تُعدّ أمراض الشرايين من المشكلات الصحية الخطيرة التي قد تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة، وتعد متلازمة ليريش إحدى أبرز هذه الحالات، وقد يُهمل تشخيصها في مراحلها الأولى بسبب تشابه أعراضها مع مشكلات أخرى في الجهاز العضلي أو العصبي. التعرف المبكر على هذه المتلازمة وفهم أسبابها وأعراضها وطرق علاجها أمر بالغ الأهمية لتجنب المضاعفات الخطيرة وتحسين فرص التعافي.
ما هي متلازمة ليريش
متلازمة ليريش هي حالة مرضية ناتجة عن انسداد في الجزء السفلي من الشريان الأبهر، وتحديداً بين منشأ الشرايين الكلوية وتفرّع الأبهر إلى شرايين الحوض. يؤدي هذا الانسداد إلى انخفاض تدفق الدم نحو الأطراف السفلية والمنطقة التناسلية، مما يسبب ظهور أعراض متنوعة مثل شحوب الجلد وبرودة الساقين، الألم والضعف أو حتى الشلل، وقد يعاني بعض المرضى من ضعف الانتصاب.
في الأوساط المهنية، تعرف متلازمة ليريش أيضاً باسم انسداد الأبهر تحت الكلى، وغالباً ما تتطور بشكل مزمن وتدريجي، وخلال هذه المراحل يتطور ما يسمى بالأوعية الجانبية التي تُشكّل مسارات بديلة جزئية لتوصيل الدم إلى المناطق المتأثرة، لكنها لا تكون كافية دائماً لتعويض النقص بشكل كامل.
الأسباب المحتملة لمتلازمة ليريش
تحدث متلازمة ليريش نتيجة لانخفاض تدفّق الدم عبر الشريان الأبهر بسبب انسداد في أحد أقسامه السفلية. يُعد الشريان الأبهر الشريان الرئيسي في الجسم، حيث ينطلق من القلب ويتفرّع منه عدد كبير من الشرايين التي تغذّي مختلف الأعضاء.
في معظم الحالات، يكون سبب هذا الانسداد هو تصلّب الشرايين، وهو مرض مزمن يتمثل في تراكم تدريجي للترسبات الدهنية داخل جدران الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تضييق المقطع العرضي لها وإعاقة مرور الدم. يُعزى تصلّب الشرايين إلى عدة عوامل معروفة، من أبرزها التدخين، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة المفرطة، وارتفاع مستويات الدهون في الدم، إضافة إلى قلّة النشاط البدني ووجود مرض السكّري من النوع الثاني. جميع هذه العوامل تساهم في تسريع عملية الانسداد داخل الأوعية، مما يرفع خطر الإصابة بهذه المتلازمة بشكلٍ كبير.
سبب آخر محتمل لمتلازمة ليريش هو انسداد الشريان الأبهر في المنطقة السفلية بسبب جلطة دموية (انسداد أو خثرة)، بالإضافة إلى ذلك فإن التهاب الأوعية الدموية يمكن أن يؤدي إلى متلازمة ليريش أيضاً ولكن في حالات نادرة.
أعراض متلازمة ليرش
تؤدي متلازمة ليريش إلى مجموعة من الأعراض التي تصيب الأطراف السفلية والمناطق المرتبطة بها، وقد تشمل ما يلي:
- ألم في الساقين، خصوصاً في الفخذين وقد يمتد إلى الأرداف والوركين
- شحوب وبرودة في الأرجل نتيجة ضعف التروية الدموية
- ضعف أو غياب النبض في الفخذين عند فحص الشريان الفخذي
- خدر أو ضعف في الساقين، وقد يتطوّر أحياناً إلى درجة من الشلل
- ألم في الساقين بعد المشي لمسافات قصيرة، يُجبر المريض على التوقف المتكرر لتخفيفه، ويُعرف هذا العرض طبياً باسم العرج المتقطّع
- بطء أو اضطراب في التئام الجروح في الساقين، نتيجة ضعف تدفّق الدم
- اضطرابات في وظائف المثانة أو الأمعاء في بعض الحالات المتقدّمة
- ضعف الانتصاب عند الرجال بسبب تراجع التروية الدموية في المنطقة التناسلية
تشخيص انسداد الأبهر في المنطقة السفلية في تركيا
يبدأ تشخيص متلازمة ليريش بإجراء مقابلة سريرية يجمع خلالها الطبيب معلومات تفصيلية عن الأعراض الحالية والسوابق المرضية، تليها معاينة جسدية دقيقة تُركّز على الأطراف السفلية لتقييم لون الجلد، وحرارته، وقوة النبض، إضافة إلى مؤشرات ضعف التروية الدموية.
بعد الفحص السريري، يُعتمد على تقنيات التصوير الطبي لتأكيد التشخيص وتحديد موقع الانسداد بدقة. يُعد تخطيط الصدى الدوبلري (Doppler ultrasonography) من الفحوص الأساسية، إذ يُستخدم لتقييم تدفّق الدم داخل الأوعية بشكل غير باضع، ويمكّن من الكشف المبكر عن الانسدادات.
كما يُستخدم تصوير الأوعية بالطرح الرقمي (DSA: Digital Subtraction Angiography)، وهو فحص دقيق يُظهر الجزء الداخلي من الشرايين ويساعد على تحديد موقع الانسداد بدقة.
ويُعد الرنين المغناطيسي الوعائي (MRA) خياراً متقدماً أيضاً، إذ يقدّم صوراً عالية الجودة للشرايين من دون الحاجة إلى مادة تباين يودية، لكن ما يُعيبه غالباً هو ارتفاع تكلفته مقارنة بالوسائل الأخرى.

التشخيص التفريقي
تتشابه أعراض متلازمة ليريش مع عدة حالات وعائية أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل تسلّخ الشرايين الحرقفية، والذي قد يسبّب العرج وغياب النبض الفخذي. يساعد تحديد طبيعة الألم (كالألم أثناء الراحة) والزمن الذي ظهرت فيه الأعراض، إلى جانب فحوص التصوير مثل الدوبلر وتصوير الشرايين، في التمييز بين هذه الحالات.
في المقابل، نقص تروية الأطراف الحرج لا يُعد شائعاً في متلازمة ليريش، نظراً لتطور الأوعية الجانبية بشكل تدريجي. تشمل علامات الإقفار الحاد: ألم مفاجئ، وتنمّل، وشحوب أو برودة الطرف، وضعف أو غياب النبض. وقد تكون الأسباب انسداداً بسبب خثرة أو صمة دموية أو تسلّخ في الأوعية المجاورة.
علاج متلازمة ليريش في تركيا
يعتمد علاج متلازمة ليريش بشكل رئيسي على التدخّل الجراحي لإزالة الانسداد الواقع في الشريان الأبهر. غالباً ما يُستخدم طُعم وعائي صناعي على شكل حرف Y (يعرف أيضاً بالمجازة الشريانية الفخذية أو الحرقفية)، حيث يُزرع بين الشريان الأبهر والشرايين الأربية لتأمين تدفّق دم كافٍ نحو الأطراف السفلية. تُصنع هذه الطعوم عادةً من مواد بلاستيكية مرنة، وتُثبّت جراحياً عبر شق بطني تحت التخدير العام.
في بعض الحالات النادرة التي يصعب فيها إجراء المجازة التقليدية بسبب تغيّرات شديدة في الأوعية، قد تُجرى مجازة إبطية فخذية ثنائية، حيث يتم ربط الشريان الواقع أسفل عظم الترقوة بالشرايين الأربية لتجاوز منطقة الانسداد، أما في حال كانت المتلازمة ناجمة عن جلطة دموية (خثرة)، فقد يتم اللجوء إلى استئصال باطنة الشريان، وهي عملية تُزال فيها الطبقة الداخلية المتضررة من الشريان، وإذا كان الانسداد ناتجاً عن صمة دموية انتقلت من مكان آخر، فيمكن إزالتها باستخدام قسطرة فوغارتي، وهي أداة خاصة تُستخدم لسحب الجلطة من داخل الشريان.
في بعض الحالات، يُمكن استخدام العلاج عبر القسطرة الوعائية دون جراحة، من خلال إجراء يُعرف باسم رأب الوعاء (PTA)، حيث يتم توسيع الجزء المتضيّق من الشريان باستخدام بالون، وقد تُستخدم دعامة معدنية تُثبّت داخل الوعاء للحفاظ على مروره مفتوحاً.
بالإضافة إلى الإجراءات الجراحية أو عبر القسطرة، يُوصى عادةً بإعطاء مضادات التخثّر كعلاج دوائي منتظم، بهدف تقليل خطر تشكّل الجلطات الدموية بعد التدخّل وتحسين نتائج العلاج على المدى الطويل.

المضاعفات المحتملة للعلاج
كما هو الحال في أي إجراء وعائي، قد تُرافق علاج متلازمة ليريش بعض المضاعفات، مثل:
- النزيف أثناء أو بعد العملية
- العدوى أو الالتهاب في موضع الجراحة أو حول الطُعم الوعائي
- تشكّل خثرات دموية جديدة في الطُعم أو في الأوعية المجاورة، مما قد يستدعي تدخلاً إضافياً
- متلازمة ما بعد الإقفار، وهي من المضاعفات الخطيرة التي قد تحدث بعد استعادة التروية، وتتمثل في احتباس السوائل (الوذمة) وانتقال مواد التهابية وسامة إلى الدورة الدموية من الأنسجة التي كانت محرومة من الدم
- في حالات نادرة، قد تتكوّن صمة دموية جديدة بعد العلاج وتنتقل إلى أحد الشرايين الطرفية، مسببة انسداداً مفاجئاً يستدعي تدخلاً طارئاً لإزالته
في الختام، تُعد متلازمة ليريش من أمراض الشرايين الخطيرة، لكن مع التقدّم في وسائل التشخيص والتقنيات الجراحية، أصبح بالإمكان تشخيص هذه الحالة بدقة وعلاجها بفعالية، سواء عبر الجراحة المفتوحة أو التدخلات الوعائية الأقل بضعاً. ويبقى الاكتشاف المبكر والعلاج المناسب، إلى جانب التحكم بعوامل الخطر، حجر الزاوية في تحسين النتائج وتقليل المضاعفات المحتملة على المدى الطويل.
المصادر:
- Vascular Institute of the Rockies. (n.d.). Leriche Syndrome.
- Kanbayashi, T., Tanaka, S., Matsukura, K., Sonoo, M., & Kobayashi, S. (2024). Acute Leriche syndrome mimicking spinal cord infarction: A case report. Case Reports in Neurology, 16(1), 148–153.