يعتبر ارتجاع المريء (GERD) من الاضطرابات الهضمية المزمنة الشائعة التي تحدث عندما يتكرر ارتداد أحماض المعدة إلى المريء مسبباً أعراضاً مزعجة مثل حرقة المعدة وارتجاع السوائل الحامضية وأحياناً صعوبة في البلع أو ألم في الصدر. على الرغم من أن العديد من المرضى يستجيبون للعلاج الدوائي وتعديل نمط الحياة فإنّ فئة منهم تعاني من استمرار الأعراض أو حدوث مضاعفات وهذا ما يجعل التدخل الجراحي خياراً ضرورياً.
الجراحة لعلاج ارتجاع المريء تهدف إلى تقوية الصمام بين المعدة والمريء ومنع رجوع الحمض إلى الأعلى، إذ تُعد جراحة نيسن بالمنظار (Nissen fundoplication) التقنية الأكثر شيوعاً وفعالية لهذه الحالة، حيث أظهرت لنا نتائج ممتازة في تحسين حياة المرضى وكذلك تقليل الاعتماد على الأدوية على المدى الطويل.
ما هو ارتجاع المريء (GERD)؟
ارتجاع المريء (Gastroesophageal reflux disease – GERD) هو اضطراب مزمن يحدث عندما تتدفق محتويات المعدة وخاصةً الحمض إلى المريء بشكل متكرر وهذا التدفق العكسي يسبب تهيج بطانة المريء ويؤدي إلى أعراض مزمنة ومضاعفات إذا تُرك دون علاج. في الحالات الطبيعية يمنع الصمام العضلي السفلي للمريء (LES) هذا الارتجاع لكن عندما يصبح ضعيفاً أو مرتخياً بشكل غير طبيعي يصبح الارتجاع أكثر تكراراً وذلك خاصةً بعد الوجبات أو عند الاستلقاء.
الأسباب الشائعة لارتجاع المريء
- ضعف أو ارتخاء المصرة المريئية السفلية (LES): هو السبب الأساسي في معظم حالات GERD، وذلك عندما لا تُغلق هذه المصرة بإحكام، يسمح ذلك برجوع الحمض من المعدة إلى المريء.
- فتق الحجاب الحاجز (Hiatal Hernia): وهو حالة تحدث عند اندفاع جزء من المعدة نحو الصدر وهذا ما يُضعف ضغط المصرة ويُسهم في تفاقم الارتجاع.
- السمنة: تسبب السمنة زيادة الضغط على البطن مما يرفع احتمالية رجوع الحمض.
- الحمل: التغيرات الهرمونية وضغط الرحم على المعدة يساهمان في ارتخاء المصرة.
- تناول وجبات كبيرة أو الاستلقاء مباشرة بعد الأكل: يؤثر على وظيفة المعدة ويزيد من فرصة الارتجاع.
- بعض الأدوية: مثل مرخيات العضلات أو أدوية الربو قد تؤثر على كفاءة المصرة المريئية.
الأعراض الشائعة لارتجاع المريء
- حرقة المعدة (Heartburn): شعور حارق في الصدر يحدث غالباً بعد الأكل وقد يزداد عند الانحناء أو الاستلقاء.
- قلس حمضي (Acid regurgitation): ارتداد محتويات المعدة إلى الحلق أو الفم ويشعر المريض بطعم مر أو حامض.
- ألم في الصدر: يشبه أحياناً ألم القلب لكن مصدره من الجهاز الهضمي.
- بحة في الصوت أو سعال مزمن: نتيجة تهيج الحنجرة من الحمض الصاعد.
- صعوبة في البلع (Dysphagia): بسبب الالتهاب أو تضيّق المريء الناتج عن الارتجاع المتكرر.
متى تُصبح الجراحة ضرورية لعلاج ارتجاع المريء؟
الجراحة لعلاج ارتجاع المريء تعد خياراً مهماً في حالات محددة، وخاصةً عندما لا توفر العلاجات الدوائية الراحة الكافية أو تظهر مضاعفات تؤثر على صحة للمريض، من أهم الحالات التي تستدعي الجراحة:
- استمرار الأعراض رغم العلاج الدوائي: عندما تستمر الأعراض مثل حرقة المعدة القلس أو الألم الصدري على الرغم من الالتزام بالعلاج باستخدام مثبطات مضخة البروتون (PPIs) أو غيرها من الأدوية، فهذا مؤشر إلى الحاجة للتدخل الجراحي.
- تأثير الأعراض على الحياة اليومية: في حال أثرت الأعراض اليومية للارتجاع بشكل كبير على النوم والعمل والنشاطات الاجتماعية ولم تساعد التعديلات السلوكية والدوائية، فهنا قد يتم التوصية بالجراحة.
- ظهور مضاعفات ناتجة عن الارتجاع المزمن: مثل التهاب المريء أو التقرحات أو تضيق المريء (strictures) أو تطور مريء باريت (Barrett’s esophagus)، وهذه تعد تغيّرات في بطانة المريء قد تُسبب خطراً مستقبلياً للإصابة بسرطان المريء.
أنواع الجراحة المستخدمة في علاج ارتجاع المريء
تعد الخيارات الجراحية لعلاج ارتجاع المريء عديدة، حيث تختلف حسب حالة المريض وشدة الأعراض، إذ تهدف هذه الإجراءات إلى تقوية الصمام المريئي السفلي لمنع ارتداد حمض المعدة وتقليل المضاعفات، ومن أهم هذه الإجراءات:
عملية نيسن (Nissen Fundoplication)
تعتبر عملية نيسن لف المعدة (360 درجة) الإجراء الجراحي الأكثر شيوعاً لعلاج ارتجاع المريء، حيث يقوم الجرّاح بلفّ الجزء العلوي من المعدة حول أسفل المريء لتقوية العضلة العاصرة السفلية ومنع ارتجاع الحمض، حيث يمكن تنفيذ هذا الإجراء عن طريق الجراحة المفتوحة أو بالتنظير وغالباً ما يتم تفضيل المنظار لأسباب عديدة منها قصر فترة الشفاء وانخفاض معدل المضاعفات.
نيسن المعدّلة (Floppy Nissen)
في هذا النوع، يتم لف المعدة الكامل، ولكن بشكل فضفاض أو أقل شداً، حيث يُستخدم لتقليل المضاعفات بعد الجراحة، مثل الانتفاخ أو عسر البلع.
اللف الجزئي (Partial Fundoplication)
في بعض الحالات وخاصة عندما تكون حركة المريء ضعيفة يتم إجراء لف جزئي بدلاً من القيام باللف الكامل، تشمل هذه الإجراءات:
- Toupet Fundoplication: لف خلفي بزاوية 270 درجة.
- Dor Fundoplication: لف أمامي بزاوية 180 درجة.
تهدف هذه الإجراءات إلى تقليل الضغط الزائد على المريء وهذا ما يقلل من خطر عسر البلع أو الغازات الزائدة مع الحفاظ على فعالية معقولة ضد الارتجاع
الجراحة بالمنظار مقابل الجراحة المفتوحة
يمكن إجراء جميع هذه العمليات جراحياً بطريقتين:
- بالمنظار: يتم عبر شقوق صغيرة باستخدام كاميرا وأدوات دقيقة، حيث يمتاز بألم أقل وفترة بقاء أقصر في المستشفى وتعافٍ أسرع.
- الجراحة المفتوحة: تُستخدم عند وجود فتق حجابي كبير أو حالات معقدة، لكنّها تترافق غالباً مع آلام أكبر وفترة نقاهة أطول.
إجراءات أخرى: TIF (اللف عبر الفم دون شق جراحي)
يعتبر TIF (Transoral Incisionless Fundoplication) خياراً حديثاً يُنفَّذ باستخدام منظار داخلي عبر الفم دون الحاجة لأي شق خارجي، حيث يُستخدم لتقوية الصمام المريئي السفلي دون جراحة تقليدية ويُعد مناسباً للمرضى الذين يرغبون في تجنب الجراحة التوغلية.
خطوات إجراء الجراحة بالمنظار لعلاج ارتجاع المريء
تعتمد الجراحة على تقوية الصمام بين المريء والمعدة وأحياناً تشمل علاج فتق الحجاب الحاجز إن وُجد، وتُجرى هذه الجراحة تحت التخدير العام باستخدام أدوات دقيقة عبر شقوق صغيرة في البطن، من أهم خطوات هذه الجراحة:
- التخدير العام: يبدأ الإجراء بإعطاء المريض تخديراً عاماً، وهذا ما يجعل المريض في حالة نوم عميق دون وعي أو ألم أثناء الجراحة.
- عمل شقوق صغيرة ونفخ البطن: يقوم الجراح بإجراء ما بين 4 إلى 6 شقوق صغيرة في جدار البطن كل منها يتراوح بين 0.5 إلى 1 سم، ثم يُضخّ غاز ثاني أكسيد الكربون داخل التجويف البطني لتوسيع المساحة وتوفير رؤية أفضل خلال العملية.
- إدخال المنظار والأدوات الجراحية: يُدخل الجراح منظاراً مزوّداً بكاميرا عالية الدقة لعرض التجويف الداخلي، إلى جانب أدوات جراحية دقيقة يتم التحكم بها عن بُعد، تُستخدم الكاميرا لتوجيه الخطوات التالية بدقة عالية.
- تقوية الصمام بين المريء والمعدة (Fundoplication): يقوم الجراح بلفّ الجزء العلوي من المعدة حول الطرف السفلي للمريء، ولكن يوجد أكثر من حالة:
- في اللف الكامل (عملية نيسن): يتم لف المعدة 360 درجة.
- في اللف الجزئي مثل توبيت (270 درجة) أو دور (180 درجة): يُجرى اللف بشكل جزئي لتقليل الضغط الزائد وتجنّب عسر البلع، كما تُثبّت هذه اللفات بخياطة دقيقة لضمان بقاء المعدة في موضعها حول المريء.
- إصلاح فتق الحجاب الحاجز (إن وُجد): إذا كان هناك فتق حجابي يُسحب الجزء المنزلق من المعدة إلى داخل التجويف البطني، ثم تُخاط فتحة الحجاب الحاجز لتضييقها، كما قد تُستخدم شبكة جراحية لدعم منطقة الإصلاح.
- فحص المنطقة وإغلاق الشقوق: بعد التأكد من نجاح اللف وإصلاح الفتق يُغسل التجويف البطني بمحلول معقم،.ثم تُزال الأدوات وتُخاط الشقوق الصغيرة وتُغطى بضمادات. تكون الندوب الناتجة صغيرة غالباً وتتعافى بسرعة.
- المتابعة بعد العملية: يتم نقل المريض إلى وحدة العناية ما يعد التخدير حيث يتم مراقبة وضعه الحيوي، ويُسمح له بتناول السوائل بعد عدة ساعات ويتدرج النظام الغذائي خلال الأيام التالية.
مزايا الجراحة لعلاج ارتجاع المريء
- الاستغناء عن الأدوية المزمنة: تتيح الجراحة للعديد من المرضى التوقف عن استخدام مثبطات مضخة البروتون (PPIs) أو تقليل جرعتها بشكل كبير مما يقلل من الآثار الجانبية المرتبطة بالاستخدام طويل الأمد.
- تحسّن الأعراض بشكل ملحوظ: تقل بشكل واضح أعراض مثل الحرقة المعدية والارتجاع وحتى أعراض الجهاز التنفسي المرتبطة بالارتجاع مثل السعال المزمن أو الربو.
- فعالية طويلة الأمد: تُظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من المرضى يحققون تحسناً دائماً في الأعراض يمتد لسنوات بعد الجراحة مع معدلات منخفضة لتكرار المرض.
- تحسين جودة الحياة: يشعر معظم المرضى بعد الجراحة بارتياح نفسي وجسدي كبير نتيجة زوال الأعراض المزعجة وقدرتهم على الأكل والنوم بصورة طبيعية دون الحاجة إلى أدوية مستمرة.
- إصلاح الفتق الحجابي المتزامن: في حال وجود فتق حجابي يتم إصلاحه أثناء الجراحة مما يساهم في تقليل حدوث الارتجاع مستقبلاً.
المخاطر والمضاعفات المحتملة
رغم أن الجراحة لعلاج ارتجاع المريء تعتبر آمنة وفعالة في معظم الحالات إلا أن هناك بعض المخاطر والمضاعفات المحتملة التي يجب أخذها بعين الاعتبار:
- صعوبة مؤقتة في البلع، خاصةً في الأسابيع الأولى بعد الجراحة
- تراكم الغازات والانتفاخ نتيجة تغيرات في مسار الهواء أثناء الأكل
- عدم القدرة على التجشؤ أو التقيؤ بسهولة بعد الجراحة
- احتمال عودة أعراض الارتجاع لدى نسبة صغيرة من المرضى، خصوصاً على المدى البعيد
- إصابة العصب المبهم أو الأعضاء المجاورة أثناء الجراحة (نادر)
- العدوى أو النزيف في موقع العملية
- الحاجة لإعادة الجراحة في حالات نادرة جداً بسبب فشل اللف أو تفككه
الحياة بعد الجراحة
بعد الجراحة لعلاج ارتجاع المريء يبدأ المريض بمرحلة نقاهة تشمل ثلاث جوانب رئيسية: النظام الغذائي، فترة التعافي، والمتابعة الطبية. يبدأ عادةً بتناول السوائل الصافية لبضعة أيام ثم ينتقل تدريجياً إلى السوائل الكاملة والأطعمة المهروسة لمدة تصل إلى 4–6 أسابيع، حتى تستقر بطانة المريء بعد جراحة نيسن لعلاج الارتجاع، كما يُشجع المريض على الحركة الخفيفة والمشي خلال الأيام الأولى، وتجنب الأنشطة الشاقة لعدة أسابيع. بهدف الوقاية من المضاعفات التنفسية، يستخدم مقياس التنفس التحفيزي للتمارين التنفسية. تُجرى المتابعة الدورية بعد 10–14 يوماً من خروج المريض، لضبط النظام الغذائي والمراقبة السريرية، مما يعزز فرص نجاح علاج ارتجاع المريء جراحياً وتحقيق استقرار طويل الأمد.
تعد الجراحة لعلاج ارتجاع المريء خياراً فعالاً وآمناً للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات الدوائية أو يعانون من مضاعفات مزمنة نتيجة الارتجاع، حيث توفر جراحة نيسن لعلاج الارتجاع بفضل تقنياتها المتقدمة نتائج ممتازة من حيث تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة. ورغم وجود بعض المخاطر والمضاعفات المحتملة إلا أنها تبقى محدودة ويمكن السيطرة عليها عند اختيار الجراحة في الوقت المناسب وتحت إشراف طبي متخصص. المتابعة المنتظمة والالتزام بالتوصيات بعد العملية، خصوصاً من حيث النظام الغذائي والنشاط البدني، تلعب دوراً مهماً في إنجاح علاج ارتجاع المريء جراحياً على المدى الطويل.
المصادر:
- Katz, P. O., Gerson, L. B., & Vela, M. F. (2024). Gastroesophageal Reflux Disease. In StatPearls. StatPearls Publishing.
- MedlinePlus. (2024). GERD. U.S. National Library of Medicine.