هل يمكن أن تهدد جلطة دماغية حياتك دون إنذار؟ في كثير من الحالات تكون الإجابة نعم، فهناك شريان رئيسي يمر في الرقبة ويمد الدماغ بالحياة اسمه الشريان السباتي وعندما يبدأ هذا الشريان بالتضيق بصمت فإن الخطر الأكبر يقترب وهنا يأتي دور جراحة الشريان السباتي وهي إجراء دقيق قد يكون الفاصل بين الحياة والسكتة الدماغية وفي هذه المقالة نستعرض كل ما تحتاج معرفته عن جراحة الشريان السباتي من دواعي إجرائها إلى مضاعفاتها وتعافيك منها.
ما هو الشريان السباتي وما أهميته؟
تمتد الشرايين السباتية على جانبي الرقبة وتُعد من أهم الأوعية الدموية في الجسم، إذ تقوم بتوصيل الدم الغني بالأكسجين من القلب إلى الدماغ والوجه والرقبة حيث لدى الانسان شريانان سباتيان مشتركان: الأيسر والأيمن، ينطلقان من أعلى الصدر ويتفرع كل منهما في مستوى الرقبة إلى شريانين: السباتي الداخلي الذي يغذي الدماغ والسباتي الخارجي الذي يمد الوجه والرقبة بالدم.
تُشكّل هذه الشرايين شبكة حيوية تغذي أنسجة الرأس كافة وتلعب دور حاسم في وظائف الإدراك والتفكير والحركة وحتى الشخصية عبر إمداد الجزء الأمامي من الدماغ بما يحتاجه من دم وأكسجين، تُستخدم الشرايين السباتية أيضاً في الفحوصات السريرية لقياس النبض نظراً لوضوحها وسهولة الوصول إليها خاصة في حالات الطوارئ مثل صدمة نقص حجم الدم، كما تحتوي على منطقة حساسة تُعرف باسم الجيب السباتي تضم مستقبلات ضغط تعمل على مراقبة وتنظيم ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
لكن كما هو الحال مع باقي شرايين الجسم، يمكن أن تتعرض الشرايين السباتية لمشاكل صحية أبرزها تضيق الشريان السباتي وهو انسداد جزئي أو كلي غالباً ما يحدث بسبب تصلب الشرايين، أي تراكم اللويحات الدهنية على الجدران الداخلية للشريان، هذا التضيق قد يحدّ من تدفق الدم إلى الدماغ ما يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، يُشخّص هذا التضيق عادة باستخدام الإيكو دوبلر وفي الحالات الشديدة، قد يلجأ الأطباء إلى جراحة الشريان السباتي لإزالة الانسداد واستعادة تدفق الدم الطبيعي.
باختصار، فإن الشرايين السباتية ليست مجرد أوعية ناقلة للدم، بل تمثل خط الحياة الواصل بين القلب والدماغ وأي خلل فيها قد تكون له عواقب عصبية خطيرة، ما يجعل وعينا بتشريحها وأمراضها ضرورة صحية لا يمكن تجاهلها.

ما هو تضيق الشريان السباتي؟
تضيق الشريان السباتي هو حالة تحدث عندما تتراكم رواسب دهنية تُعرف باسم اللويحات داخل جدران الشريان السباتي وهو أحد الشرايين الكبيرة الموجودة على جانبي الرقبة، تعمل هذه الرواسب على تقليل تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى الدماغ، مما يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
السكتة الدماغية هي حالة طبية طارئة تحدث عندما يتوقف أو ينخفض تدفق الدم إلى الدماغ بشكل حاد، مما يمنع الأكسجين والعناصر الغذائية من الوصول إلى الخلايا الدماغية. في غضون دقائق تبدأ الخلايا في الموت مما قد يؤدي إلى تلف دائم في الدماغ أو الوفاة، في بعض الحالات قد تكون النوبة الإقفارية العابرة (TIA) وهي فقدان مؤقت لتدفق الدم أول علامة على وجود مشكلة في الشريان السباتي.
يُعد تضيق الشريان السباتي أحد الأسباب الرئيسية للسكتة الدماغية، وهي من أكثر أسباب الوفاة والعجز شيوعاً حول العالم ولحسن الحظ يمكن الوقاية من هذا المرض وعلاجه عبر مجموعة من الإجراءات مثل: تغيير نمط الحياة وتناول الأدوية المخصصة لتقليل الدهون والسيطرة على الضغط وفي بعض الحالات التدخل الجراحي لإزالة الانسداد واستعادة التدفق الطبيعي للدم.

عوامل خطورة لتضيق الشريان السباتي
- السكري: يضعف قدرة الجسم على التعامل مع الدهون، مما يرفع ضغط الدم وتصلب الشرايين
- التاريخ العائلي: وجود حالات سابقة من تصلب الشرايين أو أمراض القلب في العائلة
- توقف التنفس أثناء النوم: مرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض الشرايين السباتية
- السمنة: تؤدي إلى ارتفاع الضغط والكوليسترول وزيادة عوامل الخطر الأخرى
- التدخين: يُتلف بطانة الأوعية الدموية ويزيد ضغط الدم وتكوّن اللويحات
- ارتفاع ضغط الدم: يضعف جدران الشرايين ويزيد من احتمال تلفها
- العرق: بعض المجموعات العرقية قد تكون أكثر عرضة للإصابة
- ارتفاع الكوليسترول: يساهم في تراكم اللويحات داخل الشرايين
- أمراض الكلى: قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومشكلات قلبية
- التقدم في العمر: تزداد احتمالية الإصابة مع التقدم في السن
- قلة النشاط البدني: تسهم في السمنة وارتفاع الضغط والسكري
متى تحتاج جراحة الشريان السباتي؟
تُوصى جراحة الشريان السباتي سواء كانت استئصال باطنة الشريان أو تركيب دعامة في حالات تضيق الشريان السباتي بشكل كبير وخاصةً عندما يكون الانسداد ناتج عن تراكم اللويحات الدهنية داخل الشريان، مما يُعيق تدفق الدم إلى الدماغ ويزيد خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وتشمل أبرز المؤشرات التي تدفع الأطباء للتوصية بجراحة الشريان السباتي ما يلي:
- شدة التضيق: عندما يكون انسداد الشريان بنسبة 70% أو أكثر سواء ظهرت الأعراض أم لا يُعد ذلك مؤشر قوي للتدخل الجراحي أما في حالات التضيق المتوسط (بين 50% إلى 69%) فيتم النظر في الجراحة.
- وجود أعراض أو تاريخ مرضي: يُعزز تاريخ السكتة الدماغية أو النوبة الإقفارية العابرة (TIA) احتمالية الإصابة بسكتة مستقبلية لذلك يُنصح غالباً بجراحة الشريان السباتي حتى لو كان التضيق متوسط كما أن الأعراض مثل الضعف والخدر وصعوبة الكلام أو اضطرابات الرؤية تُعتبر إشارات تدعو للتدخل العلاجي.
- الحالة الصحية العامة والعمر: تُؤخذ الصحة العامة للمريض والأمراض المصاحبة ومتوسط العمر المتوقع بعين الاعتبار لموازنة فوائد الجراحة مقابل مخاطرها.
- نهج فردي مخصص: لا يوجد قرار موحد، بل يُتخذ بناءً على كل حالة على حدة مع الأخذ في الاعتبار درجة التضيق والتاريخ المرضي والحالة الصحية وتفضيلات المريض.
من المهم الإشارة إلى أنه لا تُوصى الجراحة للأشخاص الذين يعانون من تضيق طفيف (أقل من 50%) لأن المخاطر قد تفوق الفوائد، كما أن جراحة الشريان السباتي لا تكون مجدية في حالة الانسداد الكامل للشريان وباختصار تُحقق الجراحة أعلى فائدة في حالات التضيق الشديد (70–99%)، خاصةً لدى من عانوا سابقاً من أعراض دماغية أو لديهم عوامل خطر مرتفعة.
أنواع عمليات الشريان السباتي
تشمل جراحة الشريان السباتي إجرائين أساسيين يُستخدمان لعلاج التضيق واستعادة تدفق الدم إلى الدماغ وهما استئصال بطانة الشريان السباتي وتركيب دعامة الشريان السباتي، تهدف كلتا الطريقتين إلى تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية عن طريق إزالة اللويحات التي تُضيق مجرى الدم داخل الشريان.
استئصال باطنة الشريان السباتي
يُعد الخيار الجراحي الأكثر شيوعاً، حيث يقوم الجراح بإجراء شق في الرقبة للوصول إلى الشريان المتضيّق ثم يفتحه بعناية ويُزيل اللويحات المترسبة على جدرانه، بعد إزالة هذه التراكمات يُعاد إغلاق الشريان باستخدام غرز جراحية أو رقعة خاصة مصنوعة من وريد طبيعي أو مادة صناعية لتعزيز الجدار الداخلي للشريان وقد أثبت هذا الإجراء فعاليته في الوقاية من السكتات الدماغية خاصةً لدى المرضى المصابين بتضيق شديد في الشريان السباتي ومع ذلك، لا يخلو الإجراء من بعض المخاطر المحتملة مثل العدوى أو تكون الجلطات أو المضاعفات الناتجة عن التخدير.
تركيب دعامة الشريان السباتي
فهو إجراء أقل تدخلاً يُناسب المرضى غير المؤهلين للجراحة التقليدية بسبب ظروفهم الصحية أو بسبب صعوبة الوصول إلى مكان الانسداد وفي هذا الإجراء يُدخل الطبيب قسطرة رفيعة من خلال شريان في الفخذ أو الذراع ويوجهها إلى منطقة التضيق في الشريان السباتي وبعد ذلك، يُنفخ بالون صغير لتوسيع الشريان ثم تُثبت داخله دعامة معدنية (عبارة عن شبكة صغيرة مرنة) تبقيه مفتوحاً وتمنع إعادة انسداده. تختلف نقطة الدخول في هذا النوع من الإجراءات حسب الحالة فقد يكون عبر الفخذ أو الذراع أو حتى مباشرة من الرقبة فوق الترقوة.
يُحدد اختيار نوع الإجراء بناءً على تقييم شامل لحالة المريض يشمل درجة التضيق والحالة العامة الصحية والموقع الدقيق للانسداد ومدى تحمل المريض للجراحة. في النهاية، يهدف كل من استئصال باطنة الشريان السباتي وتركيب الدعامة إلى تحسين تدفق الدم الدماغي والوقاية من المضاعفات الخطيرة وعلى رأسها السكتة الدماغية.

مخاطر ومضاعفات جراحة الشريان السباتي
كما هو الحال مع أي إجراء جراحي تنطوي جراحة الشريان السباتي على مجموعة من المخاطر والمضاعفات المحتملة والتي يمكن أن تتفاوت في شدتها من بسيطة إلى خطيرة.
- السكتة الدماغية: وتعد أشيع وأخطر المضاعفات حيث قد تحدث أثناء الجراحة أو بعدها نتيجة جلطات دموية أو نزيف أو تلف في الأوعية الدموية.
- تلف الأعصاب: قد تتضرر الأعصاب القريبة من الشريان السباتي مما يسبب مشاكل مؤقتة أو دائمة في الكلام والبلع والإحساس.
- النوبة القلبية: يُمكن أن يؤدي ضغط الجراحة والتخدير إلى نوبة قلبية خاصة لدى مرضى القلب.
- جلطات الدم: قد تتكوّن داخل الشريان وتنتقل إلى الدماغ مسببة سكتة دماغية.
- نزيف الدماغ:قد يحدث نزيف داخلي يؤدي إلى مضاعفات عصبية خطيرة.
- عودة التضيق: يمكن أن يضيق الشريان مرة أخرى بعد فترة من الجراحة.
- العدوى: احتمال حدوث عدوى في موضع الجراحة.
كيف تستعد للجراحة؟
يُعد التحضير لجراحة الشريان السباتي خطوة أساسية لضمان سلامة الإجراء وتقليل فرص حدوث مضاعفات ومن الضروري البدء بإبلاغ الطبيب بجميع الأدوية التي يتم تعاطيها سواء كانت بوصفة طبية أو من دونها بما في ذلك الفيتامينات والمكملات الغذائية والعشبية حيث أن بعض الأدوية ولا سيما مميعات الدم مثل الأسبرين أو الوارفارين قد تحتاج إلى تعديل الجرعة أو إيقافها مؤقتاً قبل العملية.
كما يُطلب الإفصاح الكامل عن التاريخ الطبي بما في ذلك وجود أي حساسية أو أمراض مزمنة وذلك لتقييم الملائمة لجراحة الشريان السباتي وتحديد أفضل الطرق للتخدير والعناية أثناء العملية. قبل الجراحة، قد تُطلب سلسلة من الفحوصات تشمل تصوير الشرايين السباتية باستخدام الرنين المغناطيسي أو التصوير الطبقي إضافة إلى تحاليل دم وتخطيط للقلب وصورة شعاعية للصدر، وذلك لتقييم الحالة الصحية العامة بدقة.
ومن التوصيات المهمة أيضاً التوقف عن التدخين قبل الجراحة حيث يؤثر سلباً في تدفق الدم ويزيد من خطر المضاعفات وعادة ما تُعطى تعليمات محددة بشأن التوقف عن الأكل أو الشرب في الليلة التي تسبق الجراحة ويُطلب في صباح العملية الاستحمام بمطهر خاص وتجنب استخدام مستحضرات التجميل، أو مزيلات العرق، أو طلاء الأظافر كما يجب نزع جميع المجوهرات والعدسات اللاصقة وأي أغراض شخصية.
التعافي بعد الجراحة وما بعد العملية
يمر التعافي بعد جراحة الشريان السباتي سواء كانت باستئصال البطانة أو تركيب دعامة بعدة مراحل تبدأ داخل المستشفى وتمتد إلى المنزل خلال الأسابيع التالية. في العادة، يقضي المريض من يوم إلى ثلاثة أيام في المستشفى وغالباً ما يتضمن ذلك يوم واحد في وحدة العناية المركزة للمراقبة الدقيقة وخلال هذه الفترة يُنصح بالراحة وتجنب تحريك الرأس بشكل مفرط خاصة في الأيام الأولى بعد الجراحة وقد يصف الطبيب أدوية مضادة للتجلط مثل الأسبرين أو الكلوبيدوغريل لتقليل خطر حدوث جلطة.
من الطبيعي أن يشعر المريض ببعض الألم في الرقبة أو التهاب بالحلق كما قد تظهر كدمات أو تورم طفيف حول موضع الجراحة لكن هذه الأعراض غالباً ما تختفي خلال أسبوع أو أسبوعين. عند العودة إلى المنزل، يُنصح بالبدء في ممارسة الأنشطة الخفيفة تدريجياً مثل المشي أو القراءة مع تجنب رفع الأوزان أو ممارسة التمارين المجهدة لمدة أسبوع إلى أسبوعين على الأقل كما أنه لا يُسمح بالقيادة إلا بعد تقييم الطبيب والتأكد من أن الحالة الصحية تسمح بذلك.
خلال فترة التعافي، من المهم المواظبة على مواعيد المتابعة مع الطبيب لمراقبة تدفق الدم وتحسن الحالة والالتزام بتناول الأدوية حسب التوجيهات ويُنصح أيضاً باتباع نظام غذائي صحي والإكثار من شرب الماء والاعتناء بموضع الجرح.
تُعد جراحة الشريان السباتي إجراء فعال للوقاية من السكتات الدماغية لدى المرضى الذين يعانون من تضيق في الشرايين السباتية ومع التقدم الطبي وتطور التقنيات الجراحية، أصبحت النتائج أكثر أماناً ودقة ولكن يبقى التشخيص المبكر والتقييم الدقيق لكل حالة والالتزام بالرعاية ما بعد الجراحة عناصر حاسمة لنجاح العلاج وتحسين جودة حياة المرضى.
المصادر:
- MedlinePlus. (n.d.). Carotid artery surgery. U.S. National Library of Medicine.
- UpToDate. (2019). Carotid artery stenosis: Management. In StatPearls . StatPearls Publishing.