تُعد راعة القلب الصناعي من الخيارات الحيوية المتقدمة لعلاج مرضى فشل القلب في مراحله النهائية، حيث تتيح دعماً ميكانيكياً مؤقتاً أو دائماً لوظيفة القلب، إلى حين زراعة قلب بشري أو كعلاج طويل الأمد. في تركيا، تتوفر هذه التقنية المتقدمة على يد نخبة من جرّاحي القلب، مما يجعلها مقصداً للمرضى الباحثين عن فرص جديدة للحياة..
ما هو القلب الصناعي؟
القلب الصناعي artificial heart أو ما يسمى جهاز المساعدة البطينية VAD هو جهاز يحل مكان القلب يمكنه تولي وظيفة ضخ الدم عوضاً عن قلب المريض لفترة من الوقت. أي أنه نظام بديل لعمل القلب يتم تركيبه لمساعدة القلب الطبيعي. لذلك، يمكن استخدام القلب الاصطناعي في الحالات الشديدة التي يعجز فيها قلب المريض عن إمداد الجسم بالدم بدرجة كافية.
يتم حاليًا زراعة قلوب صناعية مؤقتة لكسب الوقت أثناء نقل القلب من أحد المتبرعين، معظم القلوب الصناعية هي مضخات مساعدة للقلب، والتي تُعرف باللغة الإنجليزية باسم VAD (جهاز المساعدة البطيني).
وجب التنويه أنه لا يُقصد بـ “القلب الصناعي” دائماً إزالة القلب الطبيعي، إذ أن معظم الأجهزة مثل VAD تُركّب لدعم القلب الطبيعي دون استبداله. أما في حالات نادرة، فيُستخدم ما يُعرف بالقلب الصناعي الكامل (TAH)، الذي يُستبدل فيه القلب الطبيعي بالكامل بجهاز صناعي. كما أنه لا ينبغي الخلط بين القلب الصناعي وجهاز القلب والرئتين، وهو جهاز أكبر يستخدم عند إجراء جراحة القلب المفتوح مثلاً.

متى يتم استخدام القلب الصناعي؟
يُستخدم القلب الصناعي في البداية لكسب الوقت لدى المرضى المصابين بأمراض قلبية حادة أثناء انتظارهم لزراعة قلب بشري. إذ تُعد زراعة القلب الخيار الأخير عندما تفشل الأدوية أو التدخلات الجراحية الأخرى، وغالباً ما يكون هؤلاء المرضى في المرحلة النهائية من المرض، مع توقع حياة لا تتجاوز عادة سنة واحدة.
كما يُلجأ إلى زراعة القلب الصناعي كحل دائم في الحالات التي تصبح فيها قدرة القلب على ضخ الدم ضعيفة للغاية، مما يهدد حياة المريض في وقت قصير. تُستخدم القلوب الصناعية كذلك في حالات القصور الحاد في القلب، الذي قد ينجم عن تشوهات خلقية في القلب، أو تضيق الشرايين التاجية (CHD)، أو أمراض تضخم عضلة القلب.
في بعض الحالات، يُستخدم الدعم الميكانيكي للدورة الدموية بشكل مؤقت، بهدف منح القلب فرصة للتعافي واستعادة قدرته على ضخ الدم مجدداً، ويظل الهدف الأساسي من زراعة القلب الصناعي هو تمكين القلب من استعادة وظيفته الطبيعية لاحقاً، متى ما أمكن ذلك.
كيف يعمل القلب الصناعي؟
تعتمد معظم القلوب الصناعية الحديثة على نظام ضخ ميكانيكي يتولى جزءًا كبيرًا من وظيفة القلب الطبيعي، وهي تعرف باسم جهاز المساعدة البطينية (VAD). غالبًا ما تُستخدم مضخة البطين الأيسر (LVAD) لتأمين تدفق كافٍ من الدم إلى الجسم، وفي بعض الحالات تُستخدم أجهزة لدعم البطين الأيمن (RVAD) أو كلا البطينين معًا (BVAD) لتأمين الدورة الدموية الرئوية والجهازية.
عادةً ما يُزرع الجهاز في جدار البطن، ويبقى القلب الطبيعي الضعيف مساهمًا جزئيًا في الضخ. يتم توصيل المضخة بالقلب وبالشريان الرئيسي (الأبهر) عبر أنابيب بلاستيكية، وقد تختلف مواقع الاتصال حسب نوع الجهاز المستخدم.
من حيث آلية العمل، تنقل المضخة الدم من حجرات القلب إلى الأوعية الدموية ومن ثم إلى الأعضاء والأنسجة، وتتوفر أنواع متعددة من المضخات بعضها يعمل بطريقة نابضة، وبعضها الآخر بطريقة مستمرة (مثل التوربينات الصغيرة). تُشغَّل هذه الأنظمة باستخدام بطاريات، وتُراقَب إلكترونيًا، مع كابل يمتد من الجسم إلى وحدة التحكم الخارجية.
بالإضافة إلى أنظمة الدعم الشائعة، توجد أيضاً نماذج من أجهزة المساعدة البطينية القابلة للزرع بالكامل داخل الجسم، والتي لا يظهر منها شيء خارج الجلد سوى كابل رفيع موصول بجهاز التحكم. وتناسب هذه الأجهزة عادةً البالغين ذوي التجاويف الصدرية الكبيرة بسبب حجمها. أما البديل الكامل للقلب (TAH)، فهو جهاز يختلف عن VAD، إذ يتم فيه استئصال القلب الطبيعي تماماً واستبداله بمضخة ميكانيكية تقوم بوظائف القلب بالكامل. ويُستخدم هذا النوع في حالات خاصة ونادرة.

ما هي الفحوصات التي يتم إجراؤها قبل زراعة القلب الصناعي؟
قبل زراعة القلب الصناعي، يخضع المريض لسلسلة من الفحوصات الطبية لتشخيص حالة القلب بدقة وتقييم مدى الحاجة للجهاز. تشمل هذه الفحوصات:
- أخذ التاريخ الطبي المفصل والفحص السريري لتقييم الأعراض والعوامل المرافقة
- اختبارات الدم وقياسات ضغط الدم لمراقبة كفاءة الأعضاء الحيوية
- تخطيط القلب الكهربائي (ECG) وقياس القيم طويلة المدى لمراقبة نظم القلب
- الفحوصات التصويرية مثل الموجات فوق الصوتية للقلب (ECHO) والأشعة السينية لتقييم بنية القلب ووظائفه
بالإضافة إلى ذلك، يخضع المريض لفحوصات إضافية بهدف تقييم أهليته للإدراج في قائمة انتظار زراعة القلب في حال كان القلب الصناعي يُستخدم كحل مؤقت إلى حين توفر قلب متبرّع.
كيف يتم زرع قلب صناعي؟
تُجرى عملية زراعة القلب الصناعي تحت تأثير التخدير العام، حيث يُفتح الصدر والبطن للوصول إلى القلب. يُنشأ جيب أسفل جدار البطن لإدخال المضخة، وتُجرى فتحة تمرّ عبرها الكابلات التي تصل الجهاز الخارجي بالقلب الصناعي.
يتم توصيل جهاز القلب والرئتين المؤقت بالدورة الدموية للحفاظ على تروية الجسم بالدم الغني بالأوكسجين طوال مدة الجراحة. بعد ذلك، يُفتح ثقب في حجرة القلب ويُدخل من خلاله أنبوب التغذية الخاص بالجهاز، ثم يُثبَّت الأنبوب في جدار القلب باستخدام خيوط جراحية خاصة لضمان الإحكام ومنع التسريب. يوضع أنبوب التصريف في الشريان الأبهري لضمان تدفق الدم إلى الجسم، ثم تُزرع المضخة داخل الجيب البطني.
بمجرد التأكد من عمل القلب الصناعي بكفاءة، يُفصل جهاز القلب والرئتين، وتُغلق فتحات الصدر والبطن وتُغطّى بضمادات طبية مناسبة.
المضاعفات المحتملة من الجراحة
يمكن أن تؤدي جراحة زراعة قلب صناعي إلى مضاعفات خطيرة، نذكر منها:
- نزيف أولي أو ثانوي
- عدوى قد تؤثر على مناطق جرح العملية أو تجاويف الجسم
- اضطرابات في التئام الجروح والندوب
- خطر النزيف في التامور، مما قد يهدد الحياة
- تعرض مناطق خروج الكابلات من الجسم للالتهابات
- تكوّن جلطات دموية قد تؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية
- تهديد إمدادات الدم إلى الأعضاء بسبب الانسداد
- فشل تقنية ضخ الدم المستخدمة في الجهاز وهو أمر نادر
ما بعد العملية
يتم نقل المريض بعد العملية إلى وحدة العناية المشددة، ثم إلى جناح المستشفى العادي حيث يتلقى العلاج الطبيعي المناسب حتى يتمكن من التحرك بشكل طبيعي ومستقل مرة أخرى. يتلقى المريض أيضًا تدريبًا من الطاقم الطبي حول كيفية التعامل مع القلب الصناعي ومكوناته، خاصة جهاز المراقبة والكابل الخارجي المتصل به. يمتد هذا الكابل من الجهاز المزروع داخل الجسم إلى الخارج عبر الجلد، ويجب تثبيته بعناية وتغطيته جيدًا للحماية من التلوث أو الرطوبة. يُنصح المريض بتوخي الحذر الشديد أثناء الاستحمام، وتجنّب ملامسة الماء للجهاز.
عادةً ما يُعطى المريض أدوية مضادة للتخثر للوقاية من تكون الجلطات، وبعد الخروج من المستشفى يجب عليه متابعة الفحوصات الدورية بانتظام، وغالبًا ما تكون مرة واحدة أسبوعيًا في البداية، وذلك لضمان سلامة الجهاز ووظائف القلب.

فرص نجاح القلب الصناعي
يساعد القلب الصناعي في تحسين ضخ الدم وتزويد الأعضاء بالأكسجين، مما يخفف العبء عن عضلة القلب، ورغم أن بعض المرضى يعيشون سنوات بعد الزرع، إلا أنه لا يشكّل بديلاً دائماً للقلب الطبيعي. تُجرى هذه العملية غالباً في مراحل متقدمة من المرض، عندما تتأثر أعضاء أخرى مثل الكلى، ما يزيد من خطر الجراحة ويُطيل فترة التعافي. ومع ذلك، يمكن للمريض استعادة جزء كبير من أنشطته اليومية مع الوقت، مثل المشي أو العمل، بينما يُرجى مستقبلاً أن تُسهم التطورات التقنية في تحسين نتائج هذه القلوب الصناعية بشكل أكبر.
في الختام، تمثل زراعة القلب الصناعي حلاً متقدماً لحالات قصور القلب الشديد، حيث تساعد على تحسين جودة حياة المرضى وتمديد أعمارهم في انتظار زراعة قلب بشري أو كخيار دائم عند تعذّر الزراعة. رغم التحديات والمضاعفات المحتملة، فإن التقنيات الحديثة والدعم الطبي المتخصص في تركيا توفر للمرضى فرصاً جيدة للتعافي والعودة إلى أنشطتهم اليومية، ومع تطور الأبحاث في هذا المجال، يُتوقع أن يصبح القلب الصناعي أكثر كفاءة وأماناً في المستقبل.
المصادر:
- British Heart Foundation. (n.d.). Living with an artificial heart. Heart Matters magazine.
- Royal Brompton & Harefield Hospitals. (2018). Home for Christmas with a total artificial heart. In Annual review 2018: Record‑breaking year for Harefield transplants