يُعدّ تضيق الشريان السباتي أحد الأسباب الشائعة للسكتات الدماغية الإقفارية، وينتج عن تراكم اللويحات العصيدية داخل جدار الشريان السباتي مما يؤدي إلى تقليل تدفق الدم نحو الدماغ. ومع تطور تقنيات التداخل الوعائي، برز رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة كخيار علاجي فعّال وغير جراحي يُستخدم لتوسيع الجزء المتضيق واستعادة الجريان الدموي الدماغي. يُقدَّم هذا الإجراء بشكل خاص للمرضى المعرضين لمضاعفات الجراحة التقليدية، ويُعد بديلاً آمناً يُحسّن جودة الحياة ويُقلل من خطر السكتات الدماغية المتكررة عند اختياره في الوقت المناسب وللمرضى المناسبين.
الآلية المرضية لتصلب الشرايين السباتية
يحدث مرض الشريان السباتي نتيجة تراكم الكوليسترول في جدران الشريان، وخصوصاً عند مناطق التشعب مثل منشأ الشريان السباتي الداخلي أو الخارجي. بمرور الوقت، يؤدي هذا التراكم إلى تكوّن لويحات عصيدية (تصلبية) داخل جدار الشريان، تتكوّن من مواد دهنية وألياف عضلية. عندما تكبر هذه اللويحات قد تضيق تجويف الشريان وتُعيق تدفّق الدم إلى الدماغ، كما أن سطحها قد يكون خشناً أو غير منتظم، مما يزيد من احتمال تشكّل الجلطات الدموية عليها. إذا تمزقت اللويحة، يمكن أن تُطلق خثرة (جلطة) تسد أحد الشرايين الدماغية وتؤدي إلى سكتة دماغية أو نوبة نقص تروية دماغية عابرة، حتى وإن لم يكن التضيق شديداً جداً.
في حال ضعف التروية الدماغية، يعتمد الدماغ على ما يُعرف بـ الدوران الجانبي لتعويض النقص، وهو تدفق بديل للدم عبر أوعية متفرعة مثل دائرة ويليس الشريانية والمفاغرات بين الشرايين. لكن قدرة الجسم على التعويض تتأثر بعدة عوامل، منها حجم وشكل اللويحة، ومدة نقص التروية، وطبيعة الجلطة (الصمة) بالإضافة إلى كفاءة توسع الأوعية الدموية الدماغية (الاحتياطي الوعائي).
كل هذه العوامل تحدد شدة الأعراض العصبية، التي قد تتراوح من أعراض خفيفة ومؤقتة (مثل اضطراب الرؤية أو الضعف العضلي المؤقت)، إلى مضاعفات شديدة ودائمة كالسكتة الدماغية الكاملة.
العلاقة بين تضيق الشريان السباتي والسكتة الدماغية
تعتبر السكتة الدماغية السبب الرئيسي الثالث للوفاة في الدول الغربية ويمكن أن تسبب إعاقة دائمة، ويرتبط تصلب الشريان السباتي بشكل مباشر بنسبة 20-30% من حالات السكتة الدماغية، لذا فإن الانصمام الخثاري للأوعية الدماغية الناتج عن تصلب الشريان السباتي (الذي يسبب التضيق) يمثل مشكلة صحية هامة.
تزداد نسبة حدوث السكتة الدماغية مع تقدم العمر، ففي عام 2014 كان حوالي 2.8% من عامة السكان فوق سن 18 عاماً لديهم تاريخ من السكتة الدماغية، بالإضافة إلى ذلك أصيب حوالي 795000 شخص بسكتة دماغية جديدة أو متكررة في كل عام لاحق. وكان هناك 6.5 مليون حالة وفاة بالسكتة الدماغية في جميع أنحاء العالم، كما أن 3% من الذكور و2% من الإناث أصيبوا بإعاقة بسبب السكتة الدماغية في عام 2014.
وترتبط العديد من عوامل الخطر بشكل واضح بكل من تصلب الشرايين السباتية والسكتة الدماغية، ومن المهم جداً تذكر هذه العوامل كوسيلة لتقليل خطر تكرار السكتة الدماغية بعد إزالة اللويحة العصيدية من الشريان السباتي.
عوامل الخطر الشائعة المرتبطة بتصلب الشرايين السباتي والسكتة الدماغية
- عوامل قابلة للتعديل: ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع شحوم الدم، التدخين، السكرى، والسمنة.
- عوامل غير قابل للتعديل: العمر> 80 سنة، الذكور، وجود مرض الشريان التاجي، وجود قصور القلب الاحتقاني، ووجود قصة عائلية.
كشف وتشخيص تضيق الشريان السباتي
قد يظهر تضيق الشريان السباتي بأعراض مثل نوبة نقص التروية الدماغية العابرة أو السكتة الدماغية، أو يكون بدون أعراض، حيث تُعد نوبة نقص التروية الدماغية العابرة حدثاً عصبياً مؤقتاً يدوم من ثوانٍ إلى 24 ساعة دون تأثير دائم، لكنها قد تنذر بسكتة دماغية لاحقة.
يمكن اكتشاف التضيق خلال الفحص الروتيني عبر سماع نفخة أو بفحص الموجات فوق الصوتية، خصوصًا لدى المرضى المعرضين لخطر مثل مرضى الشريان التاجي وارتفاع ضغط الدم. وجود النفخة يتطلب فحوصات إضافية للتشخيص الدقيق، ولا تحمل جميع اللويحات نفس خطورة الانصمام الدماغي، لذا من المهم تحديد السبب بدقة لضمان العلاج المناسب.
الأعراض والعلامات السريرية لتضيق الشريان السباتي
تشمل الأعراض الرئيسية لتضيق الشريان السباتي:
- ضعف عضلات الوجه والأطراف
- اضطرابات الرؤية والصداع
- اضطرابات الكلام
تشمل العلامات التي توحي بتضيق الشريان السباتي: وجود نفخة شديد الحدة عند منشأ الشريان السباتي الداخلي، زيادة في حجم ونبض الشريان الصدغي السطحي المماثل، وتغيرات في فحص الشبكية.
متى يتم علاج تضيق الشريان السباتي؟
يعد المرضى الذين يعانون من تضيق الشريان السباتي بأكثر من 60% معرضون لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية الإقفارية بنسبة تزيد عن 10% سنوياً لذلك يُوصى بعلاج هذا التضيق بإجراء إعادة فتح مكان التضيق (إعادة التروية) لتقليل مخاطر الانصمام الدماغي. ويكون تأثير إعادة التروية محدوداً في حالات تضيق الشريان السباتي الشديد غير العرضي لأن معدل تكرار السكتة الدماغية يبلغ فقط حوالي 2% سنوياً، لذلك من المفضل اعتماد العلاج الطبي والمتابعة مع تقليل التدخل الجراحي في المرضى الذين يعانون من تضيق الشريان السباتي أكبر من 80% بدون أعراض.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر علاج إعادة التروية فوائد قصوى للمرضى الذين ظهرت عليهم أعراض حديثاً إذا تم إجراؤه في غضون 14 يوماً، ولكن يمكن النظر في علاج إعادة تروية الشريان السباتي حتى في المرضى الذين لا يعانون من أعراض مع تضيق أقل حدة في الحالات التالية: وجود انسداد في الشريان السباتي المقابل، التقدم السريع للتضيق أثناء المتابعة السريرية، وجود احتشاء دماغي على تصوير الدماغ الذي لم يكن عرضياً، ووجود اللويحات الضعيفة في التصوير بالموجات فوق الصوتية.
أمور يجب مراعاتها عند اختيار طريقة علاج تضيق الشريان السباتي
يُفضل استخدام رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة لدى المرضى الذين سيواجهون صعوبة في الخضوع لعملية استئصال باطنة الشريان السباتي أو المعرضين لخطر كبير من حدوث مضاعفات أثناء الجراحة. وعلى العكس من ذلك يُفضل إجراء جراحة استئصال باطنة الشريان السباتي إذا كان من الصعب الوصول إلى موقع الآفة عبر الأوعية الدموية بالقسطرة. ومن المفيد اختيار استئصال باطنة الشريان السباتي عندما يكون زرع الدعامة صعباً أو من المتوقع حدوث مضاعفات كبيرة بما في ذلك القوس الأبهر من النوع الثالث، أو القوس البقري، أو الانحناء القريب الشديد، أو التكلس الشديد للآفة، أو الانسداد الشرايين في الفخذ، أو الانحناء الشديد للشريان الأبهر مع التكلس.
العلاج بطريقة رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة
استمرت تقنيات رأب الشريان السباتي وتركيب الدعامة في التطور لتصبح علاجاً بديلاً فعالاً لتضيق الشريان السباتي، خاصة للمرضى ذوي المخاطر الجراحية العالية. ساعدت الأجهزة الحديثة التي تحمي أنسجة المخ من الصمات في تحسين أمان العلاج، وأظهرت الدراسات أن الرأب والدعامة قد يكونان بديلاً مكافئاً أو أفضل من استئصال الباطنة في بعض الحالات.
يتوقف توقيت التدخل على حالة المريض، حيث يُنصح بتأخير الإجراء لمدة 4 أسابيع على الأقل بعد السكتة الدماغية لتجنب النزيف، إلا في الحالات الطارئة. غالباً ما يتم إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة عندما يكون استئصال باطنة الشريان السباتي صعباً من الناحية التقنية الجراحية كما هو الحال في المرضى الذين لديهم صعوبات تتعلق بتشريح العنق، أو تكرار حدوث التضيق بعد استئصال باطنة الشريان السباتي، أو سوابق تطبيق علاج شعاعي في منطقة العنق. وتعد التضيقات التي تكون إما مرتفعة (فوق مستوى الفك السفلي) أو منخفضة (أسفل الترقوة) أكثر قابلية للعلاج بطريقة رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة مقارنة باستئصال باطنة الشريان السباتي.

كيفية إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة؟
يبدأ تحضير المريض لإجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة بتطبيق معالجة دوائية (مثل الأسبرين وكلوبيدوجريل)، وقد تختلف الأدوية المطبقة حسب رأي الطبيب المعالج والحالة السريرية للمريض.
يتم أخذ المريض إلى قسم تصوير الأوعية الدموية بالقثطرة، ويتم الدخول من الشريان الفخذي وتمرير قثطرة توجيهية إلى الشريان السباتي المصاب والمريض تحت التسكين الواعي أو التخدير العام، ثم يتم تقييم تضيق الشريان السباتي بالتصوير الوعائي الظليل.
للوقاية من حدوث السكتة الدماغية الانصمامية -وهي من المضاعفات الإجرائية الرئيسية لعملية رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة- يتم اتباع ثلاث طرق لاستخدام جهاز الحماية من الانصمام، وتشمل هذه الأجهزة الانصمام البعيد، والانصمام القريب، والترشيح (الفلترة) البعيد وهو الأكثر شيوعاً.
يتم تمرير جهاز حماية الدماغ (عادة ما يكون فلتر) عبر منطقة التضيق ويتم وضعه بعيداً عن تضيق الشريان السباتي لالتقاط أي جزيئات يمكن أن تخرج من منطقة التضيق أثناء العملية، بعد ذلك يتم وضع دعامة ذاتية التمدد في منطقة تضيق الشريان السباتي. وقد يقوم الطبيب المعالج بإجراء توسيع بالبالون قبل وبعد وضع الدعامة. وفي نهاية العملية تتم إزالة الفلتر، ويتم التأكد من كفاءة تدفق الدم عبر الدعامة وغياب الانصمام داخل الدماغ من خلال تصوير الأوعية الدموية الظليل، وعادة ما تكون مدة إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة من 30-60 دقيقة.

تتم مراقبة معدل ضربات القلب وضغط الدم بعناية أثناء إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة، ويتم إعطاء الأتروبين لتجنب أو تخفيف بطء القلب، كما يتم علاج انخفاض ضغط الدم الحاد عن طريق الحقن الوريدي وجرعات صغيرة من مقابض الأوعية (الدوبامين أو النورأدرينالين).
تتم مراقبة جميع المرضى بعد عملية رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة من الناحية العصبية والديناميكية الدموية في وحدة العناية المركزة لمدة 12 ساعة على الأقل للتحقق من حالتهم العصبية والحفاظ على المستوى الطبيعي لمعدل ضربات القلب وضغط الدم. ويخرج المريض من المستشفى بعد 48 ساعة، ويتابع جميع المرضى العلاج المزدوج بمضادات التخثر، والعلاج الخافض الدهون، والعلاج الوقائي من ارتفاع ضغط الدم.
في حالات تضيق الشريان السباتي الشديد 80%، يتم إجراء التوسيع المسبق بالبالون (3-5 مم)، وبعد التوسيع يتم وضع دعامة ذاتية التمدد في موقع التضيق، ثم يتم إجراء تصوير وعائي ظليل فإذا لوحظ وجود تضيق متبقي حوالي 30% يتم إجراء توسع لاحق ببالون (5-7 مم).
يمكن للجراحين استخدام أنواع مختلفة من الدعامات عند إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة، ففي حالات تضيق الجزء القريب من الشريان السباتي المشترك يُستحسن استخدام دعامة قابلة للتمدد بالبالون لإدخالها في الموضع الصحيح، كذلك فإنها مفيدة حتى في تضيق جزء قاعدة الجمجمة أو الجزء الصخري من الشريان السباتي. من جهة أخرى، يُوصى باستخدام الدعامات ذاتية التمدد بدلاً من تلك القابلة للتمدد بالبالون في المواقع الأكثر شيوعاً عند تشعب الشريان السباتي أو الجزء القريب من الشريان السباتي الداخلي.

رعاية المريض أثناء إجراء رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة
مرض الشريان السباتي لا يقتصر على كونه عامل خطر للسكتة الدماغية فقط، بل يدل أيضاً على وجود أمراض جهازية بالأوعية الدموية، خصوصاً أمراض القلب الإقفارية. لذلك يشمل التقييم قبل إجراء الرأب والدعامة تخطيط كهربية القلب والتقييم السريري الوظيفي للكشف عن أي مشاكل قلبية مصاحبة.
أثناء الإجراء، يجب الحفاظ على زمن التخثر النشط فوق 250 ثانية عبر إعطاء الهيبارين، مع توصية بإجراء تصوير الأوعية التاجية لأن أكثر من نصف المرضى يعانون من مرض تاجي. الانخفاض المفاجئ في ضغط الدم أو النبض بعد ارتجاع الجيوب السباتية غالباً ما يكون عابراً ولا يحتاج لعلاج خاص، إلا إذا استمر انخفاض ضغط الدم لفترة طويلة أو هبط ضغط الدم الانقباضي دون 80 مم زئبق مع ظهور أعراض.
مضاعفات عملية رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة
على الرغم من أن رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة هو خيار علاجي غير راض متطور لا علاقة له بالجراحة المفتوحة، إلا أنه يمكن أن يكون له مضاعفات أيضاً، إذ يمكن أن تحدث بعض هذه المضاعفات أثناء الإجراء، ويمكن أن يحدث البعض الآخر بعد أسبوع. إن تقييم هذه المضاعفات مهم لمنع تفاقم الإصابة، إضافة إلى ذلك يجب تثقيف المرضى وأسرهم حول علامات وأعراض هذه المضاعفات.
تبلغ نسبة حدوث المضاعفات الطبية بعد رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة أقل من 10٪ وترتبط المضاعفات بوجود ارتفاع ضغط الدم ومرض الشريان التاجي والداء السكري والقصور الكلوي. يجب أن يركز التقييم قبل الجراحة على تحديد هذه الأمراض المرافقة وتحسين عوامل الخطر القابلة للتعديل عندما يكون ذلك ممكناً.
تشمل المضاعفات المرتبطة بعملية رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة: احتشاء دماغي، نزيف دماغي، أو متلازمة فرط التروية الدموية، المضاعفات المرتبطة بموقع إدخال الدعامة، المضاعفات المتعلقة بالأجهزة الوقائية من الانصمام، المضاعفات الجهازية، والمضاعفات الموضعية في موقع بزل الفخذ.
في الختام، يمثل رأب الشريان السباتي وتركيب دعامة خياراً فعالاً وآمناً للوقاية من السكتات الدماغية لدى المرضى المصابين بتضيق في الشريان السباتي، خاصة ممن لا يناسبهم التدخل الجراحي التقليدي. ومع تطور التقنيات الحديثة وتوفر الخبرات الطبية، بات هذا الإجراء يوفر نتائج مشجعة مع مضاعفات أقل وتعافٍ أسرع.
المصادر:
- Erickson K.M, Cole D.J. Carotid artery disease: stenting vs endarterectomy. British Journal of Anaesthesia 2010;105: 34-49.
- Oran N.T, Oran I. Carotid Angioplasty and Stenting in Carotid Artery Stenosis: Neuroscience Nursing Implications. 2010; 42(1): 3-11.
- Park J.H, Lee J.H. Carotid Artery Stenting. Korean Circulation Journal 2018;48(2):1-17.