تمرّ مراحل مرض باركنسون بعدة أطوار، حيث تبدأ بأعراض خفيفة بالكاد تُلاحظ، ثم تتطور تدريجياً لتؤثر على الحركة والتوازن ونمط الحياة، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم يعانون من هذا الاضطراب العصبي المزمن، وغالباً ما تبدأ الأعراض بعد سن الخمسين. تساعد معرفة المراحل المختلفة للمرض في تحسين الرعاية الطبية ووضع خطة علاجية مخصصة تبطئ من تطوره وتحافظ على جودة حياة المريض.
ما هو مرض باركنسون؟
مرض باركنسون هو اضطراب تدريجي يصيب الجهاز العصبي المركزي ويؤثر بشكل رئيسي على الحركة، ويحدث بسبب فقدان الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في منطقة من الدماغ تسمى المادة السوداء. ليس لمرض باركنسون سبب محدد، ولكن هناك بعض العوامل التي تؤهب للإصابة به مثل التقدم في العمر، ووجود عوامل وراثية (تاريخ عائلي للمرض)، كما وإن لبعض العوامل البيئية (مبيدات الحشرات) دور في ظهور المرض. تبدأ أعراض مرض باركنسون بالظهور تدريجياً، وهي تشمل أعراضاً حركية وغير حركية وهي:
- الأعراض الحركية:
- الرعاش: اهتزاز لا إرادي في الأطراف.
- بطء الحركة: صعوبة بدء الحركة.
- تيبّس العضلات: تصلب الجذع والأطراف.
- عدم التوازن: صعوبة في الوقوف والمشي.
- الأعراض غير الحركية:
- الإمساك
- مشاكل في النوم
- الاكتئاب والقلق
- مشاكل في الذاكرة
- اضطرابات في حاسة الشم
تظهر هذه الأعراض تدريجياً وليس دفعة واحدة، وتزيد سوءاً كلما تقدمت مرحلة المرض، وقد تؤدي مضاعفات هذه الأعراض في النهاية إلى الوفاة، ولذلك من الضروري متابعة المرض ومحاولة علاجه.
تصنيف مراحل مرض باركنسون
تقسم مراحل مرض باركنسون إلى 5 مستويات وفق مقياس هوهن ويار، حيث تبدأ الأعراض بشكل بسيط في المرحلة الأولى وتصل إلى ذروتها في المرحلة الخامسة.
المرحلة الأولى
تسمى مرحلة المرض أحادي الجانب (unilateral)، وفي هذه المرحلة تظهر الأعراض في جانب واحد فقط من الجسم، كأن تظهر الأعراض في اليد اليمنى دون اليسرى، وتعتبر هذه المرحلة هي البداية لمرض باركنسون، ويمكن أن تستمر لعدة سنوات.
لابد من وصف علاج وقائي للجهاز العصبي المركزي في هذه المرحلة، وذلك لتقليل تلف الخلايا العصبية إلى الحد الأدنى الممكن، ولإطالة هذه المرحلة وتأخير الدخول في المرحلة التي تليها قدر الإمكان.
المرحلة الثانية
تسمى مرحلة المرض ثنائي الجانب، حيث أنه في هذه المرحلة تبدأ الأعراض بالظهور في جانبي الجسم الأيمن والأيسر معاً، ويشخص المريض بالإصابة بالمرحلة الثانية فور ظهور أي عرض من أعراض المرض مهما كان خفيفاً على الجانب الآخر من الجسم.
المرحلة الثالثة
تبداً المرحلة الثالثة من مراحل مرض باركنسون عندما تبدأ أعراض فقدان التوازن بالظهور، حيث أن المريض في هذه المرحلة يكون غير قادر على الحفاظ على استقامة ووضعية جسمه، فتقل قدرته على التوازن، ويواجه صعوبة في الوقوف والمشي، وقد يسقط أحياناً أثناء محاولته المشي بانتظام.
المرحلة الرابعة
تعتبر هذه المرحلة هي النقطة الفارقة في تطور أعراض المرض، حيث أنه في هذه المرحلة تزداد الأعراض بشكل كبير، فيصبح المريض غير قادر على موازنة جسمه أبداً، وقد يفقد القدرة على المشي، مما يجعله بحاجة إلى رعاية ومرافقة دائمة. يمكن في هذه المرحلة اللجوء إلى العلاج بإجراء جراحة التحفيز العميق للدماغ (Deep Brain Stimulation)، والتي تساعد بشكل كبير في تخفيف أعراض المرض.
المرحلة الخامسة
المرحلة النهائية لمرض باركنسون، وفي هذه المرحلة يفقد المريض قدرته على المشي دون مساعدة، وغالباً ما يعتمد المريض على التنقل بواسطة الكرسي المتحرك، إضافة إلى ظهور تصلب العضلات الشديد، ويصبح المريض بحاجةٍ إلى رعاية دائمة.

كيف يتم تحديد مرحلة المرض؟
إن معرفة مرحلة مرض باركنسون التي يوجد فيها المريض يساعد في العلاج وتخفيف الأعراض، ولذلك من المهم للطبيب أن يحدد بدقة مرحلة المرض، ويكون ذلك باستخدام عدة طرق ووسائل:
- مقياس هوهن ويار
- مقياس تقييم باركنسون الموحد: يعد هذا المقياس هو الأكثر تفصيلاً لتقييم الجوانب المختلفة للمرض، حيث يعتمد عليه الأطباء في الأبحاث والعيادات المتخصصة، ويتكون من 4 أقسام رئيسية، حيث يُعطى كل قسم درجة رقمية ومن ثم يتم حمعها لتحديد شدة المرض ومقارنة تطوره مع الزمن، وهذه الأقسام:
- الحالة العقلية والسلوك والمزاج
- أنشطة الحياة اليومية
- الأعراض الحركية (مثل الرعشة وبطء الحركة والتيبّس)
- المضاعفات الناتجة عن العلاج
- اختبارات داعمة لتحديد المرحلة: رغم أن التشخيص السريري يأتي في الدرجة الأولى، إلّا أن هناك بعض الفحوص التي تساعد في تقييم المرحلة بدقّة أكبر، وهي:
- اختبار المشي والتوازن لقياس سرعة الحركة والاستقرار
- تصوير الدوبامين لتقييم فقدان خلايا الدوبامين في الدماغ
- اختبارات معرفية ونفسية لتقييم المراحل المتقدمة التي قد تتضمن اضطرابات إدراكية أو اكتئاباً
هذه المقاييس والاختبارات تساعد في تحديد درجة المرض بدقة، وبالتالي هي تعتبر حجر الأساس لعلاج مرض باركنسون.
هل يمكن إبطاء تطور مراحل مرض باركنسون؟
رغم عدم وجود علاج يوقف المرض تماماً حتى الآن، إلا أنه يمكن إبطاء تطور مراحل مرض باركنسون بدرجة ملحوظة، وتحسين الأعراض الحركية وغير الحركية، والحفاظ على جودة حياة المريض لأطول فترة ممكنة، ويكون ذلك بـ:
- العلاج الدوائي المبكر والمنظم: إن البدء بالعلاج في مراحل مرض باركنسون الأولى يساعد على توازن الدوبامين في الدماغ وتأخير تقدم الأعراض بشكل كبير، وتشمل أهم الأدوية المستخدمة:
- ليفودوبا (Levodopa): يتحول في الدماغ إلى دوبامين لتعويض النقص.
- ناهضات الدوبامين (Dopamine Agonists): تحفز مستقبلات الدوبامين وتؤخر الحاجة لجرعات مرتفعة من ليفودوبا.
- مثبطات إنزيم COMT وMAO-B: تبطئ تكسير الدوبامين وتُطيل مفعول الأدوية الأخرى.
- التحفيز العميق للدماغ (Deep Brain Stimulation – DBS): هو إجراء جراحي دقيق يُستخدم في المراحل المتقدمة عندما تفقد الأدوية فعاليتها، ويعمل عن طريق زرع أقطاب كهربائية في مناطق معينة من الدماغ (مثل النواة تحت المهاد) لتنظيم الإشارات العصبية غير الطبيعية، وقد أثبتت الدراسات أن هذا الإجراء:
- يقلل من شدة الرعاش وبطء الحركة
- يسمح بتقليل جرعات الأدوية
- يحافظ على الوظائف الحركية لفترة أطول
- العلاج الفيزيائي والتمارين المنتظمة: إن النشاط البدني والتمارين الرياضية المنتظمة تُعد من أهم الأمور لمواجهة تطور مرض باركنسون، حيث أنها:
- تحسن تدفق الدم إلى الدماغ وتقلل من فقدان الخلايا العصبية
- تساعد في الحفاظ على المرونة والقوة
- ترفع مستويات الدوبامين الطبيعي
كل هذه العلاجات تساعد بشكل كبير في إبطاء تطور مرض باركنسون، وتخفف من الأعراض، وقد تعيد للإنسان حياته وقدرته على الاعتماد على نفسه بشكل كبير وملحوظ.
الحياة مع مراحل مرض باركنسون المتقدمة
مع تطور مراحل مرض باركنسون، تصبح الأعراض أكثر وضوحاً وتعقيداً مما يتطلب رعاية طبية ونفسية متكاملة، حيث يعاني المريض عادةً من صعوبة في المشي والتوازن، وبطء الكلام، وقد تظهر مشاكل أخرى في البلع أو الكتابة الدقيقة، ولكن مع ذلك يمكن الحفاظ على نوعية حياة مقبولة من خلال اتباع خطة علاج شاملة ومستقرة.
يُعدّ الدعم الأسري والنفسي عاملاً محورياً في هذه المراحل، إذ يساعد على تخفيف العزلة والاكتئاب اللذين قد يرافقان المرض، كما أن برامج العلاج الفيزيائي المكثفة والعلاج الوظيفي تساعد في الحفاظ على القدرة على الحركة والقيام بالأنشطة اليومية قدر الإمكان، إضافةً إلى ذلك، يُنصح بتعديل البيئة المنزلية لتسهيل التنقل وتجنب السقوط، مثل إزالة العوائق الأرضية واستخدام أدوات مساعدة كالعكاز أو الكرسي المتحرك عند الحاجة.
هل يمكن علاج مرض باركنسون؟
مع تطور الطب والهندسة الطبية، أصبح علاج مرض باركنسون ممكناً بشكل كبير، حيث باتت المشافي العالمية توفر العديد من الطرق لإيقاف تطور مرض باركنسون وتحسين أعراضه بشكل كبير، حتى إنها قد تنجح في بعض الحالات من إخفاء الأعراض بشكل تام، وتشمل أهم العلاجات المستخدمة:
- التحفيز العميق للدماغ: يُعد من أبرز التقنيات الجراحية المستخدمة لتخفيف الأعراض الحركية التي لا تستجيب للأدوية، مثل الرعشة الحادة أو التذبذبات الحركية.
- الموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي (MRgFUS): تعمل هذه التقنية على استخدام التركيز فوق الصوتي الموجه بالرنين المغناطيسي لعلاج الرعشة أو الأعراض الحركية دون الحاجة لفتح جراحي كامل أو زرع أجهزة.
- العلاج بالخلايا الجذعية: نوع من العلاج التجديدي يهدف إلى استبدال أو إصلاح الخلايا العصبية التالفة في الدماغ (خاصة الخلايا التي تنتج الدوبامين) التي تتضرر أو تُفقد في مرض باركنسون، مما يساعد في تخفيف الأعراض الحركية وإبطاء تقدم المرض بشكل كبير.

في الختام، يُعدّ فهم مراحل مرض باركنسون خطوة أساسية في التعامل مع هذا الاضطراب المعقد، فكل مرحلة تتطلب متابعة دقيقة ورعاية متخصصة. في تركيا، يوفر مركز بيمارستان الطبي خيارات علاجية متقدمة بإشراف أطباء أعصاب ذوي خبرة واسعة في علاج الحالات العصبية المزمنة. يهدف مركز بيمارستان إلى مساعدة المرضى على استعادة استقلالهم وتحسين نوعية حياتهم من خلال أحدث التقنيات الطبية والعلاجات التأهيلية المتكاملة.
المصادر:
- National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS). (2024). Parkinson’s Disease: Hope Through Research. U.S. Department of Health and Human Services.
- Johns Hopkins Medicine. (2023). Understanding Parkinson’s Disease.
