يُعدّ التهاب العنبية أحد أمراض العين الالتهابية الخطيرة التي تصيب الطبقة الوسطى من جدار العين المعروفة باسم العنبية. يمكن أن يظهر المرض بشكل مفاجئ ويتطور بسرعة مسبباً احمراراً وألماً وتشوشاً في الرؤية، وقد يصيب عيناً واحدة أو كلتا العينين.
تختلف شدة الحالة من شخص لآخر، ويمكن أن تصيب حتى الأطفال. وتتنوع أسباب التهاب العنبية بين العدوى أو الإصابات أو الأمراض المناعية الذاتية، وأحياناً يبقى السبب غير معروف. ويُعدّ التشخيص والعلاج المبكرين ضروريين للحدّ من المضاعفات الخطيرة التي قد تؤدي إلى فقدان البصر الدائم.
ما هو التهاب العنبية؟
يشير مصطلح التهاب العنبية إلى مجموعة من الالتهابات التي تصيب الطبقة الوعائية الوسطى في جدار العين المسماة بالعنبية، وهي المسؤولة عن تغذية العين وتنظيم كمية الضوء الداخلة إليها. تتكوّن العنبية من ثلاث بُنى تشريحية رئيسية هي القزحية والجسم الهدبي والمشيمية.
القزحية هي الجزء الملون الذي يحيط بالحدقة وتعمل كغالق الكاميرا لتنظيم كمية الضوء الداخلة إلى العين. أما الجسم الهدبي، فيقع خلف القزحية ويحتوي على عضلات تتحكم في شكل عدسة العين لتساعدها على التركيز على الأجسام القريبة أو البعيدة فيما يعرف بعملية التكيف البصري. أما المشيمية فهي طبقة غنية بالأوعية الدموية والخلايا الصبغية تقع بين الشبكية والصلبة، وتعمل على تزويد شبكية العين بالأوكسجين والمواد المغذية.
قد يحدث التهاب في أي جزء من هذه البنى نتيجة عدوى بكتيرية أو فيروسية أو إصابة مباشرة أو اضطراب مناعي ذاتي يجعل الجسم يهاجم أنسجته الخاصة، وأحياناً دون سبب واضح. ويُعدّ هذا الالتهاب من الحالات التي تستدعي التدخل الطبي السريع لتجنب تلف الأنسجة الحساسة وفقدان الرؤية الدائم.

أنواع التهاب العنبية
تُقسم أنواع التهاب العنبية بحسب موضع الالتهاب في العين إلى أربع فئات رئيسية:
- التهاب العنبية الأمامي: وهو النوع الأكثر شيوعاً، وينتج عن التهاب في القزحية أو الجسم الهدبي. تظهر فيه أعراض مثل احمرار العين، والألم، والحساسية للضوء.
- التهاب العنبية المتوسط: يصيب السائل الزجاجي أو المادة الجيلاتينية داخل العين، ويُعرف أحياناً باسم التهاب الزجاجي. يؤدي إلى تشوش في الرؤية أو ظهور أجسام طافية أمام العين.
- التهاب العنبية الخلفي: يصيب الأغشية الخلفية للعين مثل المشيمية أو الشبكية، وقد يمتد إلى الأوعية الدموية الشبكية، وتُعرف الحالة حينها باسم الالتهاب الوعائي.
- التهاب العنبية الشامل: يشمل الالتهاب كلّاً من الجزءين الأمامي والخلفي من العين، ويُعدّ من الأنواع الخطيرة التي قد تؤدي إلى تدهور كبير في الرؤية إذا لم تُعالج بسرعة.
أعراض التهاب العنبية
تختلف أعراض التهاب العنبية حسب موضع الالتهاب في العين وشدته، وقد تظهر فجأة أو تتطور تدريجياً على مدى أسابيع. وتشمل أكثر الأعراض شيوعاً:
- احمرار في العين
- تشوش أو ضبابية في الرؤية
- ألم أو انزعاج في العين المصابة
- ضعف أو فقدان تدريجي في البصر
- حساسية شديدة تجاه الضوء (رهاب الضوء)
- ظهور بقع داكنة أو أجسام عائمة في مجال الرؤية (الذبابة الطائرة)
تكون الأعراض أكثر وضوحاً في التهاب العنبية الأمامي، بينما قد لا يرافق التهاب العنبية المتوسط أو الخلفي أي ألم، ويظهر على شكل عوائم وتشوش في الرؤية. وقد تستمر الأعراض لأسابيع أو أشهر، وتظهر أحياناً بشكل متقطع على فترات متباعدة.
أسباب التهاب العنبية
تتعدد أسباب التهاب العنبية وقد يصعب تحديد السبب الدقيق في كثير من الحالات، إذ يُعدّ ما يقارب نصف الإصابات مجهول السبب، وغالباً ما يُعتقد أن للمرض طبيعة مناعية ذاتية تجعل الجهاز المناعي يهاجم أنسجة العين السليمة. وقد يكون الالتهاب محدوداً في العين فقط أو جزءاً من اضطراب التهابي يصيب أعضاء أخرى من الجسم، تشمل الأسباب المعروفة ما يلي:
- الأمراض المناعية الذاتية والالتهابية: مثل الساركويد والذئبة الحمامية الجهازية وداء كرون والتهاب القولون التقرحي والتهاب الفقار المقسط والتهاب المفاصل اليفعي مجهول السبب وداء بهجت ومتلازمة فوغت كوياناجي–هارادا والسندرم الكلوي–العنبي (TINU).
- العدوى (الإنتانات): وتشمل داء المقوسات والهربس البسيط والهربس النطاقي وداء الزهري وداء السل وداء لايم والفيروس المضخم للخلايا، وقد تنتقل هذه العدوى إلى العين مباشرة أو عبر الدم.
- الأدوية: في حالات نادرة قد يؤدي استخدام بعض الأدوية إلى التهاب العنبية مثل باميدرونات وريفابوتين والسلفوناميدات وسيدوفوفير إضافةً إلى بعض أدوية العلاج المناعي أو الكيميائي.
- الأورام: في حالات نادرة جداً قد تكون بعض أنواع اللمفومات أو السرطانات التي تصيب العين سبباً في حدوث التهاب يشبه العنبية.
- الإصابات الرضّية: مثل إصابات العين المباشرة أو المضاعفات التي قد تلي العمليات الجراحية العينية.
- كما تبيّن الدراسات أن العوامل الجينية قد تلعب دوراً في زيادة القابلية للإصابة وأن التدخين يجعل السيطرة على الالتهاب أكثر صعوبة ويزيد من احتمالية عودته.
تشخيص التهاب العنبية
يُشخَّص التهاب العنبية من خلال فحوص شاملة للعين تهدف إلى تحديد موقع الالتهاب وسببه المحتمل. وتشمل أهم الخطوات والإجراءات التشخيصية ما يلي:
- أخذ التاريخ المرضي المفصل: يجمع الطبيب معلومات عن الأمراض العامة أو المناعية السابقة والإصابات العينية أو العمليات الجراحية.
- تقييم حدة البصر واستجابة الحدقة للضوء: لتقدير مدى تأثير الالتهاب على الرؤية.
- قياس ضغط العين: للتحقق من وجود ارتفاع في الضغط داخل العين.
- فحص المصباح الشقي: يستخدم الطبيب هذا الجهاز لفحص الجزء الأمامي من العين وتحديد الخلايا الالتهابية داخل القزحية أو الجسم الهدبي.
- تنظير قاع العين: بعد توسيع الحدقة بقطرات خاصة، يتم فحص الشبكية والمشيمية لتقييم مدى انتشار الالتهاب.
- التصوير المقطعي البصري: يُستخدم للكشف عن أي تورم في الشبكية أو المشيمية.
- تصوير الأوعية الدموية بالفلوريسئين أو الإندوسيانين الأخضر: يُظهر التسرب أو الالتهاب في الأوعية داخل العين.
- الفحوص المخبرية: مثل تحاليل الدم أو تحليل السائل الزجاجي أو المائي لتحديد العدوى أو الاضطرابات المناعية.
- الفحوص التصويرية الإضافية: كالأشعة السينية للصدر أو الرنين المغناطيسي في حال الاشتباه بمرض جهازي مثل الساركويد أو داء بهجت.
في بعض الحالات لا يُعرف السبب الدقيق، ومع ذلك يمكن للطبيب السيطرة على الالتهاب بالأدوية والمتابعة الدورية لتجنّب المضاعفات مثل الساد أو الزرق أو الوذمة البقعية.

علاج التهاب العنبية
يهدف علاج التهاب العنبية إلى تقليل الالتهاب ومنع تلف الأنسجة داخل العين والحفاظ على الرؤية، ويختلف نوع العلاج بحسب سبب المرض وشدّته وموقع الالتهاب. في حال كان الالتهاب ناجماً عن عدوى بكتيرية أو فيروسية أو طفيلية، يُعالج المريض بالمضادات الحيوية أو الأدوية المضادة للفيروسات أو الطفيليات مع الأدوية المضادة للالتهاب. أما إذا كان الالتهاب ناتجاً عن أسباب مناعية أو غير معدية، فيُعالج دوائياً للسيطرة على التورم. تشمل الخيارات العلاجية الأساسية ما يلي:
- الستيرويدات القشرية: تُعد العلاج الأول والأكثر استخداماً، وتُعطى عادةً على شكل قطرات عينية لعلاج الالتهاب الأمامي، أو على شكل أقراص، أو حقن في العين أو حولها في الحالات المتوسطة أو الخلفية. في بعض الحالات المزمنة تُستخدم غرسات دوائية داخل العين تُطلق الكورتيكوستيرويد ببطء على مدى أشهر.
- القطرات الموسعة للحدقة: تُستخدم لتخفيف الألم الناتج عن تقلص القزحية والجسم الهدبي، وتمنع الالتصاقات داخل العين، لكنها قد تسبب تشوشاً مؤقتاً في الرؤية أو حساسية للضوء.
- الأدوية المثبطة للمناعة: تُضاف إلى العلاج عندما لا يكون الاستجابة للستيرويدات كافية أو عند الحاجة إلى تقليل جرعاتها لتجنب آثارها الجانبية، وتشمل أدوية مثل الميثوتريكسات والأزاثيوبرين والسيكلوسبورين، وأحياناً أدوية بيولوجية تستهدف مركبات التفاعل الالتهابي مثل مضادات عامل نخر الورم (TNF).
- العلاج الجراحي: يُلجأ إليه في حالات محددة، مثل إجراء استئصال الجسم الزجاجي لإزالة المواد الالتهابية داخل العين، أو زرع جهاز يطلق الكورتيكوستيرويد تدريجياً لعلاج الحالات المزمنة من التهاب العنبية الخلفي. كما يمكن إجراء جراحة لعلاج المضاعفات مثل الساد أو الزرق بعد السيطرة على الالتهاب.
قد يحتاج بعض المرضى إلى علاج طويل الأمد يمتد لأشهر أو سنوات، وتتطلب هذه العلاجات مراقبة دقيقة لتجنّب آثار جانبية مثل ارتفاع ضغط العين أو إعتام العدسة. يعتمد وقت الشفاء على موقع الالتهاب وشدته، فالتهاب العنبية الأمامي يشفى عادةً بسرعة أكبر من الأنواع الخلفية أو الشاملة. وفي حال عودة الأعراض، يجب مراجعة الطبيب فوراً لإعادة تقييم الحالة وتعديل العلاج المناسب.

مضاعفات التهاب العنبية
قد يؤدي عدم علاج التهاب العنبية أو تأخر التشخيص إلى مضاعفات خطيرة تهدد البصر. وتشمل أبرز هذه المضاعفات:
- ارتفاع ضغط العين (الزرق) وما ينتج عنه من تلف في العصب البصري
- تورم الشبكية (الوذمة البقعية) الذي يسبب تشوشاً في الرؤية المركزية
- فقدان البصر الدائم عند إهمال العلاج أو تأخر المتابعة
- تندّب الشبكية وفقدان جزء من المجال البصري
- انفصال الشبكية في الحالات المتقدمة
- إعتام عدسة العين (الساد)
يُعالج الزرق عادةً بقطرات لخفض ضغط العين، بينما قد تتطلب حالات الساد أو الزرق المستعصية تدخلاً جراحياً بعد السيطرة على الالتهاب لعدة أشهر. ويُعدّ الالتزام بالعلاج والمتابعة الدورية مع طبيب العيون الوسيلة الأهم للوقاية من هذه المضاعفات.
متى يجب مراجعة الطبيب
يجب مراجعة طبيب العيون فور ملاحظة أي تغيّر غير طبيعي في الرؤية، مثل احمرار العين المستمر أو الألم أو الحساسية الشديدة للضوء أو تشوش البصر المفاجئ. كما يُنصح بالمتابعة الدورية للأشخاص الذين يعانون من أمراض مناعية أو التهابات مزمنة لأنهم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب العنبية. الاكتشاف المبكر والعلاج السريع يُعدان الخطوة الأهم لتجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تؤدي إلى فقدان البصر الدائم.
الوقاية من التهاب العنبية
لا توجد طريقة محددة تضمن الوقاية التامة من التهاب العنبية، لكن يمكن تقليل خطر الإصابة أو تكرار النوبات من خلال الاهتمام بصحة الجسم والعين. يُنصح بعلاج أي عدوى بكتيرية أو فيروسية فور حدوثها، والحفاظ على استقرار الأمراض المناعية المزمنة مثل داء المفاصل أو داء بهجت تحت إشراف الطبيب. كما يُستحسن تجنّب التدخين والتعرّض الطويل للأشعة فوق البنفسجية، واستعمال النظارات الشمسية الواقية في الأماكن المفتوحة. تساعد الفحوص الدورية للعين على اكتشاف الالتهاب في مراحله المبكرة، مما يحدّ من المضاعفات ويحافظ على سلامة البصر.
في الختام، يُعدّ التهاب العنبية من أمراض العين التي تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً لتجنّب أضراره الدائمة على الرؤية. ويساهم التشخيص المبكر والعلاج المنتظم في السيطرة على الالتهاب ومنع مضاعفاته. ويقدّم مركز بيمارستان الطبي في تركيا أحدث تقنيات التشخيص والعلاج بإشراف نخبة من أطباء العيون المتخصصين، لضمان رعاية متكاملة تحافظ على بصر المريض وجودة حياته.
المصادر:
- National Health Service. (n.d.). Uveitis. Retrieved October 24, 2025,
- National Eye Institute. (n.d.). Uveitis. Retrieved October 24, 2025,
- Moorfields Eye Hospital NHS Foundation Trust. (n.d.). Uveitis. Retrieved October 24, 2025,
