط التفتيش المناعية فعاليتها في تحسين معدلات البقاء الإجمالي (OS) والبقاء دون تطور المرض (PFS) ليس فقط في سرطانات شائعة بل أيضاً في بعض أورام المنصف، هذا يعني أن المرضى قد يتمكنون من العيش لفترات أطول مع تحكّم أفضل في المرض.
- استجابات طويلة الأمد: في بعض الحالات يؤدي العلاج المناعي إلى انكماش الورم بشكل ملحوظ أو حتى إلى اختفائه الكامل، تُترجم هذه الاستجابات إلى تحسّن كبير في نوعية حياة المريض مع قدرة أفضل على السيطرة على الورم على المدى الطويل.
- إمكانية الشفاء: رغم أن هذا السيناريو لا ينطبق على جميع المرضى فإن العلاج المناعي أتاح في بعض الحالات الوصول إلى حالة شفاء سريري حيث يختفي الورم ولا تظهر علامات على عودته لفترات طويلة.
- تقليل الاعتماد على العلاج الكيميائي: يمكن استخدام العلاج المناعي كخيار بديل أو مكمل للعلاج الكيميائي ما يُقلل من الحاجة إلى جرعات عالية من أدوية سامة ويخفف من الأعراض الجانبية المرتبطة بها.
- فعالية في حالات متقدمة أو نقيلية: العلاج المناعي يُعد خيار فعّال في أورام المنصف المتقدمة أو المنتشرة خاصةً حين تكون الخيارات العلاجية الأخرى محدودة أو ذات فعالية ضعيفة.
التحديات والآثار الجانبية للعلاج المناعي
رغم الفوائد العلاجية الكبيرة التي يقدمها العلاج المناعي، إلا أن تفعيله للجهاز المناعي قد يؤدي إلى مجموعة من الآثار الجانبية، تختلف في شدتها من شخص إلى آخر. تنجم معظم هذه الأعراض عن استجابة مناعية مفرطة، حيث قد يُهاجم الجهاز المناعي أنسجة سليمة إلى جانب استهدافه للخلايا السرطانية ومن آثاره الجانبية الشائعة:
- التعب العام: إحساس دائم بالإرهاق أو الوهن، حتى دون مجهود.
- مشكلات جلدية: مثل الطفح الجلدي، الحكة، جفاف الجلد، أو في بعض الحالات تقشّر الجلد وظهور بثور.
- أعراض شبيهة بالإنفلونزا: وتشمل الحمى، القشعريرة، آلام العضلات، والتوعك العام.
- مشاكل هضمية: مثل الغثيان، الإسهال، القيء، أو آلام في البطن.
الآثار الجانبية الأكثر خطورة (المرتبطة بالمناعة – irAEs):
- التهاب الرئة: يسبب سعالًا جافًا، صعوبة في التنفس، وألمًا في الصدر.
- التهاب القولون : يؤدي إلى إسهال شديد، تقلصات معوية، وقد يترافق مع نزيف.
- التهاب الكبد المناعي: يُظهر على شكل تعب شديد، اصفرار الجلد والعينين (يرقان)، وألم في الجزء العلوي من البطن.
- التهاب عضلة القلب: نادر لكنه خطير، وقد يسبب ألمًا صدريًا، ضيق تنفس، واضطرابات في نبض القلب.
- أعراض عصبية: مثل الصداع، الدوخة، الارتباك الذهني، أو في حالات نادرة، نوبات صرعية.
- اختلال الغدد الصماء: اضطرابات في وظائف الغدة الدرقية أو النخامية، قد تظهر في صورة تغيرات في الوزن، تقلبات المزاج، أو إرهاق غير مفسر.
التحديات المرتبطة بالعلاج المناعي:
- فعالية غير متوقعة: لا يُظهر جميع المرضى استجابة للعلاج المناعي ولا يزال من الصعب تحديد من سيستفيد منه مسبقاً.
- تباين الخلايا الورمية: قد تحتوي الأورام على خلايا غير متجانسة، مما يؤدي إلى استجابة غير مكتملة للعلاج.
- مقاومة العلاج: في بعض الحالات تطور الأورام آليات لمقاومة العلاج المناعي مع مرور الوقت.
- غياب مؤشرات حيوية دقيقة: يُعدّ التعرف على مؤشرات حيوية دقيقة (مثل PD-L1 أو TMB) للتنبؤ بالاستجابة تحدي علمي مستمر.
مستقبل العلاج المناعي في أورام المنصف
يبدو مستقبل العلاج المناعي واعدًا في مجال أورام المنصف خاصة مع التقدم في استراتيجيات العلاج والتكنولوجيا الحيوية ويجري حالياً تقييم فعاليتها من خلال تجارب سريرية متعددة. يركّز الباحثون أيضًا على التركيبات العلاجية مثل دمج العلاج المناعي مع العلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو العلاجات الموجهة لتحسين الاستجابة ومواجهة مقاومة الأورام. من بين الأساليب الجديدة التي تُبشّر بنتائج مستقبلية:
- علاج الخلايا التائية CAR-T
- الفيروسات المحلّلة للأورام
- لقاحات السرطان العلاجية
- العلاجات الخلوية المناعية المتبنية
مع التقدم المتسارع في علم الأورام والمناعة بات العلاج المناعي يمثل أحد أكثر الأساليب الواعدة في التعامل مع أورام المنصف خاصة في الحالات المعقدة أو المتقدمة التي يصعب علاجها بالوسائل التقليدية. من خلال تسخير الجهاز المناعي وتوجيهه لاستهداف الخلايا السرطانية بدقة، يُمكن للعلاج المناعي أن يُحدث فرق حقيقي في فرص البقاء ونوعية الحياة لدى المرضى.
المصادر:
- National Cancer Institute. (2019, September 24). Immunotherapy to treat cancer. National Cancer Institute
- National Library of Medicine. (2025, March 18). Cancer immunotherapy. MedlinePlus.