تُعَد جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل من أبرز التطورات في مجال جراحة القلب الحديثة، حيث ساعدت المرضى على الحصول على علاج فعّال مع تقليل الألم وفترة التعافي مقارنة بالعمليات التقليدية. هذا الإجراء أصبح شائعًا بشكل متزايد في تركيا بفضل توفر أحدث التقنيات الطبية والخبرة الجراحية المتقدمة.
لمحة عن مجازة الشريان التاجي
يضخ القلب الدم إلى جميع أنحاء الجسم ليزوّد الأعضاء بالأكسجين والمواد الضرورية، لكنه يحتاج بدوره إلى إمداد دائم من الدم ليبقى نابضًا. تقوم الشرايين التاجية بهذه المهمة الحيوية، فهي المسؤولة عن تغذية عضلة القلب مباشرة.
عند تضيّق أو انسداد هذه الشرايين بسبب تراكم اللويحات يتعرّض المريض لأعراض خطيرة مثل الذبحة الصدرية أو احتشاء العضلة القلبية، في هذه الحالات قد يبدأ العلاج بالأدوية الموسّعة للشرايين، أو عبر القسطرة التداخلية لفتح الأوعية الضيقة، ولكن في بعض المرضى يكون الحل الأمثل هو جراحة مجازة الشريان التاجي، حيث يستخدم الجراح وريداً أو شرياناً من جسم المريض لتجاوز المنطقة المسدودة وإعادة تدفق الدم بشكل طبيعي إلى القلب.
ما هي جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل؟
تعد جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل إجراء جراحي متطور يُستخدم لعلاج انسداد الشرايين التاجية دون الحاجة إلى فتح عظم القص كما في جراحة القلب المفتوح التقليدية. يقوم الجراح بعمل شقوق صغيرة في جدار الصدر ويستعين بأدوات دقيقة أو أنظمة روبوتية لتوصيل وعاء دموي (شريان أو وريد) مأخوذ من جسم المريض بهدف تجاوز المنطقة المسدودة وإعادة تدفق الدم إلى عضلة القلب.

مقارنة بين الجراحة التقليدية والجراحة طفيفة التوغل
يساعد التعرف على الفروقات بين جراحة القلب المفتوح التقليدية وجراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل على فهم أهمية هذا التطور الطبي. يوضح الجدول التالي أبرز أوجه الاختلاف:
العنصر | الجراحة التقليدية (القلب المفتوح) | جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل |
---|---|---|
حجم الشق الجراحي | شق طويل عبر عظم القص | شقوق صغيرة بين الأضلاع أو جانبية |
استخدام جهاز القلب والرئة | غالباً يُستخدم | غالباً لا يُستخدم |
الألم بعد العملية | أشد ومدته طويلة | أقل حدة وأقصر مدة |
مدة البقاء في المستشفى | 7–10 أيام | 3–5 أيام |
وقت العودة للنشاط الطبيعي | عدة أسابيع | أسرع بشكل ملحوظ |
الندوب الجراحية | كبيرة وواضحة | صغيرة وأقل وضوحًا |

التحضير قبل جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل
قبل الخضوع للجراحة يجب أن يمر المريض بعدة خطوات تحضيرية لضمان سلامة الإجراء وتقليل المخاطر، وتشمل:
- إجراء تحاليل دم شاملة للتأكد من وظائف الكبد والكلى ومستوى سكر الدم
- تخطيط كهربائي للقلب وصورة إيكو أو قسطرة تشخيصية لتحديد أماكن الانسدادات بدقة
- إيقاف بعض الأدوية مثل مميعات الدم أو مضادات التخثر قبل عدة أيام من العملية حسب تعليمات الطبيب
- الالتزام بتعليمات الصيام قبل التخدير العام
- تهيئة المريض نفسياً وشرح تفاصيل العملية لتقليل القلق وتعزيز التعاون بعد الجراحة
أنواع جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل
توجد عدة تقنيات لإجراء هذه العملية تختلف باختلاف الأدوات المستخدمة وخبرة الفريق الطبي، ويتم اختيار النوع الأنسب بحسب حالة المريض وعدد الشرايين المصابة.
مجازة الشريان التاجي المباشرة طفيفة التوغل (MIDCAB)
يُعتبر هذا النوع الأكثر شيوعاً بين جراحات المجازة طفيفة التوغل، حيث يقوم الجراح بعمل شق صغير يتراوح عادة بين 5–10 سم على الجانب الأيسر من الصدر للوصول إلى الشرايين التاجية، وخلال العملية لا يتم إيقاف القلب أو الاستعانة بجهاز القلب والرئة الصناعي، بل يُجرى الإجراء والقلب ما يزال ينبض مما يقلل من المضاعفات المحتملة.
يُعد هذا الخيار مناسباً بشكل خاص للمرضى الذين يعانون من انسداد في شريان واحد أو اثنين، وخاصة الشريان الأمامي النازل، ويمتاز بألم أقل بعد العملية وندبة صغيرة وفترة إقامة أقصر في المستشفى مقارنة بالجراحة التقليدية.
الجراحة بمساعدة الروبوت (Robot-assisted CABG)
في هذا النوع يستعين الجراح بنظام روبوتي متطور يتيح له التحكم بأذرع دقيقة أثناء جلوسه على وحدة تحكم بعيدة، بينما تُعرض صورة ثلاثية الأبعاد عالية الوضوح للقلب على الشاشة، تساعد هذه التقنية على إجراء العملية عبر شقوق صغيرة جداً لا تتجاوز بضعة سنتيمترات ما يوفر دقة عالية في تجاوز الانسدادات مع تقليل فقدان الدم وتقليل الندوب الجراحية.
تتميز هذه الطريقة بسرعة التعافي مقارنة بالجراحة التقليدية، وقد أصبحت متاحة بشكل متقدم في مراكز القلب في تركيا بفضل توفر أحدث أنظمة الروبوتات الطبية.
جراحة تنظير الصدر (Thoracoscopic CABG)
تتم هذه الجراحة من خلال إدخال منظار مزود بكاميرا فيديو عبر شق صغير في جدار الصدر، مما يتيح للجراح رؤية القلب مباشرة على الشاشة واستخدام أدوات دقيقة لإجراء عملية المجازة دون الحاجة إلى فتح عظم القص أو الاعتماد على أذرع روبوتية. تُعد هذه التقنية أقل شيوعاً من الجراحة الروبوتية أو MIDCAB، لكنها خيار مناسب لبعض المرضى الذين يحتاجون إلى تجاوز محدود للشرايين.
تمتاز بأنها تترك ندوباً أصغر وتسبب ألماً أقل بعد العملية، إلا أنها تتطلب خبرة خاصة في التعامل مع المنظار والأدوات الدقيقة لتحقيق نتائج آمنة وفعّالة.
من هم المرشحون لإجراء جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل؟
تُجرى هذه العملية لفئة محددة من المرضى، ويُفضل اختيارها في الحالات التالية:
- االمرضى الذين لديهم انسداد في شريان واحد أو اثنين فقط، وخاصة الشريان الأمامي الناز
- كبار السن أو المصابون بأمراض تجعل شق عظم القص في الجراحة التقليدية عالي الخطورة مثل السكري أو مرض الانسداد الرئوي المزمن
- من يتمتعون بحالة صحية عامة جيدة تسمح بتحمّل التخدير والجراحة
- المرضى الذين يرغبون في تقليل الألم والندوب وفترة التعافي من خلال الاعتماد على شقوق صغيرة بدلاً من فتح الصدر بالكامل
هذه الجراحة لا تناسب عادةً المرضى الذين يحتاجون إلى عدد كبير من الطعوم (أكثر من 2–3)، حيث يكون من الأفضل لهم اللجوء إلى الجراحة التقليدية التي تسمح بإجراء مجازات متعددة.
ما هي مزايا جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل؟
تتميز هذه الجراحة بعدة فوائد تجعلها خياراً مفضلاً مقارنة بالجراحة التقليدية، ومن أهمها:
- فترة إقامة أقصر في المستشفى غالباً لا تتجاوز 3–5 أيام
- تعافٍ أسرع وعودة مبكرة إلى ممارسة الأنشطة اليومية
- ألم أقل بعد العملية بفضل صِغر الشقوق الجراحية
- تقليل خطر حدوث عدوى أو التهابات في مكان الجراحة
- ندوب أصغر وأقل وضوحاً من شق الصدر الكامل
- فقدان دم أقل أثناء الجراحة مما يقلل الحاجة إلى نقل الدم
- معدلات مضاعفات أقل على الكلى أو الكبد مقارنة بالجراحة المفتوحة

ما هي مخاطر جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل؟
رغم أن هذه الجراحة أكثر أماناً من العملية التقليدية، إلا أنها لا تخلو من بعض المخاطر المحتملة، ومنها:
- حدوث نزيف أثناء أو بعد العملية
- عدوى في مكان الشق الجراحي
- اضطراب في نظم القلب (خفقان أو رجفان أذيني)
- تكوّن جلطات دموية قد تؤدي إلى انسداد وعائي أو سكتة دماغية
- مضاعفات مرتبطة بالتخدير مثل هبوط الضغط أو مشاكل تنفسية
- فشل كلوي مؤقت أو دائم في بعض الحالات النادرة
- احتمال الوفاة، وهو نادر لكنه يظل وارداً كما في أي عملية قلبية كبرى
التعافي بعد جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل
عادةً لا يتجاوز بقاء المريض في المستشفى 3–5 أيام بعد العملية، حيث تتم مراقبة القلب بشكل مستمر والتأكد من استقرار المؤشرات الحيوية قبل السماح بالخروج. خلال هذه الفترة يبدأ المريض باستعادة نشاطه تدريجياً ويخضع لتقييم يحدد متى يمكنه العودة لممارسة أنشطته اليومية، وفي بعض الحالات يُنصح بالالتحاق ببرنامج إعادة تأهيل قلبي يشمل التمارين المخصصة والتثقيف حول أسلوب الحياة الصحي لتقليل خطر انسداد الشرايين من جديد.
الحياة بعد جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل
بعد الخروج من المستشفى يبدأ المريض رحلة العودة إلى حياته الطبيعية تدريجياً، حيث يساعد اتباع نمط حياة صحي على الحفاظ على نتائج العملية لفترة طويلة، ويشمل ذلك الالتزام بتناول الأدوية الموصوفة بانتظام، والاعتماد على غذاء متوازن قليل الدهون وغني بالخضروات والفواكه، إضافة إلى ممارسة النشاط البدني الخفيف مثل المشي اليومي وزيادته تدريجياً.
يُنصح أيضاً بالابتعاد عن التدخين والكحول والسيطرة على عوامل الخطورة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم. المتابعة الدورية مع طبيب القلب تبقى ضرورية لضمان نجاح العملية والوقاية من أي مضاعفات مستقبلية، مما يمكّن المريض من الاستمتاع بحياة أكثر نشاطاً وصحة.
أخيراً، تُعَد جراحة مجازة الشريان التاجي طفيفة التوغل خياراً حديثاً يقلل من الألم وفترة التعافي مقارنة بالجراحة التقليدية، ورغم أنها لا تناسب جميع المرضى، إلا أنها أثبتت فعاليتها في الحالات المناسبة. يعتمد نجاح العملية على دقة التشخيص واختيار النهج الجراحي الأمثل لكل حالة.
المصادر:
- UCSF Health. (n.d.). Minimally invasive coronary artery bypass grafting.
- Penn Medicine. (n.d.). Coronary artery bypass graft (CABG).