تُعد تركيا واحدة من أبرز الدول التي تشهد تطوراً ملحوظاً في مجال جراحات القلب، لا سيما جراحة القلب بالمنظار التي تمثل بديلاً فعالاً للجراحة التقليدية في العديد من الحالات. بفضل التقدم الطبي واعتماد تقنيات الحد الأدنى من التدخل الجراحي، أصبح بالإمكان إجراء عمليات معقّدة في القلب عبر شقوق صغيرة دون الحاجة إلى فتح عظم القص، مما يسهم في تقليل الألم، وتسريع التعافي، وتحسين نتائج العلاج.
لمحة عن جراحة القلب بالمنظار
جراحة القلب بالمنظار، أو ما يُعرف بجراحة القلب طفيفة التوغل (Minimally Invasive Heart Surgery)، هي تقنية متقدمة في مجال جراحة القلب والأوعية الدموية، تسمح بإجراء تدخلات جراحية دقيقة دون الحاجة إلى فتح عظم القص كما في الجراحة التقليدية. تعتمد هذه التقنية على إجراء شق جراحي صغير يُطلق عليه أحياناً “شق ثقب المفتاح” (Keyhole Incision) في الجانب الأيمن من الصدر، حيث يتم من خلاله إدخال منظار وأدوات جراحية دقيقة بين الأضلاع للوصول إلى القلب.
تُستخدم جراحة القلب بالمنظار لعلاج عدد من أمراض القلب، وتمتاز بأنها أقل إيلاماً وتسبب تشوهاً أقل لجدار الصدر، وتساعد على تسريع الشفاء والعودة إلى النشاط اليومي مقارنة بالجراحة المفتوحة.كما قد أظهرت دراسات عديدة أن نتائجها العلاجية لا تقل فعالية عن الجراحة التقليدية، بل قد تتفوق عليها في بعض الحالات من حيث تقليل المضاعفات وفترة التعافي.
فوائد جراحة القلب بالمنظار
تُوفّر جراحة القلب بالمنظار مجموعة من المزايا مقارنة بالجراحة التقليدية، من أبرزها:
- شقوق جراحية أصغر، مما يحدّ من الضرر الحاصل في جدار الصدر ويُقلل من التندّب
- أذية أقل للأنسجة والعضلات المحيطة بالقلب بفضل تجنّب فتح عظم القص
- انخفاض خطر الإصابة بالعدوى نتيجة صِغر الشق الجراحي
- فقدان أقل للدم أثناء الجراحة
- فترة إقامة أقصر في المستشفى، غالباً ما يغادر المرضى خلال أيام قليلة
- شفاء أسرع والعودة إلى النشاطات اليومية خلال وقت أقصر
- نتائج تجميلية أفضل نظراً لصِغر حجم الشقوق الجراحية
ورغم هذه المزايا، إلا أن هذه التقنية لا تُناسب جميع المرضى. إذ يُحدّد الطبيب الجراح الطريقة الأنسب لكل حالة بناءً على عوامل متعددة مثل العمر، والحالة الصحية العامة، والسوابق المرضية، ونتائج الفحوص السابقة.

مقارنة بين جراحة القلب بالمنظار والجراحة التقليدية
العنصر | جراحة القلب بالمنظار | جراحة القلب المفتوح |
---|---|---|
حجم الشق الجراحي | صغير (من 5 إلى 7 سم تقريباً) | كبير (شق في عظم القص) |
مدة الإقامة في المستشفى | 3–5 أيام | 7–10 أيام |
مدة الشفاء الكاملة | 2–4 أسابيع | 6–12 أسبوعاً |
احتمال العدوى والنزيف | أقل | أعلى |
الألم بعد الجراحة | أقل | أكثر |
الندبات الجراحية | طفيفة وغير بارزة | ندبة كبيرة في منتصف الصدر |
دواعي إجراء جراحة القلب بالمنظار
تُستخدم جراحة القلب بالمنظار في علاج مجموعة واسعة من أمراض القلب، وتُعد بديلاً فعالاً في بعض الحالات التي لا تتطلّب فتحاً كاملاً لعظم القص. من أبرز هذه الحالات التي يمكن التعامل معها بهذه التقنية:
- مجازة الشريان التاجي (Coronary Artery Bypass Grafting – CABG)
- إصلاح أو استبدال الصمام التاجي (الميترالي)
- إصلاح أو استبدال الصمام الأبهري (الأورطي)
- استبدال صمام القلب ثلاثي الشرف
- علاج العيوب الخلقية في القلب، مثل:
- علاج الخلل في الجدار بين الأذينين ASD
- إغلاق الثقبة البيضية السالكة PFO
- إصلاح العيب في الحاجز بين البطينين VSD
- زراعة الجهاز المساعد للبطينين
- جراحة المتاهة MAZE Procedure لعلاج الرجفان أو الرفرفة الأذينية
- علاج أورام القلب
- إجراء عمليات خاصة لأمراض القلب الخلقية المعقدة
مخاطر جراحة القلب بالمنظار
رغم أن جراحة القلب بالمنظار تُعتبر تقنية أقل توغلاً وتحمل مخاطر أقل مقارنة بالجراحة المفتوحة، إلا أنه قد يرافقها بعض المضاعفات المحتملة التي يستوجب مراقبتها، ومنها:
- النزف: إمكانية حدوث نزيف أثناء أو بعد العملية.
- الإنتان (العدوى): احتمال الإصابة بالعدوى في موقع الجرح أو داخل الصدر.
- عدم انتظام ضربات القلب (اللانظميات): قد تظهر اضطرابات في نظم القلب بعد الجراحة.
- السكتة الدماغية: احتمال نادر لحدوث انسداد أو جلطات تؤثر على الدماغ.
- مضاعفات أخرى نادرة: مثل تضرر الأعضاء المجاورة أو مشاكل في الشفاء.
في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر تحويل الجراحة إلى جراحة قلب مفتوح إذا اعتُبر استمرار العملية طفيفة التوغل غير آمن أو إذا ظهرت مضاعفات أثناء الإجراء.
طرق إجراء جراحة القلب طفيفة التوغل
هناك ثلاث طرق أو تقنيات لإجراء جراحة القلب باستخدام الحد الأدنى من التدخل الجراحي:
جراحة القلب بمنظار الصدر Thoracoscopic heart surgery
تتم هذه التقنية من خلال شق صغير بطول 5-7.5 سم في الجانب الأيمن من الصدر، يدخل من خلاله المنظار والأدوات الجراحية المتخصصة بين الأضلاع، بدلاً من الشق الكبير في عظم القص المستخدم في الجراحة المفتوحة. كما يُجرى شق صغير إضافي في منطقة المغبن لتوصيل المريض بجهاز المجازة القلبية الرئوية الذي يقوم بوظائف القلب والرئتين أثناء توقف القلب لإجراء الجراحة. يجدر الذكر أنه في بعض الحالات، يمكن إجراء مجازة الشريان التاجي بدون استخدام المضخة، مما يسمح بإجراء العملية والقلب يعمل.

جراحة القلب بالروبوت Robot-Assisted Cardiac Surgery
تعتمد هذه التقنية على استخدام أذرع روبوتية دقيقة تُدخل عبر عدة ثقوب صغيرة بين الأضلاع. توفر هذه الأذرع حركات دقيقة جداً، مع منظار ثلاثي الأبعاد عالي الدقة يسمح للجراح برؤية أوضح وأوسع لقلب المريض، يستطيع الطبيب التحكم بالأذرع الروبوتيية عن بعد وإجراء العملية الجراحية عبر وحدة التحكم وهو ينظر إلى الشاشة.

العلاج باستخدام القسطرة Catheter-Based Treatment
أصبح من الممكن الآن علاج بعض أمراض القلب بالقسطرة، وهي تقنية حديثة لا تتطلب منظار أو كاميرا ولا تتطلب إجراء شق في صدر المريض كما لا تتطلب جهاز المجازة القلبية الرئوية، تتم بإدخال أنبوب القسطرة إلى أحد الأوعية الكبيرة (عادة الشريان الفخذي في المغبن) عبر جرح صغير، ودفع الأنبوب خلال الوعاء حتى الوصول إلى القلب. تتم مراقبة تقدم أنبوب القسطرة داخل الوعاء بواسطة أشعة سينية خاصة ووسائل تصوير أخرى، ثم يتم إدخال الأجهزة المستخدمة في العلاج عبر القسطرة مباشرة إلى القلب، وتستخدم هذه الطريقة لإجراء:
- توسيع الصمام بالبالون لعلاج تضيق الصمام التاجي
- خرزات على الصمام التاجي لعلاج قصور الصمام
- استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة (TAVR)
- إصلاح العيوب القلبية مثل إغلاق فتحات القلب
- وضع دعامات لتوسيع الشرايين التاجية

الشفاء بعد جراحة القلب بالمنظار
يتميز التعافي بعد جراحة القلب بالمنظار بأنه أسرع وأقل ألماً مقارنة بالجراحة المفتوحة، نظراً لعدم الحاجة إلى شق عظم القص أو فتح الصدر بالكامل. غالباً ما يغادر المرضى المستشفى خلال 3 إلى 5 أيام بعد العملية، وقد يتمكن البعض من العودة إلى أنشطتهم اليومية خلال أسبوعين إلى أربعة أسابيع، حسب نوع الجراحة وحالة المريض العامة.
خلال فترة الشفاء، يُوصى بـ:
- اتباع تعليمات الطبيب بدقة، خصوصاً ما يتعلق بالعناية بالجرح وتناول الأدوية.
- تجنب الأنشطة البدنية المجهدة ورفع الأحمال الثقيلة حتى يسمح الطبيب بذلك.
- الالتزام ببرنامج إعادة التأهيل القلبي إذا تم وصفه، لتعزيز اللياقة القلبية والتعافي الوظيفي
- مراقبة العلامات الحيوية والانتباه لأي أعراض غير معتادة مثل الحمى، أو ألم متزايد، أو تورم في موضع الشق
في الختام، تُعد جراحة القلب بالمنظار خياراً متقدماً لعلاج العديد من أمراض القلب، إذ تجمع بين الكفاءة العلاجية والحد الأدنى من التدخل الجراحي. بفضل التقنيات الحديثة، بات من الممكن تقليل مضاعفات الجراحة وتحسين تجربة المريض بعد العملية، مع الحفاظ على نتائج فعالة تضاهي الجراحة التقليدية. مع ذلك، تبقى ملاءمة هذا النوع من العمليات رهناً بالتقييم الدقيق لحالة المريض من قبل فريق جراحة القلب المختص، لاختيار الأسلوب الأنسب الذي يضمن أفضل النتائج العلاجية.
المصادر:
- Penn Medicine. (n.d.). Minimally invasive heart surgery. Penn Medicine.
- Stanford Health Care. (n.d.). Minimally invasive heart surgery. Stanford Health Care.